https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

غطى الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين حول شركة “هواوي” العملاقة لصناعة تكنولوجيا الاتصالات والمعدات السلكية واللاسلكية؛ مساحات كبيرة من تغطيات وسائل الإعلام، وزاد ذلك بشكل خاص بعد إعلان الشركة تطوير الجيل الخامس من الشبكة اللاسلكية (5G).
وقد سارعت الولايات المتحدة الأمريكية للتحذير الشديد من وجود أبواب خلفية في أنظمتها يمكن من خلالها التسلل لخرق أمنها السيبراني والقيام بعمليات تجسس ضدها لصالح الغريم الصيني.

يتحقق الوثائقي الفرنسي “مَنْ يخاف مِن هواوي؟” من تلك المخاوف عبر توثيق شامل لمراحل تطور الشركة وكشف صلاتها بالحكومة الصينية، والتعرف على دورها في الصراع الجاري بين العملاقين للسيطرة على واحدة من أهم وسائل الهيمنة السياسية والاقتصادية في المستقبل.
هندسة هواوي المعمارية.. دلائل الانفتاح على العالم
يجمع المخرج الفرنسي “رومان بيسنين” في فيلمه الوثائقي بين المقابلات الشخصية لعدد من الخبراء في حقل التجسس الإلكتروني والإعلاميين المختصين في الشأن الصيني، وبين المعاينة الحية للمكان فيذهب أول الأمر إلى مقر الشركة في مدينة شينزين الصينية الواقعة ضمن مقاطعة “غواندونغ” الجنوبية، ثم يقابل بعض العاملين فيها.

يبدو التأثير المعماري الغربي واضحا على تصميم البناء الفاخر، فكل قسم فيه يحاكي معلما حضاريا موجودا في مدينة غربية ما، ويفهم من كلامهم أن المراد من ذلك التصميم هو الإيحاء بانفتاح “هواوي” والصين على العالم، وإيمان مؤسسها بالتعاون الكوني وبحقيقة تحول الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة.

خُصصت أكثر نسبة من المساحة الكبيرة التي شُيد مبنى الشركة عليها لأقسام الأبحاث والتطوير، وهي تحاط عادة بسرية عالية اتضحت من خلال منع مسؤوليها دخول فريق العمل السينمائي إلى وحدة التطوير الخاصة التي بفضلها تمكنت الشركة من المنافسة في أسواق صناعة الاتصالات وإنتاج التكنولوجيا المتطورة، حتى غدت واحدة من أهم شركات الصناعة خلال فترة قصيرة.
قوة منافسة هواوي للمنتج الأمريكي آبل يُجيب على لغز الحرب التجارية بين أمريكا والصين
يعترف الموظفون بالتأثير السلبي الذي أحدثه الحظر الأمريكي لبيع منتجاتها داخل الولايات المتحدة وأغلب بقية الدول الغربية، وانصب دفاعهم على تكذيب الادعاءات بوجود أغراض تجسسية لديها، وأنها شركة مستقلة بالكامل، ولا صلة لها بالحكومة الصينية.

تفوق هواوي على آبل.. سر الحرب التجارية

من خلال معرفة حجم إنتاج هواوي ودخولها كمنافس قوي مع الشركات الأمريكية يمكن فهم أسباب الغضب الأمريكي منها، ولهذا الغرض قام الوثائقي بمراجعة للأرقام، وقد توصل إلى أن قرابة 3 مليارات إنسان يستخدمون منتجات الشركة في العالم، وأنها منتشرة في 170 بلدا.
شركة هواوي تطور الجيل الخامس من شبكة الاتصالات اللاسلكية لتدلل على قدرة الصين على المنافسة
كما أن مبيعاتها من الهواتف الذكية والمحمولة أكثر من مبيعات “آبل”، فقد باعت منها خلال الربع الأول من العام المنصرم 59 مليون هاتف، بينما لم تزد مبيعات “آبل” على 36 مليون، والشركة الوحيدة التي تفوقها بيعا للهواتف هي شركة “سامسونغ”.

ولعل قوة منافسة هواوي للمنتج الأمريكي هو ما يجيب على اللغز الدائر حول “لماذا صارت علامتها التجارية مرادفا للحرب التجارية الجارية اليوم بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين”.

تطوير الجيل الخامس من الهواتف.. تحقيق حلم العظمة

يُشير الوثائقي من خلال مقابلاته مع مختصين في حقل الاتصالات والتكنولوجيا المتطورة إلى أن ميزة هواوي الأبرز لا تكمن في سعة إنتاجها للهواتف الذكية فحسب، بل في تطورها الكبير في حقل “التليكوم” أي شبكات الاتصالات العملاقة.

وقد قدمت الشركة بتطويرها للجيل الخامس من شبكة الاتصالات اللاسلكية مثالا على قدرة الصين على الحضور والتنافس في حقل تأخرت فيه لسنوات، لكنها سرعان ما نهضت وأخذت موقعا عالميا مهما فيه بعد إدراكها لأهميته وإمكانية استغلاله كوسيلة تقنية تحقق من خلالها حلمها في أخذ موقعها بين الدول العظمى، إن لم تصبح أعظمها على الإطلاق.

مزايا الجيل الخامس.. تطور الصين المفاجئ للغرب

يراجع صناع الوثائقي خبيرا في تكنولوجيا الاتصالات ليفهموا منه أهمية الجيل الخامس من الشبكات مقارنة بالأجيال التي سبقتها، ولماذا تركز الولايات المتحدة هجومها عليه بالتحديد؟

يظهر من مراجعة التفاصيل التاريخية والتقنية أن الولايات المتحدة التي هيمنت على إنتاج شبكات الأجيال السابقة (2-3-4) هيمنة مطلقة؛ لم يكن في حسابها توفر الصين على تكنولوجيا جديدة تفوق ما لديها، فقد فاجأ الغرب تقديم “هواوي” الجيل الخامس لكثرة ما فيه من

ويؤكد الخبير على أهمية ما توصلت إليه الشركة في الجيل الخامس، وبشكل خاص في مجال تطوير تقنية الهواتف الذكية، وعدم اكتفائها بذلك، إذ طفقت تعمل على إضافة خدمات أخرى ستسهم في تغيير عالمنا بالكامل.

يستعرض الفيلم ما يمكن أن توفره من خدمات كبيرة في حقول الصحة والتعليم والنقل والإنترنت وغير ذلك، فقد سبقت هواوي الغرب بسنتين في هذا الحقل الخطير على الأقل، وكان على دولها العمل على إيقافها بأي شكل من الأشكال، وذلك ما يؤكده أكثر الخبراء والصحفيين الذين شاركوا في الوثائقي.

من يملك التكنولوجيا يملك العالم.. مخاوف السيطرة الكونية

سيصبح مُشغِل الشبكة عمليا المالك للمعلومات التي تمر عبرها وتستقر داخل حواسيبها، وفي هذه الحالة سيكون باستطاعته الاطلاع على تفاصيلها واستثمارها لصالحه، وهنا تكمن أهمية وخطورة السيطرة على شبكات الاتصال العالمية، إذ يتفق الخبراء على أن السيطرة المطلقة تعني في الجوهر سيطرة جيوسياسية مستقبلية تمهد لهيمنة سياسية واقتصادية، وهذا ما يوفره لها الجيل الخامس.
صورة لمقرّ وبناية شركة هواوي الصينية في مدينة شنجن في الصين

أثار الخوف من استثمار الصين لمزايا ما تقدمه التقنية المتطورة لأغراض سياسية هلعا بين الدول الغربية، وبشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية التي تدرك جيدا أن شبكة هواوي الكونية يمكن أن تصبح بمثابة حصان طروادة للصينيين، فتساعدهم على التجسس عليها والحصول على المعلومات الحساسة من مصدر مركزي واحد.

ولا شك أن الغرب بأكمله محق في تلك المخاوف، فالمعطيات تقول: إذا ما توفرت لدى طرف ما شبكة مركزية، فسيتمكن بسهولة من نقل أرقام هواتف الأشخاص وعناوينهم والمعلومات الشخصية الحساسة، وسيتمكن من أخذ كل المعلومات الخاصة بطرف ونقلها إلى الطرف الآخر، وهذا ما يخاف منه الغرب، ولا يريد للصين تحقيقه.

هدية الصين الغدارة.. أفريقيا في يد المخابرات

يعود الوثائقي إلى تسجيلات مصورة يظهر فيها الرئيس “ترامب” غاضبا وملوحا بمقاطعة شركة هواوي، ورابطا في حديثه بين مخاطر وجودها على أرض البلد وبين الحرص على سلامة أمنه وحماية مصالح مواطنيه من الخطر الخارجي.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدعو إلى مقاطعة شركة هواوي الصينية لخطورة وجودها على أرض بلده
يقدم الخبراء مثالا واقعيا على تلك الإمكانية من خلال هدية الحكومة الصينية لمكتب دول الوحدة الأفريقية المركزي، وكانت عبارة عن حزمة من الأجهزة الإلكترونية لاستخدامات موظفيها اليومية، وبعد خمس سنوات كشف عن عمليات نقل لأجزاء كبيرة من المعلومات الخاصة بالوحدة إلى المخابرات الصينية، وحتى أن المحادثات الشخصية كانت تصلها يوميا عبر “الشبكة المركزية” التي ربطت الحواسيب والهواتف عبرها.

مهندس الجيش الصيني.. تعهدات الثعلب للشاة

دفعت الأضرار التي لحقت بالشركة جراء مقاطعتها غربيا وإدراج الرئيس الأمريكي “ترامب” لها ضمن القائمة السوداء؛ مؤسسها “رن تشنغفاي” لتقديم ضمانات لها والتعهد بكتابة تعهدات تكفل الحفاظ على سرية المعلومات، لكن تلك التوسلات لم تجد استجابة لدى الأمريكيين الذين لا يفصلون بينه وبين الحكومة الصينية، وكلهم ثقة بأنه في النهاية سيخضع لها وسيُنفذ أوامرها طائعا.
وتعزز سيرة المؤسس قناعة الغرب هذه، فهو كان مهندسا في صفوف جيش التحرير الشعبي الصيني، وما تأسيس شركته إلا نتاج سياسة انفتاح رأسمالي جربها الحزب الشيوعي خلال ثمانينيات القرن المنصرم على بعض مناطق البلد وكانت مدينته شينزين القريبة من هونغ كونغ واحدة من تلك الأمكنة المجربة.

جاء التوجه نحو اقتصاد السوق تدريجيا، فبعد نجاح التجربة في المدينة التي شهدت ازدهارا جراء تجارتها مع جيرانها تشجع أهلها على إقامة مشاريع خاصة بهم، وقد كان من بين تلك المشاريع مشروع شركة هواوي.

شركات في ظل الأنظمة.. اختلافات الديمقراطية والاستبداد

يتابع الوثائقي المراحل التاريخية لتطور الشركة وكيف ظلت تحت أنظار الحزب الشيوعي الذي بارك خطواتها، وهو الأمر الذي زاد من شكوك الغرب وعدم ثقته بها، ويطرح الوثائقي سؤالا على الخبراء مفاده: ألا تعمل بقية الدول كما تعمل الصين؟
جاء الجواب بالإيجاب، فالكثير من الشركات العملاقة الغربية شديدة القرب من حكوماتها لكنهم يؤكدون على فرق جوهري يتمثل في توفر إمكانية الاعتراض والرفض لديها، وأن الخلافات بينها وبين الحكومة إذا ما حدثت يمكن أن يحسمها القضاء.

أما في الصين فلا توجد مثل هذه الإمكانية وقرارات الحزب ملزمة للجميع، ولا تأخذ الخلافات أيا كان شكلها طريقها إلى المحاكم، بل تكون محسومة مسبقا بقرارات عليا.

عدوى التجسس.. سياسة التجسس الصناعي في الغرب

يعزز دعاة تحجيم دور “هواوي” موقفهم بتجارب التجسس الصناعي الصيني في الغرب، ويؤكدون عبر نماذج تطبيقية قيام أغلب الشركات الصينية الحديثة باستنساخ نماذج من صناعات أو اختراعات غربية، دون امتلاك حقوق ملكيتها القانونية أو التجارية.
كما يذهبون أبعد من ذلك حين يقدمون سياسة الحكومة الصينية وقوانينها الملزمة لكل شركة أجنبية تعمل على أراضيها بمقاسمتها المعلومات الخاصة والسرية بأجهزتها والبضائع التي تصنعها كدليل على سياسة الابتزاز التجاري، ويضيفون حجم إنتاجها من كاميرات المراقبة كدليل على مساهمتها في تعزيز الرقابة المركزية وانتهاك الحريات الشخصية في الصين، والخوف من نقل عدوى تلك التكنولوجيا إلى الغرب وبقية العالم.

ايؤشر مسار الوثائقي وتشعباته على تسييس الخلاف مع هواوي، ويقدم عينات من تسجيلات فيديو لزعماء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري واتفاقهم جميعا على نفس السياسة المتبعة إزاء الشركة وموافقتهم أيضا على قرارات الرئيس “ترامب” ضدها.
ابنة مؤسس شركة هواوي “منغ وانزو” التي اعتُقلت في كندا وتدخلت الحكومة الصينية لإخراجها
نرى في الجانب الآخر دفاعا رسميا وتدخلا قويا للحكومة الصينية عندما اعتقلت ابنة رئيس الشركة “منغ وانزو” في كندا وتعامل الصينيين مع الشركة وكأنها جزء تابع لها وليست قطاعا خاصا، مما يُثبت شدة الارتباط بين هواوي والدولة الصينية.

كما يكشف هذا الأمر في الوقت نفسه عن توجه الصين للحصول على موقع قدم ثابت في حقل خطير سيحسم نتائج الحرب التجارية الجارية، ويحدد حجم نفوذ كل دولة من الدولتين المتصارعتين في المستقبل القريب. اعداد : قيس قاسم
امريكا وحظر هواوي

قالت رويترز أن إدارة الرئيس جو بايدن تدرس حظر دخول جميع منتجات هواوي إلى الولايات المتحدة، بسبب مخاوف من حصول الشركة على معلومات حساسة عبر أبراج الاتصالات الأميركية التي تحمل معدات للشركة.

وأضافت أن ذلك جاء بعد تحقيق أميركي في عمل أبراج تابعة لشركة “هواوي” الصينية قرب قواعد عسكرية ومنصات صواريخ داخل أميركا.

وتشعر السلطات الأميركية بالقلق من أن هواوي قد تحصل على بيانات حساسة عن التدريبات العسكرية وحالة الجاهزية، وفقا لأحد المصادر الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأن التحقيق سري وينطوي على معلومات عن الأمن القومي.

وتم فتح التحقيق الذي لم يتم الإبلاغ عنه سابقا بعد فترة وجيزة من تولي جو بايدن منصبه في أوائل العام الماضي.

وقالت وزارة التجارة الأميركية إنها لا تستطيع تأكيد أو نفي التحقيقات الجارية، مؤكدة أن حماية الأشخاص وأمنهم ضد المعلومات الخبيثة أمر حيوي لحماية اقتصادنا والأمن القومي.
عقوبات وحظر

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أقر مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع، قانونا لتشديد القيود على شركات اتصالات صينية، بينها مجموعة الاتصالات العملاقة “هواوي”.

ويحظر القانون “لجنةَ الاتصالات الفدرالية” (FCC) من فحص أو إصدار ترخيص لمعدات جديدة من 5 شركات اتصالات صينية كبرى، اعتبرها “مصدر خطر على الأمن القومي الأميركي”.

والشركات الصينية تشمل عملاقي الاتصالات “هواوي” و”زد تي إي” (ZTE)، إضافة إلى شركات “داهوا” (Dahua)، و”هيتيرا” (Hytera)، و”هيكفيغن” (Hikvision).

وقالت صحيفة “”ذا هيل” (The Hill) إن القانون يهدف لحماية البنية التحتية للاتصالات من التهديدات الخارجية، واتخاذ إجراءات صارمة ضد استخدام معدات شركات الاتصالات الصينية، التي تعد تهديدا للأمن القومي.

وفرضت واشنطن، لا سيما في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، العديد من العقوبات على شركات صينية، بينها هواوي، بسبب ما وصفته آنذاك بـ”صلتها بالحزب الشيوعي الحاكم”.

وفي أغسطس/آب 2020، فرضت وزارة التجارة الأميركية عقوبات على هواوي، و38 من الشركات التابعة لها، بهدف الحد من وصولها إلى تقنيات أميركية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 − 7 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube