يون صن( بروكينغز)
بحلول ربيع عام 2024، استقرت الصين على حقيقة مفادها أنّ احتمال رئاسة ترامب الثانية ليس حقيقياً فحسب، بل إنه مهم أيضاً. ووفقاً لمنظمة الاستطلاع الوطنية يتقدم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بنسبة 0.9% على الرئيس جو بايدن في استطلاعات الرأي، بنسبة 41.1% مقابل 40.2% لبايدن. ولا يبدو أن حكم الإدانة في المحاكمة الجنائية كان له تأثير كبير في الناخبين، وهو ما لا يزال ينعكس في تقدم ترامب.
من الصعب التنبؤ بنتيجة الانتخابات الأميركية، إذ يمكن أن تتغير في أي اتجاه حتى يوم الانتخابات. ومع ذلك، ليس مبالغاً القول إنّ ترامب لديه فرصة كبيرة للفوز. وبالتالي، يجب على بكين الاستعداد لتصعيد محتمل مع الولايات المتحدة على جبهات متعددة، فضلاً عن زيادة عدم اليقين والتقلبات.
هل تفضل الصين ترامب أم بايدن؟
أعلن الخبراء الصينيون علناً أنّه أياً كان الفائز، فإن كلا المرشحين يشكلان “سماً” للصين. ومن وجهة نظرهم، قد يجلب بايدن المزيد من الاستقرار للعلاقات الثنائية، على الرغم من استراتيجية المنافسة التي اتبعها على الصعيدين الاقتصادي والدبلوماسي.
وبالمقارنة، فإنّ موقف ترامب من التحالفات والشراكات الأميركية والأضرار التي قد يسببها يخدم أجندة بكين الاستراتيجية على المدى الطويل. ومع ذلك، على المدى القصير، فإنّ عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب واستخدامه أقصى قدر من الضغط من شأنه أن يضع الصين في زوايا صعبة للغاية، ما يجعله الخيار غير المرغوب فيه من وجهة نظر بكين.
بالنسبة إلى المسؤولين والنخب الصينيين الذين عانوا من السقوط الحر للعلاقات الأميركية- الصينية خلال العام الأخير من إدارة ترامب، فمن المذهل والمؤلم أن نتخيل ولاية أخرى لترامب، وكيف يمكن للصين أن تعمل معها.
وعلى كل حال، الصين تقف على الجانب السلبي في تلقي نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، والسؤال عن المرشح الذي تفضله يُنظر إليه أنه سؤال لاغٍ. ولكن بالنظر إلى الاحتمال الحقيقي بأن يفوز ترامب بإعادة انتخابه، فإن السؤال الملحّ بالنسبة إلى بكين هو كيفية التعامل مع ترامب وفريقه وسياساته في الصين.
الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في عهد ترامب قد تتصاعد
في التقييم الصيني الحالي، ستشهد ولاية ترامب الثانية على الأرجح موقفاً أميركياً أكثر صرامة بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية مع الصين، ما يؤدي إلى مزيد من الانفصال بين الاقتصادين. في وقت سابق من هذا العام، طرح ترامب تعريفات جمركية بنسبة 60% أو أعلى على جميع البضائع الصينية، ورسوماً جمركية شاملة بنسبة 10% على البضائع من جميع نقاط المنشأ، كجزء من خطاب حملته الانتخابية.
وإذا كانت ولايته الأولى بمنزلة سابقة، فإنّ مثل هذه التعريفات لن يكون مجرد تهديد فارغ. ووصفت وزارة التجارة الصينية الحرب التجارية في ظل الولاية الأولى لترامب بأنّها “أكبر حرب تجارية في تاريخ الاقتصاد العالمي”.
في أعقاب وعود حملته الانتخابية لعام 2016، فرض ترامب في 22 آذار/مارس عام 2018، تعريفات “القسم 301” على منتجات صينية بقيمة 60 مليار دولار لإجبار الصين على تغيير “ممارساتها التجارية غير العادلة”. وفي 6 تموز/يوليو 2018، تم فرض تعريفة إضافية بنسبة 25% على منتجات صينية بقيمة 34 مليار دولار. وردّت وزارة التجارة الصينية في اليوم نفسه بفرض تعريفات بنسبة 25% على منتجات أميركية بقيمة 34 مليار دولار، بما في ذلك فول الصويا، وهو أحد أهم الصادرات الزراعية من الولايات المتحدة إلى الصين.
ومع ذلك، وكما يتضح أيضاً من ولاية ترامب الأولى، فإنّ الصين لا تملك القدرة على الانتقام من الولايات المتحدة على قدم المساواة. ومع اختلال التوازن في التجارة بين الولايات المتحدة والصين، وحقيقة أن الولايات المتحدة تعاني عجزاً تجارياً كبيراً، فمن الواضح أنّ الصين لا تستطيع فرض المبلغ الإجمالي نفسه من الرسوم الجمركية على الصادرات الأميركية إلى الصين. وفي عام 2023، بلغت قيمة الصادرات الأميركية إلى الصين 147 مليار دولار، في حين بلغت قيمة الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة 427 مليار دولار. وتحدد هذه الحقيقة البسيطة أنّ الصين ليس لديها القدر نفسه من النفوذ لفرض الرسوم الجمركية على الصادرات الأميركية إلى الصين. ولا ينبغي للمرء أن ينسى أنّ الصين تحتاج بشدة إلى بعض السلع التي تصدّرها الولايات المتحدة إليها، مثل رقائق أشباه الموصلات المتطورة، لذا فإنّ فرض الرسوم الجمركية عليها، حتى لأغراض انتقامية، ليس في مصلحة الصين.
ومع ذلك، فإنّ الصين سوف تخوض معركة إذا تصاعدت الحرب التجارية. ففي نهاية المطاف، يتعين على بكين أيضاً أن تتعامل مع الضغوط الداخلية والمؤثرات الخارجية.
كيف يمكن للصين أن تستغل استراتيجية ترامب الخارجية؟
في مجال السياسة الخارجية والأمن، لم يتخذ الصينيون قرارهم بعد بشأن النتيجة النهائية لكيفية تأثير رئاسة ترامب الثانية في الصين. وبالنظر إلى ميل ترامب الانعزالي وميله إلى قياس العلاقات الأمنية مع الحلفاء والشركاء من منظور التكلفة والعائد الاقتصادي، فإنّ بكين تفترض أنّ رئاسة ترامب الثانية ستقوّض بشكل خطير مصداقية الولايات المتحدة وتحالفاتها وشراكاتها على مستوى العالم. وهذا في مصلحة الصين.
والصين مستعدة للاستفادة من ميل ترامب الانعزالي في هذا الصدد. والأمر الأكثر إلحاحاً هو أنّ الصينيين يتوقعون أن تؤدي ولاية ترامب الثانية إلى خفض الالتزام الأمني الأميركي والمساعدات العسكرية لحرب أوكرانيا. إنّ خطة ترامب السرية، إذا تم انتخابه، لإنهاء الحرب في غضون 24 ساعة، على حساب التضحية الإقليمية لأوكرانيا، يتم تداولها على نطاق واسع في الصين كدليل. وإذا حدث هذا فإنّ ثقة أوروبا في حلف شمال الأطلسي وفي التزام الولايات المتحدة الأمني سوف تهبط، وهو ما من شأنه أن يعزز بالتالي شيئين في أوروبا من وجهة النظر الصينية: الرغبة المتزايدة في الاستقلال الاستراتيجي؛ وربما موقف أكثر واقعية واعتدالاً بشأن الكيفية التي يمكن بها إنهاء الحرب في أوكرانيا. وكلاهما بمنزلة نهاية مرغوبة بالنسبة إلى الصين. وفي آسيا، يعتقد الصينيون أيضاً أنّ الولايات المتحدة الأقل التزاماً في عهد ترامب، من المحتمل أن تجبر حلفاء الولايات المتحدة، وخاصة اليابان وكوريا الجنوبية، على إعادة ضبط علاقتهم مع الصين.
المزيد من التحديات المحتملة على العلاقات الخارجية
لم تؤكد الصين حكمها بشأن الاتجاه الذي ستدفع إليه رئاسة ترامب الثانية قضية تايوان. وقد اشتكى ترامب من استيلاء تايوان على كل أعمال الولايات المتحدة في مجال الرقائق في كانون الثاني/يناير 2024. وعلى الرغم من ذلك، تجد الصين تخلّي الولايات المتحدة عن تايوان في عهد ترامب، أمراً لا يصدّق.
تتذكر بكين بوضوح كيف شهدت ولاية ترامب الأولى بعض التحولات الأكثر دراماتيكية في المواقف الأميركية بشأن تايوان خلال العقود الماضية، مثل الرفع المفاجئ لقواعد الحكومة الأميركية التي تحظر التفاعلات بين الدبلوماسيين الأميركيين والتايوانيين من قبل الولايات المتحدة آنذاك.
لا تعتقد الصين أنّ ترامب يريد حرباً مع الصين بشأن تايوان، لكنهم يرون أنّ تساهل فريقه مع تايوان هو نتيجة لحملة “الضغط الأقصى” الشاملة لإجبار الصين على الرضوخ على جبهات أخرى، مثل التجارة. إذا كان هذا صحيحاً، فسوف تواجه الولايات المتحدة والصين المزيد من الاضطرابات في تايوان في ظل رئاسة ترامب الثانية.
وتمثّل روسيا منطقة أخرى من الغموض. ففي نهاية المطاف، خلال إدارة ترامب الأولى، كان أحد المخاوف الرئيسية لبكين هو التقارب بين واشنطن وموسكو، ما ترك بكين كرجل غريب. وإذا كانت الولايات المتحدة ترى الصين حقاً باعتبارها التهديد الاستراتيجي الرئيسي على المدى الطويل، فيمكن للمرء أن يجادل بأن واشنطن بحاجة إلى تحسين العلاقات مع روسيا لتقويض التواطؤ الصيني- الروسي. ومع ذلك، أثبتت ولاية ترامب الأولى أنّ تحسين العلاقات مع روسيا غير ممكن سياسياً، حتى بالنسبة إلى ترامب. وقد زادت حرب أوكرانيا من عدم احتمال هذا السيناريو، وازداد التحالف بين الصين وروسيا بشكل غير مسبوق منذ عام 2022. ومع ذلك، فإنّ الانفراج المحتمل بين الولايات المتحدة وروسيا دائماً ما يكون على رادار بكين باعتباره أسوأ كابوس لها، خاصة في ظل رئاسة ترامب.
وتوجد المزيد من المخاوف في مجالات أخرى من العلاقات الثنائية. خلال فترة ولاية ترامب الأولى، لاحظت الصين ميل فريقه إلى التمييز بين الشعب الصيني والحزب الشيوعي الصيني، وهو ما يعني ضمناً أنّ نزع شرعية النظام كان هدفهم النهائي. وقد أدّى ذلك إلى دفن كل احتمالات الحوار السياسي أو التعاون بين الحكومتين الأميركية والصينية. ونتيجة لذلك، اختنقت المناقشات حول التحديات العالمية مثل تغير المناخ ومنع انتشار الأسلحة النووية. ربما تحسباً للتعليق المحتمل للحوار وآليات التعاون في ظل رئاسة ترامب الثانية، تحاول الصين منذ العام الماضي بناء تلك الآليات لخلق أرضية أعلى للعلاقات الثنائية، والأمل هو الحفاظ على المزيد من الأمور والقنوات للتخفيف مما يُعتقد أنها ستكون أربع سنوات متقلبة مقبلة إذا فاز ترامب.
وبينما تنظر الصين إلى قواعد اللعبة التي تمارسها بشأن كيفية التعامل مع ولاية ترامب الثانية، هناك نتيجتان أساسيتان؛ الأولى تتلخص في إدراك مؤلم أنّ الصين لديها قدرة محدودة على منع أو مواجهة السياسات التي سينتهجها ترامب في فترة ولاية ثانية، والرد الأكثر طمأنينة هو أنّ الصين قادرة على تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة اقتصادياً ومتابعة نظامها العالمي الموازي إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض.
والنتيجة الثانية هي أنّ قدراً كبيراً من أسلوب سياسة ترامب في التعامل مع الصين يعتمد على تكوين فريق ترامب، وليس على ترامب نفسه. ولذلك، تراقب بكين من كثب من سيكون في فريق ترامب. وقد بذل المحاورون الصينيون بعض المحاولات للتواصل مع فريق ترامب، وخاصة أولئك الذين يعملون في الصين، لإقامة اتصالات وبناء العلاقات. ومع ذلك، فقد تم إغلاق هذه الجهود المباشرة بشكل أو بآخر من قبل الحكومة الصينية خوفاً من اتهامات محتملة بشأن جهود الصين للتدخل في انتخابات 2024.
والنتيجة لعام 2024 هي أنّ الصين تسعى إلى الاستقرار مع إدارة بايدن، والجهود الصينية لبناء المزيد من الحوارات والقنوات والتعاون تهدف جزئياً إلى الاستعداد للسيناريو المحتمل لسقوط حر آخر في العلاقات مع الولايات المتحدة.
وستحاول بكين تحقيق الاستقرار في العلاقة والسعي إلى التعايش، في حال فوز ترامب. ولكن الأهم من ذلك كله هو أنّ الصين في وضع الاستعداد للتأثير في كل شيء، من التجارة إلى تايوان، ومن العلاقات السياسية إلى العلاقات الدبلوماسية.
ترجمة : بتول دياب