https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

دراسة العلاقات بين سورية وتركيا منطلق لدراسة علاقات البلدبن الإقليمية والدولية، وفي ضوء زيادة تفاعلاتهما البينية، والبروز الواضح لكل منهما في موقع مهم على جدول أولويات السياسات الخارجية والداخلية لدى الآخر، فإن تناول هذه العلاقات بالبحث الأكاديمي يبدو أكثر إلحاحاً من الجوانب العلمية والسياسية. على هذا فإن مقتضيات البحث تتداخل أكاديمياً وسياسياً، كما تتداخل تكويناته ومفرداته، سواء في ما يخص الدولتين معاً أو كلاً منهما على حدة، أو ما يخص الماضي والحاضر والمستقبل، أو ما يتعلّق بالقضايا الرئيسة والفرعية بينهما. فقد تركز اهتمام سورية وتركيا في الشؤون الإقليمية والدولية على دائرتي نشاط رئيستين، هما بالنسبة إلى الأولى المنطقة العربية وما يرتبط بالصراع مع إسرائيل، وإلى الثانية أوروبا والولايات المتحدة. ولم تكن علاقاتهما على هذا الصعيد مستقرة، ما شكل عاملاً مضافاً خلال العقود الماضية لهواجس سورية تجاه إسرائيل، وأيضاً هواجس تركيا تجاه تحديات التكوين الداخلي والأمن القومي.
يعتقد محفوض أن الدولتين تريان نفسيهما في قلب صراعات الإقليم، وتعملان على إعادة قراءة خارطة القوى والتحالفات فيه بما يمكنهما من التعامل والتفاعل معه بكيفية يفترض بها أن تحقق لكل منهما برنامجها الوطني والقومي. ما يعني أن اتجاهات السياسة السورية والتركية وتحولاتها بصدد القضايا الإقليمية والعلاقات مع دول الجوار، ستكون جزءاً من فرص كبيرة أو توافقات أو منافسات لتعظيم المكاسب في الشرق الأوسط. وهذا هو محور هذه الدراسة حول التنافر وعوامل التجاذب في العلاقات بين سورية وتركيا.
يسعى محفوض إلى تحقيق أهداف عدة من بينها بيان الخلفية التاريخية للعلاقات بين الدولتين، بما هي جزء من التكوين السيكولوجي والذاكرة السياسية لديهما، وتقديم منهجية مقترحة في دراسة العلاقات الدولية للطرفين، واختبار تدخلات منهجية تقوم على جدلية، أو مفهوم {التجاذب- التنافر}، ودراسة السياسة الخارجية لسورية وتركيا في أبعادها العامة، والبحث في تأثير البيئة الدولية والإقليمية والبينية والدولتية في العلاقات موضوع الدراسة، واستشراق احتمالات المستقبل.

مفردات

يعمل المؤلف في دراسته على تفحص مقولات عدة، منها أن السياسات الخارجية لسوريا وتركيا تتشارك في المفردات التكوينية، وتتفاوت في التشكيلات والتجليات. كذلك تنطوي كل مفردة من مفردات العلاقات بين الدولتين (على المستوى العالمي والإقليمي والثنائي والداخلي) على أبعاد تقارب، مثلما تنطوي على أبعاد تنافر. وتتميز سياسة الدولتين الخارجية البينية بـ{اللاحسم} و{التردد} و{التأجيل}، ويتأتى ذلك عن إرادة قصدية لديهما. وستحدّد آلية التجاذب- التنافر في مستويات التحليل السابقة مستقبل العلاقات بين الدولتين في واحد من المشاهد- السيناريوهات المحتملة التالية: التجاذب، التنافر، {اللجة} أو {بين- بين}.
يتألف كتاب محفوض من مقدمة و11 بنداً. تتضمن المقدمة تعريفاً بالبحث، موضوعه وتكويناته الإجمالية، وأهدافه وفرضياته والرؤية المعرفية التي أنجز في إطارها. وفيما يتناول الفصل الأول منهجية الدراسة وإطار التحليل، يركز الفصل الثاني على اللحظة التاريخية للعلاقات بين سورية وتركيا، ويبدأ بأثر اللحظة السلجوقية – التركية في تاريخ المنطقة العربية والشرق الأوسط، ويعرض للتعارف بين السوريين والأتراك والاحتلال التركي – السلجوقي ثم المملوكي ومن بعده العثماني لسورية، ونتائج ذلك. كذلك يتناول العلاقة بين سورية وتركيا حتى اليوم. بدوره، يسلط الفصل الثالث الضوء على أنماط الإمكانات العامة والموارد لدى سورية وتركيا، كل على حدة، متضمناً البناء الجغرافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري. أما الفصلان الرابع والخامس فيتناولان أبعاد السياسة الخارجية السورية – التركية العامة، كل على حدة، والاتجاهات والأهداف والأدوار والاستراتيجيات.

تنافر

يهتم الفصل السادس ببيئة العلاقات العالمية بين سورية وتركيا عبر ثنائية مفاهيمية هي {التجاذب- التنافر} يوضحها الفصل في مقدمته على أنها مفهوم يتجاوز الأسلوب التقليدي {التأريخي} و{الكرونولوجي} لبحث العلاقة بين دولتين، ويحاول {المفهوم} تفسير حال العلاقات الراهنة باعتبار أن كل مفردة من مفرداتها، وهذه واحدة من الفرضيات الأساسية، هي عامل تجاذب وتنافر في الآن نفسه. كذلك يتناول محفوض عوامل التجاذب والتنافر، بتوسط أربعة مداخل تحليلية هي: الجغرافيا السياسية، القوة، والقومية، الاعتماد المتبادل. ويكرر الكاتب الأمر نفسه في الفصل السابع الذي يتناول فيه المفردات نفسها على الصعيد الإقليمي. أما الفصلان الثامن والتاسع فيوضحان البيئة البينية بين الدولتين، فيدور أولهما حول عوامل التجاذب، وثانيهما حول عوامل التنافر. ويبدو هذان الفصلان أكثر التصاقاً برؤى دراسة العلاقة التقليدية بين دولتين، إذ يتركزان على القضايا المباشرة في جدول أعمال الدولة تجاه الأخرى، وعليه فإن تناول قضايا مثل الحدود والمياه والمسألة الكردية والمسألة العراقية والسياسية والإقليمية، يكون أكثر مقاربة للجدال التقليدي.
يتناول محفوض في الفصل العاشر البيئة الدولتية – الوطنية، ويتوسل مفردات تحليلية مختلفة عن الفصول السابقة، تتركز على دور الخصائص المجتمعية والنظام السياسي (الأحزاب السياسية والمؤسسة العسكرية) في التقارب أو التنافر بين سورية وتركيا. أما الفصل الحادي عشر والأخير فيضيء على احتمالات المستقبل، ويحاول توضيح مفاهيم وكيفيات يجب التنبه لها وأخذها بالاعتبار. كذلك يحدد مبادئ استشراف مستقبل العلاقات السورية – التركية، ثم يحدد السيناريوهات المقترحة بثلاثة هي: مشهد التقارب، ومشهد التنافر، ومشهد {بين- بين}. وينطوي كل مشهد على تحديدين رئيسين: الأول، الملامح العامة التي يفترض توافرها في البيئات الدولية والإقليمية والثنائية والدولتية كشرط لتحقيق التحديد. الثاني، احتمالات مستقبلية يعرضها كل مشهد وفق القضايا الأساسية، أو وفق المداخل الفرعية التحليلية الأربعة التي سبق ذكرها. وتحدد طبيعة العلاقة بين عوامل التنافر وعوامل التجاذب المشاهد المستقبلية المفترضة، إذ إن غلبة أحد طرفي الثنائية (تجاذب – تنافر) تحدّد من الحاكم، هل هو أحد الطرفين (التنافر- التجاذب) أم أنه مشهد ثالث سمته الدراسة {بين- بين}؟ وتتناول الخاتمة خلاصة الدراسة ومقترحات أساسية بصدد العلاقات السورية – التركية، وبصدد السياسة التركية.

يفيد المؤلف بأن العلاقات السورية – التركية، تاريخياً مرت بمراحل وتحولات عدة، بدأت بالنسبة إلى الدراسة بـ{اللحظة السلجوقية} وصولاً إلى {اللحظة العثمانية}، ثم {اللحظة الجمهورية} الراهنة. وشكّل دخول السلطان سليم إلى سورية نقطة تحول خطيرة، تشبه، من حيث النتائج الموضوعية دخول السلاجقة إلى بغداد. واتبع النظام العثماني آليات اختراق وتغلغل دينية واجتماعية واقتصادية. وسيطرته جعلت سورية على هامش النظام الاقتصادي العالمي آنذاك، وأدت إلى عزلها وجوارها عن المجال الآسيوي شرقاً، وهذا ما طبع السياسة السورية والعربية حتى الآن. كذلك أصبحت آليات {المسألة الشرقية} إحدى {حتميات} السياسة الدولية في المنطقة.
ويؤكد الكاتب أن التفكير حول تركيا يتشكل في دائرتين خياليتين متنابذتين، أولاهما أن تركيا وارثة السلطنة العثمانية، والبلد المسلم على تخوم أوروبا المسيحية وذو التاريخ العسكري والسياسي الكبير، والمدافع عن الإسلام في وجه أوروبا المسيحية. وثانيهما أن تركيا المنضمة حديثاً إلى حلف شمال الأطلسي والدولة الإسلامية الأولى التي اعترفت بـ{إسرائيل} وتقيم علاقات معها، وتستضيف قواعد عسكرية غربية، وتضغط على الدول العربية المجاورة، والدولة العلمانية المعادية للأسلمة، لكنها محكومة من {الإسلام التركي}. هكذا فإن التفكير يوائم بين الدائرتين ولا يضعهما موضع النقد، كما هو مطلوب. لذلك فإن عدد النصوص المتزايد حول الشؤون التركية، لم يستطع حتى الآن تشخيص الحال، أو الوصول إلى احتمالات تطورها مستقبلاً.
الدكتور عقيل سعيد محفوض
الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية عشر − أربعة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube