باسل الحاج جاسم
بدأت الاحتجاجات الشعبية تنتشر في كازاخستان، منذ بداية عام 2022، بعد القفزة الحادة في أسعار الغاز المُسال الذي يستخدمه الكازاخيون بكثافة وقودًا للسيارات، لتشمل البلاد بأكملها تقريبًا. وقد أقال الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف الحكومة، وجمّد قرار رفع أسعار الوقود، غير أنّ هذين الأمرين لم يُهدِّئا المحتجين. وتجدر الإشارة إلى أن رفع أسعار الوقود كان الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات، ولكنْ توجد أيضًا أسباب أخرى تراكمية للاحتجاجات؛ بعضها معيشي، وبعضها اقتصادي، وبعضها الآخر سياسي.
لم يكن المشهد في كازاخستان تقليديًّا؛ ذلك أنّنا لم نرَ معارضة تحرِّك الشارع للاحتجاج، وتضع مطالب أمام السلطات لتنفيذها، وهو ما زاد الأمور تعقيدًا، لا سيما بعد تصاعد الاحتجاجات وبدْء أعمال التخريب والسيطرة على مباني حكومية ومنشآت استراتيجية ومطارَين، من دون ظهور قيادة توجه الاحتجاج أو تتحدث باسمه.
أعلن وزير الداخلية الكازاخي، ييرلان تورغومباييف، أن بلاده سجّلت خسائر بقيمة 212 مليون دولار، منذ اندلاع الاحتجاجات في مطلع كانون الثاني/ يناير 2022. وأضاف، في بيانٍ له، أن الأحداث التي اندلعت في غربي البلاد، في 2 كانون الثاني/ يناير، احتجاجًا على زيادة أسعار الغاز المسال وسوء الأوضاع المعيشية، تواصلت بعد يومين؛ من خلال الاستيلاء على المباني الإدارية في ستة أقاليم، وتخريبها في سبعة أقاليم أخرى عبر استخدام الأسلحة، وأضاف كذلك أنّ كازاخستان لم تصدر أي حصيلة محددة لعدد الخسائر البشرية حتى الآن، وأنها اكتفت بإعلان مقتل عشرات الأشخاص من بينهم 16 عنصرًا في قوات الأمن[1].
ويبلغ عدد سكان كازاخستان نحو 19 مليون نسمة، وهي دولة متنوعة من الناحية العرقية؛ إذ يمثّل الكازاخيون نحو ثلثَي السكان، أمّا الروس فإنّ نسبتهم دون ربع السكان، في حين تمثّل الأقليات الأصغر سائر السكان. ثمّ إنّ كازاخستان هي أكبر دولة في آسيا الوسطى، ويمتد جزء صغير منها في شرق أوروبا، وتساوي مساحتها أوروبا الغربية؛ إذ تبلغ نحو 2.717 مليون كيلومتر مربع، وهي تاسع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، ويحدّها من الشمال الغربي والشمال روسيا، وتمتلك معها أطول حدود في العالم بين دولتين؛ إذ يتجاوز طول الحدود بينهما 7500 كيلومتر. ويحدّ كازاخستان من الشرق الصين، ومن الجنوب قيرغيزستان وأوزبكستان وبحر آرال وتركمانستان، ويحدّها من الجنوب الغربي بحر قزوين المغلق، وهي لا تطلّ على سواحل مفتوحة، وتُعدّ أكبر دولة حبيسة في العالم[2].
وقد شهدت كازاخستان انتقالًا هادئًا للسلطة عام 2019 بعد حكم الرئيس السابق نور سلطان نازاربايف ثلاثين عامًا. فقد اختير نازاربايف عام 1989 سكرتيرًا أول للجنة المركزية للحزب الشيوعي الكازاخي، واستمر في الحكم حتى تاريخ تقديم استقالته في 19 آذار/ مارس 2019، ليتولى الرئاسة بعده، قاسم جومارت توكاييف، رئيس مجلس الشيوخ في برلمان البلاد. صحيح أنّ نازاربايف غادر الرئاسة، إلا أنه ظل في السلطة من خلال العديد من المناصب المفصلية التي تتيح له التأثير في شؤون الدولة بعد تقاعده، وتنصيبه زعيمًا للأمة مدى الحياة[3].
[1] نور سلطان ونذير علييف طيفور، “كازاخستان.. 212 مليون دولار خسائر منذ اندلاع الاحتجاجات: حسب بيان صادر عن وزير الداخلية..”، وكالة الأناضول، 9/1/2022، شوهد في 19/1/2022، في: https://bit.ly/3nEnSuS [2] “ماذا تعرف عن أكبر دولة حبيسة في العالم تعصف بها الاضطرابات حاليًّا؟”، بي بي سي عربي، 8/1/2022، شوهد في 19/1/2022، في: https://bbc.in/3nEq4Cm [3] باسل الحاج جاسم، كازاخستان والأستانة السورية: طموحات نمر آسيوي جديد وامتحان موسكو (مصر: دار نون للنشر والطباعة والتوزيع، 2020)، ص