https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

على خلفية التفاهمات الروسية الأميركية بشأن تسوية الأزمة السورية وربمابشأن أوكرانيا مستقبلاً، نلاحظ في الفترة الأخيرة محاولات «خجولة» من دولحليفة للولايات المتحدة لتقريب المسافات مع موسكو في قضايا أخرى مهمة تتعلقبعلاقاتها مع روسيا. وفي هذا السياق، تأتي الدعوة الأخيرة لرئيس الوزراءالياباني، شينزو آبي، الى الحوار مع موسكو بشأن المسائل الدولية ومشاكلالشرق الأوسط. ففي تصريحات صحافية، أعلن آبي عن استعداده لزيارة روسيا أودعوة الرئيس بوتين لزيارة طوكيو لبحث مشكلة الحدود العالقة بين البلدين منذسبعين عاماً تقريباً. ولأن اليابان تترأس هذا العام مجموعة السبعة الكبار،فإن تصريحات آبي لها أهمية خاصة في هذا التوقيت بشكل خاص. فقد نظر إليهاالبعض في موسكو على أنها قد تكون محاولة لاستعراض طوكيو بعض الاستقلالية عنواشنطن في ما يتعلق بالعلاقة مع روسيا. علماً بأن مبعوثاً يابانياً كان قدحمل رسالة من شينزو آبي، وصُفت بالمهمة، إلى الرئيس الروسي في شهر كانونالثاني الجاري. وبرغم التكتم على مضمون هذه الرسالة، إلا أن تكهنات حولهاتشير إلى تعلُقها بزيارة فلاديمير بوتين المحتملة لليابان هذا العام،وبرغبة طوكيو في تحريك المياه الراكدة في مشكلة الجُزر المتنازع عليها. لقد انضمّت اليابان، من دون تردد، الى العقوبات الاقتصادية المفروضة ضدروسيا بسبب الأزمة الأوكرانية. ومع ذلك، كان آبي، ولا يزال، يُعلن بوضوحأنه يريد العمل مع الرئيس بوتين لحل مشكلة الجُزر مع روسيا. ويُعدّ الخلافعلى أربع جُزر حدودية بين روسيا واليابان أحد كوابح تطوير العلاقات بينالبلدين منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. ويُعرف هذا الخلاف في روسيابجُزر الكوريل، وفي اليابان بمشكلة الأراضي الشمالية. وظهرت هذه المشكلةعندما استولى «الجيش الأحمر» السوفياتي على هذه الجُزر (شيكوتان وهابومايوكوناشير وإيتوروفو)، معتبراً أنها تعود تاريخياً إلى روسيا. وهو مااعتبرته اليابان، ولا تزال، احتلالاً لجزء من أراضيها. وفي العام 1956،توصّل الاتحاد السوفياتي واليابان إلى إعلان مشترك استأنفت الدولتان بموجبهالعلاقات الديبلوماسية بينهما، ولكن هذا الإعلان لم يحل المشكلة. واقترحالزعيم السوفياتي، نيكتا خروشوف، في الخمسينيات من القرن الماضي تسليماليابانيين جزيرتين من جزر الكوريل، هما شيكوتان وهابوماي، بشرط أن توقعطوكيو اتفاقية سلام مع موسكو تُنهي حالة الحرب بينهما، وبشرط إخراجالولايات المتحدة من جزيرة اوكيناوا. غير أن الأميركيين رفضوا الخروج مناوكيناوا، ومن ثم رفض اليابانيون مبادرة خرشوف. وتعقدت الأمور بعد توقيعاتفاقية أمنية بين واشنطن وطوكيو في العام 1960، حيث اعتبرت موسكو أن تقديمأي تنازلات إلى اليابان من شأنه توسيع مساحة الأراضي، التي تستخدمهاالولايات المتحدة في حربها الباردة ضد الاتحاد السوفياتي. وفي حقيقة الأمر،استغلت الولايات المتحدة مشكلة الكوريل أو الأراضي الشمالية لربط اليابانبالاستراتيجية الأميركية، وإبعاد مشاعر القوميين اليابانيين العدائية عننفسها وتوجيهها إلى الاتحاد السوفياتي. وخلال زيارة قام بها ميخائيل غورباتشوف إلى اليابان قبل انهيار الاتحادالسوفياتي مباشرة، أصدر الجانبان بياناً مشتركاً، أُشير فيه إلى أن معاهدةالسلام اللاحقة بين البلدين ينبغي أن تصبح وثيقة للتسوية النهائية لمرحلةما بعد الحرب، بما في ذلك حل قضية الأراضي المتنازع عليها. وفي تشرين الأول 1993، قام الرئيس الروسي الأسبق، بوريس يلتسين، بزيارة اليابان، وأكد علىضرورة متابعة المفاوضات بهدف تسريع التوقيع على معاهدة السلام وحل مسألةالجُزر. وبعد وصوله إلى سُدة الحكم، أعلن فلاديمير بوتين أن بلاده تعترفبوجود المشكلة، ولكن الحديث «لا يمكن أن يدور حول إعادة الجُزر إلىاليابان». غير أنه عاد بعد ذلك وألمح إلى استعداده للعودة إلى مبادرةخرشوف، مراهناً على جذب استثمارات يابانية إلى روسيا. ووصل الغضب اليابانيمن روسيا ذروته حينما زار دميتري ميدفيديف، أثناء ولايته الرئاسية، إحدىتلك الجُزر في العام 2010، وعندما قام بزيارة أخرى إلى جُزر الكوريل فيالعام 2012. وتتمتع جزر الكوريل بموارد وخامات طبيعية كبيرة من نفط وغازومعادن نادرة، كما أنها مهمة للغاية للأمن القومي الروسي في أقصى شرقروسيا. غير أن معظم الثروات الطبيعية تقع تقريباً في جزيرتي كوناشيروإيتوروفو الكبيرتين مقارنة بالجزيرتين المقترح منحهما لليابان. ويتمحور التصور الروسي لحل مشكلة الجُزر مع اليابان حول دعوة الأخيرةللدخول في استثمارات مشتركة في منطقة الشرق الأقصى الروسي قبل الدخول فيمفاوضات سياسية حول هذه الجُزر. وكانت اليابان قد استجابت نوعاً ما لهذاالأمر قبل الأزمة الأوكرانية والعقوبات على روسيا. ويعود ذلك لأسباب عدة،لعل أهمها، حاجة اليابان بقوة إلى موارد الطاقة الروسية من نفط وغاز،والتطور اللافت للعلاقات بين روسيا والصين في مجال الطاقة والتسليح، وحاجةطوكيو للتأثير الروسي على كوريا الشمالية، التي تُزعج تهديداتها النوويةاليابانيين كثيراً. لكن التصور الروسي لحل المشكلة والاستجابة اليابانيةالنسبية له، لم يُسفرا عن نتائج ملموسة حيث لم تزد الاستثمارات اليابانيةعن 3 في المئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في روسيا. ويعتقد فاليريكيستانوف، مدير «مركز الدراسات اليابانية» في «معهد الشرق الأقصى الروسي»،أن رسائل آبي الأخيرة للكرملين يمكن اعتبارها محاولة للتقارب مع روسيا مندون تغيير جذري في الموقف الياباني من مشكلة الجُزر. وهذا صحيح بدرجةكبيرة، لأن طوكيو آبي لا تزال تُصر على استعادة الجُزر الأربع المتنازععليها كشرط لتوقيع معاهدة السلام وفتح صفحة جديدة في العلاقات مع روسيا. ولكن موسكو لا تعتبر إبرام معاهدة السلام مع اليابان بمثابة تسوية لقضيةجزر الكوريل، بل تعتبرها خطوة ضرورية لتطبيع العلاقات بين البلدين. ومن ثميظل البلدان، من الناحية الشكلية، في حالة حرب برغم انتهاء الحرب العالميةالثانية. وتتعقد المشكلة الروسية اليابانية أكثر بسبب العقوبات الغربيةالمشاركة فيها اليابان على روسيا، ولعدم قدرة طوكيو على الخروج تماماً عندائرة النفوذ الأميركية.

السفير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

17 − 9 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube