https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

المؤلف : ساتنام سانغيرر
وُصفت الإمبراطورية البريطانية التي امتدت لعدة قرون، بأنها لا تغيب عنها الشمس، فقد شمل نفوذها بلدانا عديدة، أبرزها معظم الهند ومناطق أفريقيا الكبرى وشمال وجنوب أفريقيا، وتوسعت أيضا وراء البحار في آسيا والأميركتين.
وفي كتابه بعنوان “إمبايرلاند.. كيف شكلت الإمبريالية بريطانيا الحديثة؟”، يقدم المؤلف والصحفي البريطاني ساتنام سانغيرا نقدًا جديدا لتاريخ الإمبراطورية البريطانية، وتأثيرها المستمر على المجتمع البريطاني.
وفي مقاله الذي نشره موقع “كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية”، قال الكاتب والناقد ذو الأصل الكيني رامنيك شاه إن هذا الكتاب يعكس رأي ساتنام سانغيرا بوصفه طفلا مولودا في المملكة المتحدة لوالدين هنديين من السيخ، هاجرا إلى بريطانيا في أواخر الستينيات.
وقد تزامن صدور هذا الكتاب مع بروز حركة حياة السود مهمة والحركات ذات الصلة التي سلطت الضوء على الديناميكيات التاريخية للإمبريالية، بالإضافة إلى أهمية المجتمعات من أصول أفريقية وآسيوية والأقليات الإثنية البريطانية على وجه الخصوص.
ميراث الإمبراطورية
وأشار الكاتب إلى أن موروث المجموعات الإثنية في الإمبراطورية البريطانية ظل حاضرًا رغم عدم الاعتراف به إلى حد كبير. وحسب ما ورد في كتاب سانغيرا في الفصل الأول، فإنه “على الرغم من زيادة الاهتمام مؤخرًا بتاريخ الاستعمار البريطاني [..] فإن تأثير الإمبراطورية البريطانية على هذا البلد غير مفهوم جيدًا”.
يعزو ذلك إلى فشل نظام التعليم في المملكة المتحدة في تثقيف الأجيال المتعاقبة من تلاميذ المدارس حول هذا الموضوع.
يعود سانغيرا إلى هذا الموضوع في الفصل الأخير من الكتاب بعنوان “التخلص من الماضي” في سياق إنهاء استعمار المناهج التعليمية، مشيرا إلى أن فرص النجاح في ذلك قد تكون أكبر إذا تحدث النشطاء عن توسيع المناهج التعليمية بدلاً من إنهاء الاستعمار، وذلك من خلال إدراج تاريخ وثقافة الأقليات العرقية والسود في المنهج الدراسي.

وفي الفصل الثاني بعنوان، “أنا والإمبريالية”، يصف سانغيرا رحلته الجسدية والمجازية لاكتشاف الإمبراطورية من خلال تسليط الضوء على حياته بوصفه طفل عائلة مهاجرة وتراث السيخ خلال زياراته العديدة للهند في طفولته وفي سن البلوغ ومخرجا لأفلام وثائقية.

وأنهى هذا الفصل قائلا “بعد أن واجهت كيف شكلت بريطانيا حياتي وتعرفت عليها بشكل عميق، لا يسعني إلا أن أتساءل كيف شكلت الإمبريالية بريطانيا الحديثة في حد ذاتها؟”، وهو الموضوع الرئيسي للكتاب ككل.

وفي الفصل الثالث بعنوان “التاريخ الصعب”، يقدم سانغيرا مقترحات حول أساسيات الإمبراطورية مع اقتباسات من بعض الكتب العديدة المدرجة في المراجع التي اعتمدها لتوضيح علاقة بريطانيا المتباينة بمستعمراتها في جميع أنحاء العالم.

ويناقش سانغيرا في هذا الفصل المراحل الأولى من الإمبراطورية بقوله “تأسست الإمبراطورية البريطانية الأولى من القرن الـ17 إلى ثمانينيات القرن الـ18، وكانت قائمة على تطوير مزارع السكر في جزر الهند الغربية بمشاركة أعداد كبيرة من المستوطنين من المستعمرات الأميركية ومنطقة البحر الكاريبي”.
ثقافة الإمبراطورية

ومن خلال الإشارة إلى أن “لهجة وثقافة الإمبراطورية تباينت بشكل كبير خلال تاريخها”، يقدم سانغيرا نظرة عامة على “الفترة الممتدة بين 1660 و1807 عندما استفادت بريطانيا من تجارة الرقيق في المحيط الأطلسي”.

وبحلول بداية القرن الـ20، “انقسمت الهند وبقية الإمبراطورية بالفعل على أسس عرقية، حيث بات الأوروبيون يعيشون ويعملون ويتواصلون اجتماعيًا بشكل منفصل عن الأشخاص الذين استعمروهم”.

تطرق سانغيرا في الفصل الرابع إلى الثروات التي نهبتها بريطانيا المعروضة حاليا في متاحفها. ويقدم أمثلة لا حصر لها على الجشع والنهب الوحشي البريطاني.
ومن خلال تسجيل هذه التجاوزات الاستعمارية، لاحظ سانغيرا أن “ما حدث مع عمليات النهب الإمبراطوري، في كثير من الحالات، تمت إدانته بشدة في ذلك الوقت”.
وقد مثّلت اتفاقية لاهاي لعام 1899 تحولًا نموذجيا في هذا الشأن. وينهي سانغيرا هذا الفصل بالدعوة لاستعادة وإعادة القطع الأثرية المسروقة وغيرها من التراث المادي لإنهاء أوجه الاستعمار المتجلية في المتاحف والجامعات البريطانية.
قانون 1948

وفي الفصل الخامس تحت عنوان “نحن هنا لأنك كنت هناك”، يسرد سانغيرا تاريخ ذوي البشرة الملونة في بريطانيا على مر القرون، مستشهدا بالعديد من الأمثلة على غرار العبيد المحررين أو الفارين من جزر الهند الغربية، والمهاجرين، والمسافرين المؤقتين، والطلاب والأطباء وغيرهم من المهنيين والأمراء والأشخاص الذين أقاموا منازلهم الأولى أو الثانية في بريطانيا خلال الإمبراطورية وما بعدها.

تاريخيا، كان جميع المولودين أو المتجنسين في المملكة المتحدة أو الأقاليم البريطانية في الخارج رعايا بريطانيين، وهو ما يمنحهم الحق في الدخول إلى المملكة المتحدة.
ولعل هذا ما أقرّه قانون الجنسية البريطانية لعام 1948، والذي مكّن سكان المستعمرات من جزر الهند الغربية وشبه القارة الهندية والمستعمرات الأفريقية من الاستقرار في المملكة المتحدة.
في الفصل السادس بعنوان “في الوطن وبعيدًا عنه”، يشير سانغيرا إلى دراسة أظهرت أن المغتربين البريطانيين “يتواصلون بشكل أساسي مع المغتربين مثلهم، بينما لا يكون لديهم أصدقاء في البلد المضيف”، مقارنةً بأولئك الذين يعيشون في أفريقيا مثلا الذين يكونون أقل اندماجًا.

وهذه العزلة متأصلة في الإمبراطورية، التي أسست نوادي منفصلة وفرضت بروتوكولات صارمة تُقصي سكان المستعمرات وتمنع الاحتكاك بهم.
سياسات عالمية

يتحدث سانغيرا في الفصل السابع بعنوان “سياسات الأفضل في العالم”، عن العوامل التي مهدت إلى مزيد تفكك الإمبراطورية، وكيفية تعامل المملكة المتحدة مع مواطنيها في الخارج خلال الأزمات.

ويشير إلى كارثة السويس في عام 1956، وحرب فوكلاند عام 1982، و”الحرب على الإرهاب” في أفغانستان والعراق ومناطق أخرى من العالم باعتبارها إرثًا من الماضي الاستعماري أدى إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
كما ينتقد سانغيرا استجابة بريطانيا لأزمة كوفيد-19 في العام الأول من الجائحة. ويسلط الضوء على الروابط التاريخية بين الإمبراطورية وكل جانب من جوانب الحياة في الوقت الراهن.
الأموال القذرة

في الفصل الثامن بعنوان “الأموال القذرة” وصفٌ للثروات الهائلة لتجار العبيد وأصحاب المزارع في بريطانيا والتي موّلت حياة البذخ التي كانوا يعيشونها، من شراء المنازل الفخمة إلى اقتناء المجموعات الفنية القيّمة.
ويتساءل سانغيرا “هل كان عمدة لندن صادق خان محقًا عندما أعلن أن معظم ثروة مدينتنا وأمتنا مستمدة من تجارة الرقيق؟ لكنه ادعاء باطل حتى بالنسبة للإمبراطورية ككل”. ويُقر بأن “العبودية مثلت جانبا حاسما للإمبراطورية البريطانية”.

يتطرق سانغيرا في الفصل التاسع بعنوان “أصل عنصريتنا”، إلى العبودية. ويوضح أن الإمبراطورية تأسست على غزو وإخضاع الشعوب “الأصلية” أو “الأخرى” التي كان يُنظر إليها على أنها أقلية فاشلة أو غير قادرة على الدفاع عن نفسها.

وبمرور الوقت، عندما أدت المقاومة في المستعمرات إلى تمرد وعصيان، كانت الأعمال الانتقامية سريعة وشرسة ومثلت بداية حلقات لا حصر لها من الوحشية والقمع.

هذا ما حدث مثلا أثناء أو بعد التمرد الهندي في عام 1857، وتمرد خليج مورانت في جامايكا في 1865. ومع نمو الإمبراطورية وبلوغ ذروتها في القرنين الـ19 والـ20، أصبحت سياستها أكثر ترسيخًا لتفوّق العرق الأبيض.

وفي الفصلين التاليين بعنوان “عقلية الإمبراطورية” و”فقدان الذاكرة الانتقائي”، يشير سانغيرا إلى ما كانت عليه الإمبراطورية، وكيفية تلاشيها تدريجيًا من الذاكرة الجماعية.

ويختم كتابه بملاحظة دقيقة في الفصل بعنوان “التخلص من الماضي” يشير فيها إلى “غياب إجماع ناشئ حول التعليم ومقاومة السياسيين البريطانيين الاعتذار علنا عن أخطاء الماضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × 2 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube