https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

 

 كتب محمد خير الوادي :

اعلن نتن ياهو ان حكومته تقول ” لا ” لأمريكا  التي تطالب  بوقف  اصلاحاته القضائية . وفي الوقت نفسه ، صرح الرئيس الفرنسي ماكرون ، ان على اوربا ان لا تكون تابعة لأمريكا ، والا تنغمس في مشكلات  من صنع آخرين ( يقصد الموقف الامريكي ازاء  تايوان) . وكانت صاخبة جدا كلمة “لا ” التي اطلقها ولي العهد السعودي في وجه الضغوط الامريكية  لزيادة ضخ النفط السعودي .

هذه اللاءات  الثلاث ،لم تأت من بكين او موسكو – الخصمين التقليديين لواشنطن – وانما صدرت  من جانب ثلاثة حلفاء ” استراتيجيين ” مفترضين لأمريكا . وهو أمر مثير حقا ً.

وفي هذا المجال ، ينهض السؤالان التاليان :

هل يعني انضمام حلفاء امريكا القدامى الى معسكر الرافضين للقيادة العالمية الامريكية ، ان عصرالهيمنة الامريكية قد بدأ بالغروب فعلا ؟  وهل  يفهم من ذلك ان الطريق باتت معبدة امام الصين لشغل مكان ومكانة  امريكا ؟

فيما يخص السؤال الاول اقول :

فلندع جانبا مشاعرنا المرحبة  بانتقال عدوى العداء لامريكا الى داخل معسكر حلفائها، ولنحكٌم عقولنا  كي لا نقع في شباك المبالغة  والمزايدة ،التي  قد تقودنا الى استخلاص نتائج وحسابات مغلوطة ، تجسد رغباتنا  فقط ، وتقودنا الى بناء جبال من الاوهام  .

في البداية دعوني اقول  ، ان هذه اللاءات الثلاثة  المثيرة  التي رفعت مؤخرا في وجه امريكا ، لم تأت من جهات تكنٌ  عداءاً ايديولوجيا او تاريخيا لأمريكا  – كما هي الحال بين كل من  الصين وروسيا  مع امريكا – ، وانما جاءت لأسباب  ونزوات  فردية  مختلفة  ،لا تدخل ضمن خانة  العداء الاستراتيجي  المستحكم لواشنطن  .

فتعطش  نتن ياهو  للسلطة  ،وحماية نفسه من الملاحقات القضائية ،دفعاه للتحالف مع الداعشيين  المتشددين اليهود ،وهو امر خلق تصدعات عميقة في  المجتمع الاسرائيلي، وضعت وجود هذا الكيان كله على المحك  . وقد تحركت واشنطن  بسرعة لانقاذ اسرائيل من ورطتها هذه ،وضغطت   على رئيس الحكومة الاسرائيلية لتجميد ” اصلاحاته ” القضائية . وهو امر لم يعجب نتن ياهو بالتأكيد.

وطموح ماكرون الذي يهدف الى ان تلعب فرنسا النووية   دورا اكبر في  اوربا ، حفزه على  طرح مقولة  عدم التبعية لواشنطن . وما يلفت الانتباه ، ان الرئيس الفرنسي قد  اطلق تصريحه حول عدم التبعية لأمريكا اثتاء زيارت لبكين ، وهو امر ، فُسر على انه محاولة فرنسية لاسترضاء بكين بهدف الحصول على عقود اضافية للشركات الفرنسية   . فضلا عن ذلك ، فقد اراد ماكرون التغطية على الازمات الداخلية التي تهز فرنسا ، والتعويض عن تآكل النفوذ الفرنسي العالمي – لا سيما في افريقيا .

اما “اللاء” السعودية ،فسببها  غضب ولي العهد  شخصيا من بايدن  ، وهو امر تمخض عن  الغاء السعودية لمعادلة “النفط مقابل الأمن” والتي تحكمت بالعلاقات الثنائية مع واشنطن طيلة عقود كثيرة ،واستبدالها بمقولة ” السعودية اولا”. يضاف الى ذلك حرص ولي العهد السعودي على استغلال الازمة الاوكرانية ، لتوفير اكبر قدر ممكن من الموارد لتمويل المشروعات الطموحة التي طرحتها الحكومة السعودية . وتفيد  بعض المعلومات ، ان السعودية حصلت  نتيجة ذلك عام 2022 وحده ،على اكثر من مائتي مليار دولار اضافية  !

باختصار ، فان اللاءات التي ظهرت مؤخرا في معسكر حلفاء امريكا ،هي مواقف ظرفية وقد تكون مؤقتة ، تزول عندما تنتفي اسباب ظهورها . والدليل على ذلك ، ان حجم التعاون الهائل لهذه الاطراف الثلاثة  مع امريكا لم يتأثر بتلك التصريحات . ولذلك تصنف امريكا هذه الخلافات على انها  عادية تظهر بين الاصدقاء !  قد   يكون في هذا الامر بعض الصحة فيما يتعلق باسرائيل .فمن المستحيل على تل ابيب – على سبيل المثال – ان تخاصم امريكا وتضحي بمصادر قوتها وامنها .وكذلك الامر بالنسبة لفرنسا ، التي يناور رئيسها اليوم من اجل بعض المكاسب الاقتصادية من الصين . وبالمناسبة ، فان تصريح ماكرون هذا ، لقي استحسانا فوريا من جانب بكين، التي تبذل جهودا مستمرة لزرع الشقاق بين امريكا واوربا .

اما بالنسبة للسعودية ، فان استمرار خصومة ولي عهدها مع واشنطن اليوم مرهون بعاملين : اولهما امكانية خروج بايدن من البيت الابيض وقدوم رئيس جمهوري ، وآنذاك  ينتهي السبب الرئيسي  ” للزعل السعودي ” ، وثانيهما متعلق بمصير ومسار المواجهة المحتدمة الآن في أوكرانيا .، حيث وجدت الرياض فيها فرصة لاثراء نفسها ، وحافزا للتقارب مع روسيا .

وفيما يتعلقى بالجواب على  السؤال الثاني المتعلق بالدور القيادي العالمي للصين ، فان  هناك عقبات جدية امام بكين لتبوأ المركز الاول في العالم ،(تحدثنا عنها بالتفصيل في كتابنا الذي صدر بالانكليزية مؤخرا عن درا نشر بنغوين العالمية  ) منها باختصار: ان الغرب كله لايحبذ نمط الحكم القائم في الصين اليوم  ولن يقبل بنمط النظام الصيني ، وان الغرب لا يزال حتى الان هو الوجهة التجارية الاولى للبضائع الصينية  والتي تدر القطع الاجنبي ،واخيرا وجود  عقبات داخلية تخلق تحديات جدية امام انصراف بكين لممارسة دور  قيادة العالم ،منها تلبية متطلبات مليار ونصف من السكان ، وفقر الموارد الداخلية وطبيعة الثقافة الكونفوشية .

ومع ذلك كله ، فان اللاءات التي انطلقت من عواصم تعتبر تقليديا حليفة لأمريكا ، تشير  الى عمق الازمة التي يعانيها اليوم  النفوذ الامريكي في العالم . ، لكن  التعويل على حدوث تصدعات استراتيجية في علاقات تلك العواصم مع واشنطن ، يبقى امرا مشكوكا فيه  – على الاقل في ظل المعطيات الحالية .

11/4/2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × 5 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube