منذ حرب 1948يحوم مفهوم “التهديد الوجودي” فوق الحاضر الإسرائيلي ويشكل المقياس الأساس لفحص الوضع الأمني للدولة. ففي كل يوم استقلال، يعد قادة جهاز الأمن بأنه رغم التحديات الأمنية فإن الوضع السياسي بعيد عن أن يكون تهديداً وجودياً. ولكن في هذه الأثناء، أخذت تنشأ تهديدات جديدة – أقل وضوحاً من التهديد الوجودي لعهود العام 1948 ولكن لا تقل تعقيداً وخطورة. لقد شهدنا حرب يوم الغفران عند حدوثها كحرب وجود بلا تحفظ، رغم أن الرئيس المصري أنور السادات وجه الحرب لغاية محدودة: ليس للتهديد على أساس وجود إسرائيل، بل لتوجيه ضربة شديدة لمكانتها ولمفهومها الأمني. وأحدثت إنجازاته العسكرية والسياسية منذئذ إلهاماً جارفاً على “منطق التهديدات” التي تبلورت حيال إسرائيل. ابتعدت في صورتها العلنية عن الاعتراف بها كتهديد وجودي صرف، ولكنها لهذا السبب شرخت الإجماع الذي كان قائماً في المجتمع الإسرائيلي حتى 1973 في المسألة المبدئية على ما نحن مستعدون للخروج إلى حرب ووضع جنودنا في اختبار التضحية.
في انعطافة الوعي هذه، وفي ضوء صعوبة متزايدة في تبرير ثمن الحرب، تجد إسرائيل صعوبة في وضع أهداف حربية بعيدة الأثر. صحيح أن في الخطاب الإسرائيلي تحفظاً آخذاً في الازدياد من الاستعداد للتضحية، ولكن لا نزال نتوقع من الجيش الإسرائيلي أن يحقق في أثناء الحرب التمسك بالمهمة، تلك التضحية التي أبداها المظليون في “جفعات هتحموشت”. في هذه الأثناء، توجه الأعداء الجدد (حزب الله، حماس، والحرس الثوري الإيراني) إلى الحرب بمنطق جديد في ميل لاستنزاف إسرائيل، وذلك بمنع الاستقرار والازدهار عنها، وتعميق التوترات القائمة فيها منذ تأسيسها، لدرجة حدوث سياقات انهيار داخلية. هذا التهديد، الذي لا ينظر إليه كوجودي حتى الآن، آخذ في التشكل كنوع بديل من التهديد الوجودي.
كل منظمة عسكرية تتأثر، في أساليب قتالها وأشكال تنظيمها، بقيم وتوقعات المجتمع الذي تخدمه. في فهم التوتر به، يترنح المجتمع الإسرائيلي – اليهودي بين إرثه كمجتمع طليعي وبين توجهه إلى نمط حياة غربي في مجتمع مدني – ليبرالي، وبلور وتبنى قادة الجيش الإسرائيلي (ابتداء من رئيس الأركان إيهود باراك) نظرية قتالية جديدة، تقوم على أساس تكنولوجيا عليا. في فرضيات بناء قوة الجيش الإسرائيلي، وضع التطلع إلى النصر الواضح عن وعي في ظل استنفاد التفوق الاستخباري والناري وتقليص التعلق بروح التضحية لدى المقاتلين.
ليس ضعف القلب هو ما أدى بقادة الجيش الإسرائيلي إلى تطوير أساليب القتال الجديدة بل وعي باحتياجات حفظ القوة وتوفير حياة الجنود في الصراع ضد التهديدات المتغيرة للاستنزاف طويل المدى. ثمة ميول مشابهة تحققت في جيش الولايات المتحدة، وحتى أن الجيش الروسي غير الملزم بالحساب للمجتمع المدني – الليبرالي، امتنع منذ انسحابه من أفغانستان عن كشف جنوده لمخاطر القتال غير الضرورية (كالامتناع عن تفعيل أطر نظامية من القوات البرية في قتال بري في سوريا). ومع ذلك، لا نزال في المجتمع الإسرائيلي نتوقع صورة نصر مثلما في حروب الماضي، مثل مقاتلي الجيش الإسرائيلي يرفعون علم إسرائيل في مركز مدينة غزة.
مركز بيغن – السادات