ألقى وزير الدفاع الأمريكي بانيتا يوم 2 يونيو خلال الدورة 11 من حوار شانغريلا كلمة بعنوان “أمريكا وإعادة التوازن في آسيا-الباسيفيك”، تحدث فيها أساسا على الدور الأمريكي في آسيا-الباسيفيك وكيفية دفع الإستراتيجية العسكرية الجديدة “إعادة التوازن”. وما لفت الإنتباه هو نشر 60% من القوات البحرية الأمريكية في منطقة آسيا-الباسيفيك. وتجدر الإشارة إلى أن الإستراتيجية العسكرية الجديدة التي أعلنتها الولايات المتحدة في يناير من العام الحالي، تهدف إلى نقل الثقل الإستراتيجي من إلى آسيا. غير أن هذه العبارة أثارت جدلا واسعا في داخل الصين وخارجها، حيث نظر إلى كلمة “نقل” على كونها تحمل لبسا كبيرا، الأمر الذي دفع الأمريكيين إلى تغييرها بعبارة “إعادة التوازن”، والمعنى من ذلك هو أن الولايات المتحدة لم تغادر منطقة آسيا-الباسيفيك مطلقا، وإنما هي بصدد إجراء تعديل على إهتماماتها الخارجية، بعد نهاية حربي العراق وأفغانستان. مالذي ستعيد أمريكا موازنته؟ أولا، التوازن بين الإستراتيجية الأوروبية والأسيوية. حيث أصبحت الولايات المتحدة ترى بأن أوروبا لم تعد مركز ثقلها الإستراتيجي، وأن آسيا قد حلت مكانها. وقد صرح بانيتا بأن أمريكا ستواصل تعزيز تواجدها العسكري في منطقة آسيا-الباسيفيك خلال الـ 5 أو الـ 10 سنوات القادمة. لكن قبل ذلك، شارك بانيتا في حفل تخرج طلبة معهد البحرية الأمريكية لعام 2012، وطالبهم بـ “المحافظة وتعزيز القوة الأمريكية في بحار آسيا-الباسيفيك الواسعة “. ثانيا، التوازن الإستراتيجي العسكري. ستركز أمريكا أكثر على القوات البحرية والجوية، وبحلول عام 2020 ستكون البحرية الأمريكية قد غيرت بنية إنتشارها العسكري الحالي “الإنفتاح 5-5” في المحيطين الهادي والهندي، وستنشر أكثر من 60% من سفنها الحربية في المحيط الهادي بما في ذلك؛ توزيع السفن العابرة للمحيطات والسفن المدمرة والغواصات والسفن المقاتلة الساحلية في المحيط الهادي، وستزيد عدد حاملات الطائرات إلى 6 حاملات. وأضاف بانيتا أنه إلى جانب زيادة الكمية، ستقوم الولايات المتحدة بنشر الغواصات والسفن الحربية الأكثر تطورا، وأحدث المعدات الإلكترونية وأنظمة الإتصال،لرفع جودة التواجد العسكري في المحيط الهادي. ثالثا، “الإعادة” تمثل توازن لنمط الإنتشار. على عكس القواعد الكبرى الدائمة التي تم تأسيسها خلال الحرب الباردة، يأتي تعزيز التواجد العسكري الأمريكي في منطقة آسيا-الباسيفيك هذه المرة للتنسيق مع الحلفاء والشركاء، عبر قبول مهام وقتية والمشاركة في مناورات وتدريبات وتحركات عسكرية مشتركة، وضمان إستعمال موانئ التزويد والمطارات وغيرها من المنشآت في الدول المتعاونة. وهذا النمط من الإنتشار يتميز بمنافعه الإقتصادية، وقلة النفقات وضعف التكلفة، إلى جانب ضعف حدة المعارضة السياسية داخل البلدان المتعاونة. كل لبيب بإمكانه أن يلاحظ من خلال كل أنماط “التوازن” أن أمريكا بصدد تحويل آسيا إلى مسرح لعرض عضلاتها أو بالأحرى لتقديم عرض لـ “كمال الأجسام”، ولا شك أن “إعادة التوازن” المبني أساسا على زيادة التواجد العسكري، سيكسر التوازن القديم في المنطقة. غير أنه على أمريكا أن تعيد التفكير في “إعادة التوازن ” داخل كل نمط من “التوازن”، أي التناقض الموجود بين التوسع العسكري وتعزيز العلاقات التجارة والاقتصادية بين أمريكا وآسيا. وبالمقارنة مع “أوروبا المتأزمة” والمناطق الأخرى، يعد الإقتصاد الآسيوي الأكثر إزدهارا وحيوية. لذلك فإن أمريكا في حاجة إلى رفع مكانة آسيا داخل إستراتيجيتها التجارية، لزيادة صادراتها إلى منطقة آسيا وتوفير الوظائف وتقاسم منافع النمو الإقتصادي الآسيوي. لكن إذا عملت أمريكا على زيادة التوتر والإحتقان في آسيا، فإن هذا من الواضح أنه لن يخدم المخطط الأمريكي لـ”مضاعفة الصادرات”. لكن، في الحقيقة، إن “إعادة التوازن” الذي يهدف إلى الهيمنة عبر القبضة العسكرية، قد يقوض السلام والإستقرار الذي نعمت بهما آسيا طوال 30 عام الماضية، والثقة والمصالح المتبادلة التي تأسست بين مختلف الدول الآسيوية، وبذلك سيجلب إلى آسيا “إعادة التوتر”و “زيادة التوتر“. تعد الصين موضوعا لا يمكن ألا تتطرق إليه أمريكا عند حديثها عن آسيا. وقد أشار بانيتا إلى أن الإستقرار في منطقة آسيا-الباسيفيك رهين بتحمل الجيشين الأمريكي والصيني للمسؤولية الأمنية المشتركة، لدعم السلام في منطقة آسيا-الباسيفيك والعالم، وقال بأن أمريكا ترغب في تعزيز التعاون مع الصين في الشؤون الأمنية، وفتح عهد جديد. أما الصين فهي تنتظر أن تتحول هذه الكلمات إلى أفعال. إن وضع التعايش بين الصين وأمريكا في منطقة المحيط الهادي وآسيا يتعلق بسعادة الشعبين الصيني والأمريكي، وعلى صلة أكبر بالسلام والإزدهار في آسيا. لذلك، على الصين وأمريكا أن يعملا بصفة مشتركة على توفير “منتجات عامة مسؤولة”، ولا يعتمدا على “إعادة التوازن” لموازنة الطرف المقابل، أو” موازنة” آسيا والعالم. وإلا سيغرقا في مستنقع “إعادة التوزان”، وخلق مزيد من التوتر في منطقة آسيا-الباسيفيك المتوترة أصلا، والإضرار بالمصالح الجوهرية الذاتية. صحيفة الشعب |