شهدت العلاقات الصينية – الهندية توتراً واضحاً في عام 2020 على خلفية قيام الصين بتوغل عسكري داخل الحدود الهندية، ما أدى إلى اشتباكات ومناوشات أثارت القلق من احتمال اندلاع نزاع مسلح على الحدود الممتدة بين البلدين على طول 3500 كلم، وزعزعة الاستقرار الإقليمي في منطقة يقطنها أكثر من ثلث سكان العالم تقريباً.
التوتر بين الجارتين الصين والهند ليس جديداً؛ بل يعد سمة عامة للعلاقات الثنائية؛ فقد دخل البلدان في العديد من الأزمات، وكانت هناك سلسلة من الحوادث الحدودية العنيفة بعد انتفاضة التبت عام 1959، عندما منحت الهند حق اللجوء لزعيم التبت الدالاي لاما؛ وبقي التوتر سيد الموقف حتى اندلعت حرب بين البلدين عام 1962 بسبب الحدود المتنازع عليها في جبال الهيمالايا؛ وقد انتهت بانتصار الصين؛ حيث لم تتلقَّ الهند مساعدات من حلفائها بسبب تزامن الهجوم الصيني مع أزمة الصواريخ الكوبية. وبعد الحرب، اندلع عدد من الاشتباكات الصغيرة بين الجانبين، ولكن لم يحدث قتال واسع النطاق.
كما شهدت العلاقة بين البلدين العديد من الأزمات الأخرى من بينها ما وقع صيف 2017 في هضبة دوكلام؛ حيث تدخلت قوات هندية لمنع فريق بناء عسكري صيني من توسيع طريق إلى داخل منطقة متنازع عليها في بهوتان، وقد استمرت تلك الأزمة 73 يوماً، وكانت الأطول وربما الأشد خطورة، وخاصة بعد تهديد الصين للهند بسحب القوات الهندية أو طردها بالقوة؛ وتوصل البلدان في النهاية الى اتفاق ساهم في إنهاء الأزمة.
وبرغم التحسن الذي شهدته العلاقات بين البلدين، وخاصة في ظل التقارب التجاري وحتى التعاون في المجال العسكري، فقد بقي التوتر سمة عامة بسبب تباين المواقف وحالة الاستقطاب التي تفرضها طبيعة النزاعات القائمة، وخاصة النزاع بين الهند وباكستان حول كشمير والنزاعات الحدودية الأخرى في المنطقة.
إذاً تنتاب العلاقات بين البلدين منذ أكثر من نصف قرن موجات متقطعة من التوتر؛ سببه بشكل عام النزاعات الحدودية ولا يمكن استبعاد التنافس الإقليمي على الهيمنة والنفوذ والموارد أيضاً.
ولا يخرج التوتر الجديد عن هذا الإطار، ولكن السياق مختلف هذه المرة إلى حد كبير، فهو يأتي بينما تشهد العلاقات بين الصين وأمريكا توتراً متزايداً في أكثر من ملف؛ في حين تشهد العلاقات بين واشنطن ونيودلهي تحسناً كبيراً، وخاصة في ظل التقارب الشخصي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، حيث يتشاركان في الكثير من الرؤى والأفكار؛ ويحاولان استغلال هذه العلاقة في خلافاتهما مع الصين؛ سواء التجارية بالنسبة لأمريكا، أو الحدودية فيما يتعلق بالهند.
كما أن هناك بعداً استراتيجياً مهماً للتوتر، يتعلق بالصراع على النفوذ الإقليمي الممتد إلى البحار شرقاً؛ حيث تعمل الصين من خلال توغلها في الحدود مع الهند، على استعراض قوتها العسكرية، ليس فقط أمام منافستها الإقليمية، وإنما كذلك أمام منافستها الكبرى على الساحة الدولية، وهي الولايات المتحدة، ودول أخرى في منطقة شرق آسيا، كاليابان وتايوان وكوريا الجنوبية، ترفض ادعاءات بكين المتعلقة بأحقيتها في السيطرة الكاملة على بحر الصين الجنوبي.
كما أن التوتر الجديد له صلة بقضايا خلافية أخرى، من بينها مسائل اقتصادية، حيث أصدرت الهند الشهر الماضي قراراً يلزم أي استثمارات قادمة من دول تشترك الهند معها في الحدود، بالسعي أولاً للحصول على موافقة الحكومة؛ ويهدف هذا القرار، وفقاً للمراقبين، إلى الحيلولة دون أي استحواذ على شركات هندية للصين استثمارات فيها؛ ولذلك فقد أثار القرار حفيظة الصين ووجهت انتقادات علنية له؛ لأنه يؤثر في شركاتها واستثماراتها.
وبالطبع لا يمكننا أيضاً تجاهل نقطة أخرى مهمة؛ وهي الموقف من منظمة الصحة العالمية، التي اتخذ منها ترامب موقفاً عدائياً وقرر قطع علاقات بلاده معها، بسبب محاباتها للصين، سواء فيما يتعلق بتفشي فيروس كورونا أو مكانة تايوان فيها. وتبرز الهند هنا كعامل مهم، حيث من المقرر أن يتولى هندي منصب رئيس عملية صنع القرار التنفيذي داخل المنظمة؛ ويتعين في هذه الحالة على نيودلهي اتخاذ موقف حاسم إزاء المطالب الأمريكية بإعادة تايوان كمراقب داخل المنظمة، وهو المطلب الذي تعارضه الصين بشدة لأنه يتعارض مع سياسة «صين واحدة» التي تنتهجها الصين، وبالطبع لا ترفضها أمريكا بشكل كلي؛ ولكن تستغلها في تنافسها مع بكين بشكل مثير.
هذا التوتر الاخير على الحدود بين الصين والهند، والذي أدى إلى مصرع 20 عسكرياً هندياً، وجّه الأنظار إلى تاريخ الصراع الحدودي القائم منذ 7 عقود بين العملاقين الآسيويين.
المواجهة المسلحة التي شهدتها المنطقة الحدودية بين البلدين، منتصف يونيو/حزيران الجاري، هي الأولى والأعنف بين البلدين منذ عام 1975.
وكانت بكين ونيودلهي قد وقعتا عام 1993 اتفاقية تنص على نزع السلاح عن الدوريات المسيّرة على الحدود بين البلدين.
أمس الثلاثاء وعلى خلفية المواجهة المسلحة الأخيرة بين الطرفين، قال الناطق باسم الخارجية الصينية، جاو ليجيان، إن الجنود الهنود انتهكوا بشكل خطير التوافق بين البلدين من خلال عبور الحدود بصورة غير مشروعة مرتين وتنفيذ هجمات استفزازية على الجنود الصينيين.
بدوره، قال الناطق باسم الخارجية الهندية، أنوراغ سريفاستافا، إن بلاده مؤمنة بالحوار كسبيل للحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة الحدودية، ولحل الخلافات القائمة مع الصين في هذا الخصوص.
** 1947 – 1962
قامت الصين بشق طريق بطول 1200 كيلو متر، يصل بين غرب التبت ومنطقة سنجان ذاتية الحكم، ويمرّ 179 كيلو متر منه عبر منطقة “أكساي” الصينية التي تطالب الهند بها.
وفي عام 1960، انطلقت مباحثات بين مسؤولي البلدين لحل خلافات الحدود، وذلك بناء على اتفاق توصّل إليه رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو ونظيره الصيني تشو إن لاي.
وعقب وصول مباحثات البلدين في هذا المجال إلى طريق مسدود، اندلعت بينهما حرب عام 1962 أودت بحياة 3 آلاف جندي هندي، و700 من نظرائهم الصينيين.
** 11 سبتمبر/أيلول 1967 – اشتباكات “ناثو لا” و”تشو لا”
اندلعت اشتباكات بين البلدين، إثر شنّ الجيش الصيني هجوماً على نقطة عسكرية هندية في منطقة “ناثو لا” الواقعة جنوبي ولاية “سيكيم” الهندية.
** أكتوبر/ تشرين الأول 1975
لقي 4 جنود هنود حتفهم نتيجة الاشتباكات التي وقعت بين عسكريي البلدين في منطقة “تولوغ لا” الكائنة في ولاية “أروناتشال براديش” الحدودية. لاحقاً تم الإعلان عن أن سقوط الضحايا نجم عن حادث بسبب مركبتي دورية ضلّتا الطريق بسبب الضباب.
** أبريل/ نيسان 2013
قالت الهند إن قوات صينية أنشأت معسكرا على بعد 10 كيلومترات من حدودها الشرقية، غير أن بكين نفت ذلك. وانتشر جنود من البلدين على الحدود لمدة شهر كامل، قبل أن ينسحبوا جميعاً، مطلع مايو/أيار.
** سبتمبر/أيلول 2014
بدأت الهند بشق قناة في قرية بمنطقة لدخ الحدودية الواقعة بجامو وكشمير الجزء الخاضع للهند، ما أثار احتجاج بكين. وعلى أثر ذلك أرسلت الصين قوات لها إلى المنطقة. وتراجع التوتر بعد 3 أسابيع مع سحب البلدين قواتهما من المنطقة.
** سبتمبر/أيلول 2015
تواجهت القوات الصينية والهندية بمنطقة بورتسه شمال لدخ بعد تفكيك القوات الهندية برج مراقبة بنته الصين بالقرب من خط الدوريات العسكرية المتفق عليه بين البلدين.
** يونيو/حزيران 2017
وقع خلاف عسكري بين البلدين في منطقة “دوكلام” بولاية “سيكيم” الهندية”، وذلك إثر إحضار الصين آلات ثقيلة لبناء طريق في المنطقة المتنازع عليها. ما دفع الهند إلى جر قوّاتها إلى المنطقة يوم 18 يونيو، أي قبل يومين من بدء الصين بأعمال شق الطريق.
أغسطس/ آب 2017
أسفرت الأحداث التي وقعت بين الطرفين في منطقة بحيرة “بانغوغ” على ارتفاع 4350 متراً عن سطح البحر، عن إصابة العديد من الجنود الصينيين والهنود. وذكرت الصحافة الهندية إصابة 72 جندياً هندياً.
** 5 مايو/أيار 2020
شهدت منطقة “لدخ” الحدودية بين الصين والهند، مناوشات بين حرس حدود البلدين، وذلك بسبب اعتراض الجيش الصيني على قيام القوات الهندية بدورية في المنطقة. وأظهرت مشاهد قيام جنود البلدين بلطم بعضهم البعض والتراشق بالحجارة.
** 10 مايو/أيار 2020
أدت المواجهات بين الجنود الصينيين والهنود في وادي “موغوثانغ” بولاية “سيكيم” الهندية، والتي انخرط فيها 150 عسكرياً من الجانبين، إلى إصابة 7 عسكريين صينيين و4 هنود.
** 21 مايو/أيار 2020
دخلت الوحدات العسكرية الصينية، إلى وادي غالوان بمنطقة لدخ، لمنع الهند من بناء طريق هناك.
** 24 مايو/أيار 2020
أقام جنود صينيون خيماً في مناطق “هوت سبرينغ” و”باترولينغ 14″ و”باترولينغ 15″، حيث تراوح عدد الجنود الصينيين ما بين 800 إلى 1000 جندي في كل منطقة على حدة، رافقه إحضار بكين آلات ثقيلة ومعدات مراقبة إلى المنطقة.
** 15 يونيو/حزيران 2020
لقي 20 عسكرياً هندياً، بينهم ضابط، حتفهم في مواجهات مع نظرائهم الصينيين في وادي “غالوان” بمنطقة لدخ. وذكرت الصحافة الهندية سقوط 43 جنديا صينيا بين قتيل وجريح في المواجهات ذاتها.
** الاتفاقيات الحدودية بين الصين والهند
أبرمت الصين والهند حتى اليوم 5 اتفاقيات ثنائية لحل الخلاف الحدودي القائم بينهما وهي:
1993: اتفاقية حفظ السلام والاستقرار على طول خط السيطرة الفعلي في المناطق الحدودية بين الصين والهند
1996: اتفاقية تدابير تعزيز الثقة في المناطق العسكرية الممتدة على طول خط السيطرة الفعلي في المناطق الحدودية بين الصين والهند
2005: بروتوكول سبل تنفيذ تدابير تعزيز الثقة في المناطق العسكرية الممتدة على طول خط السيطرة الفعلي في المناطق الحدودية بين الصين والهند
2012: اتفاقية تأسيس آلية العمل الخاصة بالتنسيق والتشاور في العلاقات الحدودية بين الصين والهند.
2013: اتفاقية التعاون الدفاعي الحدودي بين الصين والهند.