https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png
أظهرت نتائج فرز الأصوات في انتخابات ميانمار أن حزب «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية» المعارض فاز بشكل كاسح في مجلس الشيوخ، وكذلك في مجلس النواب، وهو ما يخوّله تقديم مرشحين للرئاسة عن هذين المجلسين ويضمن فوز مرشحه للرئاسة عبر تصويت برلماني واختيار أحد نوابه. يأتي هذا الفوز الكبير للمعارضة بعد أن حكم الجنرالات البلاد لنصف قرن، وأجهضوا عام 1990 فوزا انتخابيا مشابها للمعارضة، فيما وضعوا زعيمتها، أونغ سان سو تشي، قيد الإقامة الجبرية لما يقارب 15 عاماً بعد أيام من انتقادها علانية الجنرال ني وين الذي حكم ميانمار من 1962 حتى 1988. يسجل قبول جنرالات ميانمار مبدأ الانتخابات بحد ذاته تقدّما تاريخياً كبيراً، فبذلك تنضمّ ميانمار إلى النسبة الكبرى من بلدان العالم التي ارتضت الآليات الديمقراطية بديلاً عن الانقلابات العسكرية التي يعرفها العرب جيدا والتي لا تقبل التغيير حتى لو أدّى ذلك لفناء شعوبها ودمار بلادها وهلاك الحرث والنسل والعباد. لا يعني ذلك أن العسكر لن يحاولوا كل ما في وسعهم لتأخير التغيير، وسيعملون على عرقلة استلام المعارضة للسلطة من خلال منع زعيمتها من رئاسة البلاد بعد أن صاغوا قراراً دستوريا «مفصّلا» على قياسها يحظر عليها الترشح للرئاسة، وكذلك من خلال تحكّمهم بمفاصل القرار العسكري والأمني في البلاد. غير أن أسوأ ألعاب الجنرالات وأشدّها خطراً هي الفتنة العميقة التي أججوها بتأليب الأغلبية البوذية في البلاد على أقلية الروهينجا المسلمة، وكان منع مئات الآلاف منهم من التصويت آخر أشكال هذه الفتنة والاضطهاد المبرمج المقصود منه تشتيت النضال الديمقراطي العامّ وتحويله إلى حرب دينية، وهو ما استهوى الكثيرين من كهنة الكراهية والعنف والإجرام باسم القومية والدين، وكان أمراً مؤسفاً ولا يمكن تبريره أن زعيمة المعارضة اختارت موقعاً حيادياً من استهداف الأقلية المسلمة. توازت هذه الحرب القومية ـ الدينية ضد الروهينجا مع نضال المعارضة الديمقراطية للتخلص من الدكتاتورية العسكرية فصنعت صورتين ملتبستين لميانمار، الأولى هي صورة الإجرام العنصري الذي يستعدي مئات ملايين المسلمين في العالم ويرمي بمواطنيه المختلفين عن أغلبيته السكانية في الدين إلى الموت والتجويع والإذلال المبرمج، والثانية هي صورة الأمة الراغبة في امتلاك زمام أمرها ودخول العصر بعد طول فوات تاريخي. إن تجاهل زعيمة المعارضة الميانمارية للاضطهاد المنهجي للمسلمين في بلادها يشكّل خرقاً كبيراً لمصداقية نضالها الطويل، فالنضال ضد الدكتاتورية لا يمكن أن يغض الطرف عن جريمة إنسانية بهذا الحجم الهائل، والمرور الحذر بجانب هذه القضية الداخلية ذات الأثر الخارجي الفظيع يجعلنا نتساءل عن منطق هذه المعارضة وتكامله مع معاني حقوق الإنسان العالمية، فبدون هذا التكامل تغدو اللعبة الديمقراطية صراعاً على السلطة أكثر منه آلية لتغيير حياة الشعوب نحو الأفضل. ويبقى أخيراً السؤال الممضّ الذي لا تنفكّ تطرحه الشعوب العربية على نفسها وهو: لماذا لا تزال أبواب التغيير الديمقراطي مغلقة أمامهم فيما تساقطت الدكتاتوريات في أمريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا؟ القدس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × 1 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube