ان اختيارنا لمراكز الابحاث الامريكية جاء لسببين، الأول: ان الولايات المتحدة الامريكية بخروجها من الحرب الباردة منتصرة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وسعيها للهيمنة والتفرد بالقرار الدولي، يمكن تحميلها قسطا كبيرا من المسؤولية لما آلت اليه أوضاع العالم اليوم. وأما الثاني: هو ان سياسات الولايات المتحدة الامريكية تكون قد وجدت مرجعيتها في دراسات وتوصيات خبراء مراكز الابحاث، لما لهذه المراكز من تأثير على صناع القرار. وفي ضوء ما تقدم نطرح التساؤل التالي: ما طبيعة الافكار التي يطرحها خبراء مراكز الابحاث الامريكية في ضوء ما تعيشه البشرية من تحديات؟ هل تساعد هذه المنظومة الفكرية لمراكز الابحاث في معالجة تحديات الراهن العالمي أم تزيد من تعميق الفجوة ومضاعفة مخاطر جديدة؟ ان الاجابة عن التساؤلات تدفعنا الى تحليل العناصر التالية: أولا: الراهن العالمي: تحديات الحاضر وغموض المستقبل ثانيا: مراكز الابحاث الأمريكية بين انتاج الافكار والتأثير على صانع القرار ثالثا: خبراء مراكز الفكر الامريكية والراهن العالمي المتأزم أولا: الراهن العالمي: تحديات الحاضر وغموض المستقبل يصور إدغار موران في كتابه (هل نسير الى الهاوية) الحاضر الذي نعيشه بصورة متميزة، حيث يرى أننا “نعيش فيما يشبه منطقة اعصارية ذات ضغط منخفض، ونشعر كأن عاصفة توشك ان تنفجر، ولكنها لا تنفجر وتلوح كأنها تبتعد ولكنها لا تبتعد حقا، ان الوقت الحاضر يسوده اللايقين” (1) وفي ضوء هذا التوصيف نتساءل: ما طبيعة وملامح هذه العاصفة التي توشك ان تنفجر؟، ما قد يساعدنا طبعا على تدارك الوضع ومنعها من الانفجار، او على الاقل تهيأت الظروف لصرفها بعيدا دون ان نتضرر منها. كما ان التحديد والتصوير لحالة الراهن العالمي كما هي حقا وبموضوعية كفيل بان يهيأ الى اخذ التدابير والخطوات المناسبة للمعالجة. ومنه نحاول في هذا المحور تحديد ووصف الوضع العالمي الراهن والوقوف عند اهم التحديات البارزة والخطيرة التي تواجهها البشرية في حاضرها وتهدد مستقبلها. – المشروع الامبراطوري الأمريكي: الأحقية في الزعامة والتفرد بقيادة العالم في عام 1990 ومع انهيار الاتحاد السوفياتي وبروز الولايات المتحدة الامريكية كقوة عظمى على الساحة الدولية بدون منافس، جاء القرار السياسي الامريكي الرسمي واضحا، بانها ستتولى الزعامة، والمنافسة من اي قوى اخرى غير مرغوب فيه، وفي اثر هذا تم الاعلان على معالم النظام الدولي الجديد، نظام تتزعمه دولة واحد هي صاحب القرار فيه، فالمصالح الامريكية في المناطق الحيوية ضروري لان يتم حمايتها والدفاع عنها حتى ولو اضطرت الى استخدام القوة العسكرية–احتلال العراق من ابرز وأحدث الامثلة عن ذلك-، والتي وان كانت غير قانونية ولا اخلاقية الا انها ضرورية لتحقيق الهيمنة وبسط النفوذ في الفكر الاستراتيجي الأمريكي، وما تواجد القوات العسكرية الامريكية في حوالي 130 دولة عبر العالم إلا ابرز الادلة على ذلك. فالمعادلة الاساسية هي اما معنا او ضدنا بحسب تعبير الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش الابن. والسير مع الولايات المتحدة الامريكية هو التزام بشروط العلاقة معها، والتي تقوم على اساس الثنائية التقابلية التي تتحدد في: قوى مقابل ضعيف(عسكريا)، ومتطور مقابل متخلف (تكنولوجيا واقتصاديا)، وراقي حضاريا مقابل منحط(ثقافيا)، في اطار منظور عرقي لا زال راسخا عند النظر الى الآخر -خاصة لدى المحافظين الجدد، أما الضدية فتعني كل محاولة لاثبات امة من الامم للذات الثقافية وخدمة مصالح شعوبها وتنمية قدراتها الاقتصادية والدفاعية العسكرية. ان استراتجية الولايات المتحدة في علاقاتها الخارجية، تتأسس على مبدئين: براجماتي وآخر ايديولوجي، وكلاهما يقتضي تحقيق المصالح الخاصة ولو على حساب التضحية بالقيم التي تأسست عليها هذه الدولة، كالعدل والمساواة والحرية، او القيم التي تأسس عليها المجتمع الدولي الممثلة في مبادئ الامم المتحدة.(2) – انتشار اسلحة الدمار الشامل واحتمالية الحرب النووية ان السلام انشودة نعزف الحانها كلما داهمتنا الحروب والماسي، وتركت فينا جروحا لا تندمل، فمع انتهاء الحرب العالمية الثانية والتي كلفت خسائر بشرية ومادية هائلة، تجددت الفرص واستفاقت ضمائرنا ونشطت جوارحنا، وسعى في اثرها المجتمع الدولي للاستفادة من هذه التجربة الاليمة التي خاضتها البشرية وعقد العزم على القضاء على كل الاسباب التي من الممكن ان تقودنا الى حرب من جديد، ومن بين ما تم التأكيد عليه موضوع الاسلحة النووية. وعلى الرغم من الجهود التي بذلت خلال الخمسين سنة الماضية والرامية الى خفض ومن ثم ازالت الاسلحة النووية في العالم ومن تعهدات الاطراف الذين وقعوا معاهدة عام 1968 لحظر انتشار الاسلحة النووية من اجل تحقيق هذا الهدف، لا تزال الدول الخمسة التي وصفتها المعاهدة بالنووية – الصين، فرنسا، روسيا، المملكة المتحدة والولايات المتحدة- تنشر اكثر من 16.000 سلاح نووي(3)، ففي تحديد للقوى النووية العالمية حسب الرؤوس الحربية المنتشرة عام 2004: الولايات المتحدة، روسا، المملكة المتحدة، فرنسا، الهند، الصين، باكستان، اسرائيل، هذا اضافة الى انتشار الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة المدى. كما تسعى العديد من الدول الى زيادة النشاطات المتعلقة بالدفاع ضد الصواريخ الباليستية لحماية اراضيها من احتمالية هجوم نووي مباغتة، وتعد الولايات المتحدة في مقدمة الدول الساعية الى ذلك، وفي مقابل ذلك تسعى دول كالهند وكوريا الجنوبية الى دراسة امكانية تطوير قوة مستقلة للدفاع ضد الصواريخ البالستية، كما تسعى اوروبا في اطار جهود مشتركة للدفاع ضد الصواريخ البالستية، ومن جانبها اعلنت اليابان عام 2003 هي الاخرى على زيادة نفقاتها على الصواريخ الدفاعية وانه سيطور وينشر بالتعاون مع الولايات المتحدة نظاما متعدد الطبقات للصواريخ وذلك نظرا الى الخطر المحتمل الذي يشكله برنامج كوريا الشمالية النووي والمتعلق بالصواريخ البالستية. هذا بالاضافة الى برنامج “أورو ويبون سيستم” الذي يعد افضل البرامج التعاونية الخاصة بردع الصواريخ وهو برنامج امريكي-اسرائيلي(4). فالولايات المتحدة وهي من القوى النووية، في عهد بوش الابن جرى توسيع برنامج الدفاع الصاروخي والمبادرة المتصلة به ومنذ احداث 11 سبتمبر زاد الانفاق العسكري، واعتمد الارهاب الدولي كتبرير لذلك، وجاء معه تأكيد لتسليح الفضاء الخارجي وذلك بنشر اسلحة هجومية فتاكة للغاية في الفضاء او توجيهها منه، والدرع الصاروخي هو في حد ذاته سلاح هجومي، الامر الذي دفع الدول الاخرى للتوجس والعمل على تطوير قدراتها العسكرية النووية(5). مع السعي الى تجنب الحروب في المستقبل نهيأ الظروف لها، فالأسلحة النووية قد اصبحت في يد العديد من الدول، ولم نتمكن من الحد من انتشارها. اذا كان العالم قد نجا من حرب نووية كادت تعصف به اثر ازمة الصواريخ الكوبية 1962، فانه اليوم قاب قوسين او ادنى من حرب تتجدد معها مخاوف تلك الحادثة الرهيبة، وان لم يتم استخدام هذا السلاح حتى الآن فان الظروف قد تتبدل وتظهر معها مستجدات-وما الصراع في منطقة الشرق الاوسط الا ابرز الشواهد على ذلك- قد تكون سببا وجيها يقود الى حرب لن تجد الدول سبيل لكسبها الا باستعمال الاسلحة النووية، والتي ستأتي على دمار البشرية اجمع أو جزء كبير منها، فهذا الهاجس يعيشه العالم في بداية الالفية الثالثة خاصة مع تنامي ظاهرة الارهاب الدولي و تأكيد الاصوليات المختلفة حضورها العالمي، وأصبحت معه العديد من الدول تلوح باستخدام هذا النوع من الاسلحة ضد اعدائها، حقا “ان الرعب النووي والموت الجماعي اصبح يواجه مستقبلنا” كما يقول موران(6). – وحدانية السوق: غنى الاقلية مقابل فقر الاغلبية وتقديس المادي على حساب القيمي- الاخلاقي تمثل الرأسمالية كنظام اقتصادي احدد ابرز وانجح الانظمة التي ساهمت في بزوغ قوة الحضارة الغربية، وقد وفرة قدر هائل من الراحة والرفاه للبشرية، ولكن ليس للجميع، وليس في جميع جوانب حياة الانسان، فمن بين عيوب هذا النظام نذكر: أولا: تحقيق النمو الاقتصادي والذي هو في اساسه ضمان الارباح لأقلية على حساب الأغلبية لان استفادة الاقلية لمحاسن هذا النظام، يأتي على حساب تحمل الاغلبية لنقائصه وعيوبه، ذلك ان الغني يزيد غنا والفقير يزيد فقرا، “فزيادة النمو الاقتصادي يأتي على حساب راس المال الاجتماعي، وظهور اللامساواة وزيادة الفجوة بين الاغنياء والفقراء، فالشركات في ضوء بحثها عن الربح المالي تخلف وراءها مجتمعات محطمة وراس مال اجتماعي متدهور”(7). يمكن اعتبار النظام الرأسمالي نظام شركاتي يقود الى خلق شهوة لا ترتوي لاتهام ثروات العالم، تزيد فيه اقلية غنا وتغرق الاغلبية في الفقر والتلوث والعنف. ثانيا: تحقيق الربح المادي، إن جمع المال وتحقيق الارباح وتوظيف الاستثمارات والمنافسة ميزة اساسية لهذا النظام، فتحقيق الربح المادي ياتي على حساب خسائر على مستوى القيمي والاخلاقي. فالنظام الاقتصادي يتأسس على فلسفة تشدد على قيمة مستوى الحياة اكثر من اي قيم اخرى، وحسب صامويل “مستوى المعيشة لدى الأمريكيين اصبح ينظر اله على انه مقدس، ما يعنى الدفاع عنه مهما كلف الامر ولو على حساب تقديم تنازلات عقلانية او حتى اخلاقية كثيرة من اجل الحفاظ عليه(8).وما يعيشه العالم الغربي –وحتى دول العالم الأخرى بفعل العولمة – من انحلال اخلاقي الا دليل على ذلك، علما ان الانحلال الاخلاقي من المؤشرات الدالة على اقتراب الانهيار الحضاري لأي امة من الامم. في كتابه (الولايات المتحدة طليعة الانحطاط) يرى غارودي ان مشاكل القرن العشرين الدولية سببها العميق والوحيد رغم الاختلافات الظاهرية هو: الهيمنة الدولية الامريكية ووحدانية السوق التي تريد ان تفرضها على العالم، ويؤكد ان منطق سوق بلا قيود، مع ما يحمله من تضارب في المصالح بين الافراد والجماعات التي لا ترى إلا مصالحهم الخاصة، هو في الحقيقة منطق الحرب، حيث “حرب يشنها الجميع ضد الجميع” وهي تبعات اقتصاد السوق الوحشي، ان ما يريده النظام الامريكي في حقيقة الامر ليس هو التجارة الحرة، (9) بل هو احتكار المستقبل لصالح منظمة “الشركة الامريكية” في حرية دخول الاسواق واستغلال الموارد واحتكار التكنولوجيا والاستثمار والانتاج العالمي. – يد الانسان تعبث بتوازن وسلامة المحيط الحيوي تتحدد سلامة الانسان وأمنه بدرجة سلامة ونقاء المحيط الذي يعيش فيه، غير أن المـــُلاحِظ للوضع البيئي الذي نعيشه حاليا ليحزن اشد الحزن لمستوى التدهور الذي لحقه، ولكن لا عجب لان ذلك كله جاء نتيجة حتمية لما تقوم به يد الانسان، فالجشع والطمع الذي اصبح سمة النفس البشرية هو سبب ما لحقنا. فالأنشطة التي يقوم بها البشر هي المحرك للفترة الحالية من الاحترار العالمي(الاحتباس الحراري)، وباستثناء عدد قليل من العلماء المنشقين عن السرب، والمدافعين عن شركات النفط، ورئيس اكثر الدول تلويثا للعالم، هناك اجماع كاسح بين من يدركون حقائق الامور على ان الوضع سيزداد سوءا ما لم نقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة (10)، فالارتفاع الكبير في درجة الحرارة وارتفاع مستوى سطر البحر خلال العقود القادمة والناجم عن الغازات الدفيئة، فضلا عن زيادة مستمرة لعدد السكان، سيؤدي دون شك الى زيادة كبيرة في عدد وشدة ما سيقع من كوارث طبيعية ان التحديات التي اصبحت تواجهها الارض جلي ومخيفة تستوجب التحرك والمواجه قبل تفاقم الامر وانفلاته من السيطرة، فقد جاءت العديد من التقارير والدراسات والكتابات تأكد خطورة الامر، مقدمة مجموعة من المؤشرات الدالة على تفاقم الامر وتتنبأ بان القادم اسوء على البشرية. ان الحرارة المتزايدة مؤخرا هي نتيجة قرنيين من التلوث الذي صار الان يغلف الارض بغلاف عازل من ثاني اكسيد الكربون، والميثان، واكسيد النيترون، وغيرها من الغازات الدفيئة. ان من نتائج الاحترار العالمي انماط الطقس الجامحة التذبذب، ففي تقرير الكوارث العالمية لعام 2004 كشف الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الاحمر والهلال الاحمر عن ان الارقام السنوية للكوارث الناجمة عن العواصف والفيضانات، والانهيارات الارضية والجفاف قد ارتفعت من نحو 200 كارثة قبل عام 1996 الى اكثر من 700 كارثة في السنوات الاولى من الالفية (11). في العام 1992 اجرت 150 دولة مفاوضات حول بروتوكول “كيوتو” الذي يعتبر معاهدة من اجل التخفيف من انبعاثات ثاني اكسيد الكربون وغيرها من الغازات الدفيئة المسؤولة عن الاحتباس الحراري العالمي، وتشير آخر التوقعات ان درجة حرارة العالم سترتفع من اربعة الى احدى عشر درجة فهرنهايت خلال القرن القادم مما يرفع من معدل حرارة الارض الى مستوى لم يشهده العالم منذ عصر الديناصورات، وفي عام 2000 اجتمعت الامم المتحدة من اجل تخفيض انبعاثات ثاني اكسيد الكاربون، الا ان الاجتماعات انهارت بسبب محاولة الدول الصناعية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية التفاوض حول معايير تلغي اي التزامات متعلقة بتخفيض ملموس. جزئيا، تتجاوب الولايات المتحدة الامريكية مع الجهود التي تبذلها جماعات متنفذة مثل تحالف المناخ العالمي، وجمعية تخضير الارض وهي جماعات تتشكل من شركات فحم وطاقة يمكنها انفاق مليارات الدولارات في سبيل اقناع المشرعين والرأي العام بان ظاهرة الاحتباس الحراري هي مجرد نظرية وليست حقيقة وان الاحتباس هو امر جيد(12). ثانيا: مراكز الابحاث الأمريكية بين انتاج الافكار والتأثير على صناع القرار – النشأة والتطور: إن غياب الجانب العملي والاكتفاء بما هو نظري في الابحاث والدراسات الجامعية اعاق كثيرا الدولة الامريكية التي كانت تسعى لإيجاد سبل جديد واستثمارها لتدارك الازمات وتحقيق الاستقرار الداخلي والنظر على المستوى الخارجي رغبة في التوسع والهيمنة، الامر الذي دفع رجال المال والنخبة الى ايجاد مؤسسة بديلة للجامعة توفر لهم ذلك، فأنشأت مراكز الابحاث والتي اصبحت اهم ادوارها التأثير في صنع السياسات وتنوير الراي العام الامريكي. فالنشاط العلمي- العملي (اي القدرة على ترجمة النظرية الى ممارسة على ارض الواقع) لمراكز الابحاث في امريكا جعل منها الجهة الاكثر مصداقية وفعالية التي تقدم الاستشارة لصناع القرار الامريكي، تعتبر هذه المراكز بحسب تعبير جيمس الان سميث اكثر الطرق المميزة التي سعى اليها الامريكيون للربط بين المعرفة والسلطة، اذ انه تتواجد اليوم ما يزيد عن 1500 مركز بحث في هذه الدولة. تمثل هذه المراكز البحثية (think tanks) سمة بارزة في الولايات المتحدة الامريكية، ان تشكلها لم يكن دفعت واحد بل على مراحل، والتي جاءت كحاجة ماسة تسعى الى مواجهة التحديات التي واجهتها امريكا سواء في الداخل او على الجبهة الخارجية. وفي اطار ذلك يطرح التساؤل عن العوامل التي ساهمت في انشائها وتحديد اهم مظاهر تطورها؟(13) في كتابه (مراكز الابحاث في امريكا) يحدد توماس ميدفيتز ثلاث عوامل ساهمت في نشأة مراكز الابحاث الامريكية، الأول: كان للرأسماليين القدرة على انشاء آلية خاصة بهم للإنتاج الفكري نتيجة الثروة التي يملكونها جراء الحقبة الاستعمارية وعقب فترة من النمو الاقتصادي السريع، ثانيا: التوسع السريع في المنظومة التربوية الامريكية العليا خلال النصف الثاني من القرن العشرين، فقد وفرت الجامعات فئة جديدة من الخبراء المعتمدين في مجالات الادارة والمحاسبة والاقتصاد والمال والشؤون الخارجية، ثالثا: اعتماد ظهور مراكز الابحاث الاولى على وجود ثقافة تكنوقراطية رفيعة المستوى داخل نخبة المثقفين الأمريكيين، ولا سيما بعض المتخصصين في العلوم الاجتماعية. ومن هنا اعتمد انشاء مراكز الابحاث الاولى على ائتلاف غير منظور بين من يملكون رأس المال الاقتصادي والثقافي، مع اتخاذ الفئة الاولى منها بصفة عامة دور المسيطر، لكن هذا لا يؤخذ على إطلاقه بل كان العديد من الخبراء قد حافظ على حيز من الاستقلالية-وان لم تكن فاعلة في أداء وظيفتها- في عمله البحثي(14). ومن بين هذه المراكز هناك: مؤسسة راند، بروكنجر، مجلس العلاقات الخارجية، وهي في الغالب ذات تمويل حكومي، والتي كانت تحوز بالفعل دورا رئيسيا بوصفها مورد المشورة الخبرة في السياسة الامريكية. وفي بدايات الستينات لقيت السلطة التكنوقراطية تحدي جاء من خلال مجموعة من النشطاء السياسيين، الذين سعوا الى الحد من قوة التكنوقراط والتحذير من اخطارهم وقد سعى كل من النشطاء اليساريين والمحافظين الى انشاء اشكال جديدة من الخبرة تقوم على اسس اخلاقية في مقابل الاسس الفنية الخالصة التي تقوم عليها خبرة التكنوقراط. وتجسد ذلك من خلال ظهور العديد من المراكز البحثية من اليسار والمحافظين، فمن اليسار هنالك معهد الدراسات السياسية 1963، اما المراكز المحافظة نذكر: مؤسسة التراث 1973، معهد كاتو1977، مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية 1962، معهد المشروع الامريكي، ومعهد المشروع التنافسي، وجميعها كانت تتلقى الدعم من رجال الاعمال المحافظين. وكانت هذه المراكز موجهة سياسيا ولاتهدف الى الربح، وبحلول منتصف ثمانينات القرن العشرين نشأت المئات من مراكز الابحاث السياسية الموجهة ايديولوجيا في الولايات المتحدة. (15) لكنه على الرغم من بروز النشطاء كل من اليمين واليسار على الساحة وتحد مراكز الفكر التكنوقراطية وانشاء مراكزهم الخاصة، الا ان الملاحظة لتطور كلا النوعين من المراكز يرى ان مراكز اليسار خفتت تحركاتها وتأثيرها على غرار المراكز المحسوبة على المحافظين، خاصة في مراحل رئاسية معينة من ريغان الى بوش الاب ثم بوش الابن، فكيف يفسر ذلك؟ يرجع توماس ميدفيتز تطور مراكز الابحاث المحافظة على حساب اليسارية الى ثلاث اسباب: الاول: هنالك ميزة كبيرة وهي تلقي الدعم المادي من مؤسسات التجارة الضخمة، الثاني: التحرر النسبي من قمع الدولة الذي كان يحيط احيانا بمراكز الابحاث اليسارية، ثالثا: التحرر النسبي من استحواذ الجامعة التي احبطت ايضا نمو مراكز الابحاث التقدمية(16). وبعد عام 1970 دخلت المجموعتان–مراكز الابحاث التكنوقراطية والمحافظة- في شبكة من العلاقات التعاونية حتى نشا عنها اشكال ومنتجات فكرية جديدة مهجنة، وخلال تلك العملية اكتسبت هذه المؤسسات في مجموعها شكلا ضعيفا من اشكال الاستقلالية. ومن المظاهر التي ميزت هذه المراكز استحداث منتجات فكرية وممارسات جديدة، منها كتابة تقارير سياسية توليفية موجزة، بجداول زمنية اسرع، والتي كانت تتميز بالايجاز والسهولة والعملية بالنسبة للصحفيين والسياسيين اضافة الى دليل المرحلة الانتقالية الذي كانت مؤسسة التراث هي الرائدة فيه والذي قدم الى الرئيس الاسبق رونالد ريغان. (17) وفي كتابه (سماسرة الافكار) يحدد جيمس الان سميث ثلاث اجيال لمراكز الابحاث الامريكية، الجيل الاول: من المؤسسات الامريكية قام حوالي 1910، مع تصاعد اصلاح المرحلة التقدمية وحركة “الادارة العلمية”، تأسست ودعمتها التبرعات الخيرية الخاصة، والجيل الثاني: الذي كان اول من حمل عنوان “مستودعات التفكير” نشأت عندما سعت الحكومة لطلب الخبرة التقنية المعقدة لمشروع الحرب الباردة للأمن القومي والحرب الداخلية القصيرة الاجل ضد الفقر، وقد تم تقديم خدماتها للحكومة على اسس تعاقدية، الجيل الثالث: وكان اكثر عددا، لكن اقل ميزانية وعدد العاملين، تم تأسيسها في السبعينات والثمانينات وكانت مستودعات التفكير هذه نتاج الصراع الايديولوجي والعديد منها تتجه للنشاط السياسي والدعاية السياسية اكثر من الاتجاه للعلم والمعرفة (18) – تأثيرها في صنع السياسات: ان مؤسسات الفكر لا تنتج الافكار من اجل تخزينها، لتصبح وثائق تشير الى منجزات المؤسسة وتزيد من بنود السيرة الذاتية، وانما تنتجها من اجل ان تتمكن الجهات المستهدفة، بهذه الافكار من الاستعانة بها في اتخاذ القرار الصحيح وفي الوقت المناسب، لذلك فان هذه الجهات المستهدفة تتطلع ان تقوم هذه المؤسسات بالمهام المنوطة بها، ومن اجل ذلك توفر لها الدعم المالي وتسعى هذه المؤسسات الى حل المشاكل القائمة او المتوقعة، و لدعم مسارات المستقبل. فقوة الولايات المتحدة ودورها الريادي الامبراطوري تقف وراءه النشاط المتزايد لهذه المراكز وما تضمه من المفكرين والخبراء، من اجل تقديم المسالك الاكثر ضمانا لتلك القوة الامبراطورية ولشبكات المصالح والمنافع التي تتحرك في كنفها، وها هي “الايكونوميست” وفي افتتاحيتها بعنوان (همجية دبابات الفكر) تكتب “ان احد لم يعد بمقدوره ان يناقش ان هذه المراكز اصبحت بذاتها حكومة الظل في امريكا بل وتأكد بأنها الحكومة الخفية الحقيقية التي تصوغ القرار السياسي وتكتبه، ثم تترك مهمة التوقيع عليه للرئيس ولمعاونيه الكبار في الادارة. ويقول دونالد ابلسون انه في حين اصبحت مؤسسات الفكر والرأي في السنوات الماضية “ظاهرة عالمة” فإن مؤسسات الفكر الامريكية تتميز عن نظيراتها في البلدان الاخرى بقدرتها على المشاركة بصورة مباشرة او غير مباشرة في صنع السياسة، وفي استعداد صانعي السياسة الى العودة اليها للمشورة السياسية(19). وحسب ريتشارد هاس فان هذه المؤسسات تؤثر على صانعي السياسة الخارجية بخمس طرق: توليد الافكار والخيارات المبتكرة في السياسة، وتأمين مجموعة جاهزة من المختصين للعمل في الحكومة، وتوفير مكان للنقاش على مستوى رفيع، وتثقيف مواطني الولايات المتحدة عن العالم، اضافة الى اعتبارها وسيلة مكملة للجهود الرسمية الدولية للتوسط وحل النزاعات. وجاءت مؤسسات الفكر حسب طرح العديد من الباحثين لتسد فراغا في غاية الاهمية بين العالم الاكاديمي من جهة، وعالم الحكم من جهة ثانية اي بين عالمي الافكار والعمل، وحسب راي توماس يكون هؤلاء الباحثين قد قبلوا على الفور بتعريف مراكز الابحاث –الذي دعمته مراكز الابحاث نفسها- بانها آليات تواصل فكري (على سبيل المثال، يقول بيان رسالة مؤسسة بروكنجر: “تعمل بروكنجر كجسر بين البحث وصناع السياسة، فتلفت انتباه صناع القرار الى المعرفة الجديدة وتتيح للباحثين رؤية اعمق لقضايا السياسة العامة”). في حين انه يرى ان الربط بين المؤسسات الاكاديمية والسياسة ساعد مراكز الابحاث على تعزيز الانفصال بين المعرفة العلمية والسياسة اكثر مما عزز التبادل بينهما، وينطلق هذا الطرح من الوصف الواقعي لمراكز الابحاث نفسها، اذ ان الباحث يؤكد بانه لا يسعنا تجاهل ضبابية بنية مراكز الابحاث، اذا اردنا التوصل الى وصف صحيح لها. والذي حدده في البنية الاجتماعية لتشكل مراكز الابحاث والتي تستمد عناصر وجودها من مجالات اكثر رسوخا هي الاكاديمية والسياسة والأعمال التجارية و الإعلام، فيمكن ان تدرس بوصفها “فضاءا هجينا بين المجالات”. ولا يمكن دراستها بمعزل عن كل ذلك، وخاصة عند الحديث عن عملاء هذه المراكز وكيف تتأثر وتأثر فيهم. (20) – التمويل واشكالية الاستقلالي المعرفي: ان الصورة الخارجية لأي مركز بحث امام العامة هي في العادة عبارة عن اعلان عن مدى قوته الفكرية واستقلاليته، ومن الامثلة معهد بروكنجر الذي يعلن ان “باحثيه يقدمون اعلى مستوى جودة للابحاث والتوصيات السياسية والتحليل”، وان “استقلالية معهد بروكنجر ونزاهته المهنية وموضوعيته هي اهم اصوله”. وفي ضوء هذا الاعلان يبدوا ان مراكز الابحاث تتمتع بدرجة من الاستقلال المعرفي الذي يؤهلها الى اجراء ابحاث موضوعية ومحايدة. فهل الامر كذلك؟ يلاحظ توماس ديفيرتنز ان مراكز الابحاث تعلن استقلاليتها المعرفية في سياقات معينة، ولكنها تبرز تبعيتها او اعتمادها على العملاء في مواردها واشكال شرعيتها في سياقات اخرى، وتعتمد مراكز الابحاث تحديدا بشكل متسق على ثلاث انواع من العملاء: اولا: العملاء السياسيون (لاسيما صناع السياسات والأحزاب وشبكات النشطاء)، وذلك طلبا للصلات السياسية التي يمكن ان يتيحوها، ثانيا: العملاء الاقتصاديون (لاسيما المؤسسات والشركات والمانحين الاثرياء)، وذلك طلبا للدعم المادي، ثالثا: العملاء الاعلاميون (لا سيما الصحافيون والمنافذ الاعلامية كالصحف والدوريات والبرامج الاذاعية والتلفزيونية) طلبا للانتشار(21). وفي هذا السياق يتضح ان مراكز الابحاث مسيرة وليست مخيرة في تحديد مواضيع ابحاثها والاهداف النهائية التي تسعى الى الوصول اليها. وإلا كيف لنا ان نفسر تقديم هذه المراكز توصيات تنزل عند رغبات عملاءها الرئيسيين ؟ ان الحصول على الدعم المالي من الاثرياء والشركات يستوجب من خبراء هذه المراكز الاستجابة الى طلبات الجهات المانحة والتي تسعا طبعا الى تعظيم ارباحها، فعدم الوقوف عند طلبات المانحين يقود المركز الى توقف مساره البحثي، فالأموال من اكبر ما يعيق هذه المراكز على النشاط، وفي ظل المنافسة يتجه المانحين الى ايجاد مركز آخر يقف عند طلباتهم مقابل العطاء المالي، وحينها يجد اي مركز نفسه مجبرا على انجاز اعمال لا تتوافق مع ما يساهم في تحقق الاستقلالية المعرفية وتقديم ابحاث موضوعية تعالج القضايا كما هي على الواقع، لا كما يجب ان ينظر لها، ومنه تقديم الحلول لها بموجب هذا التوصيف المضلل. هذا من جهة ومن جهة ثانية فان الرضا العام للعملاء السياسيون يستوجب هو الآخر من خبراء مراكز الابحاث النزول عند رغبات هذه الجهة والوقوف عند القضايا الملحة التي يواجهونها والمواضيع التي تعينهم على تثبيت سلطانهم واثبات احقيتهم وتبرير سياساتهم، وعدم الوقوف عند طلبات هذا العميل يقود الى احتمالية المضايقات المستمرة وتشويه سمعة هذا المركز اضافة الى وضع خبراءه على هامش الجدل السياسي العام. (22) وعن موضوع الاستقلالية المعرفية والجودة العلمية لخبراء مراكز الابحاث يتوقف على مستوى التعاطي مع طلبات عملائها السياسيين والاقتصاديين، وتحقيق مصالحهم الخاصة على حساب الصالح العام الامريكي والعالمي، كتب ستيف ووترز في الغارديان “مراكز الفكر هذه لا تنتج افكار جديدة، انها تبرر”، انه احد المخاطر التي تواجهها مراكز الفكر اليوم، حيث اصبحت المراكز تدافع عن رؤية معينة للعالم، فالملياردارات الملتزمون امثال جورج سورس يستثمرون مبالغ كبيرة في مراكز الفكر والحملات السياسية (23). كما يرى ماكغان انه في الولايات المتحدة “اجبرت مراكز الفكر (بسبب طلبات جديدة من مانحيها) على ان تحدد اجندتها في البحث وأفقها الزمني، انها تميل الى الابتعاد عن البحث الذي يسعى الى فهم المسائل لكي يقتصر على الوصف بهدف اظهار تأثيرها عند المانحين”. ومن جهته يؤكد توماس “ان نمو مراكز الابحاث خلال الاربعين سنة الماضية، قد ادى دورا محوريا في تقويض اهمية المعرفة العلمية الاجتماعية المنتجة باستقلالية ودورها في الولايات المتحدة عن طريق تقوية منظومة من العلاقات الاجتماعية، تدفع بمنتجي المعرفة المستقلة الى هامش النقاش العام، وتزعم مراكز الابحاث لنفسها دورا مركزيا في عملية صنع السياسات، وهي بنفس الدرجة تحد من مدى الخيارات المتاحة للمفكرين الاكثر استقلالية، او الاقل استعدادا لتفصيل عملهم حسب طلبات السياسيين والرعاة الاثرياء”.(24) ومما يحسب على هذا النوع من المراكز ثلاث نقاط، الاول: انها تدعي العلمية والحياد في ابحاثها ودراساتها، ثانيا: هو رفعها لشعارات المصلحة الوطنية الامريكية امام الرأي العام الداخلي والخارجي، ثالثا: وهو التأثير المتزايد الذي تمارسه في صنع السياسات الداخلية والخارجية ووقوفها عند طلبات عملاءها في ضوء غياب الاستقلال العلمي. ثالثا: خبراء مراكز الفكر الامريكية والراهن العالمي المتأزم – خبراء مراكز الابحاث ودعم المشروع الامبراطوري الامريكي: ترتسم معالم المشروع الامبراطوري الامريكي في اسمى حللها من خلال مشروعين فكريين لمؤسستي ابحاث: احدهما ما تبناه “مشروع القرن الامريكي”، في تقريره المعنون بـ” إعادة بناء دفاعات أمريكا: إستراتيجية وقوى وموارد لقرن جديد” في 90 صفحة الذي نشر عام 2000، وقد أُخذ بتوصيات هذا التقرير بعد تولى جورج بوش الابن السلطة، اما الثاني “مشروع امريكا الموحدة والقوية” 2013، وهو مشروع حديث في بداية فترة الرئاسية الثانية للرئيس الاسبق باراك اوباما، إن كلا المشروعين يؤكد على “القدرة الفريدة لدى الولايات المتحدة الأمريكية على دفع الحلفاء والأصدقاء إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة، مع نشر القوة وإظهار النفوذ على مستوى العالم بأسره”. مع التأكيد على ضرورة وضع استراتيجية عالمية استباقية لاحتواء كل من تسول له نفسه المنافسة، وتحقق القيادة الفعالة(25). تأسس مشروع القرن الامريكي الجديد project for the new American century(PNAC) في عام 1997، من قبل المحافظين الجدد (ومن المستشارين من المحافظين الجدد الذين دخلو البيت الابيض ضمن ولاية بوش الابن: بول ولفوويتيز نائب وزير الدفاع، دونالد رامسفيلد، ريتشارد بيل، جيمس وولسى، كينيث ادلمان، دوجلاس فيث، كولين باول وزير الخارجية، جون بولتون وكيل وزارة الخارجية بادارة الحد من التسلح، وهو حليف قوى للمحافظين الجدد، ومستشارة الامن القومي كوندليزا رايس، ونائبها ستفين هادلي)، وفي عام 1998 راسلت هذه المؤسسة الرئيس بيل كلنتون، تحددت محاورها في مخطط للسيطرة الامريكية على العالم مع تنصيب نفسها محامي التغيير الجذري ازاء منظمة الامم المتحدة، ودعت الى ضرورة قلب نظام صدام حسيين، وذلك لاجل ” ان امن الجيوش الامريكية في المنطقة وامن الاصدقاء والحلفاء كاسرائيل والدول العربية المعتدلة وجزء منهم من احتياطي النفط العالمي ستكون معرضة للخطر” (26). وبتقلد جورج بوش الابن السلطة اصبحت فكرة (PNAC) على ارض الواقع وتم احتلال العراق 2003، علما ان بوش قد ضم واضعي التقرير لهذا المركز وموقعي رسالة 1998 الى فريقه، وهو ما سهل تحقيق التطورات النظرية على ارض الواقع، وليس هذا المركز وحده من اقر التدخل الاحادي في العراق وضرورة السيطرة وعدم قبول اي منافس عالمي، بل هناك العديد من المراكز التي تتبنى نفس التصورات والتي منها مؤسسة هدسون، ومركز السياسات الامنية، والمؤسسة الوطنية للسياسة العامة والتي اقترحت في احد تقاريرها عام 2001، استخداما اوسع للترسانة النووية، وقد استخدم هذا التقرير كنموذج لإعادة صياغة سياسة ادارة بوش 2001(34)، هذا اضافة الى مؤسسة هريتيج والمؤسسة الامريكية للمنشأة (AEI) وهما مركزي فكر محافظين اثرا بشكل كبير على قرارات الرئيس بوش الابن(27). وها هي “الايكونوميست” وفي افتتاحيتها بعنوان(همجية دبابات الفكر) تقول: “ان امريكا اصبحت لديها جيش خطير من المفكرين الذين احترفوا تهيج القوة الامريكية واستثارتها حتى تندفع ابعد كل يوم، على طريق الحرب، ان هؤلاء الناس وضعوا لأمريكا اجندة وجدول اعمال يتضمن الان خطة لتغيير الشرق الاوسط كله، وفيما هو واضح فان الرأسمالية الامريكية تمول وتدعم هذه المؤسسات الفكرية التي ظلت طريقها، وجنحت الى الاصرار على تطبيق النظام الرأسمالي حتى في عوالم الفضاء الخارجي، ثم ينتظرون ان يصفق العالم لهذا الجنوح الامريكي المجنون المتحصن في دبابات الفكر الجديدة” (28). وفي عهد ريغان وفرت مؤسسة التراث – وهي مؤسسة محافظة – احد عشر عضوا في فريقه وعددا لا يحصى من المسؤولين للإدارة، مع ذلك كان اهم اسهاماتها لرئاسة ريغان هو دليل القيادة وهو دليل انتقال يضم الف صفحة للإدارة الجديدة، والذي سمته واشنطن بوست بعد ذلك بـ”انجيل فترة ريغان الانتقالية”، الذي كان احد المراجع الاساسية لاستراتيجية ريغان خلال الحرب الباردة وتطوير الترسانة النووية والسعي الى غزو الفضاء، واقترحت ادارة ريغان مشروع “حرب النجوم” او ما يعرف بمبادرة الدفاع الاستراتيجي SDI وهذه المبادرة التي تشكل انتهاكا صارخا لمعاهدة الحد من الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية ABM الموقعة عام 1972. في عام 2013 تأسس مركز الفكر “مشروع امريكا الموحدة والقوية The Project for a United and Strong America (PUSA) وهذا المشروع منظمة جديدة تعلن عدم تحزبها، وتتبنى -كهدف- “خدمة القيم والأمن القومي الأمريكي”. وقد أصدرت هذه المنظمة في شهر مارس 2013 مخططًا من أجل إستراتيجية جديدة للأمن القومي الأمريكي، أعده فريق عمل -بشراكة الحزبين الرئيسيين- مكون من خبراء السياسة الخارجية والأمن القومي، بما في ذلك مسئولون خدموا في إدارات كل من: بل كلينتون، وجورج دبليو بوش الابن، وباراك أوباما. ويشترك في رئاسة منظمة “مشروع أمريكا الموحدة والقوية” كل من: “كورت فولكر Kurt Volker”، الذي شغل منصب سفير في حلف شمال الأطلسي في عهد جورج دبليو بوش، وجيمس جولدجير James Goldgeier، الذي كان عضوًا في مجلس الأمن القومي في عهد بِل كلينتون. (29) من بين يقترحه خبراء هذا المراكز كمخطط لمواجهة التحديات حسب نظر هم أن تقوم على ثلاثة مبادئ أساسية: 1- تكريس القوة الأميركية كأساس. 2- دور استباقي للولايات المتحدة في القيادة العالمية. 3- ترويج القيم العالمية. وفي ضوء المبادئ الثلاثة التي يقترحها الخبراء من اجل ان تجد تنفيذها من قبل صناع القرار – فالأفكار في مراكز الفكر تنتج لتجد تطبيقا لها في الواقع- نتساءل: هل سيقود مثل هذا النوع من الافكار الى معالجة التحدياتا لتي تواجهها البشرية والتي حددناها في المحور الاول ام انها ستقود الى تأزيم الوضع اكثر واكثر؟ ان تكريس القوة الامريكية كأساس يعني بالضرورة السعي نحو زيادة الانفاق العسكري لحفظ الامن القومي الأمريكي ومنه تطوير القدرات النووية وأسلحة الدفاع، وهذا يقود بالضرورة الى توجس الدول الصاعدة الاخرى ما يدفعها الى اعتماد نفس الاستراتيجية، ونصبح معه امام سباق للتسلح النووي. اما الدور الاستباقي فقد تم اعتماده كإستراتيجية للهيمنة والزعامة على العالم بعد احداث 11 سبتمبر الارهابية المفتعلة، وقد تجسدت ملامحه في التدخل في افغانستان واحتلال العراق، ما يعني ان امريكا ستسعى لضرب اي عدوا استباقيا اذا ما حامت الشكوك في انه يهدد امنها القومي ومصالحها. ان ترويج الولايات المتحدة الامريكية لقيمها السياسية والاقتصادية والثقافية ضرورة للحفاظ على مصالحها وتأكيد نفوذها، ولا علاقة لها بالشعارات المظللة التي يتم التسويق لها، مثلا نشر الديمقراطية في الشرق الاوسط، ليس بالضرورة تحقق ديمقراطية انتخابية تجلب الى السلطة من يخدم مصالح الشعوب بل الديمقراطية التي يحافظ من خلالها الحكام الجدد على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. اما قيم السوق والتي لا تتوانى امريكا في فرضها على العالم أجمع، والتأكيد على ايجابيات دخول منظمة التجارة الحرة فهي اساليب تفعل ارباح الشركات العالمية على حساب الاغلبية التي تقبع في الفقر و تعمق حالة التهميش وتنتج العنف المتصاعد. – خبراء مراكز الابحاث والتظليل حول اخطار الاحتباس الحراري تظهر النشرة الامريكية النصف شهرية للتفكير ماذر جونز في عام 2005 أن اكسون موبايل قد دفعت مبلغ ثمانية ملايير دولار بين 2000 و2003 الى اربعين مركزا بحثيا كي تُظهر ان احترار الكوكب هو ببساطة عملية خداع واسعة. وها هي مؤسسة المنشأة الامريكية تنشر مقالات عن المناخ في 2004 تحت عنوان “لا تخافوا، كونوا سعداء”، ومجلس البدل التشريعي الغامض الذي يشرح: “ان التغير المناخي يمكنه في الواقع انقاذ حيوات”. ومن جهتها مؤسسة كاتو ومركز تطوير صوت العالم ومؤسسة المنشأة الحرة، تستغل رحابة اكبر شركة نفط في العالم وتصوب قذائفها الملتهبة على كل الدراسات التي تحاول البرهنة على احترار الكوكب (الاحتباس الحراري) (30). وعلى اثر ما تقدمه مراكز الابحاث من دراسات تطمئننا فيه حول انعدام ما يثبت مخاطر الاحتباس الحراري، سعى بوش الابن ومساعديه في محاولات حثيثة لتقويض المساعي الدولية الآيلة الى تقليص الاخطار التي تكتنف البيئة، والمسلمة بانها جسيمة حقا، وذلك تحت ذرائع بالكاد اخفت التصاقهم بقطاعات ضيقة من السلطة الخاصة(31). فقد قوضت ادارة بوش بروتوكول كيوتو ولم توقع عليه، بذريعة ان التقي دبه يضر بالاقتصاد الامريكي… والمخاطر التي تهدد البقاء حليا لا تقود فقط الى الجهود المحمومة لإضعاف البنى المؤسساتية التي امكن تطويرها للتخفيف من العواقب الوخيمة للأصولية السوقية، بل تعزى كذلك الى المحاولات الرامية الى تقويض ثقافة التعاطف والتضامن التي تمد تلك المؤسسات بأسباب البقاء(32). وعليه فان استمرار المماطلات السياسية وزيادة تعقيم الموقف العلمي من قبل اصحاب المصالح المعادين لمقترحات التخفيف من ظاهرة الاحترار العالمي، هي التي تسببت في اخفاق بروتوكول كيوتو – بالرغم من التصديق عليه- في تحقيق هدفه، وهو خفض الانبعاث الغازية الدفيئة العالمية بنسبة 5.2 بالمائة (ادنى من نسبة عام 1990) خلال فترة 2008-2012، وكانت الولايات المتحدة الى جانب استراليا قد رفضت التوقيع على البروتوكول او حتى الالتزام بنسبة التخفيض الضئيلة التي نادى بها، وفي ظل الحاجة الى تقليل الانبعاث بنسبة 60 بالمائة اذا اردنا حدوث انخفاض في التركيزات المتزايدة للغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، فالمستقبل يبدوا مظلما حقا(33). – خبراء مراكز الابحاث ودورهم في تفعيل اقتصاد السوق يرى بيار دوفراني ان مراكز الفكر الامريكية والانجليزية، ان بحوثهم جميعا مساندين متحمسين لاقتصاد السوق وللرأسمالية ذلك ان التدعيم في كامله يأتي من رجال المال والشركات، ما يدفع بهذه المراكز الى خدمة اهداف هذه الشركات وليس المعرفة والموضوعية العلمية. في كتابه (اعترافات قرصان) يؤكد الخبير الاقتصادي جون بيركنز دوره –مع الكثير من زملاءه- في استخدام المنظمات المالية الدولية لخلق ظروف تؤدي الى خضوع الدول النامية لهيمنة النخبة الحاكمة التي تدير الحكومة والشركات والبنوك، وذلك بإعداده للدراسات التي بناءا عليها توافق المنظمات على تقديم القروض للدول النامية المستهدفة، بتطوير البنى التحتية بشرط قيام مكاتب الهندسة وشركات المقاولات الامريكية بتنفيذ هذه المشاريع. ويكشف الباحث ان دراساتهم والأرقام التي تحتويها ذات طابع مخادع، فاذا كان من الناحية الاحصائية البحتة تعتبر تقدما اقتصاديا (نمو الناتج المحلي القومي) الا انه قد يكون نتيجة استفادة اقلية من المواطنين “النخبة” على حساب الاغلبية بحيث يزيد الغني ثراءا والفقير فقرا.(34) ويضيف انه والخبراء الاقتصاديون قاموا بتطويع اللغة لتغليف استراتيجيتهم في النهب الاقتصادي، وذلك باستخدام مفاهيم “الحكم الراشد، تحرير التجارة، حقوق المستهلك” وبحيث لا تصبح السياسات الاقتصادية جيدة الا من خلال منظور الشركات الكبرى. ان ما يقدمه الخبير بيركنز لهو احد الادلة التي تكشف ارتباط الخبراء بأصحاب المال والسلطة وعملهم المستديم في مجال انتاج ما يمكن الاصطلاح عليه بـ”المعرفة المغلفة”، فالدراسات والتقارير تدعي “العلمية” غير انها علمية من نوعية خاصة، لا تمت بواقع موضع الدراسة، وانما ارتباطها بعناصر تحدد سلفا كيفية تصوير ذلك الواقع، ومعه تغتصب العلمية عنوة، فتغلف التقارير بالرداء العلمي لتغطي حقيقة الانحياز والتضليل الذي يميزها. (35) نخلص في نهاية دراستنا الى النتائج التالية: – تواجه البشرية اليوم تحديات عديدة، سياسية واقتصادية واجتماعية واخلاقية، قد تقودها الى مصيرها المحتوم، مصير تنبأ عنه خطورة الوضع الراهن المتأزم. – اذا كانت الافكار هي التي تحكم العالم، فان سياسات القوى الكبرى (الهيمنة، التوسع، اقتصاد السوق…) هي نتاج طروحات ورؤى نظرية لمفكرين وخبراء حملوا على عاتقهم مسؤولية ابداع الافكار التي قادت الى سياساتنا الحالية، وحددت مساراتها، وساهمت في تبرير افعالها، وتثبيت نتائجها. وما خبراء مراكز الابحاث الا احد النماذج على ذلك، باعتبارها احد المؤسسات الهامة والفاعلة والتي لها بالغ التأثير في صنع سياسات أمريكا الداخلية والخارجية. – ان تعدد الجهات التي تحظى مراكز الابحاث الامريكية من قبلها بالمساعدات المالية والدعم السياسي والتوجيه الاعلامي، يقودنا الى التشكيك في مصداقية الانتاج الفكري لخبراء هذه المراكز، ذلك ان الارتباط الدائم بالممول المالي والداعم السياسي (السلطة) يقود مخرجات هذه المراكز الى خدمة اهداف هؤلاء بدل خدمة الاهداف الاخلاقية السامية. لقد اصبحت مراكز الفكر الامريكية تمثل نوع من المعرفة القادرة والمستعدة لخدمة السلطة ورجال المال، بدلا من خدمة الاهداف الاخلاقية السامية. ان عدم تحرر الخبير والمفكر السياسي من خدمة السلطة ورجال المال كما هو حال الكثير خبراء مراكز الابحاث الامريكية، يقود بالضرورة الى لي عنق الحقيقة لتبرير الاهداف السياسية او الاقتصادية او الطموحات الشخصية. – ان ما يقدمه خبراء مراكز الابحاث من ابحاث ودراسات وتوصيات دفعت بالضرورة الى تحقق الهيمنة الامريكية بعد الحرب الباردة، اضافة الى تنشيط حركة التجارة العالمية وتحقيق وحدانية السوق، وفي ظل جملت التحديات التي يواجهها العالم اليوم، يمكن معه التأكيد على ان هذا النوع من الخبرة والخبراء ضمن هذه المؤسسات لا يساهم باي شكل من الاشكال في معالجة التحديات، بل على العكس من ذلك يقودون الى مضاعفة المخاطر، نتيجة تبريرهم للسياسات الحالية المجحفة. – الاستقلال المعرفي للخبير والمفكر شرط رئيسي لإيجاد بيئة فكرية نقاشية تنتج ابحاث ودراسات علمية تخدم العلم والمعرفة، وتساهم في تدارك ما لحقنا جراء الارتباطات بالسلطة ورجال المال الممولين، فنحن نسارع الزمن، والمسؤولية يتحملها كل خبير ومفكر عبر العالم، فواجبا توضيح حقيقة ما نعيشه وتقديم البدائل التي تساهم في صنع مستقبل يحفظنا ويحفظ الاجيال القادمة. إن مواجهة تحديات الراهن العالمي تتأتى اساسا من تغيير الافكار التي انعكست على سلوكيات الدول والأفراد، والتي قادت بالتالي الى الواقع الذي نعيشه، وتغير الافكار رهين بضرورة تحقق الاستقلال المعرفي في ابحاث الخبراء والمفكرين. بالتعاون مع شبكة النبأ. * الاستاذ الدكتور طيبي محمد بلهاشمي الأمين، أستاذ محاضر أ جامعة أحمد بن بلة 02 وهران/بن عمار إبراهيم –باحث وطالب دكتوراه / جامعة أحمد بن بلة 02 وهران …………………………………. 1- إدغار موران، هل نسير الى الهاوية؟، تر: عبد الرحيم حزل، افريقيا الشرق، المغرب، الدار البيضاء، 2012، ص 128. 2- وهنا نقصد القيم التي حملها الاباء المؤسسين كشعار لقيام الدولة، مع انه لا يجب علينا اغفال السياق التاريخي لنشوء هذه الدولة في ضوء واقع تم من خلاله استبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة اخرى. 3- مجموعة من الباحثين، التسلح ونزع السلاح والامن الدولي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2004، ص878. 4- مجموعة من الباحثين، التسلح ونزع السلاح والامن الدولي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2004، ص917-918. 5- نعوم تشومسكي، الهيمنة ام البقاء السعي الامريكي الى السيطرة على العالم، دار الكتاب العربي، ط1، بيروت، تر: رامي الكعكي، 2004، ص268. 6- إدغار موران، مرجع سبق ذكره، ص86. 7- ريتشارد داتش.روبنز، المشاكل العالمية وثقافة الرأسمالية،، الاهلية للنشر والتوزيع، ط1، الاردن، 2008. ص660. 8- نفس المرجع، ص20. 9- جون بركنز، الاغتيال الاقتصادي للامم اعترافات قرصان اقتصاد، تر: مصطفى الفناني، عاطف معتمد، مكتبة الاسرة، القاهرة، 2012، ص16 10- بيل ماجواير، الكوارث الطبيعية: مقدمة قصيرة جدا، تر: اشرف عامر، مؤسسة هنداوي، ط1، مصر، 2014، ص37. 11- نفس المرجع، ص13. 12- بيل ماجواير، نفس المرجع، ص38. 13- نفس المرجع، ص44. 14- ريتشارد داتش.روبنز، مرجع سبق ذكره، ص666. 15-توماس ميدفيتز، مراكز الابحاث في امريكا، تر: نشوى ماهر كرم، منتدى العلاقات العربية والدولية، ط1، 2015، ص97 16- نفس المرجع، ص112.-143 17- جيمس الان سميث، سماسرة الافكار، تر: مجدى عبد الكريم، مكتبة مدبولي، ط1، القاهرة، 1994، ص15. 18- توماس ميدفيتز، المرجع السابق، ص143 19- المتابع الاستراتيجي(9-1)، تاثير مراكز الابحاث الاستراتيجية على صناعة القرار في الولايات المتحدة الامريكية، مركز الكاشف للدراسات الاستراتيجية، آذار، 2005، ص24. 20- نفس المرجع، ص4.-14 21- توماس ميدفيتز، مرجع سبق ذكره، ص251. 22- نفس المرجع، ص164. 23- تحصل مراكز الابحاث عن المال من خلال المشاركة في الانشطة الخاصة التي تدر عائدات، مثل اقامة المؤتمرات، او رسوم العضوية او بيع ما يصدره من كتب ودوريات خاصة، لكن هذا العائد الصغير نسبيا من الدخل الذي تجمعه معظم مراكز الابحاث، وبدلا عنه، تعتمد معضمها على خليط من التبرعات المؤسسات والشركات والافراد. 24- توماس ميدفيتز، مرجع سبق ذكره، ص165. 25- ستيفن بوشيه و مارتين رويو، مراكز الفكر: ادمغة حرب الافكار، تر: ماجد كيج، دار الفرابي، ط1، لبنان، 2009، ص108. 26- نفس المرجع، ص197. 27- هشام القروي، استراتيجية امريكية جديدة، http: //nama-center.com/ActivitieDatials.aspx?id=243 28- ستيفن بوشيه و مارتين رويو، مرجع سبق ذكره، ص23. 29- نفس المرجع، ص31. 30- المتابع الاستراتيجي(9-1)، مرجع سبق ذكره، ص24. 31- هشام القروي، مرجع سبق ذكره.ص190 32- ستيفن بوشيه و مارتين رويو، مرجع سبق ذكره، ص196. 33- نعوم تشومسكي، مرجع سبق ذكره، ص 10. 34- نفس المرجع، ص277. 35- ستيفن بوشيه و مارتين رويو، مرجع سبق ذكره، ص 215. الثلاثاء 28 آذار 2018