كتب محمد خير الوادي :
بعيدا عن غبار المعاركة الطاحنة ، ولهيب الحرائق المشتعلة في كل من غزة واوكرانيا ، التقى الرئيسان الامريكي والصيني في قرية امريكية نائية ،تقبع على تلال سان فرنسيسكو الخضراء المطلة على هوليود- عاصمة السينما العالمية . لم يكن اختيار هذا المكان الساحر عبثا ومصادفة ، بل تعمد الرئيسان التحادث في اجواء هادئة ، بعيدا عن ضوضاء قمة دول المحيط الهادي وصخبها .
كان الطرفان بحاجة ماسة الى هذا اللقاء .
فالعلاقات الاقتصادية الثنائية كانت مهددة بالتراجع اثر العقوبات المتبادلة الحادة. و تقلصُ التبادل العلمي والثقافي ، اغلق الباب الامريكي في وجه مئات الالاف من الباحثين والطلاب الصينيين، وانهى التبادل العلمي والثقافي بين المؤسسات البحثية والتعليمية في البلدين . اضافة الى ذلك ، فان الاحتكاكات المتكررة بين قوات البلدين في الجو والبحر ، كادت ان تشعل فتيل حرب شاملة بينهما ، خاصة عندما اقتربت الطائرات الصينية لمسافة ثلاثة امتار فقط من قاذفات امريكية تحمل اسلحة نووية فوق بحر الصين الجنوبي .
وفي الجانب السياسي بدأت تظهر نذر حرب باردة بين بكين وواشنطن ، حيث كان الاختلاف سيد الموقف تجاه القضايا العالمية كلها .
باختصار ، كان كل من بايدن وشي بحاجة ماسة لهذا اللقاء لتبريد الاجواء ، وعدم السماح بتحول المنافسة بينهما لصدام مباشر . ولذلك حرص الرئيسان على اضفاء الالفة والدفء على اجواء القمة . فتصافحا والابتسامات العريضة تعلو وجهيهما ، وسارا في نزهة منفردة في حديقة المنزل التاريخي ،وتبادلا المزاح والطرفات ثم ان بكين لم تعر اهتماما لوصف بايدن للرئيس شي انه ديكتاتور ،واكتفت بالتفسير المخفف الذي قدمه فيما بعد الرئيس الامريكي لهذا الوصف .بكلمات أخرى ، اراد الرئيسان نجاح هذه القمة رغم قصر مدتها الزمنية ،( اربع ساعات) .
والآن نعود الى النتائج التي حققتها القمة المذكورة . باعتقادى ان اهم نتيجة تمخضت عنها القمة ،هي كسر حدة العداء بين امريكا والصين وانهاء القطيعة بينهما، وارجاع العلاقات الثنائية الى طريق التعاون المثمر .فقد اتفق الرئيسان على اعادة الاتصالات المقطوعة بين البلدين لا سيما في المجال العسكري ، وتفعيل خط الهاتف المباشر بين الرئيسين ، وبذل جهود مشتركة لمكافحة المخدرات ،والبدء بمباحثات حول منع استخدام الذكاء الاصطناعي لتهديد الامن والاستقرار في العالم ، وتسريع خطوات الالتزام بالتعاون المناخي . وعلى الصعيد السياسي ، يبدو ان الرئيسين قد اتفقا على تخفيض التوتر حول المسألة التايوانية ، وفق المعادلة التالية : الصين تتراجع عن تهديداتها العسكرية لاجتياح تايوان ، وتعطي الاولوية للحل السياسي ، مقابل التزام امريكا بسياسة الصين الواحدة .
لقد رسخت قمة سان فرانسيسكو اهمية التعاون الصيني الامريكي في حل المسائل الدولية . صحيح ـ ان هذا القمة لم تتطرق بشكل مفصل سوى للمسألة التايوانية ، لكن من المتوقع ، ان تتوسع روح التعاون هذا لتشمل قضايا دولية اخرى ، مثل تخفيض التوتر المشتعل في الشرق الاوسط، والبحث عن سبل معالجة الازمة الاوكرانية المستعصية ، وبث الروح في التعاون الدولي لمكافحة الفقر والجريمة وغيرها .
واخيرا اقول : لقد باتت كل من الصين وامريكا على قناعة تامة ، بان التعاون بينهما هو افضل من القطيعة، وهو الوسيلة الناجعة لحل كل المسائل المختلف عليها .
18/11/2023