https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

المؤلف: إيدوي بلينال من هذا المنطلق، قدم الصحفي والكاتب الفرنسي إيدوي بلينال كتابه “لأجل المسلمين.. رسالة إلى فرنسا”، الصادر عن دار “لاديكوفرت” عام 2015، عقب أحداث شارلي إيبدو التي زادت من حدة الإسلاموفوبيا والخلط بين الإسلام والإرهاب والعنف، مؤكدا أن المسيحيين واليهود والمسلمين والملحدين الذين قتلوا في الاعتداء على جريدة شارلي إيبدو هم صورة فرنسا المتنوعة والمتعددة الثقافات والديانات. يصنف إيدوي بلينال على أنه مثقف متضامن مع قضايا المسلمين بفرنسا، وهو مدير جريدة لوموند سابقا والمدير الحالي لموقع ميديا بارت المتخصص بالاستقصاءات والتحقيقات الصحفية حول العديد من الفضائح السياسية والمالية في فرنسا في السنوات الأخيرة، وعلى أساس تحقيقاته فتح القضاء الفرنسي قضايا بعضها في حق الرئيس السابق نيكولا ساركوزي. أزمة الإسلام في فرنسا يضع الكاتب قضية الإسلاموفوبيا في فرنسا تحت مبضع التشريح, حيث عمد إلى تحليل مواقف مختلف الأحزاب والهيئات والتيارات السياسية، التي أصبحت مواقفها تتقارب مع مواقف الجبهة الوطنية العنصرية، فصارت تنتج الخطاب الإقصائي والتمييزي والعنصري. يشير الكاتب إلى أن الإسلاموفوبيا في فرنسا تخضع للتوظيف السياسي حيث يتم استثمارها لأغراض انتخابية في محاولة لاستقطاب أصوات ناخبين وقعوا ضحية تخويف ممنهج وتجييش إعلامي يجعل من المسلمين في فرنسا عدوا لهوية البلد وطابورا خامسا تكثر المطالبات بمحاربته. يوضح الكاتب أن مظاهر الكراهية تجاه المسلمين تدق ناقوس الخطر بانهيار النسيج الفرنسي، خصوصا مع تبرير العنف ضد المسلمين، وزيادة الأطروحات التي تلصق تأزم فرنسا بالمسلمين والمهاجرين بوجه عام في الأعوام الأخيرة بتقديمهم بوصفهم فرنسيين مشتبها فيهم وحاقدين من طرف مثقفين وقادة رأي لهم حضور إعلامي كبير كالمفكر ألان فينكلكروت والصحفيين إريك زمور وكاترين فوريست. “تراجع المؤشر العام للتسامح داخل المجتمع الفرنسي وفقد 12 نقطة خلال الأربع سنوات الأخيرة، كما تجاوزت الاعتداءات على المسلمين أكثر من 500 حالة بنسبة ارتفاع تقارب 60% مقارنة بالعام 2010” وفي هذا السياق، ينتقد بلينال مفهوم الفرنسي القح، وظاهرة الاستثناء الفرنسي في الهوية والثقافة التي يدافع عنها بعض المثقفين في مواجهة زحف الثقافة العربية والإسلامية التي يعتبرونها خطرا محدقا بالمجتمع الفرنسي. وينفي الكاتب صحة ربط الإسلام بمشاكل فرنسا، ضاربا أمثلة تكشف تعايش المسلمين المنحدرين من أصول عربية ومسلمة، ومؤكدا على التهميش العام الذي تتعرض له الجالية المسلمة المهاجرة والفرنسيون المسلمون في ضواحي المدن. علاوة على ذلك فـالخطاب السياسي الفرنسي لا يخلو من معاداة المهاجرين والمسلمين خصوصا، حيث يتناول الكتاب تصريحات بعض السياسيين البارزين بمختلف مشاربهم كساركوزي وفالز ولوبان، التي تبيّن أن هذه المعاداة قد صارت طريقا سهلا لدغدغة المشاعر والوصول للسلطة مع التغطية على المشاكل الفرنسية الحقيقية كالبطالة والفقر والفروقات الاجتماعية، متناسين أن الإسلام هو رافد ثقافي نابع من صلب تطور التاريخ السوسيولوجي ويغني الثقافة الفرنسية عامة. يتطرق الكاتب إلى مجموعة من الإحصائيات الصادرة عن اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان بفرنسا والتي تكشف ارتفاع معدلات العنصرية والتمييز اتجاه المسلمين خاصة، وكذلك التصاعد الشديد للأعمال المناهضة للمسلمين، حيث تراجع المؤشر العام للتسامح داخل المجتمع الفرنسي وفقد 12 نقطة خلال الأربع سنوات الأخيرة، كما تجاوزت الاعتداءات على المسلمين أكثر من 500 حالة بنسبة ارتفاع تقارب 60% مقارنة بالعام 2010. إضافة إلى ما سبق، تتزايد التنظيمات والحركات المعادية للإسلام في فرنسا كمجموعة “فرنسيو فرنسا” الإلكترونية التي تشن حروبا افتراضية تجاه العديد من المظاهر الإسلامية كلحم الحلال وصلاة الشوارع والحجاب. “إني أتهم” يطرح الكاتب أفكاره معتمدا على مقاربة تاريخية تقارن بين أوضاع اليهود خلال القرن التاسع عشر وأوضاع المسلمين في أوروبا حاليا، مستحضرا المقالة الشهيرة للكاتب الفرنسي إيميل زولا (1840-1902) بعنوان “إني أتهم”، وهي المقالة التي كتبت بتاريخ 13 يناير/كانون الثاني 1898 دفاعاً عن الضابط في الجيش الفرنسي ألفريد دريفوس، الذي اتهم في 1894 ظلماً بالتجسس لكونه يهودياً. “المواقف المعادية للمسلمين تتداخل فيها عدة عوامل وتتقاسمها أطياف سياسية مختلفة، تتجلى هذه العوامل في مقولات قديمة جديدة مثل تفوق الحضارة الأوروبية، وعدم تساوي الحضارات، وحرب وصدام الحضارات” يقول بلينال إن كتابه “لأجل المسلمين” كان بإمكانه أن يُعنونه أيضاً “لأجل فرنسا” لأنه “نداء للقضايا المشتركة، إلى استيقاظ كل المجتمع حتى تكون الجمهورية أخيراً للجميع”. يفكك الكاتب الخطاب المناوئ للإسلام والمسلمين ومقولاته المركزية الطاغية في أوساط سياسية وإعلامية ومثقفة، فقد ركز الكاتب على مقولة “هناك مشكل إسلام في فرنسا”، التي أطلقها الفيلسوف الفرنسي آلان فينكلكروت صاحب كتاب “الهوية الشقية” الذي يربط فيه بين ذوبان الهوية الفرنسية والمسلمين المتكاثرين و”الخطرين على الجمهورية”. وهنا، يعبّر الكاتب عن تحول أشهر مفكري فرسا إلى مروجي الكراهية ودعاة في مجال الأيديولوجيا العنصرية الحاقدة. وقد لقي ذلك التوجه ترحيباً لدى مثقفين وسياسيين يروّجون إلى أن فرنسا في حالة حرب مع الإسلام، وهو خطاب شبيه بالخطاب الذي ساد القارة الأوروبية منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الثانية، حيث قيل إبانها إن هناك وجودا لـ”مشكل يهودي”، وقاد إلى المحرقة. يرى الكاتب أن المواقف المعادية للمسلمين تتداخل فيها عدة عوامل، وتتقاسمها أطياف سياسية مختلفة، تتجلى هذه العوامل في مقولات قديمة جديدة مثل تفوق الحضارة الأوروبية، وعدم تساوي الحضارات، وحرب وصدام الحضارات، والإرث الأيديولوجي الاستعماري، والهجرة، والإسلام… ويزيد على ذلك أن اعتبار الإسلام تهديدا يسمح بشرعنة إقصاء المسلمين الذين اختُزلوا في الإسلام، في وقت اختُزل هذا الأخير في الإرهاب والتطرف. وبناء على ما تقدم، يصف الكاتب أن الخلط بين جماعة بأكملها، من أصل أو ثقافة أو عقيدة مسلمة، وتعميم بعض التصرفات الفردية المحدودة على الجميع ظلم في حقها، وأن السكوت عن هذا يعني تعود الضمائر على الإقصاء وشرعنة التمييز، وبذلك يقول “لأجل المسلمين إذن مثلما قد نكتب لأجل اليهود، لأجل السود، أو لأجل الغجر، ولكن أيضاً لأجل الأقليات والمضطهدين، أو بكل بساطة، لأجل فرنسا” . يسجل الكاتب عدة تصريحات رسمية أبرزها وزير داخلية ساركوزي آنذاك كلود غيان في مطلع 2012 عن عدم تساوي الحضارات، وكذلك تصريحات رئيس الوزراء الحالي مانويل فالس عندما اعتبر أن التحديات الثلاثة التي تواجهها فرنسا هي: الهجرة، وعدم توافق الإسلام مع الديمقراطية، وجمع الشمل العائلي, وهو قانون في فرنسا يسمح للمهاجرين باستقدام عائلاتهم إلى فرنسا للاستقرار فيها. “يسعى الكاتب إلى مخاطبة فرنسا لاستعادة قيم الجمهورية المتمثلة في الحرية والمساواة والإخاء، منوها إلى أن كراهية الدين تخالف قانون العلمانية الفرنسي الصادر عام 1905” وعلى هذا النحو، يتم استعمال الإسلام في فرنسا لصناعة عدو شامل، ويذكر الكاتب تصريح مانويل فالس عن عدو الداخل المتمثل -حسب قوله- في الإسلام والأحياء الشعبية في ضواحي كبريات المدن الفرنسية التي يقطنها مسلمون ولكنْ سود أيضا. وإجمالا، يسعى الكاتب إلى مخاطبة فرنسا لاستعادة قيم الجمهورية المتمثلة في الحرية والمساواة والإخاء، منوها إلى أن كراهية الدين تخالف قانون العلمانية الفرنسي الصادر عام 1905. وبذلك يعتبر هذا الكتاب دعوة جريئة إلى استعادة العلمانية المتسامحة التي تتقبل الأديان ولا تعاديها حتى أصبحت السياسة تتدخل في الدين وليس العكس، في انتشار لشعارات كالإسلام الفرنسي. وهذا الأمر يستوجب التأكيد على جوهر الديمقراطية، وهي تعايش الأفكار في إطار متنوع ينبذ الانتقاء والتصنيف والعنصرية التي تحاول تطبيع دونية فئة اجتماعية معينة لأنها لا تملك قيمة ورصيدا لدى الآخر، وذلك حتى لا تظل معالجة قضايا الإسلام بفرنسا من منظور موضوعي نغمة محظورة في لحن مستمر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

20 − 6 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube