كتب محمد خير الوادي:
كشفت جلسات محكمة العدل الدولية التي تحاكم اسرائيل في لاهاي ، مدى الانحدار السياسي والاخلاقي الذي وصل اليه النظام العربي في تعامله مع العدوان الصهيوني على فلسطين . ففي الوقت الذي تدين فيه شعوب العالم الجرائم الهمجية التي يقترفها الجيش الاسرائيل ، وتمتلأ شوارع كثير من مدن العالم بالمظاهرات الحاشدة التي تتهم اسرائيل بالابارتئيد، يكتفي اركان النظام العربي باصدار بيانات خجولة ،تطالب بعدم تصعيد التوتر ورفض سياسة التهجير الاسرائيلية . حتى الاجراءات التي اقرتها قمة هذا النظام المنعقدة في القاهرة في11 ينابر 2023 ، بقيت حبرا على ورق . فلم يُكسر الحصارالمفروض على غزة ، ولم تدخل كل المساعدات اليها ، ولم تُتخذ اية خطوات عملية لردع العدوان ،ولم تَقطع دول التطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني .واقتصرت مهمة اللجنة الوزارية العربية على القيام بجولات سياحية على عواصم بعض دول العالم .
وقد وصل الانحدار الاخلاقي المُعيب الى حد، ان اعلام بعض اركان النظام العربي ، يساوي بين المجرم والضحية لدى الحديث عن مجريات المعارك .فهو بذريعة ” الموضوعية ” ، ينشر البيانات الصادرة عن “الجانبين “،ويفردُ أثيره وصفحاته للناطقين العسكريين الصهاينة ، ويعتبرُ ضحايا القصف الاسرائيلي “قتلى” وليسوا شهداء .وتُشتمٌ من صيغة النشرات الاخبارية لابواق هذا النظام ، رائحة الشماتة والعداء وتصفية الحسابات مع الفلسطينيين – كل الفلسطينيين، وليس مع حماس او الجهاد فقط .
والادهى من ذلك كله ، ان الرئيس الفلسطيني ،والمُفترض ان يكون رئيسا لكل الفلسطينيين ،لم يكلف خاطره الاتصال بالهاتف مع غزة او السعي للدخول متضامنا اليها – كما فعل الامين العام للامم المتحدة مثلا. ويندى الجبين خجلا فعلا من تصريحات مستشار الرئيس الفلسطيني الذي اعترف ، ان الرئيس محمود عباس كان في كل احاديثه مع القادة الاجانب يدين حماس .
انا ادرك ان هناك خلافات عميقة بين عباس وحماس ، ولكن ،ألم يكن من الافضل لو اقتدى السيد عباس بالسياسيين الاسرائيليين الذين تجاوزا خلافاتهم كلها ،وشكلوا حكومة موحدة للحرب ؟
وبهذا السياق ايضا ، يدخل بيان رفع العتب الذي صدر عن وزارة الخارجية المصرية ،والذي اكتفى بنفي الادعاءات الاسرائيلية حول محاصرة الحكومة المصرية لقطاع غزة . كنا نتوقع ، ان تتخذ القاهرة خطوة عملية للرد على الاتهامات الاسرائيلي ، مثلا : القيام بكسر الحصار فعلا تنفيذا لقرارات قمة القاهرة ، وعدم الاكتفاء بالقاء اللوم على اسرائيل .لكن هذا -للاسف –لم يحدث .
والشيء المعيب حقا ، ان يتبنى النظام العربي ، الرواية الاسرائيلية بتحميل حركة حماس المسؤولية عن الكوارث التي تحل بغزة ، وتجاهل جرائم الاحتلال الاسرائيلي ورفضه لكل مبادرات السلام العربية .وقد وصل الامر ، الى حد ان احدى العواصم العربية قد برعت في تسمية طوفان الاقصى بطوفان المآسي .
قد نختلف مع حماس وانتماءاتها الدينية وتحالفاتها الخارجية ، ومع طبيعة ادارتها في غزة ، ولكن الذي يُذبح الان هو الشعب الفلسطيني كله : في الضفة وغزة وفي مناطق الثماني والاربعين . فاسرائيل بقياداتها العنصرية المتطرفة ، قررت تصفية حقوق الشعب الفلسطيني كلها ، والغاء كل الانجازات التي حققها النضال الوطني الفلسطيني خلال نصف القرن الاخير ، وتهجير الشعب الفلسطيني. المتطرفون الصهاينة يسعون – بقوة الحديد والنار – الى ” تنظيف ” فلسطين من كل اثر للوجود الفلسطيني ، والنظام العربي يقف متفرجا على ذلك . ويا ريت يكتفي هذا النظام بالوقوف مكتوف الايدي ، بل ينضٌم الى الجوقة الاسرائيلية الساعية الى تجريم كل من يقف بوجه المخططات الصهيونية التوسعية والعدوانية . ويسوق دهاقنة هذا النظام ذرائع كثيرة لتسويغ تخاذلهم هذا، مثل الضغوط الامريكية ، وسياسة ايران ،وارتباط الجهاد وحماس بالمخططات الايرانية ، والطبيعة الاخونجية لحماس . قد يكون هذا صحيحا ، ولكن هذه الذرائع كلها لا تخفي الحقيقة الساطعة ، وهي ان اسرائيل تسعى الى ابتلاع المنطقة العربية كلها ،وتصفية كل من يعارض ذلك ، تمهيدا لصهينة المنطقة العربية كلها .
بكلمات اوضح ، فان الوحش الصهيوني الذي أفلتَ من عقاله ، لن يفرق بين فقير عربي وثري ، وبين مقاوم او متخاذل ، فهو – اي هذا الوحش سيلتهم الجميع ، ان لم يستفيقوا ،ويعود الوعي اليهم ،ويعملوا سوية على درء هذا الخطر المحيق بهم ، حماية لوجودهم ومستقبلهم من الزوال .
15/1/2024