دخلت إيران يوم السادس عشر من كانون الثاني (يناير) من هذا العام (2016)على خط الدول التي تستطيع بيع نفطها بالسوق العالمي، بعد رفع العقوبات الغربية عنها. وفي هذه المناسبة أعلن الرئيس حسن روحاني أن هذه العقوبات، أفادت إيران بشكل غير مباشر، عندما دفعتها لمحاولة استبدال الريع النفطي بتنويع مصادر الثروة، عن طريق تطوير وتنويع الإنتاج والسوق المحلي. أسعار النفط المتدنية بشكل كبير، تظهر مدى هشاشة اقتصاد هذه الدول النفطية، والتي بُليت بالإضافة إلى أنظمتها الديكتاتورية، بانعدام أي سياسة إنتاجية محلية حقيقية، تستطيع أن تحل محل النفط. فالدول العربية النفطية، تعتمدُ على هذه الطاقة بمداخيلها بنسب تتجاوز التسعين بالمئة، وهو ما يسمح بتثبيت الديكتاتورية من جهة، عن طريق إعطائها وسائل القمع، وكذلك شراء السلم الاجتماعي بسياسة رشوية، لاسكات الشباب الباحثين عن عمل، وذلك عن طريق التوظيف ودفع الرواتب، حتى ولو لم يكن هناك حاجة حقيقية لهذه الوظائف. انهيار الأسعار، والذي بدأته سياسة المملكة العربية السعودية منذ عام 2014، عن طريق الزيادة بالإنتاج، لم تحقق أهدافها الأساسية للمملكة، وخصوصاً ضرب المصادر الجديدة للطاقة النفطية والغازية الصخرية، وهي جاءت أصلا تلاؤماً مع مُعطيات جيوسياسية جديدة، خصوصاً الحرب الروسية الأوكرانية، وإمكانية عودة إيران إلى السوق النفطي. على أن دولة مثل الجزائر، بعد الانخفاض الحاد بالاسعار، لن تستطيع أن تستمر برشوة المجتمع، عن طريق الوظائف والدعم المالي للمشاريع الفردية، وهي التي تعتمد بنسبة 98% من دخلها القومي على النفط. فهل كان النفط في بلادنا نعمة علينا؟، الجواب واضح بالنفي، فنحن مقسمون لاثنين وعشرين دولة، وكل مناطق النفط، إما تحت هيمنة عائلات، أو في حروب دامية كالعراق وليبيا والسودان، أو عاشت حربا أهلية مُكلفة جداً كالجزائر، والتي فقدت في السنوات السوداء، أكثر من ثلاثمئة ألف قتيل. هل استطاع دخل النفط في»زمن العِز» أن يُطور بلادنا؟، هذا لم يحدث إلا شكلياً، ولم تُبن أي سياسة عقلانية لتنويع مصادر الإنتاج، والنسب المرتفعة جداً للجزء النفطي من الدخل القومي يُبين ذلك، بعكس دول أخرى مثل النرويج، وهي من أكبر المُنتجين، والتي وضعت كل دخل نفطها، خارج الدورة الاقتصادية منذ بداية التسعينات، وخصصته فقط للأجيال القادمة. لكن إيران أفضل حالاً، لأن اعتمادها على النفط بلغ 60% فقط! وساعدتها العقوبات، كما يقول روحاني، باستيعاب مفهوم تنويع مصادر الثروة الوطنية، لبلد يُعد سكانه حوالي تسعين مليونا، وله ثروات زراعية وسياحية كبيرة، وتاريخ صناعي يسهل إعادة إحيائه. النفط حقيقة هو نقمة، لأنه لم يفد الناس بشيء، بل أدخلهم لعالم الفقر والحروب والأعمال الوهمية، وفرض عليهم أنظمة استبدادية، لا تهتم إلا بكيفية سرقة دخل النفط، وإسكات الأصوات المُحتجة والمعارضة. سعر النفط المنخفض، قد يكون نقمة على الحكام ونعمة على الشعوب، لأنه سيؤدي إلى عودة هذه الدول إلى المنظومة التي تتبنى سياسات اقتصادية حديثة متطورة، مبنية على التنوع بالإنتاج وتطوير السوق الاستهلاكي الداخلي، ليكون محرك الاقتصاد، كما رأينا باليابان ثم كوريا الجنوبية والآن بالصين. وجود مصادر للطاقة النفطية والغازية الصخرية، وخاصة بالولايات المتحدة، ستؤدي آجلاً أم عاجلاً، إلى تقليل الاعتماد الأمريكي على بترول الدول العربية ودعم أنظمتها، وما سيكون لذلك من انعكاس على الأوضاع الداخلية نحو الانفتاح الديمقراطي وبناء مجتمع حديث. انخفاض سعر النفط سيستمر، لأن العالم بدأ يستشعر خطر ذلك المصدر على مستقبل الإنسانية، ودور هذه الطاقة بالتلوث البيئي والانحباس الحراري. اتفاق باريس الأخير على المناخ، والذي جمع 195 دولة بما فيها الدول العربية، حدد عام 2050، للوصول إلى تراجع باستعمال الطاقة الأحفورية (نفط، غاز وفحم) بنسبة تزيد عن 80%، قبل التخلص النهائي منه، مما يدفع بعض الدول لزيادة إنتاجها النفطي، حتى تبيع أكبر كمية ممكنة قبل بدء تقلص استعماله، الأمر الذي يحمل معه مزيدا من انخفاض الأسعار، وفي هذا الإطار، فإن الدول الغازية ستكون أوفر حظاً، لأن الغاز يُعتبر أقل تأثيراً على المناخ، وسيُستعمل بشكل أكبر بدل النفط، وهذا قد بدأ بالغرب، وخصوصاً بكندا وغرب الولايات المتحدة، عن طريق تطوير وسائل مواصلات، تعتمد الغاز بدل البنزين. من ناحية أخرى، ستقوم الدول النامية مثل الهند، وأخرى في طريق النمو كالدول الافريقية، إلى تفضيل الطاقة النظيفة، لتطوير اقتصاداتها، بدعم غربي سيتجاوز 100 مليار دولار سنوياً كحد أدنى. في ظل هذه المعطيات الواضحة، فما على الأمة العربية إلا أن تأخذ بالاعتبار كل تلك الحقائق، وتُزيل عن عينيها غشاوة النفط، وتنطلق نحو التغيير الاجتماعي الديمقراطي، والذي لا بديل عنه، من أجل بناء اقتصاد متنوع، إنتاجي واستهلاكي، يحفظ حقوقه ويُؤمن سعادة كل المواطنين، وهذا شيء ممكن، خصوصاً عند انهيار دعائم الأنظمة الديكتاتورية المالية والسياسية الداعمة له من الغرب. القدس |