https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

مؤلف الكتاب هو مراسل جريدة الديلي تلجراف البريطانية من الباكستان، وغيرها من الصحف، وقد أثنى على الكتاب عدد ممن راجعوه وممن لهم معرفة بالمنطقة التي يكتب عنها الكاتب، صدر الكتاب منذ نحو عام قبل هذه الأحداث الأخيرة، وقد اخترت بعض القضايا من الفصل المهم الذي كتبه في افتتاح الكتاب عن أصول طالبان، وفيه معلومات عن بدايتهم، وعلاقاتهم بالاستخبارات الباكستانية، ومعلومات عن بعض الشخصيات المؤثرة بينهم من أمثال محمد عمر.
يقول المؤلف أنه كان في قندهار عندما دخلت أول دبابة روسية في شهر ديسمبر عام 1979م. على هذه الدبابات شباب من الروس في العشرينات من أعمارهم ، قادوها من جمهورية تركمانستان إلى هرات ثم إلى قندهار. وقد بلغت تكاليف الحرب الروسية الأفغانية فيما يخص روسيا نحوا من 45 مليار دولارا، وكلفت أمريكا ما بين 4-5 مليارات دولارا ما بين 1980 إلى 1992 ، وكلفت السعودية نحو خمسة مليارات دولارا، ودفعت دول وشعوب إسلامية للمجاهدين نحو عشرة مليارات دولارا أخرى، ثم يسرد المؤلف بعض المقدمات التي جعلت طالبان تخرج لساحة العمل القيادي في أفغانستان فيقول: في عام 1993 سافرت بين كويتا مدينة باكستانية قريبة من الحدود مع أفغانستان وفي الطريق الذي طوله 130 ميلا أوقفني نحو من عشرين مجموعة، يسدون الطريق ويطالبون بمبلغ للمرور.”
فهذه الفوضى والفساد مما أزعج مجموعة من زملاء الدراسة منهم ملا محمد عمر، وملا محمد غوس وزير الخارجية، الذي ذهبت إحدى عينيه، كزميله ملا عمر، “فهذه الحكومة فيها أكبر عدد من المعوقين في أي حكومة في العالم” كانوا يجلسون ويتناقشون زمنا طويلا بحثا عن مخرج، وقبل البدء كانت الأفكار غير واضحة ولا العمل الذي يجب أن يقوموا به، وكانوا يخشون الفشل، ولكنهم كما يرون يعملون بعون الله ثم عون زملائهم الطلاب.
وفي مناطق أخرى من أفغانستان كان هناك نقاش بنفس الطريقة، وبحث عن حل كما يشير ملا محمد عباس، الذي تولى وزارة الصحة في كابل فيما بعد. والجميع ساخط مما فعل المجاهدون القدماء ببلادهم والنزاعات التي ثارت بينهم، رباني، مسعود، حكمتيار، سياف، وغيرهم. لهذا ذهب “ملا محمد عباس” إلى هرات لمجلس شورى دعا له اسماعيل خان، ولكن اللقاء لم ينتج شيئا، والأوضاع ساءت. ثم ذهبوا إلى قندهار للحديث مع ملا محمد عمر، ثم انضموا له ولعمله. وبعد نقاش وضعوا خطة للعمل آن ذاك. وكان منها إعادة السلم والأمن وتجريد الناس من السلاح، وتطبيق الشريعة، وحماية مبادئ الأمة. وكان معظم من ناصرهم طلاب متفرغون أو غير متفرغين للمدارس.
وسموا أنفسهم “طالبان” وهو المقابل لطلاب، و يقصد منه طلاب العلم الشرعي. وبهدف تنظيف المجتمع وليس بهدف وضع أحزاب تتسابق للسلطة. ورأوا في أنفسهم بديلا عن الذين ظلوا وأفسدوا. ويشير المؤلف إلى أن معظم هؤلاء أبناء الجهاد، نشأوا في ملاجئ المجاهدين في باكستان، وقليل منهم من يعرف بلده، وعاشوا على مثاليات الجهاد وآمال المسلم في مجتمع شبيه بالمجتمع الإسلامي الأول الذي كان على عهد النبوة.
ملا عمر
اختار هؤلاء زعيمهم ملا عمر ليس بسبب خبرته السياسية، ولا العسكرية، ولكن بسبب تقواه واستقامته على الدين. فهو الأول بين أقران متساوين، وقد أعطوه السلطة ليقودهم وأعطاهم الصلاحية للتعامل مع مشكلات الناس.
وقد قال عمر لصحفي باكستاني “نحن حملنا السلاح لتحقيق غاية الجهاد التي جاهد من أجلها الناس. ولإنقاذ شعبنا من المعاناة التي سببها لهم من سموا بالمجاهدين”
حمد عمر من مواليد عام 1959 في قرية فقيرة قريبة من قندهار، من قبيلة هوتكار، من فرع غيلازي البشتوني، وهو حيي ويبتعد عن الغربيين، ولكنه منفتح على طالبان، ولم يسبق له أن جلس مع ديبلوماسي ولا صحفي غربي،ولا التقط له صورة، ولقاؤه مع ممثل الأمم المتحدة كان عام 1998 ومثل الأمم المتحدة الديبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي.
قد فقد والده مبكرا، فأصبح مسؤولا عن العائلة، وانتقل إلى قرية مجاورة طلبا للرزق وفتح فيها مدرسة، ثم عمل مع الشيخ يونس خالص في الحزب الإسلامي، وجاهد وجرح أربع مرات، واحدة من هذه الجراحات أصابت عينه اليمنى فعميت. وله ثلاث زوجات، له منهن –إلى عام 2000- خمسة من الأطفال. وهو رجل طويل أسود الشعر طويل اللحية جاد لا يميل للهزل.
تبدأ القصة الأولى للعمل حين قام أحد المتنفذين من القادة العسكريين “زعماء الحرب” – الذين استغلوا الناس قبل وبعد الحرب- بإرسال جنوده لخطف شابتين وحلق رؤوسهما ثم اغتصبوهما عدة مرات، فطلب ملا عمر من ثلاثين من طلابه الذين كانوا معه في المدرسة أن يحملوا أسلحتهم، وتوجهوا “لزعيم الحرب” وهاجموا قاعدته وقتلوه وعلقوه على دبابته، وأفرجوا عن البنات، وأخذوا الأسلحة. وقال عمر في تعليق لاحق على الحادثة: “كيف يحق لنا أن نهدأ ونحن نرى الجرائم ضد النساء والضعفاء” وفي حاثة أخلاقية أخرى بين زعيمين من زعماء الحرب، وقعت وقام ملا عمر وتلاميذه بإنقاذ المستضعفين.
و لم يكن يطلب من الناس مكافأة على عمله، ولا يطالبهم إلا بإقرار العدل الإسلامي في المجتمع فارتفعت مكانته عند الناس. وأصبح منقذا لمن يتعرض لأذى من ظالم. ثم زار زملاءه في مدن مجاورة، وأرسلوا ملا محمد رباني – ليس له علاقة برباني الرئيس- لمقابلة رباني الرئيس في كابل، وكان الرئيس الطاجيكي رباني يعاني من العزلة ومن عدم وجود المناصرين من البشتون، لأن خصمه حكمتيار البشتوني عزله عن المجتمع إضافة لخصومه الآخرين. ووعدهم رباني بالدعم إن هم واجهوا حكمتيار.
و علاقات طالبان كانت قوية مع باكستان، وبخاصة مع شيخهم “مولانا فضل الرحمن” – تحت الإقامة الجبرية الآن- الذي يصفه الكاتب بـ “الزئبقي أو الماكر” كما يقول الكاتب، رئيس جمعية علماء الإسلام، ويرجع أصله لقبائل بلوشستان، صلته قوية ببنازير بوتو، وبالحكومة وبالجيش وبالمخابرات الباكستانية، حيث قدم لهم هذه القوة الجديدة في أفغانستان.
كانت الباكستان آنذاك تريد أن تفتح طريقا لها إلى جمهوريات آسيا الوسطى التي انفتحت بعد سقوط روسيا، وشهية الغنائم والتجارة جذبت الناس من كل صقع لآسيا الوسطى، والباكستان محجوزة بمشكلات وفصائل أفغانستان المتقاتلة.
وليس هناك من مجموعة أخرى يمكن لها أن تدعم حكمتيار البشتوني، ووصل حكمتيار إلى فشل واضح في السيطرة عام 1994، والجيش الباكستاني فيه نحو عشرين في المائة من البشتون الباكستانيين، مع وجود داعمين إسلاميين في المخابرات الباكستانية، وإصرار البشتون الباكستانيين أن يحكم بنو عمهم في أفغانستان. وقد ملت الباكستان من دعم إخفاقات حكمتيار، وبدأت تبحث عن بديل بشتوني.
بق لبنازير بوتو أن درست مع قادتها طريقا لوسط آسيا في عام 1993 وكان الطريق الأقصر هو عبر كابل إلى مزار شريف ثم إلى ترمذ ثم طاشقند في أوزبكستان. والبديل الآخر كويتا قندهار ثم إلى عشق أباد عاصمة تركمانستان. وهو طريق أسلم ولكنه أبعد، ويمكن تجنب مشكلاته برشوة المتنفذين في الطريق. ولكن هؤلاء المتنفذين شكوا في نية الباكستان بعد زيارة عدد من الزعماء الباكستانيين للمنطقة الغربية لدراسة هذا الاحتمال، واحتمال إصلاح الطريق إلى تركمانستان، وبدأ هؤلاء الزعماء بنشر التحذيرات من تدخل الباكستان.
زار وزير الداخلية الباكستاني اسماعيل بابر البشتوني مناطق قريبة، ثم دعا الباكستانيون عددا من رجال الأعمال وستة سفراء غربيين، وشخصيات من قطاعات سكك الحديد، والطرق السريعة، والهاتف والكهرباء، وذهب بهم بابر لزيارة قندهار في 20 أكتوبر 1994م ولم يعلموا حكومة كابول بالزيارة. وفي نفس الوقت علم المتنفذون العسكريون في منطقة قندهار بوجود مائتين من طالبان على الحدود، يراقبون ويؤمنون المنطقة. وكان ملا عمر قد بدأ في تلقي بعض التبرعات الباكستانية. وبدأت عمليات صغيرة جريئة ضد حكمتيار كان واضحا فيها دور الباكستان، فقد سمحت لهم بعد ذلك بالهجوم على مخزن للسلاح كان قد حول من الحدود الباكستانية إلى داخل أفغانستان، وحصلت منه طالبان على 18000 كلاشنكوف، ومدفعية وعدة وعددا كبيرا من السيارات. اتهم زعماء الحرب في قندهار الباكستان بأنها وراء طالبان.
ثم قرر بابر وزير الداخلية الباكستاني أن يختبر الطريق إلى عشق أباد بإرسال بعثة أو قافلة من الشاحنات عبر هذا الطريق، بلغ عددها ثلاثين شاحنة، مع ثمانين سائقا، تحت إشراف قائد باكستاني يدعى إمام، والقنصل الباكستاني في هراة كان في القافلة، ومعهم رجلان فقط من طالبان، هما ملا ترابي وملا برجان، وكانا فيما بعد من قادة طالبان في الهجوم على كابل حيث توفي برجان في الهجوم.
وهذه السيارات -التي تحمل مستلزمات طبية- في الأصل من السيارات العسكرية الباكستانية، وسائقوها عسكريون سابقون فصلت هذه الوحدة من الجيش في الثمانينات لتحمل العتاد الأمريكي إلى المجاهدين متظاهرة أنها سيارات مدنية، “حتى تبقي الباكستان دورها في حرب روسيا مع المجاهدين وأمريكا أقل ظهورا.”
وواجه زعماء الحرب السابقون القافلة واعترضوها، ونشبت مواجهة بين طالبان وهؤلاء الزعماء، انتهت بقتل زعيم الحرب وسيطرة طالبان على مدينة “قندهار”، واغتنمت طالبان ما لديهم من أسلحة، روسية وغربية، وحجبت الباكستان أخبار الحدث عن العالم لمدة ثلاثة أيام.
ن من نتائج ذلك أن سيطرت طالبان على ثاني مدينة في البلاد، و أن انظم نحو من إثني عشر ألف طالب من طلاب المدارس الدينية لطالبان، ثم زاد العدد حتى بلغ الذين سارعوا من المدارس لأفغانستان قرابة عشرين ألفا. واتجهت الأمور اتجاها جديدا. وادعى وزير الداخلية الباكستاني أن هؤلاء رجالنا في أفغانستان، وكرر قادة طالبان أنهم لا يخضعون ولا يتلقون توجيهات من أحد خارجهم.
وبعدها بفترة قليلة بدأت التجارة بين باكستان وتركمانستان، وجاءت أول القوافل التركمانية خمسون شاحنة، استحقت عليها أفغانستان 200000روبية أي خمسة آلاف دولار. وزاد الضغط الدولي على الباكستان ورئيسته لكشف العلاقة ودور باكستان في محاولة الإطاحة بحكومة رباني فصرحت رئيسة الوزراء الباكستانية بوتو في الشهر الثاني من عام 1995 عندما كانت في الفلبين بأن الباكستان لا تدعم طالبان. وأنها –بوبتو- لن تستطيع أن تحارب حرب رباني، ولا أن تمنع الأفغان من الذهاب لبلادهم – تعني هنا تهافت الأفغان للانضمام لطالبان- قد تستطيع منعهم من العودة للباكستان، رغم وجود عائلات لهم هناك، ولكنها لن تمنعهم من الخروج لبلادهم.
وتكاد أن تكون هذه أهم الإشارات التي ذكرها الكاتب في موضوع دور الاستخبارات الباكستانية في الإنشاء للحركة، أو حقيقة تأييد سيطرتهم على البلاد، إذ لا يبدو أن الباكستان أنشأت الحركة، رغم أنه يذكر في مكان آخر من الكتاب أن الباكستان تدعمهم سنويا بثلاثين مليون دولارا[6]. وهناك أبحاث نشرت منذ عام 1994 وبعدها بعام تذكر أن للاستخبارات الأمريكية دورا كبيرا في إنشاء هذه الحركة، ولعل هذه من المبالغات التي تضع كل نسمة وحركة في يد الغرب، وترى الدنيا لا تتحرك إلا بإذنه من أسباب الاستمرار في هذه المقولات.
يعد مسؤول الاستخبارات الأمريكية السابق في بيشاور وإسلام أباد أن يخرج كتابا عن تلك المرحلة. ويسترسل أحمد رشيد في بقية الكتاب ويسرد قضايا مباشرة وبعيدة عن الموضوع أحيانا، وبعضها ذو صلة مهمة بأفغانستان مثل كتابته عن عدة قضايا في آسيا الوسطى الإسلامية، وقد نجد أن من المهم أن نعرف ما يدور في هذه الجهات، لأنها سوف تكون محل اهتمام غربي قريبا، ومحل مواجهات إسلامية روسية وغربية، ومنطقة نفوذ إسرائيلية أيضا، كما تنبئ هذه المقولات. وقد طبع عدد من الكتب والأبحاث القيمة بشأن هذه المنطقة، لأسباب تجارية وإسلامية وإستراتيجية قادمة.
حقا فالكتاب يستحق أن يترجم للعربية، وجدير بالقراءة لأنه أوضح وأشمل من غيره من الكتب التي قاربت الأربعة أو الخمسة التي خرجت عن طالبان قبل هذا الحدث الأخير.
بالتعاون مع الاهرام العربي -المؤلف: أحمد رشيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × أربعة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube