منذ 25 أغسطس /آب المنصرم (2017) ومسملو ميانمار يتعرضون إلى حملة جديدةمن العنف والتطهير والإجلاء ، فبعد ساعات من إطلاق قوات ميانمار (بورماسابقاً) النار على مئات من الفارين من المعارك في ولاية أراكان، اعتقلتالسلطات البنغاليةنحو 70 لاجئاً من مسلمي الروهانغا، وعمدت إلى إعادتهمبالقوة إلى ميانمار، وقال أحد المسؤولين الإداريين إن بنغلادش تستضيفحالياً عدداً كبيراً من مسلمي الروهانغا (يقدر عددهم بنحو 400 ألف)، ولنتستقبل المزيد منهم. وكانت سلطات الحدود قد رفضت السماح لعدة آلاف، لاسيّمامن النساء والأطفال اللاجئين من العبور إلى أراضيها. وكان اللاجئون قد رووا قصصاً مروعة عما جرى لهم في ولاية أراكان، وكل ذلككان يتم بعلم السلطات الحكومية التي لم تحرّك ساكناً، كما أنها لم تفرّقبين المدنيين والعسكريين، أو بين الأهالي العزّل ومن يحمل السلاح للدفاع عننفسه، بل إن الجيش الميانماري قام برد فعل قاس جداً ضد تحرّك عسكريلمسلّحي الروهانغا وعلى نحو عشوائي. وكانت بعثة من الأمم المتحدة برئاسة أمين عامها الأسبق كوفي أنان، قد أصدرتتقريراً تضمن عدداً من التوصيات، منها حث الحكومة على عدم إضاعة فرصةالتنمية ودعت إلى وقف العنف الذي اندلع بين البوذيين والمسلمين، ومجابهةالتعصّب والتطرّف والإرهاب كظواهر مستفحلة ومنذرة بأسوأ العواقب، كماخاطبتها بضرورة الاعتراف بالحقوق الإنسانية للمسلمين ومعاملتهم على قدرالمساواة ووفقاً لمبادئ المواطنة. وكانت الأمم المتحدة قد أكدت في وقت سابقإن 87 ألفاً من المسلمين قدفرّوا خلال عمليات تطهير نفذتها قوات ميانمار في أكتوبر/تشرين الأول العام 2016 ، حيث أحرقت القوات الحكومية قرى بكاملها وجرّفت مزارع وهجّرت سكانها،الذين اضطرّوا إلى الفرار لكن الكثير منهم لم يستطيعوا الوصول إلىبنغلادش. وقد استخدمت القوات الحكومية هذه المرّة قاذفات صواريخ، الأمرالذي أوقع خلال أيام قليلة أعداداً كبيرة من الضحايا. وتواجه الحكومة الميانمارية تهماً عديدة منها ارتكاب جرائم حرب من قتلوتشريد وحرق للقرى ومحاصرة السكان ومنعهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، بل إنبعض الجرائم ترتقي إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، لاسيّما استخدام مروحياتوآليات لإبادة المدنيين وقذفهم بالصواريخ، مثلما هناك اتهامات بقيامالسلطات الميانمارية أو غضّها الطرف عن عمليات إبادة جماعية تعرّض لهاالمسلمون في ميانمار وهو ما يحاسب عليه القانون الدولي. لعل هذا الصراع الذي اتخذ طابعاً عنصرياً ودينياً لا يتعلق بانتهاكات فرديةبحق أشخاص، بل إنه يشمل أكثر من مليون إنسان من مسلمي الروهانغا، الأمرالذي يعني، إن جرائم جماعية ترتكب وعلى نحو مبرمج ومنهجي وروتيني، وهو مايقتضي من المجتمع الدولي التحرّك السريع لوقف هذه المجزرة المستمرة منذأعوام، والتي قد يؤدي استمرارها إلى اندلاع موجة جديدة وخطرة من أعمالالعنف والتعصّب والتطرّف والإرهاب، قد تمتد إلى العديد من البلدانالمجاورة. وقد أعرب الفاتيكان والبابا فرانسيسكو شخصياً عن تضامنه معالمجموعة الثقافية المسلمة في ميانمار. ويعود سبب المشكلة إلى أن السلطات الحاكمة لا تتعامل مع مسلمي الروهانغاالمختلفين ثقافياً عن المجموعة الأكبر سكانياً من البوذيين، على قدر منالمساواة واحترام الحقوق والحريات، أي بصفتهم مواطنين ولهم نفس الحقوقوعليهم ذات الواجبات، وإنما تعتبرهم وافدين أو مهاجرين غير مرغوب بهم،سواءً باختلاف ثقافتهم ودينهم مع الثقافة والدين البوذي السائدين. وانطلاقاً من هذه النظرة العنصرية – الاستعلائية أيضاً، يستمر وضع المسلمينفي ميانمار في التدهور، لاسيماعدم الاعتراف بالتعددية الثقافية والدينيةوإنكار التنوّع الديني والسلالي واللغوي. والغريب إن المجزرة التي تعرّض لها المسلمون تزامنت مع تقرير الأمين العامالأسبق كوفي أنان (23 أغسطس/آب/2017) الذي سلّمه إلى الحكومة بشأن بعثةتقصي الحقائق في أعمال العنف ضد مسلمي الروهانغا. وفي حين تندلع مجزرةجديدة لا يزال الموقف الدولي يدور في إطار الإدانات أو المناشدات بتقديمالمساعدات، على الرغم من الأوضاع الإنسانية القاسية، خصوصاً وأنه خلالأسبوع واحد تم تهجير نحو 50 ألف مسلم. وإذا كان على مجلس الأمن الدولي اتخاذ قرار حازم لوقف المجزرة والدعوة لمنحالمسلمين حقوق المواطنة كاملة ، بما فيها المساواة التامة والمشاركةوالشراكة في وطنهم على أساس عادل وحقهم في تأدية طقوسهم وشعائرهم الدينية،فإن من واجبه أيضاً اتخاذ قرارات بموجب الفصل السابع الخاص بالعقوبات فيحالة تمادي سلطات ميانمار عدم الانصياع للقانون الدولي وصوت العقل والحكمة. ومن واجب البلدان العربية والإسلامية وهي تزيد على 57 بلداً ومنظمة التعاونالإسلامي تقديم الدعم والمساندة بجميع أشكالها، لكي يستطيع مسلموالروهانغاالصمود أمام محاولة اقتلاعهم ورميهم خارج الحدود في ظروف قاسية،فذلك واجب إنساني هو “فرض عين وليس فرض كفاية” كما يُقال.
القدس العربي