https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

 

 

كتب محمد خير الوادي :

لكل جواد كبوة ،  ولكل فارس غفوة ، هذا المثل العربي ينطبق بدقة على حال الشيخة حسينة واجد رئيسة وزراء بنغلاديش الهاربة .لقد جاءت الشيخة حسينة الى الحكم عام 1996 على متن موجتين سياسيتين عارمتين : الاولى  هي ارث والدها الشيخ مجيب الرحمن صانع استقلال بنغلاديش وفصلها  عن الباكستان عام 1971، والموجة الثانية  تجلت في القضاء على الحكم العسكري ورفع شعارات احياء الديمقراطية في بنغلاديش . ومنذ ذلك التاريخ جرت مياه كثيرة  في نهر براهما بوترا ، الذي فاض عدة مرات وجرف معه شعارات  الاستقلال والديقراطية  التي رفعتها الشيخة حسينة اثناء حكمها الذي استمر نحو عقدين من الزمن.

فقد رهنت رئيسة وزراء بنغلاديش وضع بلادها السياسي  للهند ، والوضع الاقتصادي للصين .وسافصل قليلا  في ذلك .

فمن اجل نيل رضى الهند ، لاسيما بعد قدوم مودي حاكما في دلهي ، حاولت  الشيخة حسينة  فرض العقيدة الهندوسية  في بلادها المسلمة ، ورفعت عاليا يافطة ” مكافحة الارهاب الاسلامي ” واعتقلت واعدمت قادة الاحزاب الاسلامية المعادين للهند  ، وواصلت تكريم احفاد الاشخاص الذين تعاونوا مع القوات الهندية اثناء ما يسمى  بحرب الاستقلال ، واعتبرتهم ابطالا وطنيين . ورغم انقضاء نصف قرن ، الا ان الشيخة حسينة منحت 56%بالمائة من وظائف الدولة لاحفاد واقارب ” ابطال” الاستقلال ، الامر الذي  اغلق ابواب العمل  في وجه  16 مليون  شاب باتوا عاطلين عن العمل . ولذلك انتفض هؤلاء في بداية تموز الماضي  ضد حكم الشيخة حسينة .

وفي الوقت نفسه ، بدأت  حسينة منذ عام 2014 – ارضاء لرئيس وزراء الهند  مودي – باعتقال ومحاكمة الاشخاص الذين قاوموا الغزو الهندي عام 1971 .واصدرت احكاما باعدام الاف الاشخاص ، نفذ كثيرا منها .

وجريا على عادة حكام الدول النامية  في اللعب على  حبل المتناقضات الدولية ، سارعت حسينة لاستغلال  الخلاف الهندي الصيني ، من اجل دفع الصين للاستثمار في بنغلاديش . وفي حقيقة الامر ، فقد افلحت في ذلك . فقد حصلت  الشيخة حسينة على نحو ثلاثين مليار دولار قروضا من الصين ، وعندما حان وقت الدفع ، لم تتوانى الشيخة حسينة عن التفريط بسيادة وارض بنغلاديش ومنح  بعض اهم  المواقع الاستراتيجية في البلاد للصين ، كما جرى مع مرفأ شيتاتونغ الاستراتيجي الذي وضع بالكامل تحت الادارة الصينية لسداد القروض الصينية .كما وافقت الحكومة البنغلاديشية على اقامة قاعدة بحرية عسكرية للصين ، واشترت بقروض صينية اسلحة صينية  بمليارات الدولارات.

ومن اجل تهدئة مخاوف الهند حيال تقارب بنغلاديش مع الصين ، بادرت حسينة الى اعتقال المعارضين والمنتقدين للهند في بنغلاديش.

واللعب على الحبال نفسه مارسته الشيخة حسينة مع الاتحاد الاوربي  وامريكا ، فهي قد قدمت نفسها للرأي للرأي العام الغربي على انها علمانية منفتحة ، ومكافحة  شرسة  ضد التطرف الاسلامي .

واذا كانت حسينة قد افلحت في اللعب على حبال  التناقضات الدولية لتحسين صورتها الخارجية ، الا ان هذه المناورات اججت عداء حقيقيا لها داخل بنغلاديش  ، ودفعت خصومها للوحدة والعمل المشترك ضدها . وهنا بالذات اخطأت حسنة .

والكبوة الاخرى لهذه المرأة الفولاذية ،تجلت في  ابقاء الديمقراطية  وحرية التعبير حبرا على الورق . فقد مارست رئيسة وزراء بنغلاديش اقسى انواع القمع والعنف ضد كل صوت معارض لها . ولم تتوانى  عن اعدام الاف المعارضين وزجهم في السجون ، والتعامل مع خصومها بوحشية بالغة . واسوق مثالا على ذلك ، تعاملها اللا انساني مع عدوتها اللدودة خالدة ضياء رئيسة وزرا وزراء بنغلاديش السابقة . فلم تكتف حسينة بزج خالدة في السجن لسنوات طويلة ، بل حرمتها من الدواء وحولتها الى مقعدة ،ومنعتها من السفر الى الخارج لمعالجة كبدها المهتريء. وقد أُفرج عن خالدة بعد الاطاحة بالشيخة حسينة .

و” الكبوة” الاخرى  التي سقطت بها حسينة ، تمثلت في اختفاء العدالة في توزيع نتائج التقدم الاقتصادي الذي  انجزته رئيسة وزراء  بنغلاديش السابقة . فعليا ، لقد حققت البلاد قفزات اقتصادية كبيرة ، حيث  وصلت نسبة النمو السنوي الى 6% ، متفوقة في ذلك على الهند ، وباتت بنغلاديش الاولى عالميا في تصدير الملابس الجاهزة  وتم انقاذ ملايين الاشخاص من براثن الفقر ، لا سيما النساء . لكن المشكلة ان حصيلة هذا التقدم الاقتصادي الكبير استفاد منها اعضاء حزب ” عوامي ” الحاكم والمؤيدون لرئيسة الوزراء . اما الاغلبية من الشعب في بنغلاديش ، فقد بقيت اسيرة الفقر والفاقة ، لانعدام العدالة في توزيع الثروة الوطنية .

ان مسيرة صعود وسقوط الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش لعقدين من الزمن ، زاخرة بالعبر والدروس .فهذه المرأة الطموحة التي تمكنت من الوصول الىى حكم بلد اسلامي مهم يبلغ سكانه 170 مليونا ، سقطت لانها  وقعت فريسة  للغرور والادمان على السلطة ، وهم مرضان  يُبهران البصر، ويعميان  البصيرة .

6/8/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 + 17 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube