مجموعة مؤلفين اهمهم إريك هيغنبوثام يضع التحديث المتزايد للقوات الصينية تحديات كبيرة على عاتق القدرات الدفاعية للقوات الأميركية في آسيا. ورغم تأخر القدرات العسكرية الصينية عن نظيرتها الأميركية، فبإمكان الصين تشكيل خطورة كبيرة على عمليات الولايات المتحدة العسكرية في المنطقة. في 14 فصلا، توضح الدراسة التي اشترك فيها 14 خبيرا عسكريا مرموقا، وجاءت بناء على تكليف من القوات الجوية الأميركية؛ كيف قطعت الصين أشواطا واسعة في تضييق الفجوة بين قدرات البلدين. كما يعالج الباحثون عدة موضوعات رئيسية هي: اتجاهات التنافس العسكري بين الولايات المتحدة والصين، وهل ظهرت نقاط معينة من الضعف أو الانكشاف؟ وهل توجد مناطق يمكن لواشنطن أن تحافظ أو تحسن فيها موقعها النسبي؟ وهل توجد أجزاء معينة من المنافسة الشاملة بين البلدين لها أهمية خاصة من حيث امتداد تأثيرها في مناطق أخرى؟ وما أثر الجغرافيا والمسافة على مختلف أنواع القدرات النسبية لكلا البلدين؟ حاملة واحدة مقابل عشر يتحدث الباحثون في الفصل الأول عن محاولات الصين لمجاراة القدرة العسكرية الأميركية، ولكن حجم الإنفاق العسكري الضخم للولايات المتحدة وتراكم المعدات الحديثة عبر السنوات السابقة مع توفر خبرات الإنتاج والتطوير والابتكار التقني الأميركي، يجعل الفارق بين البلدين كبيرا جدا. فمن جهتها، تكاد الصين تجهز حاليا حاملة طائراتها الأولى، بينما لدى الولايات المتحدة عشر حاملات كاملة التجهيز، وتسع سفن هجومية برمائية قادرة على دعم الطائرات ذات الأجنحة الثابتة. وتشير الإحصائيات التي توفرها الدراسة إلى استغناء القوات الأميركية عن خمس حاملات طائرات منذ عام 1990 وحتى الآن. يشير الكتاب في الفصل الثاني إلى اختلاف المسار والمهام لجيشي البلدين منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي، فبعد انتهاء الحرب الباردة خفضت الولايات المتحدة حجم قواتها، ولكنها ظلت محتفظة بالقدرة على الوصول وأداء المهام في أي مكان بالعالم، في حين ظلت القوات الصينية -رغم تطورها الحالي- محصورة بالعمل في شرق آسيا وبعض المهام القليلة في خليج عدن ضد القراصنة. ثم يناقش الكتاب في الفصول العشرة التالية تطور القدرات العسكرية الصينية منذ العام 1996 وحتى 2017، فمنذ أزمة صواريخ مضيق تايوان 1996/1997 تضاعف عدد الصواريخ البالستية القصيرة المدى من بضعة صواريخ إلى نحو 1400 صاروخ، بالإضافة إلى تضاؤل نسبة الخطأ في إصابة الهدف من مئات الأمتار إلى أقل من خمسة، وتستطيع تلك الصواريخ إصابة القاعدة الجوية “كادينا” في أوكيناوا، مما يعني -في حالة حدوث حرب- أن تضطر الطائرات الأميركية إلى قطع مسافات طويلة للاشتباك مع القوات الصينية. “لتقليل الفجوة بين القوات الجوية الصينية والأميركية، استبدلت بكين نصف مقاتلاتها بمقاتلات الجيل الرابع، مما يمثل صعوبة كبيرة للدفاع عن تايوان، وعدم قدرة الطائرات الأميركية على السيطرة، وفقدان السيادة الجوية” ولتقليل الفجوة بين القوات الجوية الصينية والأميركية، استبدلت بكين نصف مقاتلاتها بمقاتلات الجيل الرابع، وهو ما يمثل صعوبة كبيرة للدفاع عن تايوان وعدم قدرة الطائرات الأميركية على السيطرة، وفقدان السيادة الجوية. ورغم أن قدرات القوات الأميركية تمكنها من السيطرة مع امتداد الحرب، فإن القوات البحرية الأميركية ستبقى مكشوفة أمام القوة الجوية الصينية لفترة محددة أثناء الحرب. كما تطورت قوات الدفاع الجوي والساحلي الصينية من عدة بطاريات صواريخ بدائية عام 1996 إلى أنظمة دفاعية متكاملة، وازدياد ذلك بحلول العام 2017 بدمج مقاتلات الجيل الرابع مع طائرات الإنذار المبكر، ومدى ما يطرحه ذلك من صعوبات أمام قدرة الولايات المتحدة على اختراق الأراضي الصينية. مع تزايد خطورة اختراق المجال الصيني، توفر ذخائر الهجوم المباشر المشترك وأسلحة المواجهة ذات المدى الطويل والموجودة حاليا؛ بعض المزايا للولايات المتحدة في الفناء الخلفي للصين. وكانت محاكاة الهجوم على القواعد الجوية الصينية الأربعين بالمقاتلات من تايوان دون التزود بالوقود، قد أظهرت أن القدرة على غلق ممرات الإقلاع في هذه القواعد قد تضاءلت من ثماني ساعات عام 1996 حتى ثلاثة أيام عام 2010، وتوقعات بثبات ذلك حتى العام 2017، مما يعني ضرورة تطوير أداء الأسلحة والذخائر السابق ذكرها. في العام 1996 كانت للولايات المتحدة حاملتا طائرات أمام تايوان، وكان ذلك يمثل رادعا أمام الصين، ولكن اليوم أصبحت الصين تمتلك قدرات صاروخية حديثة ضد السفن، جعلت تلك الحاملات في موقف حرج. ورغم امتلاك القوات الأميركية الأسلحة المضادة للصواريخ، فإن تنامي القدرات الصينية في مجال الاستخبارات والأقمار الصناعية العسكرية والمراقبة والغواصات والطوربيدات المتطورة والصواريخ الجوالة، تلقي بأعباء إضافية على عاتق القوات الأميركية في المنطقة. واستطاعت القوات الأميركية حتى الآن منع نظيرتها الصينية من النزول على الأرض التايوانية، فرغم مضاعفة الصين قواتها البرمائية وناقلاتها ذات الوسائد الهوائية منذ العام 1996 وحتى الآن وتطوير طائراتها المروحية والسفن المضادة للغواصات، فإن الغواصات الأميركية والقوات الجوية لديها القدرة على تكبيد القوة الصينية خسائر بنحو 40% في سبعة أيام من العمليات، مما يعني تدمير التكامل التنظيمي لقوات الإنزال. وفيما يتعلق بالمواجهات في الفضاء ومضاداتها، يقول المؤلفون إن الصين زادت من اعتمادها على الأقمار الصناعية وظهرت علامات مقلقة على اتجاه بكين نحو صنع أسلحة مضادة للفضاء، مما دفع الولايات المتحدة للبدء في تمويل بعض المعدات المضادة للأقمار الصناعية عام 2002، شمل ذلك ابتكار أنظمة لشل أقمار اتصالات العدو وتعطيل أنظمة التصوير. ويقترح الباحثون على القيادة العسكرية تطوير أنظمة ليزر عالية الطاقة لتعطيل مستشعرات الأقمار الصناعية الصينية، بالإضافة إلى استخدام الصواريخ البالستية لإسقاطها. أنظمة تشويش روسية وكانت الصين قد اختبرت منذ العام 2007 ثلاثة مضادات للأقمار الصناعية في مدارات منخفضة حول الأرض، كما تعمل على أنظمة ليزر يمكنها إصابة الأقمار الأميركية بالعمى أو تعطيلها، وتتبع مداراتها لتسهيل إصابتها بالوسائل الهجومية الأخرى. “كشفت الدراسة أن التهديدات التي تواجهها أقمار الاتصالات الأميركية في صورة تشويش أو تعطيل لأنظمة التصوير تمثل قلقا شديدا، فالصين تستخدم أنظمة تشويش روسية ذات طاقة عالية يمكنها التشويش على البث الإذاعي، وقد تستخدم ضد أنظمة الاتصالات والأقمار الأميركية” وكشفت الدراسة أن التهديدات التي تواجهها أقمار الاتصالات الأميركية في صورة تشويش أو تعطيل لأنظمة التصوير تمثل لها قلقا شديدا، فالصين تستخدم أنظمة تشويش روسية ذات طاقة عالية يمكنها التشويش على البث الإذاعي، وقد تستخدم ضد أنظمة الاتصالات والأقمار الأميركية. بدأت الوحدات السيبرانية (الإلكترونية) في الصين عملها أواخر التسعينيات وترتبط بالجيش الصيني ارتباطا وثيقا، ورغم معاناة بعض القطاعات في الولايات المتحدة من هجمات حادة، فإن الدراسة تشير إلى عدم احتمالية التأثر بصورة كبيرة في زمن الحرب من تلك الهجمات، فقيادة الوحدات السيبرانية في أميركا تعمل بالتنسيق الوثيق مع وكالة الأمن القومي وتعتمد على أحدث الأدوات تطورا. ومع ذلك تبقى الخطورة قائمة بسبب اعتماد الصين على بعض الشبكات السرية على شبكة الإنترنت. في الفصل الثالث عشر يقيم الباحثون قدرة كلا البلدين على تحمل الضربة النووية الأولى، ومع تحسن القدرات الصينية النووية بصورة مطردة وإدخال الصواريخ الجديدة العابرة للقارات إلى الخدمة ونشر الغواصات القادرة على إطلاق الصواريخ البالستية، فإن الصين لا تملك القدرة على حرمان الولايات المتحدة من امتصاص الضربة الأولى وتوجيه ضربة ثانية لبكين، فرغم كل شيء تتفوق أميركا على الصين في عدد الرؤوس النووية بنسبة 13 إلى 1. وفي الفصل الرابع عشر، يختتم المؤلفون الكتاب بتقديم التوصيات الناتجة عن الدراسة، فيؤكدون على أهمية أن يتسم التخطيط الأميركي للعمليات بالمرونة قدر المستطاع، وأن تتبنى القيادة العسكرية المفاهيم والإستراتيجيات التي ترتكز على المزايا والفوائد التي يوفرها الحجم الجغرافي وعمق مسرح العمليات. كما يجب على الجيش الأميركي أن يستخدم الإستراتيجية التي تحرم الخصم من استخدام مسرح العمليات البحرية، أي إستراتيجية الحرمان التي من شأنها تحسين فعالية القوات الأميركية ووقايتها من الهجمات الاستباقية للخصم. ومع استمرار العمليات يجب أن تكون القوات منتشرة على مسافات أبعد من الصين، لكن مع القدرة على التحرك إلى الأمام في أي وقت، لاستنزاف وإنهاك الصواريخ الصينية. ويجب تعديل أولويات التسليح والتعزيزات العسكرية لتأكيد القدرة على البقاء والاستمرار، فأنظمة المواجهة يجب أن تكون مناسبة لصراع شديد الكثافة، مثل تقنية التخفي للطائرات والغواصات ذات القدرات العالية، والأسلحة المضادة للغواصات، والقدرات الفضائية والمضادة للفضائية، مع تقليل التركيز على حاملات الطائرات الضخمة. كما يتعين على القادة العسكريين والسياسيين تكثيف جهودهم في منطقة المحيط الهادي وجنوب شرق آسيا بهدف زيادة قدرة القوات الأميركية على الوصول في زمن الحرب، حيث سيوفر ذلك عمقا إستراتيجيا أكبر ومزيدا من الخيارات للقوات الأميركية. ولا بد أن توضح الحكومات الغربية للصين المخاطر الهائلة للعدوان، وأن عليها ألا تبالغ في قدرة قواتها على السيطرة والسيادة على الصراع. كما ينبغي إشراك الصين في قضايا إحلال الاستقرار الإستراتيجي ومنع التصعيد