https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كتب محمد خير الوادي :

بعد هزيمة المانيا في الحرب العالمية الثانية ، اتخذ المنتصرون الغربيون قرارا في مؤتمر بوتسدام عام1945 ، بحل الجيش الالماني واغلاق الصناعات العسكرية الالمانية . كما صادر الامريكيون وثائق واختراعات وتصاميم الاسلحة الالمانية المتقدمة – آنذاك – بقيمة عشرة مليارات دولار .
كان الهدف من هذه الاجراءات تجريد المانيا من قواتها المسلحة ، وعدم تمكينها من الاعتداء على جيرانها . تماما كما حدث مع العسكرية اليابانية .لكن ، ومع مرور الزمن ، وتراخي القبضة الامريكية وتغير اولويات السياسة الامريكية في المانيا ، بدأت الصناعات العسكرية الالمانية بالنهوض التدريجي . وفي مطلع الالفية الثالثة بدأت المانيا في تصدير غواصات ودبابات ومدفعية واسلحة خفيفة الى دول كثيرة في اوربا والشرق الاوسط وجنوب شرقي آسيا . وكانت اسرئيل في المقدمة ، حيث استوردت خمس غواصات المانية . و يبلغ عدد دبابات ليوبارد االتي صدرتها المانيا لدول الاتحاد الاوربي وحدها نحو 1500 دبابة . كما كشفت الازمة الاوكرانية عن اسلحة جديدة قدمتها المانيا الى كيف مثل، المضادات الجوية المتنقلة ، وقاذفات صواريخ ومدرعات وناقلات جند . وباتت المانيا رابع اكبر مصدر للاسلحة في العالم .
هذا كله حدث ،رغم سياسة التقشف التي فرضتها المستشارة السابقة ميركل على النفقات العسكرية ، والتي ادت الى تقليص عدد القوات الالمانية من عشرين فرقة الى خمس ،كما خفضت ميركل النفقات العسكرية بنسبة 75% بالمائة . لكن هذا الوضع بدأ يتغير مع وصول تحالف يقوده المستشار شولتس الى الحكم في المانيا . فقد اقر البوندستاغ ( البرلمان )الالماني في حزيران العام الماضي – وعلى وقع لهيب المعارك المحتدمة في اوكرانيا – خطة غير مسبوقة لتحديث الجيش الالماني،ورصد مبلغ مائة مليار يورو لهذا الغرض . كما تم رفع ميزانية الجيش لتصل الى اثنين بالمائة من الميزانية العامة للدولة .
هذه الاجراءات لاقت ترحيبا شديدا من جانب الولايات المتحدة الامريكية ذات السطوة الكبيرة في المانيا. ولم يأت هذا الترحيب الامريكي مصادفة . فالجيش الالماني سيشتري بثلاثين مليار يورو مقاتلات ف25 الامريكية ، وسيقتني مزيدا من انظمة باتريوت الامريكية المضادة للصواريخ ، اضافة الى اسلحة امريكية اخرى . وقد سوغ البيت الابيض ترحيبه هذا بضرورة ان تكون المانيا قادرة على مواجهة ما أسماه بالتهديدات الروسية .
وبالمقابل ، فان امريكا قد عرقلت معظم الخطط الرامية الى خلق صناعات عسكرية مشتركة بين المانيا وفرنسا ، كما عارضت واشنطن توجهات الرئيس الفرنسي ماكرون لاقامة نظام دفاعي اوربي والاستغناء عن المظلة الامنية الامريكية .
ماذا يعني النهوض العسكري الالماني ؟
انه يعني ، ان المانيا التي تتزعم اوربا الآن من حيث القدرات الاقتصادية ، ستصبح خلال السنوات القليلة القادمة اقوى قوة عسكرية هناك. و يعني كذلك ، ان امريكا التي تملك الان نحو اربعين الف جندي يرابطون في خمس قواعد في المانيا ، ستكون المستفيد رقم واحد من الانبعاث العسكري الالماني . فالاموال الالمانية ستتدفق على امريكا لان الجيش الالماني سيشتري مزيدا من الاسلحة الامريكية ، كما ستخفف واشنطن من الاعباء المالية التي تتحملها في اوربا ، وستشرك المانيا في هذه الاعباء . اضافة لذلك ، فان واشنطن ستضمن هيمنتها العسكرية الكاملة في اوربا لعقود قادمة ، وسيتحصن النفوذ الامريكي هناك امام خطر الدعوات المتزايدة والرامية الى خلق وجود قدرات عسكرية اوربية مستقلة .ويعني ثالثا واخيرا ، ان اوربا باكملها مقبلة على عسكرة مماثلة لالمانيا ـ وان هذا التطور سيفضي الى غروب التوجه السلمي للسياسة الاوربية وبروز نزعات عدوانية ، تذكرنا بتلك التي سادت القارة في القرنين التاسع عشر والعشرين.
باختصار ، فانني اعتقد ، ان النهوض العسكري الالماني ، الذي يحدث الان باشراف امريكي ، يمكن ان يقلب كل الموازين الامنية في تلك المنطقة ، ويخلق واقعا جديدا في اوربا والعالم ، واقعا ستحدد ملامحه وتائر النمو العسكري الالماني ، وقدرة واشنطن على التحكم بمسارات هذا النهوض .
24/1/2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

10 + 3 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube