كتب محمد خير الوادي :
لكل جواد كبوة ، ولكل فارس غفوة ، هذا المثل العربي ينطبق بدقة على حال الشيخة حسينة واجد رئيسة وزراء بنغلاديش الهاربة .لقد جاءت الشيخة حسينة الى الحكم عام 1996 على متن موجتين سياسيتين عارمتين : الاولى هي ارث والدها الشيخ مجيب الرحمن صانع استقلال بنغلاديش وفصلها عن الباكستان عام 1971، والموجة الثانية تجلت في القضاء على الحكم العسكري ورفع شعارات احياء الديمقراطية في بنغلاديش . ومنذ ذلك التاريخ جرت مياه كثيرة في نهر براهما بوترا ، الذي فاض عدة مرات وجرف معه شعارات الاستقلال والديقراطية التي رفعتها الشيخة حسينة اثناء حكمها الذي استمر نحو عقدين من الزمن.
فقد رهنت رئيسة وزراء بنغلاديش وضع بلادها السياسي للهند ، والوضع الاقتصادي للصين .وسافصل قليلا في ذلك .
فمن اجل نيل رضى الهند ، لاسيما بعد قدوم مودي حاكما في دلهي ، حاولت الشيخة حسينة فرض العقيدة الهندوسية في بلادها المسلمة ، ورفعت عاليا يافطة ” مكافحة الارهاب الاسلامي ” واعتقلت واعدمت قادة الاحزاب الاسلامية المعادين للهند ، وواصلت تكريم احفاد الاشخاص الذين تعاونوا مع القوات الهندية اثناء ما يسمى بحرب الاستقلال ، واعتبرتهم ابطالا وطنيين . ورغم انقضاء نصف قرن ، الا ان الشيخة حسينة منحت 56%بالمائة من وظائف الدولة لاحفاد واقارب ” ابطال” الاستقلال ، الامر الذي اغلق ابواب العمل في وجه 16 مليون شاب باتوا عاطلين عن العمل . ولذلك انتفض هؤلاء في بداية تموز الماضي ضد حكم الشيخة حسينة .
وفي الوقت نفسه ، بدأت حسينة منذ عام 2014 – ارضاء لرئيس وزراء الهند مودي – باعتقال ومحاكمة الاشخاص الذين قاوموا الغزو الهندي عام 1971 .واصدرت احكاما باعدام الاف الاشخاص ، نفذ كثيرا منها .
وجريا على عادة حكام الدول النامية في اللعب على حبل المتناقضات الدولية ، سارعت حسينة لاستغلال الخلاف الهندي الصيني ، من اجل دفع الصين للاستثمار في بنغلاديش . وفي حقيقة الامر ، فقد افلحت في ذلك . فقد حصلت الشيخة حسينة على نحو ثلاثين مليار دولار قروضا من الصين ، وعندما حان وقت الدفع ، لم تتوانى الشيخة حسينة عن التفريط بسيادة وارض بنغلاديش ومنح بعض اهم المواقع الاستراتيجية في البلاد للصين ، كما جرى مع مرفأ شيتاتونغ الاستراتيجي الذي وضع بالكامل تحت الادارة الصينية لسداد القروض الصينية .كما وافقت الحكومة البنغلاديشية على اقامة قاعدة بحرية عسكرية للصين ، واشترت بقروض صينية اسلحة صينية بمليارات الدولارات.
ومن اجل تهدئة مخاوف الهند حيال تقارب بنغلاديش مع الصين ، بادرت حسينة الى اعتقال المعارضين والمنتقدين للهند في بنغلاديش.
واللعب على الحبال نفسه مارسته الشيخة حسينة مع الاتحاد الاوربي وامريكا ، فهي قد قدمت نفسها للرأي للرأي العام الغربي على انها علمانية منفتحة ، ومكافحة شرسة ضد التطرف الاسلامي .
واذا كانت حسينة قد افلحت في اللعب على حبال التناقضات الدولية لتحسين صورتها الخارجية ، الا ان هذه المناورات اججت عداء حقيقيا لها داخل بنغلاديش ، ودفعت خصومها للوحدة والعمل المشترك ضدها . وهنا بالذات اخطأت حسنة .
والكبوة الاخرى لهذه المرأة الفولاذية ،تجلت في ابقاء الديمقراطية وحرية التعبير حبرا على الورق . فقد مارست رئيسة وزراء بنغلاديش اقسى انواع القمع والعنف ضد كل صوت معارض لها . ولم تتوانى عن اعدام الاف المعارضين وزجهم في السجون ، والتعامل مع خصومها بوحشية بالغة . واسوق مثالا على ذلك ، تعاملها اللا انساني مع عدوتها اللدودة خالدة ضياء رئيسة وزرا وزراء بنغلاديش السابقة . فلم تكتف حسينة بزج خالدة في السجن لسنوات طويلة ، بل حرمتها من الدواء وحولتها الى مقعدة ،ومنعتها من السفر الى الخارج لمعالجة كبدها المهتريء. وقد أُفرج عن خالدة بعد الاطاحة بالشيخة حسينة .
و” الكبوة” الاخرى التي سقطت بها حسينة ، تمثلت في اختفاء العدالة في توزيع نتائج التقدم الاقتصادي الذي انجزته رئيسة وزراء بنغلاديش السابقة . فعليا ، لقد حققت البلاد قفزات اقتصادية كبيرة ، حيث وصلت نسبة النمو السنوي الى 6% ، متفوقة في ذلك على الهند ، وباتت بنغلاديش الاولى عالميا في تصدير الملابس الجاهزة وتم انقاذ ملايين الاشخاص من براثن الفقر ، لا سيما النساء . لكن المشكلة ان حصيلة هذا التقدم الاقتصادي الكبير استفاد منها اعضاء حزب ” عوامي ” الحاكم والمؤيدون لرئيسة الوزراء . اما الاغلبية من الشعب في بنغلاديش ، فقد بقيت اسيرة الفقر والفاقة ، لانعدام العدالة في توزيع الثروة الوطنية .
ان مسيرة صعود وسقوط الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش لعقدين من الزمن ، زاخرة بالعبر والدروس .فهذه المرأة الطموحة التي تمكنت من الوصول الىى حكم بلد اسلامي مهم يبلغ سكانه 170 مليونا ، سقطت لانها وقعت فريسة للغرور والادمان على السلطة ، وهم مرضان يُبهران البصر، ويعميان البصيرة .
6/8/2024