استقبلت مسقط نتنياهو في أكتوبر الماضي.. وقلنا لنحسن الظن، مع أن الرسائلتقرأ في العادة من عناوينها، وقلنا أيضا ربما كان الغرض من دعوته وزوجتهواستقبال السلطان قابوس المعروف بقلة الظهور في المناسبات العامة واستقبالالضيوف، لهما في قصره، هو لغرض دعم القضية الفلسطينية، وكذلك التأكيد علىموقف عُمان الرافض لسياساته في الأراضي المحتلة، من تواصل الاستيطان فيالضفة الغربية وتهويد مدينة القدس وحصار قطاع غزة، والمجازر التي ترتكب بحقأهل الضفة أيضا. واستقبلت مسقط بعدها بفترة وجيزة وزيرا إسرائيليا، وقلنا ايضا إن الغرض كمافي اللقاء السابق ربما للتأكيد على ما قاله السلطان قابوس لنتنياهو، الذيربما لم يستوعب جيدا الموقف العماني، أو متابعة للقضايا التي نوقشت فياكتوبر. وألحقته مسقط بالمشاركة، كما تسع دول عربية اخرى في مؤتمر وارسو في منتصففبراير، الذي دعا إليه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، تحضيرا لإعلانما يسمى «صفقة القرن»، ودعما لنتنياهو في الانتخابات. وأطلق على ذاكالمؤتمر في حينه مؤتمر نتنياهو بامتياز، بعدما تأكد أنه لم يكن أكثر منمناسبة لالتقاط الصور الجامعة له مع وزراء الخارجية العرب الحاضرين، منبينهم وزير الخارجية اليمني الذي وجد نفسه محشورا بين بومبيو ونتنياهو،للتأكيد على ادعاءات نتنياهو بأن اسرائيل يمكن أن تحقق السلام مع الدولالعربية بمعزل عن القضية الفلسطينية، وانها قطعت شوطا طويلا في علاقاتهاالعربية. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل واصلت مسقط سياساتها التي بدأت تفقدعامل حسن النية فيها، بلقاء منفرد لوزير خارجيتها يوسف بن عبد الله بنعلوي، مع نتنياهو، على هامش قمة وارسو، الذي فضحه فريق رئيس الوزراءالإسرائيلي، وسرّب صوره وهو يتسلل كالحرامية من مرآب الفندق الذي كان ينزلفيه نتنياهو، متخفيا بقبعة وبذلة وربطة عنق. المؤامرة كبيرة وخطيرة جدا على القضية الفلسطينية والمشاركة العربيةفيها أكبر وأعمق مما كنا نتوقعورغم ذلك قلنا إن عمان ربما تكون مصرة على إقناع نتنياهو بالقبول بالمبادرةالعربية، لكن بما أن المسائل تؤخذ بنتائجها، فجاءت النتائج بعد نحو شهرين،بإعلان نتنياهو عن إمكانية ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، للسيادةالإسرائيلية. ولكن ما لم نكن نتوقعه، أن ينصب يوسف بن علوي نفسه مديراللعلاقات العامة لدولة الاحتلال، ووكيلا لرئيس وزرائها نتنياهو، الذي يفترضأن يشكل الحكومة الخامسة، بعد فوز أحزاب اليمين بالأغلبية البسيطة فيالكنيست في الانتخابات العامة قبل بضعة ايام، وأن يبرر سياسات نتنياهوويطالب العرب بان «يتفهموا مخاوف الإسرائيليين الدفينة منهم»، وكأن الأنظمةالعربية تشكل خطرا على دولة الاحتلال، أو أنها شكلت في يوم من الأيام أيتهديد حقيقي لهم. جاء هذا الموقف لابن علوي خلال مشاركته في أعمال المنتدى الاقتصاديالعالمي، الذي عقد في منتجع السويمة على البحر الميت في الاردن يوم السبتالماضي. إذ قال إن على العرب أن يقوموا بمبادرة تجاه إسرائيل، لتبديدمخاوفها في المنطقة، عبر اتفاقات وإجراءات، ولكنه لم يتطرق إلى إسرائيلكدولة معتدية ومحتلة وعنصرية وفاشية كما لم يذكّر بمخاوف وطموحاتالفلسطينيين وحقوقهم. وقال الوزير العماني في ندوة عقدت على هامش المنتدىتحت عنوان «النظرة الجيوسياسية» بمشاركة وزيري خارجية الأردن وهولندا ووزيرالدفاع اللبناني، إن «الغرب قدّم لإسرائيل الدعم السياسي والاقتصاديوالعسكري، وأصبح بيدها كل وسائل القوة». وأضاف أن «إسرائيل رغم ما قلناه عنقوة تمتلكها فهي ليست مطمئنة إلى مستقبلها كدولة غير عربية في محيط عربيمن 400 مليون إنسان. هي غير مطمئنة إلى استمرار وجودها في هذه المنطقة». وأوضح «أعتقد أن علينا نحن كعرب أن نكون قادرين على البحث في هذه المسألة،وأن نسعى إلى تبديد هذه المخاوف لدى اسرائيل بإجراءات واتفاقات حقيقيةبيننا نحن الأمة العربية، وبين إسرائيل وبين من يدعمون إسرائيل». وقاطعتالمذيعة التي تدير جلسة الحوار الوزير قائلة «هل تقول إن أفضل نهاية للصراعالإسرائيلي ـ الفلسطيني هو الاعتراف باسرائيل وحقها في الوجود، عبر إبعادكل المخاوف الأمنية؟». فأجابها الوزير «لا ليس الاعتراف، لكننا نريدهم أنيشعروا بأنه لا توجد تهديدات لمستقبلهم نحن علينا، وعلى الفلسطينيين، أنيساعدوا الإسرائيليين على الخروج من هذا الخوف الذي يهددهم». كيف باللهعليكم يمكن قراءة ما توصلت اليه عبقرية بن علوي إلا في سياق الترويج لصفقةالقرن؟ منذ متى كانت الأنظمة العربية تشكل تهديدا أمنيا لإسرائيل ووجودهافي المنطقة؟ أليس العكس هو الصحيح؟ أليس وجود الشعب الفلسطيني بمناطقهالأربع (1948 والضفة الغربية والقدس وقطاع غزة) هو المهدد؟ ألا يرى الوزيرالعماني «الهُمام» في قانون القومية اليهودية خطرا على فلسطينيي الداخل؟أليست سياسات الاحتلال الاستيطانية ومصادرة الأراضي وإرهاب الفلسطينيين فيالضفة الغربية لإكراههم على الرحيل عن أراضيهم وتركها لقطعان المستوطنين،هي التي تشكل الخطر والتهديد الحقيقيين لمستقبل الفلسطينيين وإقامة دولتهمالمستقلة؟ ألا يرى بن علوي أيضا أن سياسات التهويد في القدس، من هدمللمنازل وترحيل للأهالي وسحب بطاقات الهوية، والترويع والقتل وسرقة المبانيوالعقارات، تشكل خطرا على القدس المحتلة ومقدساتها ممثلة بالمسجد الأقصىوقبة الصخرة وكنيسة القيامة وغيرها. ألا يعتقد الوزير العماني أن محاولات الاحتلال فرض التقسيم الزمانيوالمكاني على الحرم القدسي الشريف، الذي يضم بين جنباته أولى القبلتينوثالث الحرمين الشريفين، كما فعل في الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل،يشكل خطرا عليه وقد يكون خطوة نحو تحقيق حلم المتطرفين اليهود بإقامةهيكلهم المزعوم مكانه. ألا يعتبر بن علوي سياسات إسرائيل الرامية لسحبالبساط من تحت رجل السلطة الفلسطينية، محاولة لتفريغ هذه السلطة من محتواهاواختزالها لمجرد سلطة خدمات، خطرا على الهوية الوطنية الفلسطينية؟ ألا يرىالوزير العماني في الحصار الإسرائيلي الظالم والعدواني وغير الإنساني،والحروب الثلاث التي شنتها دولة الاحتلال على القطاع، والمجازر التيارتكبتها والدمار الذي ألحقته بالقطاع، هو التهديد الحقيقي ليسللفلسطينيين، بل لمجمل المنطقة. وهل يتوقع بن علوي وفق منطقه ومفهومهالأعوج ،أن تقوم الضحية بتبديد مخاوف المجرم وتطيب خاطره وطمأنته علىمستقبله وديمومة احتلاله؟نتمنى على بن علوي لو أنه يستطيع أن يوقف اندفاعه هذا نحو إسرائيل والتطبيعمعها وتفهم وتبني مخاوفها، ولو قليلا ليعطي بعضا من وقته لتفهم، ولن نقوليدافع عن مخاوف الفلسطينيين ومطالبهم وحقوقهم، ونذكر بن علوي بأن إسرائيللا تزال دولة الاحتلال لشعب تواق للحرية، ولن يتخلى عن حقوقه، وأن الأنظمةالعربية والاسلامية مدت يدها لـ»السلام» معها وأبدت استعدادها للاعترافبها، وتبادل التمثيل الدبلوماسي معها، في مبادرة السلام العربية التيأقرتها قمة بيروت في مارس 2002. فماذا كان الرد الإسرائيلي؟ إذا كان بن عليلا يتذكر فإننا نذكره برفض إسرائيل لها، ومحاولة استبدالها بسلام اقتصاديوتطبيقها بالمقلوب من الياء إلى الألف، بدون اي ضمانات لتسوية القضيةالفلسطينية. وأخيرا فان اللوم كله لا يقع على عُمان وغيرها من الدول العربية المعروفةولاءاتها، بل علينا نحن الفلسطينيين ممثلين بمنظمة التحرير الفلسطينية،فبعد الرفض المطلق لصفقة القرن، وهو موقف صحيح مئة في المئة، وشجاع وسطالمذلة العربية، لم نبلور خطة بديلة للمواجهة بعد الرفض، ولم تتخذ الخطواتاللازمة للعودة إلى حاضنتها الشعبية من اجل تعزيز الجبهة الداخلية القادرةالوحيدة على إسقاط هذه الصفقة، عبر العمل على تعزيز صمود هذا الشعب علىأرضه أمام الاعتداءات المتواصلة لقطعان المستوطنين وجيش الاحتلال، إذ لاينفع فقط الحديث عن المقاومة الشعبية، بدون وضع خريطة طريق لهذه المقاومة،والأهداف المرجوة منها، كما لا ينفع فقط أيضا مناشدة شعبنا بالصمود ومواجهةالمستوطنين، بدون أن تكون هناك مقومات للصمود عبر سياسات واضحة ومشجعةوتشكيل لجان شعبية حقيقية قادرة على مواجهة هذه الهجمة الاستيطانية بكلالوسائل المتاحة، ورد الصاع صاعين، فالمخرز لا يواجه بالكف، بل بمخرز مثله. واختتم بالقول إن المؤامرة كبيرة وخطيرة جدا والمشاركة العربية فيها أكبروأعمق مما كنا نتوقع، ولا بد أن يكون استعدادنا بالمستوى المطلوب فالرفضلوحده لم يعد كافيا ولا بد من حشد الصفوف ومسارعة الخطى قبل أن يقع «الفأسبالرأس» وحتى لا نندم حيث لا ينفع الندم.
القدس العربي