أصبح الوضع الراهن في سوريا نقطة تركيز في منطقة الشرق الأوسط. حيث تحول الدول العربية ذات نظام حكم ملكي وتركيا والولايات المتحدة تشجيع عملية تغيير الوضع السياسي في سوريا عن طريق الضغط،كما تحاول هذه الدول استغلال التغيرات السياسية التي تطرأ على الشرق الأوسط لتنفيذ نموذج هيمنة القطب الواحد،إلا أن هذه النية تتعارض مع اتجاه التعددية القطبية الذي ولدته هذه التغيرات في الشرق الأوسط.
لقد أدى انتحار الشاب التونسي محمد بوعزيزي يوم 17 ديسمبر 2010 إلى تغيرات نحو واقع جديد في منطقة الشرق الأوسط. وبعد مرور سنة، تشهد سوريا أخر دولة عربية ذات نظام جمهوري كفاح التغيير.وخلال العام الماضي،تغير النظام السياسي في تونس ومصر وليبيا واليمن ،وتم تقسيم السودان،كما عاش الشعب الجزائري في التسعينات خلال القرن الماضي حرب أهلية دموية ويأملون الاستقرار في الوقت الراهن، ويعاني العراق ولبنان الطائفية السياسية الذي طال أمده.
بات من الواضح أن جامعة الدول العربية اتخذت إستراتيجية فرض الضغوط على سوريا لتشجيع تغيير نظامها السياسي. كما تحاول المملكة العربية السعودية وقطر والأردن وغيرها من البلدان العربية ذات نظام حكم ملكي تشجيع تغيير النظام السوري عن طريق الجامعة. حيث يتضمن العالم العربي على ثماني دول ذات نظام حكم ملكي بما في ذلك المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج الست والأردن والمغرب، والدول ذات نظام جمهوري. وفي ظل التغيرات التي تطرأ على منطقة الشرق الأوسط فإن هذه الأنظمة الملكية سوف تتأثر سلبا أيضا. واستجابة للتغيير،اتخذت الدول ذات نظام حكم ملكي في مقدمتها السعودية إستراتيجية الحفاظ على الاستقرار في داخل الدولة، واتخاذ الهجوم كوسيلة للدفاع، وتحولت الدفاع إلى الهجوم على دول الأخرى.
محليا، تسعى الدول العربية ذات نظام حكم ملكي إلى الحفاظ على الاستقرار، لتامين سيطرة نظام الحكم الملكي. وقد أرسلت المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول قوات عسكرية لقمع المتظاهرين محليا وفي بلدان أخرى مثل مملكة البحرين. ومن ناحية أخرى، استطاعت هذه الدول التخفيف من استياء الشعوب من خلال الإعانات والقيام بتعديلات سياسية ووسائل أخرى، كما قررت المملكة العربية السعودية السماح للمرأة السعودية الحصول على عضوية مجلس الشورى والترشح والتصويت في انتخابات البلدية، وتوجه المغرب نحو انتخابات مبكرة بعد تعديل الدستور عبر الاستفتاء. وفي الوقت نفسه، دعت دول المجلس التعاون الخليجي في مايو عام 2010 إلى انضمام الأردن والمغرب إلى صفوف المجلس، وتشكيل ” النادي الملكي” ودعم بعضهما البعض للتغلب على التحديات والصعاب.
خارجيا، تحاول هذه البلدان استخدام سياسة “الهجوم” بدلا من “الدفاع” ، والتشجيع على تغيير النظام السياسي الجمهوري في البلدان العربية. حيث أرسلت قطر طائرات للمشاركة في العمل العسكري ضد ليبيا، وتوفير المعدات للمعارضة في مصراتة،كما شاركت بعض القوات التابعة للدول ذات نظام حكم ملكي في المعارك البرية. وتقوم قطر والمملكة العربية السعودية والأردن وغيرها من الدول الأخرى بتعزيز ممارسة الجامعة العربية الضغط على الحكومة السورية.وقد أصبحت نية هذه الأنظمة واضحة جدا:ـ
أولا، إثبات تفوق نظام الحكم الملكي على النظام الجمهوري.
ثانيا، تشجيع التغيير في الدول الجمهورية لتعزيز صورة الدول ذات نظام حكم ملكي في دعم شعوب هذه الدول.
ثالثا،الاضطرابات في الدول ذات النظام الجمهوري يجعلها غير قادرة على التدخل في الدول ذات نظام حكم ملكي ،ويسهل على هذه الأخيرة التعامل والسيطرة على المظاهرات المحلية.
رابعا، هيمنة الدول ذات نظام حكم ملكي على الدول ذات النظام الجمهوري بعد مساعدتها لتجاوز المصاعب المالية التي تعرضت لها بعد الاضطرابات.
خامسا، اتخاذ الدول ذات نظام حكم ملكي عدم الاستقرار الطويل الأجل الذي تشهده الدول ذات النظام الجمهوري بعد التغيير كذريعة لكبح تطلعات أبناء شعبهم.
بعد وصول المعارضة الليبية إلى طرابلس، تحول التركيز إلى التغيير في سوريا، وبدأت المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول ذات نظام حكم ملكي التنقل من الدفاع إلى الهجوم. وتعتبر سوريا الحليف العربي الرئيسي لإيران،وهي عقدة هامة في دعم إيران لحزب الله وحماس. كما تشكل إيران تهديدا رئيسيا لأمن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وعليه فإن دفع بالتغيرات في سوريا يمكن إضعاف وعزل إيران.
إن انهار نظام زين العابدين بن علي في تونس ونظام حسني مبارك في مصر،وهما أكثر الأنظمة ارتباطا بالولايات المتحدة والغرب،وإمكانية استفادة إيران من التغيير في الشرق الأوسط،قد يفقد الولايات المتحدة إستراتيجيتها في الشرق الأوسط. لذلك،فإنه بالرغم من وجود خلافات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وغيرها من الدول خلال فترة مبكرة من التغيير بشأن كيفية التعامل مع نظام مبارك،إلا أن هناك اتفاق تام في المصالح.وأصبحت إيران ليست المنافس لأمريكا فقط بل للشرق الأوسط أيضا،وتهدد امن كلا من إسرائيل والمملكة العربية السعودية حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية. وبات تركيز الأخيرة لضرب إيران أحيانا ولضرب سوريا أحيانا أخرى.
لقد وجدت تركيا في التغيرات في منطقة الشرق الأوسط فرصا كبيرة للمنافسة على مركز الدولة الإسلامية الأولى في المنطقة.حيث تثق تركيا كثيرا في نموذجها السياسي والاقتصادي، وتأمل في أن يكون نموذج العصر وأن تحذو الدول الإسلامية في الشرق الأوسط حذوها. كما أن الأداء المميز لحركة النهضة الإسلامية في تونس،وجماعة الإخوان المسلمين في مصر وحزب العدالة والتنمية في المغرب زاد الثقة لتركيا. وإن فشل النموذج المصري في منطقة الشرق الأوسط ،و تعذر نسخ النظام السعودي، سوف يجعلنا ننظر إلى تأثير نموذج “جمهورية إيران الإسلامية” الذي لا يزال كبيرا. واذا كسبت تركيا الدور المهيمن في التغيرات السورية، فستكسب زمام المبادرة في المنافسة مع ايران.
إن التفكير في ذلك، جعل الدول ذات نظام الحكم الملكي، وتركيا والولايات المتحدة تسير معا بشأن المسألة السورية. حيث تقف المملكة العربية السعودية وقطر والأردن وتركيا وبلدان أخرى في المقدمة ،و الولايات المتحدة في الكواليس لضغط على النظام السوري، بينما الحقيقة أن إيران هي الغرض الاستراتيجي.
إن أساس هذا التصميم السياسي هو التفكير في المعارضة الثنائية، والغرض منها هو كسر نمط القطبين في الشرق الأوسط منذ أمد طويل، وتحقيق درجة من نمط هيمنة القطب الواحد.
لقد تشكل نمط ثنائي القطب في الشرق الأوسط خلال الحرب الباردة والمواجهة الأمريكيةـ السوفيتية، حيث انقسمت المنطقة إلى معسكرين أحدهما يؤيد الولايات المتحدة، والآخر يؤيد الاتحاد السوفيتي. لكن بعد انهيار هذه الأخيرة، سعت الولايات المتحدة للهيمنة في الشرق الأوسط،والسيطرة على المعسكر المؤيد لها، بينما سعت الدول المعارضة للهيمنة والمناهضة للولايات المتحدة إلى تشكل نمط قطبي جديد. فبعد الحرب في العراق عام 2003،تطور نمط المواجهة بين القطبين الممثلين في المثلث السني(المملكة العربية السعودية ،مصر ،الأردن) والهلال الشيعي( إيران ،جنوب العراق ،سوريا ،حزب الله)،وتعمل الولايات المتحدة على دعم المعسكر الداعم لها لقمع المعسكرات المعادية لها،من أجل تعزيز أعمالها والسيطرة على نمط القطب الواحد المهيمن في الشرق الأوسط.
عاشت مصر وتونس وليبيا وسائر البلدان في ظل نمط القطبين فترة طويلة من الاستبداد السياسي،واختلال بين النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، وأصبحت التبعية الدبلوماسية وقضايا أخرى في بروز واضح.حيث يعتبر هذا الوضع خطير،ولا سيما داخل المعسكر المؤيد للولايات المتحدة،كما يمكن تلخيص ذلك في “فقدان الكرامة، عدم تبعية التنمية”،وهذا ما أدى إلى استياء شعبي والتغيرات في الشرق الأوسط. كما يكمن التأثير الحقيقي للتغيرات في سعي الولايات المتحدة إلى الهيمنة في الشرق الأوسط اعتمادا على المواجهة بين القطبين. إن عاصفة التغيرات التي اجتاحت مصر والعراق وسوريا الدول العربية الثلاث ذات النظام الجمهوري، أصبحت قوة أساسية لكسر نظام القطب الثنائي في المنطقة. كما أنه في ظل التغيير للاتجاه العام في الشرق الأوسط وتطور النمط الثنائي القطب إلى متعدد الأقطاب، من المرجح أن تصبح مصر، العراق، سوريا، السعودية، الجزائر ودول عربية أخرى وتركيا وإيران وإسرائيل وبلدان أخرى، قطبا من الأقطاب المتعددة في الشرق الأوسط.
في الوقت الحاضر،لا تزال الدول العربية ذات نظام حكم ملكي والولايات المتحدة يحاولون تشجيع هيمنة هذه الأخيرة على القطب الواحد،في حين تسعى تركيا هيمنة القطب الواحد عن طريق تشكيل نموذج خاص بها في الشرق الأوسط. والملاحظ أن هذه البلدان لا يمكن الإبقاء على هيكل ثنائي القطب القديم، وإن فرصة إنشاء بيئة مواتية لهيمنة القطب الواحد،هي الرغبة في استخدام الأساليب التقليدية لحل المشاكل الجديدة.
إن سياسة الصين في الشرق الأوسط لم تتركز على مصالحها الخاصة خلال فترة طويلة، ولم تسعى إلى إنشاء أي شكل من أشكال هيمنة القطب الواحد في المنطقة. بل أنها عارضت أي دولة تسعى لهيمنة القطب الواحد في الشرق الأوسط. وهذا يعني،أن نمط التعددية القطبية في الشرق الأوسط لصالح الصين،وإن نمط متعدد الأقطاب يقضي إلى توسيع الفضاء الاستراتيجي لها.وعليه، ينبغي على الصين تعزيز اتجاه تعدد الأقطاب في الشرق الأوسط ، في ظل احترام سيادة الدول العربية، وعلى أساس السعي إلى التنمية المشتركة.
الشعب الصينية