المؤلف: كولين دويك يمثل الحذر الشديد السمة المميزةلياسة اوباما مع وجود حالة من الترقب للحدث مع غياب للمبادرة من الطرف الأميركي -ولا سيما مع اندلاع أحداث ساخنة في الشرق الأوسط وشرق أوروبا والشرق الأقصى- كان من شأنه أن يظهر الولايات المتحدة بمظهر الضعيف وليس المراقب. يضع كولين دويك -الذي يعتبر من أبرز الدارسين في ميدان السياسات الخارجية الأميركية- في كتابه هذا السياسة الأوبامية الخارجية ورؤاها الليبرالية مقابل الفكر الجمهوري المنافس وخارطته السياسية الخارجية. ومن الواضح كما يشير دويك أن سياسة التقشف والحرص التي رسمت مسار سياسة أوباما الخارجية كانت ناجحة لوقت ما على صعيد شحذ شعبيته الداخلية، بل ساهمت في تسريع وتيرة تحقيق رؤيته في السياسات المحلية الأميركية. ومن المؤكد أن أوباما ـ كما يشير الكتاب ــ قد حقق العديد من النجاحات باتباعه هذا النهج، إلا أن هذه النجاحات لم تأتِ بلا أثمان! فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم تعد العديد من دول العالم التي كانت تعتبر الولايات المتحدة الأميركية رائدة في السياسات الدولية تثق بقدرة أميركا على القيام على هذه السياسات، وبالمقابل فإن خصوم أميركا في العالم الذين كانوا دائما يشككون بنجاعة سياساتها انتهزوا الفرصة بالطبع ليأكدوا على نظريتهم التي رفعت وتيرة الرفض بل والعداء للسياسات الأميركية الدولية. مما لاشك فيه أن خصوم أوباما في الداخل ومنافسي الحزب الديمقراطي من الحزب الجمهوري الطامعين باستعادة البيت الأبيض سيستخدمون هذه الحقيقة في الحملات الانتخابية الرئاسية الساخنة في العام 2016، وسيعتبرونها نقطة ضعف يبنون عليها خطاباتهم ودعاياتهم الإعلامية من أجل كسب أصوات الناخبين ممن تعاطف مع أوباما أو أيد سياساته، هذا ناهيك عن من يصنفون ضمن خانة “الناخب المتأرجح” وهم عادة يقررون في اللحظات الانتخابية الأخيرة اسم من سيعطونه الثقة ويكتبونه في ورقتهم لصندوق الاقتراع. يشير دويك إلى أن الرئيس أوباما أسس مليا لعقيدته السياسية استنادا إلى محورين رئيسين، الأول يقوم على مبدأ التوجه إلى الداخل الأميركي وإيلائه القدر اللازم من الزخم السياسي من أجل تمرير أفكار أوباما الأقرب إلى الاشتراكية المعتدلة. فالرئيس الأميركي يعتقد أن قوة أميركا تنبع من تماسكها ونمائها في الداخل وليس من علاقاتها الدولية وسطوتها الخارجية، وأن الأمن القومي الأميركي لا يمر في قناة السياسات الدولية بل يعززه مجتمع قوي يقوم على إتاحة الخدمات للجميع، كمشروعه لترشيد التأمين الصحي الذي يسمى بـ”أوباما كير”. وبناء على هذا المعتقد السياسي توجه أوباما بمساعدة حزبه من الديمقراطيين للضغط من أجل تقليص ميزانية الدفاع الأميركية وبالانسحاب من المناطق الساخنة في العالم كما هو الحال في العراق وأفغانستان، وكذلك تشجيع الدول للقيام بمهمة تحقيق أمنها والدفاع عن قيمها السياسية وسيادتها دونما تدخل مباشر من أميركا، وبالتالي تخفيض المشاركة الفعلية للقوات الأميركية في النزاعات الدولية إلى أقصى الحدود توفيرا للأرواح والمال. ويشير دويك في هذا الصدد إلى أن “تراجع المشاركة في قضايا دولية وإقليمية معقدة أتاح له فرصة التركيز على قضايا المجتمع الأميركي مثل قضية الهجرة، والرعاية الصحية، والتعليم بأغلب مراحله ولا سيما الابتدائية، والمناخ والبيئة، وغيرها من الأمور الحيوية التي تعتبر في صلب اهتمام المواطن الأميركي. ولا ريب أن اتجاهه هذا إلى رعاية الشؤون الداخلية الأميركية هو ما أتاح له أن يحكم أميركا لفترتين رئاسيتين بالرغم من اللغط الكبير الذي يسود عند النخب حول سياساته الخارجية”. أما المحور الثاني الذي يشكل الحامل لعقيدة أوباما السياسية فهو سعيه الحثيث لاحتواء دول كانت تعتبر إلى ما قبيل مجيئه إلى سدة البيت الأبيض دولا مخاصمة أو مارقة أوعدوة مثل الصين وإيران وروسيا. فعلى مستوى إيران قام الرئيس الأميركي ببذل جهد كبير خلال فترتيه الرئاسيتين لمد يده بالمصافحة لإيران ثم جرها بعمل دبلوماسي متصل إلى طاولة المفاوضات مع الدول الكبرى فيما يخص برنامجها النووي حتى تم التوصل إلى اتفاق تاريخي بينها وبين دول الـ 5+1، وعادت إيران من خلاله إلى حظيرة المجتمع الدولي وأفرجت الولايات المتحدة عن أموالها المجمدة تحت العقوبات والتي تقدر بعشرات المليارات. أما روسيا فكلنا نعرف حجم التهاون والمرونة التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع موسكو سواء في حالة اقتطاعها وضمها لشبه جزيرة القرم أو في تدخلها المباشر في سوريا بعد ذلك. أما بالنسبة للصين فقد استطاعت أميركا أن تحيد المنافسة العظمى للبضاعة الصينية في أسواقها من خلال إعادة إحياء الصناعات الأميركية الاستهلاكية المحلية. ويشير الكاتب أن “تلك العقيدة التي تقوم على تلطيف الوجود الأميركي في الساحة الدولية، وانتهاج سياسة الاستيعاب للمنافسين والخصوم من شأنها أن تجعل العالم أكثر أمنا، وأميركا أكثر ازدهارا، على عكس الأفكار التي يروج لها التيار المنافس للرئيس أوباما بين الجمهوريين الذي يحض على رفع منسوب الدور الأميركي في العالم وزيادة الانخراط في المشاريع السياسية الدولية”. يرتكز دويك في كتابه لنقض سياسات الرئيس أوباما في الشرق الأوسط على النظرية التي شكلت لب برنامجه الانتخابي في فترة حكمه الأولى ألا وهي مد اليد للدول العربية والإسلامية من أجل التعاون في شأن السلم والأمن العالميين. ويعود الكاتب بقراءته إلى خطاب أوباما في جامعة القاهرة الموجه إلى العالم الإسلامي، حيث يرى أنه على الرغم من جزالة وقوة ذلك الخطاب فإنه لم يحقق أي نوع من التقارب أفضل من الذي كان في عهد الرئيس جورج بوش الابن رغم غزو بوش للعراق ورغم أنه ممقوت ليس فقط من العرب والمسلمين بل حتى من الكثير من الأميركيين أيضا. ويرى دويك أن انسحاب أوباما السريع وغير المبرمج من العراق ترك البلد عرضة للتجاذب السياسي بين الطوائف المذهبية والسياسية وفتح ثغرات أمنية عميقة، وجعلته نهبا وملاذا للجماعات المتطرفة التي تطورت بإطراد لتنتهي على شكل تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق وتعيث فسادا وعنفا في الأرض. وينتقد الكاتب بشدة سياسات أوباما حيال إيران ولاسيما دفعه الشديد لإنجاز الاتفاق النووي بين إيران ودول الـ 5+1 لأنها -حسب رأي الرئيس- ستتحول بعد إنجاز الاتفاق من دولة مارقة معادية للولايات المتحدة إلى دولة متعاونة تعود إلى نظم الشرعة الأممية وتبتعد عن تطوير أسلحتها الفتاكة. ويرى دويك أن إيران دولة تقوم على الخبث السياسي وانتهاز الفرص لتحقيق برنامجها الذي لن تحيد عنه، والذي من أهم أركانه تدخلها السافر في دول المنطقة ومحاولة مد أذرع نفوذها للسيطرة على دول الجوار أو على الأقل زعزعة أمنها بما يضمن تقوق إيران الإقليمي. ويتوقع دويك في نهاية الكتاب ومع اقتراب الاستحقاق الرئاسي الأميركي أن من سيتخلى عن سياسة أوباما قبل الجمهوريين هم الديمقراطيون أنفسهم حتى لا تكون سياسته سببا في خسارة حزبه الحكم في العام 2016 وهي سياسة يعتقد الكثيرون أنها تتأتى من حرصه على إرثه السياسي الشخصي وحسب.