كتب محمد خير الوادي :
يمكن القول بثقة تامة ، ان سيطرة الاحزاب الدينية الصهيونية على مقاليد الحكم في اسرائيل ،والعدوان الوحشي على غزة ، قد اسهما في تسريع تراجع النفوذ الامريكي في الشرق الاوسط ، الى حد ان الحديث يجري اليوم حول خسارة امريكية شاملة للوطن العربي على الصعيدين الرسمي والشعبي . وبالمقابل ، برزت حقيقة اخرى هي : الصين باتت الرابح الاكبر في المنطقة ، دون ان تطلق – كما يقولون – رصاصة واحدة . وسابين ذلك .
قبل سنوات قليلة ، كانت الصورة على الشكل التالي :
هناك انصياع رسمي عربي شبه تام للرغبات الامريكية . فقد كانت معظم العواصم العربية ، تشخص بانظارها نحو واشنطن قبل الشروع في اية خطوة تقارب باتجاه الصين . وكانت معظم الانظمة العربية تلتزم مبدأ عدم اثارة غضب الامريكيين في التعامل مع بكين .ولذلك كانت الدول العربية تركز على الطابع الاقتصادي لتعاونها مع الصين، لأن امريكا لا تعارض ذلك .وكان يتم التعتيم على اي اتفاق يُعقد مع بكين في المجالات التقنية الحساسة ، ومنها العسكري .
الان اختلف الوضع .دول خليجية تعقد جهارا معاهدات ذات طابع استراتيجي مع الصين . و الدول العربية كلها فتحت ابوابها على مصاريعها امام الشركات والاستثمارت الصينية ، وارتفع حجم التبادل التجاري الصيني -العربي الى 400 مليار دولار. كما احتضنت الرياض قبل سنتين، اول قمة عربية صينية ،تبنت توجها نحو المصير الصيني العربي المشترك في المستقبل . واكد منتدى التعاون العربي الصيني في اجتماعه الاخير ببكين ،على الشراكة الاستراتيجية بين الصين والدول العربية ، وعلى الدعم المتبادل في المصالح الأساسية ، واتخذ قرارا بعقد القمة العربية الصينية كل اربعة سنوات .كما دخلت بكين على خط الازمة بين الرياض وطهران وصالحت السعودية وايران ، في خطوة اعتُبرت تحديا لامريكا .
وبالمقابل ، نرى الحالة المزرية التي وصلت اليها السياسة الامريكية . في المنطقة . فمشروع التطبيع الذي رعته واشنطن فقد زخمه ويراوح مكانه . ويعجز وزير الخارجية الامريكي عن فرض شروطه على حماس والجهاد لوقف اطلاق النار . و لم تعد الدول العربية تلقي كثيرا من الاهتمام لمواقف واشنطن . وخير دليل على ذلك، رفض السعودية الطلب الامريكي لزيادة انتاجها من النفط، ورفض الامارات الطلب الامريكي التخلي عن بناء نظام الجيل الخامس الصيني للانترنت .ثم ان صورة امريكا باتت اكثر قتاما لدى الاوساط الشعبية العربية .
قناعتي ، ان سبب المشكلات التي تعاني منها السياسة الامريكي في المنطقة يكمن في امر واحد : الانحياز الامريكي المطلق للعدوان الاسرائيلي ، والمشاركة الفعلية في المجزرة التي ترتبكها اسرائيل في غزة .لا بل ان واشنطن قد تخلت عن مصالحها كلها في المنطقة ، وعن علاقاتها العربية ،وتحولت الى مجرد اداة يستخدمها غلاة الصهاينة لتحقيق اطماعهم التوسعية واوهامهم التوراتية .ولا عجب في ذلك . فوزير الخارجية الامريكي يجول المنطقة ليس ممثلا لامريكا ، بل ناطق باسم اسرائيل . والرئيس بايدن يتباهى بصهيونيته . والقرار الامريكي في الشرق الاوسط بات بيد نتننياهو .
لقد فقدت امريكا هالة الدولة العظمى. و اصبحت واشنطن تحصي خسائرها في الوطن العربي ، بينما تجني الصين ثمار الانحسار الامريكي .
بقي ان اقول: صحتين لبكين !
13/6/20244