تؤكد سلسلة من صفقات الطاقة التي تم التوقيع عليها أخيرا، خلال زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى موسكو، الدور الهام الذي ستلعبه رؤوس الأموال الصينية، التي ستأتي على شكل قروض من بنك التنمية الصيني أصلا، في تحفيز التكامل الاقتصادي في منطقة أوراسيا، وكانت الاتفاقيات غير الملزمة التي وقعت عليها الشركات الصينية والروسية قد وضعت الأسس لإيجاد ممرات جديدة للطاقة تمتد من روسيا إلى الصين.
وطبعا تحدث الرئيس جينبينغ خلال الزيارة عن أنابيب النفط والغاز في سيبيريا التي ستعمل كشريان حيوي يربط الصين وروسيا في القرن الواحد والعشرين، كما طريق الشاي القديم الذي كان يتبادل عبره التجار الشاي الصيني في مقابل الفرو الروسي خلال القرون الماضية.
وعلى الأرجح سيكون بنك التنمية الصيني مفتاح هذا التوسع المهم في تجارة الطاقة بين روسيا التي تعد أحد أكبر مصدري النفط والغاز الطبيعي والفحم الحجري في العالم، والصين التي تعد أحد اكبر مستوردي النفط والفحم في العالم ومستورد متزايد للغاز الطبيعي.
التكامل الاقتصادي
وهذا المصرف لا يملك فقط الحوافز والوسائل لتمويل البنية التحتية اللازمة لتسليم كميات أكبر من الطاقة الروسية إلى الصين، وبفعالية من حيث التكلفة، بل لديه أيضا سجل حافل بوصفه محرك التكامل الاقتصادي الإقليمي.
ولقد مهدت القمة الصينية الروسية الأخيرة الطريق لزيادة دراماتيكية في تدفق النفط والفحم والغاز الطبيعي من روسيا إلى الصين.
أولاً، تعهدت شركة النفط الروسية “روزنفت” بزيادة الكميات المرسلة من النفط إلى الصين بمقدار ثلاث مرات من 300 الف برميل في اليوم إلى مليون برميل في اليوم، وهو ضعف كمية النفط التي قامت بتصديرها روسيا إلى الصين في عام 2012.
ثانياً، اتفقت شركة التنجيم والطاقة الحكومية “مجموعة شنهوا” في الصين، ومجموعة شركة “إي أن +” في روسيا على تطوير موارد الفحم والبنية التحتية ذات العلاقة في شرق سيبيريا وأقصى شرق روسيا بهدف توسيع صادرات الفحم الروسي إلى الصين.
ثالثاً، وقعت كل من شركة غازبروم وشركة النفط الوطنية الصينية على مذكرة تفاهم لتسليم 38 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى الصين على مدى 30 عاماً بدءاً من عام 2018 مع خيار زيادة الكمية التي يجري تسليمها إلى 60 مليار متر مكعب.
وعقد إمدادات بهذا الحجم سوف يساعد في سد الفجوة المتوقعة والتي تقدر بـ 150 مليار متر مكعب بين طلب الصين على الغاز الطبيعي والإمدادات المحلية للغاز الطبيعي للصين عام 2020.
وقد يصبح بنك التنمية الصيني جزءاً أيضاً من جهود الصين وروسيا في تحويل الحلم القديم إلى حقيقة بإقامة خط أنبوب غاز طبيعي عابر للحدود.
وهذا المشروع مقنع بالنسبة للطرفين، فروسيا تنظر في تنويع أسواقها بعيدا عن أوروبا، فيما الصين تنظر في إمدادات لتلبية طلبها المتزايد.
والعائق الرئيسي في نقل هذا الأنبوب إلى مرحلة التنفيذ كان الخلاف على السعر. فقد أصرت شركة غازبروم دوما على بيع الغاز الطبيعي إلى الصين بأسعار تؤمن مستوى الأرباح نفسها التي تحققها مبيعاتها إلى أوروبا، فيما كانت شركة النفط الوطنية الصينية تكرر رفضها دفع أسعار عالمية للغاز الروسي بسبب التحكم بالأسعار المحلية في الصين.
لكن يفيد القرض المقدم من بنك التنمية الصيني إلى شركة غازبروم أخيرا، والذي يقدر بمليارات الدولارات، أن تلك الشركة ستعيد النظر بموقفها لناحية وجوب تطبيق الشروط القياسية الخاصة بالتسليم للزبائن الأوروبيين، في حال قامت الصين بتأمين قرض يمكن أن يسدد لاحقاً بصادرات الغاز الطبيعي.
كسر العوائق
وبنك التنمية الصيني اعتاد كسر العوائق في علاقات الطاقة بين روسيا والصين. فالقروض المدعومة بالنفط بقيمة 25 مليار دولار التي قدمها المصرف في عام 2009، إلى شركة “روزنفت” وشركة احتكار أنابيب النفط الروسية “ترانزفنت”، أقنعت موسكو بإعطاء الضوء الأخضر لبناء خط سكة حديد من خط أنبوب النفط على المحيط الهادي شرق سيبيريا إلى الحدود الصينية.
وفيما شعر الروس بسعادة غامرة بالحجم الكبير للقروض وكلفتها المنخفضة وفترات السداد الطويلة، كان الصينيون مسرورين برؤية صادرات النفط الروسي إلى الصين تقفز في عام 2011.
احتمال أكبر
إذا كان التاريخ دليلاً للمستقبل، فإن دخول بنك التنمية الصيني في صفقات الطاقة الموقعة في موسكو أخيراً يزيد من احتمالية وضع اللمسات الأخيرة على تلك الاتفاقيات غير الملزمة.وأشارت مفاوضات العقد الماضي حول مشاريع خط الأنابيب العابر للحدود إلى أن القرب الجغرافي والتكامل الاقتصادي أمران ضروريان، لكنهما لا يكفيان من أجل تطوير علاقات ثنائية قوية في مجال الطاقة، ويفترض أن يساهم تدفق رؤوس الأموال الصينية عبر الحدود في تعزيز البنى التحتية وتدفق الطاقة في الاتجاه آخر. البيان