عبد السلام حمَّاد
تُعد منطقة جنوب آسيا، أو شبه القارة الهندية منطقة مهمة في العالم، سواء بالنسبة لتاريخها الغني وتنوعها الثقافي، أو لمواردها البشرية والطبيعية. من الناحية الجغرافية، تحتل هذه المنطقة جزءاً كبيراً من مساحة اليابسة الآسيوية المتنوعة في مناخها وبيئتها، وهذا بدوره أدى إلى تعاظم وجود النسبة البشرية (الديموغرافية) فيها، حيث يربو عدد سكانها على المليار ونيِّف تقريباً. وبسبب غنى هذه القارة، فقد وقعت تحت حكم الإستعمار، ابتداءً من الإستعمار البرتغالي، مروراً بالإستعمار الهولندي، وانتهاءً بالإستعمار البريطاني.
منذ ظهور الحركة القومية في الهند متمثلةً بحزب المؤتمر عام 1886، بدأت المشاكل بالظهور بين الهندوس والمسلمين في الهند؛ ذلك أن هذه الحركة عملت على توجيه سياساتها بالتماشي مع الهندوس على حساب المسلمين في الجانب السياسي. وازداد هذا الأمر من خلال تعاون حزب المؤتمر مع البريطانيين من أجل التفرد بالتأثير السياسي في الهند. نتيجةً لهذا الأمر؛ ظهر مفكرون كبار من أمثال محمد إقبال، الذي دعا -بعد أن توصل إلى نتيجة مؤداها صعوبة التعايش بين الهندوس والمسلمين في الهند بسبب التعصب الهندوسي- إلى أن يستقل المسلمون في دولة خاصة بهم، واضعاً الأساس النظري لهذه القضية في نظرية “الأمتين”.
حصلت الباكستان على استقلالها في تاريخ 14 أغسطس/آب عام 1947م، أي في أعقاب نهاية الإستعمار البريطاني للهند؛ حيث ظهرت باكستان للوجود نتيجةً للحركة الباكستانية التي كانت تهدف إلى إقامة دولة إسلامية مستقلة عن طريق تقسيم المنطقة الشمالية الغربية من جنوب آسيا، ويتم قيادتها من قبل رابطة مسلمي عموم الهند تحت قيادة محمد علي جناح، وقد جاء هذا الحدث بموجب قانون الاستقلال الهندي لعام 1947م الذي منحت بموجبه الإمبراطورية الهندية البريطانية استقلالاً لباكستان والتي ضمت باكستان الغربية، أي باكستان الحالية وباكستان الشرقية، أي بنغلاديش حالياً.
ولكن، منذ استقلال باكستان كدولة أصبح لها سيادة ذاتية، بدأت النزاعات بينها وبين الهند. وكان ذلك من البدايات المتوترة للعلاقات بين البلدين من خلال عدد من النزاعات، بما في ذلك المطالبات الإقليمية المتضاربة -مشكلة كشمير كمثال-، والمشاكل المتعلقة بتوزيع أصول الهند البريطانية المتمثلة بتوزيع الإمارات الهندية–البريطانية بينهما، والاختلافات الخطيرة في تقاسم المياه، وغير ذلك من النزاعات.
نتيجة لهذه النزاعات؛ خاض البلدان ثلاث حروب كبرى مع بعضهما البعض في الأعوام 1948، 1965، و1971. وقد أدت هذه الأخيرة إلى انفصال باكستان الشرقية عن باكستان الغربية، والتي عُرفت لاحقاً باسم بنغلاديش.
كان وما زال، من أبرز القضايا المتنازع عليها بين باكستان والهند قضية كشمير، التي تحوي أبعاداً هوياتية وجيوستراتيجية؛ إذ يُعتبر البعد الأول هو الأساس الذي تدعيه باكستان في أحقيتها بضم كامل كشمير، فجميع المكون السكاني في الجزء الذي تحكمه باكستان – أزاد كشمير- هو من المسلمين، وفي الجزء الذي تُسيطر عليه الهند – جامو وكشمير-، يأتي المكون المسلم كأكبر نسبة من سكانه. أمّا الهند، فقد استندت إلى موافقة حاكم الإقليم الهندوسي على الانضمام إلى الهند بعدما ترك موضوع الانضمام للأمير في كل إمارة. أما من الناحية الثانية، فلكشمير أهمية عسكرية؛ فهي تتاخم بضع دول وأقاليم، كالصين، وإقليم التبت، والهند، وباكستان. فعلى هذا، ترتبط قضية كشمير بتوازن القوى في هذه المنطقة؛ فأي تحرك فيها يُعتبر مؤثراً على الدول المذكورة.
حاولت السياسة الخارجية الباكستانية في بدايات النزاع حول الإقليم مع الهند أن تضم إقليم كشمير لها من خلال وسائل متعددة، كاستخدام الخيار العسكري، وذلك في حرب عام 1948، ثم الإلتجاء إلى القانون الدولي من خلال التوجه إلى الأمم المتحدة، والتي أصدرت بهذا الصدد قراراً في 10 يناير/كانون الثاني عام 1949 تضمن وقفاً للقتال في جامو وكشمير، واتفاقية للهدنة، واجراء مشاورات مع اللجنة المُشكَّلة من قبل مجلس الأمن لتحديد الشروط العادلة والمنصفة، التي تكفل حق التعبير الحر عن إرادة سكان كشمير بتقرير المصير بالإنضمام إلى باكستان، أو الهند. لاحقاً، وبرعاية الأمم المتحدة، وقعت كل من باكستان والهند على إتفاق كراتشي في 27 يوليو/تموز 1949 لتحديد خط وقف إطلاق النار، والذي شكل بدوره الحد الحقيقي لسيادة الدولتين؛ فوضع جامو وكشمير تحت سيطرة الهند، وأزاد كشمير تحت سيطرة باكستان. وعُرِف هذا الخط لاحقاً باسم خط السيطرة (Control line). استمرت السياسة الخارجية الباكستانية في جهودها منذ بدايات النزاع، واستمراراً إلى الوقت الحاضر، باستخدام مختلف الوسائل لمحاولة حل قضية كشمير مع الهند: كاللجوء إلى استخدام القوة العسكرية، واستعمال الأساليب الدبلوماسية المتنوعة، واللجوء إلى القانون الدولي، وغير ذلك.
يٌضاف إلى جانب قضية كشمير، قضايا أخرى بين الهند وباكستان، ترى فيها السياسة الخارجية الباكستانية أبعاداً جيوستراتيجية – كما كشمير-، خاصة على المستويين الجيوسياسي، والجيواقتصادي، وهي: قضايا المياه، قضية وسير كريك (sir creek)، وقضية سياتشن (siachen glacier). بالإنتقال إلى الجانب العسكري، فقد كان للهند التفوق في مجال التسلح التقليدي، نظراً لتفوقها التكنولوجي والتصنيع العسكري: ففي الفترة بين عامَي 1974 إلى بدايات 1998، حاولت الهند استغلال تفوقها الإستراتيجي في الضغط على باكستان، وإجبارها على القبول بالرؤية الهندية لقضية كشمير، وبما يجبر إسلام آباد على التوقف عن دعم المتسللين إلى ذلك الإقليم، أو مساعدة الحركات الإسلامية فيه، والتوقف عن الحديث بشأن المفاوضات أو الوساطة. وقد حاولت باكستان في هذا السياق، السعي لمواجهة هذا التفوق من خلال الحصول على أحدث الأسلحة من دول أخرى، كالصين والولايات المتحدة، إضافةً إلى محاولتها لوضع خطط واستراتيجيات قادرة على الوقوف في وجه التفوق الهندي في المجال التقليدي. إلى أن الأوضاع اختلفت منذ شهر مايو/أيار 1998 بامتلاك باكستان السلاح النووي، ووسائل الإطلاق، وإجرائها للتفجيرات النووية، وقد أدى ذلك إلى تحقيق توازن إستراتيجي مع الهند، الذي أدى بدوره إلى اختلاف مفهوم حسابات القوة، تأسيساً على أن السلاح النووي قادر على إحداث تأثيرات عنيفة، إلى جانب تعدد الأهداف الإستراتيجية التي يمكن ضربها، مما يؤثر سلباً في قدرات الهند. كما أدى إمتلاك باكستان للسلاح النووي إلى تغير الخطاب السياسي الهندي تغيراً واضحاً، وأضيفت إليه مصطلحات وعبارات جديدة، وخاصة في شأن كشمير، مثل: المفاوضات، والتسوية السلمية، وتلافي المواجهة، وغيرها.
إن دراسة السياسة الخارجية الباكستانية تجاه منطقة ما، أو دولة ما، تعني محاولة فهم أهم الأفكار والأسئلة والانشغالات والأسباب، التي تنطلق منها باكستان لتحدد إستراتيجيتها تجاه تلك المنطقة أو تلك الدولة، سواء أكان ذلك على المستوى الإقليمي أم على المستوى الدولي. وكل سياسة خارجية لأي دولة لها استمرارية ضمن خطوط ثابتة، كما أن لها متغيرات تتكيف بحسب تغير الظروف المتنوعة إقليمياً ودولياً. وكلا الأمرين- الإستمرارية والتغير في السياسة الخارجية- يخضع لمعايير الإستراتيجية العليا للدولة على مختلف المستويات. وعليه، ستكون المشكلة التي تحاول هذه الدراسة معالجتها تدور حول طبيعة الاستمرارية والتغير في سياسة باكستان الخارجية تجاه الهند للفترة (1998-2017).
كانت إشكاليات العلاقة بين المسلمين والهندوس الأساس الذي أدى إلى استقلال باكستان عن الهند بعد خروج الإستعمار البريطاني من شبه القارة الهندية عام 1947.الأمر المهم أن هذه العلاقة كانت بداية لإنتاج الأزمات الأمنية بين باكستان والهند لاحقاً، والتي ما زالت مستمرة حتى الوقت الراهن. وقد تمثل ذلك بنشوب عدة حروب بين الدولتين. في هذا السياق، يمكن القول إن الهند العلمانية تنظر إلى وجود باكستان إسلامية على حدودها، على أنها مصدر أساسي في إنتاج التهديدات الأمنية العابرة لبيئتها المحلية، ودعم الجماعات الإسلامية على أراضيها.
من خلال الرؤية التحليلية للسياسة الخارجية الباكستانية، تبين أنها سياسة تحتوي خليطاً من التركيب، سواء على مستوى صياغتها من قبل الجانب الرسمي، أو على مستوى درجة التأثير فيها من قبل الفاعلين غير الرسميين. وقد ظهر هذا في مواطن متعددة لهذه السياسة، كأزمة كارجيل على سبيل المثال.
تعددت القضايا التي تعاملت بها السياسة الخارجية الباكستانية تجاه الهند، مع تنوع أدواتها في فترة الدراسة، خاصة على المستويات السياسية، والهوياتية، والجيوستراتيجية، إضافة إلى جوانب التسلح، وما يتعلق به من تطوير وسباق. فعلى المستويين الجيوستراتيجي والهوياتي، تمثل قضية كشمير ركناً هاماً في هذه السياسة، وقد أخذت خطاً تاريخياً طويلاً من النزاع مع الهند، تخلله أحياناً اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية. إضافة إلى ذلك، توجد قضايا جيوستراتيجية أخرى ذات علاقة بالسياسة الخارجية الباكستانية تجاه الهند: كقضايا المياه، وسير كريك، وسياتشن.
كان للجوانب الأمنية والعسكرية مساحة كبيرة في سياسة باكستان الخارجية تجاه الهند، فقد تصدت الدراسة لمعالجة مفاهيم عسكرية، ذات علاقة بالتسلح، كسياسة التسلح، والعقائد النووية. وبينت الدراسة التوجه النووي لباكستان تجاه الهند، وقد ظهر ذلك بشكل واضح من عام 1998، حيث تم تفجير قنابل نووية من قبل الهند، عملت باكستان بالرد عليها بنفس التفجيرات من أجل تحقيق الردع مع الهند.
برؤية مجملة للبيئة الأمنية بين باكستان والهند، يمكن القول إن التفسير الأساسي لعدم الاستقرار في جنوب في هذه البيئة لمرحلة ما بعد النووي، يكمن في الأبعاد الثقافية للصراع. والمتغيرات الهيكلية الأخرى، تعمل فقط على زيادة تعقيد الوضع في تلك البيئة؛ فالقرب الجغرافي الوثيق بين البلدين، بما في ذلك مراكزهما الحضرية الرئيسية، وعدم توازن القوى التقليدية بين الدولتين، والافتقار إلى العمق الاستراتيجي في حالة باكستان، قد زاد من تفاقم عدم الاستقرار في المنطقة.
بالنظر إلى المخاوف الأمنية –في سياقاتها المختلفة– بين باكستان والهند، نجد أنها كانت متبادلة؛ فباكستان تخشى من النوايا الهندية متمثلة بقدراتها المتنوعة، وثقلها البشري حول إعادة توحيد شبه القارة الهندية، أو على الأقل تثبيت السيطرة الإقليمية. عملت هذه المخاوف كمحرك رئيسي لأكثر من نصف قرن وراء التسلح الباكستاني، وخوض سباق تسلح مع الهند بشقيه التقليدي والنووي. في مقابل ذلك، ترى الهند أن باكستان تقوم بتحريك المقاطعات ذات الأغلبية المسلمة مثل كشمير، ودفعها نحو الإنفصال، وهي العملية التي ستكون بداية لانفصال الجماعات والإثنيات الأخرى، وهذا ما يهدد البقاء القومي للهند.
فيما يتعلق بالأزمات الأمنية، فقد وقعت عدة أزمات في هذا السياق، كان لها أسباب متنوعة، بينتها الدراسة في ثناياها. وقد اعتمدت فيها سياسة باكستان الخارجية على استخدام القوة العسكرية، مثلما حصل في كارجيل، أو كرد فعل على القوة العسكرية الهندية، كما حصل في أزمات 2001 و2002 في كشمير.
عالجت الدراسة أيضاً مفهوم الاستقطاب السلوكي الدولي، إذ ينصرف إلى تأثير دول ثالثة على سياسة دولتين، أو أحدهما تجاه بعضهما البعض. ويأخذ هذا المفهوم أشكالاً متنوعة: من الأحادية إلى الثنائية، إلى التعددية. كما تتنوع الأدوار التي تقوم بها الأطراف الثالثة تجاه الدول الأخرى، كالوساطة، والتأثير السياسي من خلال التدخل في توجيه سياساتها الخارجية. ولهذه الأخيرة أدوات منها: المعونة الاقتصادية، والتعاون والمساعدات العسكرية.
توصلت الدراسة إلى جملة من الاستنتاجات، يمكن إجمالها بما يلي:
(1) تعتمد باكستان عدة نماذج في صناعة سياستها الخارجية: فنجد من ذلك النموذج الاستراتيجي أو الرشيد؛ ذلك أنه يعتبر مفيدًا في تحليل السياسة الخارجية للدول في الحالات التي تشبه سباق التسلح والقضايا العسكرية، كما هو بين باكستان والهند. وتعتمد كذلك نموذج السياسة البيروقراطية؛ حيث يركز هذا النموذج على الموظفين البيروقراطيين ودورهم في صنع السياسة الخارجية، حيث أنه لا بد من استشارة صانعي القرار للموظفين البيروقراطيين في عملية صنع السياسة الخارجية، لأن لدى هؤلاء الموظفين خبرة في هذا المجال، كما أن لهؤلاء الموظفين البيروقراطيين دورًا آخر في السياسة الخارجية، لأنهم هم المسؤولون عن تنفيذ السياسة الخارجية. وأخيرا، تعتمد باكستان النموذج التكيفي الذي يركز على خصائص البيئة الدولية، أي التركيز على كيفية استجابة الدول للقيود التي تفرضها أو الفرص التي توفرها البيئة الدولية، أي دراسة خصائص البيئة الدولية التي قد تؤدي إلى نتائج معينة. وبهذا الشكل تدخل إمكانات الدولة في التكيف مع البيئة الدولية، فكل دولة تختلف في قدراتها في التكيف مع البيئة الدولية.
(2) يلعب الجيش دوراً مؤثراً في السياسة الخارجية الباكستانية، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال توجهاته في أزمة كارجيل، وقيامه بإنقلاب عسكري بقيادة الجنرال برويز مشرف، ووصوله إلى سدة الحكم. فمنذ هذا الإنقلاب، أصبح للجيش اليد الطولى في توجيه للسياسة الخارجية الباكستانية تجاه الهند.
(3) تأثرت السياسة الخارجية الباكستانية في تعاملها مع قضية كشمير في الجزء المُسيطر عليه من قبل الهند “ولاية جامو وكشمير”، بعوامل ومتغيرات متنوعة، أملت عليها تنوع توجهاتها وسلوكياتها تجاه القضية المذكورة: كالتوجهات الدبلوماسية بمختلف صنوفها، أو باستعمال القوة العسكرية، أو بتدخل طرف ثالث.
(4) أثر تغير نمط الحكم في باكستان من مدني إلى عسكري، ثم من عسكري إلى مدني في السياسة الخارجية الباكستانية تجاه كشمير –جامو وكشمير -. وقد جاء التغير في نمط رئيسي: وهو التغير البرنامجي: وينصرف إلى التغير في أدوات السياسة الخارجية، ومن ذلك، تحقيق الأهداف عن طريق التفاوض، وليس عن طريق القوة العسكرية مع استمرار الأهداف. فقد كان نظام الحكم يقدم المساعدات العسكرية للمقاومين الكشميريين ضد الهند، ثم تغير هذا النمط إلى التحول إلى الأسلوب السياسي من خلال اللقاءات الثنائية، وعقد جولات من الحوار المركب، القيام بالمبادرات الشخصية من قبل باكستان، كما هو في مقترحات مشرف. يُضاف إلى ذلك، التخلي عن دعم المقاومين الكشميريين لاحقاً. وقد تبنت السياسة الخارجية التغير في سياستها تجاه كشمير، رغبة في تأصيل مجالين من مجالات التغيير: الأمن، واستقرار النظام. تغير النمط الأخير في بعض الأحيان بالعودة لاستخدام القوة العسكرية بسبب وقوع بعض الأزمات بين باكستان والهند، إلا أنه تمت العودة للأسلوب السابق مرة أخرى.
(5) وقع تغير في السياسة الخارجية الباكستانية تجاه قضايا المياه، وقد جاء طبيعة التغيير، برنامجياً كما السابق؛ حيث اعتمدت في تعاملها مع هذه القضايا على بعدين: بعد القانون الدولي من خلال التحكيم، ثم البعد الثاني لاحقاً، وهو البعد الدبلوماسي عن طريق المفاوضات المبنية على تدابير الثقة حول هذه القضايا.
(6) وقع تغير كذلك في السياسة الخارجية الباكستانية تجاه قضيتي سير كريك وسياتشن، وكان التغير بنفس النمط السابق (تغير برنامجي)؛ حيث تعددت الأساليب والأدوات التي تم استخدامها في معالجة القضايا المذكورة:
أ- قضية سير كريك: تم فيها استخدام عملية الحوار المركب، ثم دبلوماسية القمم، ثم اللجوء لاحقاً إلى القانوني الدولي.
ب- قضية سياتشن: تم فيها استخدام عملية المحادثات الثنائية مع الهند حتى عام 2001، حين وقعت الأزمة في كشمير، حيث انتقلت إلى استخدام القوة العسكرية، نتيجة لحشد القوات الهندية على خط السيطرة بسبب الأزمة. بقي هذا الأمر على حالته، حتى عام 2003، حيث لجأت السياسة الخارجية الباكستانية إلى أسلوب الإحتواء والتهدئة، ثم لاحقاً، عقد جولات من المفاوضات الثنائية، والحوار المركب مع الهند.
(7) استمرت السياسة الخارجية على نمطها في التحديث، والتصنيع، والتطوير في جوانب التسلح بازدياد مطرد، سواءً على المستوى التقليدي، أو على المستوى النووي، أو في تكنولوجيا الفضاء العسكرية. إضافةً إلى تطوير عقيدتها العسكرية على المستويين السابقين، حفاظاً على أمنها، وردعاً للهند.
(8) على الرغم من إنشاء باكستان عقيدتها النووية الخاصة، إلا أن بعض مبادئها تخضع للنقاش والمساءلة، كما جاء في ثنايا الدراسة.
(9) بالنظر إلى الأحداث الأمنية في سامجاهوتا، وتفجير السفارة الهندية في كابول، وأحداث بومباي، فقد أثرت بمجملها على السياسة الخارجية الباكستانية تجاه الهند من خلال تنوع أساليب التعامل معها: الأسلوب الإعلامي، ثم التفاوض، واللقاءات الثنائية، والتعاون الأمني المشترك.
(10) من خلال تطبيق مفهوم الاستقطاب السلوكي الدولي على السياسة الخارجية الباكستانية تجاه الهند، تبين الأثر الواضح له في جانبي التغير والاستمرار؛ حيث عمل على تغييرها في الجوانب السياسية من خلال تنوع أشكال التعامل، من التوجهات العسكرية إلى التوجهات السياسية، كما حصل في أزمة كارجيل، وأزمة 2001 في كشمير، وأزمة بومباي في 2008. وفي الجانب الجيوستراتيجي، كان التغير تكيفياً؛ وذلك بازدياد اهتمام باكستان بمشروع CPEC. أما مجال التغير في هذا السياق، فقد كان متعلقاً بالأمن الجيوسياسي، والجيواقتصادي، والجيوعسكري. من جانب آخر، كان للإستقطاب في المجال العسكري أثر في استمرار السياسة الخارجية الباكستانية على نفس النمط من خلال زيادة التسلح وتطويره بمساعدة الصين، خاصة في المجال النووي. وقد كان للإتفاقية النووية بين الهند والولايات المتحدة دور ملموس في ذلك. ( الجزيرة )