اليابان لكي تصبح دولة عادية، وتعالج جيدا علاقاتها مع مختلف الدول الآسيوية، يجب أن تتعلم إعادة النظر في التاريخ، وتقر بمسؤوليتها عن جرائمها، وتلجم إندفاعها، وتضبط لهجتها وسلوكها. وقد أظهرت نتائج الإنتخابات البرلمانية فوز الحزب الليبرالي الديمقراطي بأكثر من نصف المقاعد، وبذلك طفى الوزير الأول الياباني الجديد إلى السطح.
هذا الوزير إستلم عن سلفه وضعية معقدة، لكن ماسبب التعقد، هو يلعم ذلك لكنه لكنه يتكتم. على المستوى السياسي، الإقتصادي والدبلوماسي هناك كبح وتوازن وتعاون أيضا بين الحزب الليبرالي الديمقراطي والحزب الديمقراطي. حيث تعد معالجة علاقات اليابان مع العالم الخارجي لاسيما الجيران الآسيويين وفقا لنظرة تاريخية صحيحة ووفقا للتفكير طويل المدى، تعد إحدى أولويات اليابان. لأن الهفوات الدبلوماسية سيكون لها تأثير سلبي كبير على السياسة الداخلية وعلى النمو الإقتصادي.
يوجد ثلاثة مسائل على اليابان أن تواجهها بجدية.
أولا، زيارة ضريح ياسوكوني.
ياسوكوني هو وسيلة روحية اعتمدتها العسكرية اليابانية لشن حملات إستعمارية على الدول الآخرى، وإلى الآن مازال يعد في نظر الشعوب الآسيوية الضحايا على كونه نصب تذكاري لمجرمي الحرب من الدرجة الأولى أثناء الحرب العالمية الثانية. لذلك فإن زيارة ضريح ياسوكوني تتعلق بإستعداد الجانب الرسمي الياباني من عدمه للقيام بمعرفة ومعاملة صحيحة للتاريخ الإستعماري الياباني، وهل بإمكان الجانب الرسمي الياباني احترام مشاعر الشعوب الضحايا بمافي ذلك الصين. لذى، على الجانب الياباني أن ينظر بجدية وتدبر في التاريخ، ويتحلى بروح “الاتعاظ بالتاريخ، لمواجهة المستقبل”، ويقوم بمواقف وتعهدات جادة تجاه مشاكله التاريخية.
ثانيا، جزر دياويو.
على الجانب الياباني أن يعرف جيدا، أن السيادة على جزيرة دياويو بمافي ذلك الجزر التابعة لها، وبمافي ذلك مجالها البحري والجوي تعود جميعها إلى الصين، وعلى اليابان أن توقف الأنشطة غير القانونية التي تقوم بها في المجال البحري والجوي لجزيرة دياويو. وقد عملت اليابان منذ مطلع العام الحالي على توتير الوضع في جزر دياويوي، وتواطؤ القوات اليمنية المتطرفة لإثارة الجدل حول”شراء جزر دياويو”،ما وضع العلاقات الصينية اليابانية على المحك، وأضر كثيرا بالتبادل الشعبي بين الصين واليابان. الجانب الياباني يجب أن يعرف بوضوح أيضا، أن كل مخططاته لتعزيز تحكمه في جزر دياويو لن تثمر أي نتيجة، وكل من يرغب في إستعمال جزيرة دياويوي كورقة لتحويل الإنتباه الشعبي، فإنه سيخلق لنفسه المزيد المآزق.
ثالثا، مشكلة دستور السلام.
تسعى بعض الشخصيات السياسية اليابانية منذ فترة إلى إصلاح دستور السلام و”مبادئ اللانووي الثلاث”، كما دعوا إلى ما أسموه ب”حق الدفاع الذاتي الجماعي”، بل أعلنوا علنا عن رغبتهم في تحويل جيش الدفاع الذاتي إلى قوات الدفاع الوطني. حيث تحاول اليابان أن تتخلص من معوقات النظام الدولي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية، وتصبح مايسمى بدولة عادية على المستوى السياسي والعسكري. كما على الجانب الياباني أن يعرف بوضوح أن دستور السلام يعد حجة قانونية للإصلاحات السلمية التي تقوم بها اليابان، كما يعد أهم ضامن لإستمرار نمو اليابان طيلة الـ 60 سنة التي تلت الحرب العالمية الثانية، لذا، فإن التخلي عن دستور السلام، يعد مغامرة بالنسبة لمستقبل اليابان.
هذه النقاط الثلاثة التي تم ذكرها سلفا على ذات درجة الأهمية وهي جميعها مسائل مبدئية ولاتقبل اللبس. فزيارة ضريح ياساكوني تعد نقضا لنتائج النصر العالمي على الفاشية، وتغيير ملكية الأراضي يعد زعزعة لثوابت النظام الدولي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية، وتغيير دستور السلام يعد تهديدا للسلام والإستقرار في آسيا.
لقد كانت تصريحات ومواقف الساسة اليابانيين خلال المنافسات الإنتخابية غير مسؤولة، حيث استغلوا الركود الإقتصادي الذي تشهده البلاد لإثارة “اليمينيين”. فهل ستتعزز “اليمينية” ومشاعر القومية اليابانية بعد أن صعد الحزب الليبرالي الديمقراطي إلى الحكم؟ في هذا الجانب، عبر الرأي الدولي بمافي ذلك وسائل الإعلام الغربية عن قلقها حيال هذا التغير. وعلينا أن نقول أنه لكي تصبح اليابان دولة عادية، وتعالج جيدا علاقاتها مع مختلف الدول الآسيوية، عليها أن تعيد النظر في التاريخ، وتقر بمسؤوليتها عن جرائمها، وتكبح إندفاعها وتصحح لهجتها وسلوكها. لأن التحرك عكس القوى الخارجية، وعكسر المجرى الطبيعي للعصر لن يكون له أي أفق.
تمر العلاقات الصينية اليابانية بمرحلة مفصلية، فإما التقدم أو التأخر. وفي الوقت الحالي يعمل البلدان من خلال القنوات الدبلوماسية للتوصل إلى توافق حول النزاع على السيادة على جزيرة دياويوي، وأملنا أن ينطلق القادة اليابانيون الجدد من الوضع العام ومن النمو الآسيوي طويل المدى، لتجنب تصعيد النزاع، لإدارة الأزمة بنجاعة والتحكم فيها معا، ومن ثم الإسراع في تحويل مركز الإهتمام إلى التعاون الصيني الياباني والتعاون الإقليمي وبقية المواضيع الهامة.
صحيفة الشعب