https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

االكاتب :توني كليف كتب توني كليف الطبعة الأولى من هذا الكتاب سنة 1947، أي في أوج سيطرة الستالينية عندما كان في مقدورها مد نفوذها إلى أوروبا الشرقية، وعندما كان في استطاعتها بسط سيطرتها حتى الصين عبر ماو تسي تونج. وتوني كليف هو أحد مناضلي الأممية الرابعة التروتسكية، في البداية في فلسطين ثم بعد ذلك في بريطانيا. ولقد تصدى لإنجاز هذا العمل الفكري الهام في مواجهة تأزم وتصدع الحركة التروتسكية الدولية التي أربكها صعود الستالينية بصورة خاصة بعد الحرب العالمية الثانية. فموضوع الكتاب ومحتواه الأساسي هو معالجة الطبيعة الطبقية للاتحاد السوفيتي (السابق) وهي الموضوعة المحورية التي دارت حولها النقاشات والمناظرات الاشتراكية على مدى ثمانين عاما.   ينطلق توني كليف من الموقف اللينيني الذي كان قد اعتمد عليه أيضا تروتسكي، فالدولة العمالية الثورية التي ولدت في 1917 قد انحطت تحت ضغط العالم الرأسمالي حولها أثناء العشرينات، ولكنه يتابع تطوير هذا الموقف الذي كان صحيحا تماما في أوائل العشرينات والتي تحولت تراكماته الكمية على طريق الانحطاط “وصارت تغيرات كيفية في شتاء 28-1929 المرير” حيث نجح ستالين في تدمير آخر بقايا السيطرة العمالية في المدن، وأجبر الفلاحين على التجميع القسري وأخضع المجتمع الروسي لدينامية مختلفة تماما عما تضمنه البرنامج الثوري في 1917، لقد أصبح القول بعد 1928 بدولة عمالية منحطة بيروقراطيا من وجهة نظر توني كليف نوعا من “البلشفية القديمة”.   يوضح الكتاب كيف كان مضمون الخطة الخمسية الستالينية (1928-1933) وما بعدها، استنساخ لوسائل التراكم البدائي الغربية داخل روسيا: طرد الفلاحين من حيازاتهم، النمو القسري للمدن على حساب الريف، شبح الجوع الذي صار يفرض على الناس العمل 16 ساعة يوميا، حرمان العمال من أبسط حقوقهم وأشدها أولوية، نظام عمل عبودي يكمل ويحفز العمل المأجور، وباختصار فإن الإنجازات التي حققتها الرأسمالية في إنجلترا (منشأ الرأسمالية البكر) عن طريق التسييج وأذونات الأراضي ومراسيم التجميع وقانون الفقراء وتجارة العبيد ونظام المزارع…الخ، كرره ستالين تحت تهديد السلاح وفرض دفاتر العمل ومعاداة الإضراب ونمو معسكرات العمل العبودية، وباختصار لقد تعرض المجتمع الروسي لـ 200 سنة من القهر الإنجليزي مكثفة في عشرين عاما فقط.   في الفصل الأول من الكتاب يستعرض توني كليف هذه الوقائع بشيء من الإسهاب عبر جهد إحصائي رفيع الطراز في مواجهة نظام كان إخفاء المعلومات لديه أحد أسلحة التمويه الهامة، يوضح هذا الفصل كيف جرت السيطرة على الإنتاج من جانب البيروقراطية الستالينية وكيف صارت عقوبة الإضراب هي الأشغال الشاقة المؤبدة، وكيف جرى اعتماد أساليب نازية الطابع في تجزئة الطبقة العاملة عبر نظام العمل بالقطعة القائم على الأساليب التايلورية التي لم تعد “استعبادا للعمل عبر الماكينات” كما كان لينين قد حدد مسبقا، بل صارت شيئا في صالح “البناء الاشتراكي” في وجهة نظر منافقي نظام ستالين، وكيف استعادت سلطة ستالين نظام جوازات السفر الداخلية القيصري، وكيف أدخلت دفاتر العمل التي استهدفت تشديد استغلال العمل المأجور، وكذا كيف جرى التوسع الاستثنائي في استغلال عمل المرأة، وكيف توسعت معسكرات العمل القهري من 66 ألف إلى 2 مليون عامل خلال 28-1930 ثم إلى 5 مليون في 1935 ثم إلى (10 : 15 مليون) خلال 1942. يبين هذا الفصل أيضا الأساليب الستالينية للهبوط بالأجر الحقيقي للعمال عبر زيادة إنتاجيتهم وكذلك الهبوط بسلات الطعام المناظرة للأجور الرسمية (النقدية)، وكيف شكلت ضريبة المبيعات أهم مصادر دخل الدولة الروسية حيث لا تضاف إلى السعر بل تدخل في تكوينه مقدما مما يضاعف من قيمتها، وكيف كانت تنازلية وغير مباشرة – 90% بالنسبة للطعام والشراب – وبالتالي كانت تكمل محاصرة الأجور الحقيقية للعمال. وكذلك يشير توني كليف إلى اختلال علاقات التوزيع باختلال الأجور لصالح البيروقراطية وعلى حساب الطبقة العاملة.   ويصل كليف قرب نهاية الفصل الأول بشكل قاطع بأن دخل البيروقراطية منذ إدخال الخطة الخمسية صار يتكون بشكل كبير من فائض القيمة وهي مسألة مختلفة جوهريا عن الوضع المتميز الذي كان عليه هؤلاء البيروقراطيون في الفترة السابقة على الخطة. وفي ختامه يؤكد على أن روسيا قد صارت عملاقا صناعيا على نفس الرأسمالية التي أكدها ماركس حيث أن المعيار الحاسم ليس هو نمو الإنتاج في حد ذاته وإنما العلاقات الاجتماعية المصاحبة للنمو الهائل في قوى الإنتاج، وهل ستأتي بتحسين في أحوال العمال الاقتصادية وزيادة قوتهم السياسية وتعزيز الديمقراطية وتقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية.   في الفصل الثاني، وبعنوان الدولة والحزب في روسيا الستالينية، يتناول الملف اتساع نطاق بقرطة الجيش والسوفيت والحزب ونظام الانتخابات. حيث استعاد الجيش وضعه البيروقراطي كهيئة هرمية عسكرية محددة بوضوح لا يقل عنه في أي مجتمع في التاريخ حيث جرت استعادة الرتب العسكرية في 1935 بعد أن كانت ثورة 1917 قد ألغتها تماما، وبحلول 1929 تحولت بيوت الجيش الأحمر إلى أندية ضباط صار لهم ضمانا مهنيا مدى الحياة وصار متوسط دخلهم السنوي أكثر من 8000 روبل مقابل 150 روبل للجنود وضباط الصف، وفي 1940 صار لهم حق استخدام القوة بما في ذلك السلاح الناري ضد جنودهم.   ويشير توني كليف إلى فشل البلاشفة أصلا في تحويل الجيش الأحمر إلى ميليشيا تطوعية بسبب من الحرب الأهلية وحروب التدخل والغلبة الفلاحية والضعف العمالي، ويؤكد على دفع ستالين بهذا الفشل إلى حدوده القصوى المدمرة والتي تفوق فيها على جيوش البرجوازية التقليدية.   أما عن السوفييتات فهي باختصار صارت تنعقد لتقر الميزانية بعد تنفيذها بعدة سنوات!! وأصبحت منذ العشرينات تصدر قراراتها بـ”الإجماع”، و”لم يحدث أن امتنع عضو عن التصويت ولا صوت ضد الاقتراح المطروح أو حتى تقدم بتعديل أو خطابا معارضا.”   أما نظام الانتخابات فهو النظام الذي أفرز لأول مرة في التاريخ اللعنة الدورية التي صارت مقررة على بلدان العالم المتخلفة والتي تجسدها التسعات الثلاث الشهيرة 99.9%. وأيضا حيث المرشح الواحد (الاستفتاء) كإبداع ستاليني، بل ما هو أنكى: إعلان النتائج المقررة سلفا قبل الفرز.   وفيما يتعلق بالحزب، يطرح توني كليف رأيا معاكسا لما أشاعته الستالينية عن الحزب الشيوعي السوفيتي، حيث لم يكن حزب لينين أبدا حزبا صخريا أو شموليا (منسجما!)، وديكتاتورية ستالين لا أصول بلشفية لها بالمرة من هذه الزاوية، ويضرب المؤلف عدة أمثلة للبرهنة على ما يقول: ·    في انتخابات الدوما 1907 صوت المندوبون البلاشفة لصالح المقاطعة باستثناء لينين الذي صوت مع المناشفة بعدم المقاطعة. ·    بعد ثلاث سنوات صوتت اللجنة المركزية للبلاشفة للدعوة للوحدة مع المناشفة، مرة أخرى الصوت الوحيد المنشق هو صوت لينين. ·       أثناء الحرب الأولى لم يتبنى موقف لينين الانهزامي الثوري أحدا غيره في الحزب. ·       في 1917 كان رأي البرافدا أن موضوعات نيسان خاصة بلينين وحده ومرفوضة. ·    وحول مسألة الانتفاضة حدث انقسام شديد ولم يستبعد من جرائه لا كامينيف ولا زينوفييف من عضوية المكتب السياسي رغم جريمتهم بإفشاء سرها.   ويؤكد توني كليف “أن المناخ الصخري الذي نسب إلى حزب البلاشفة قبل الثورة وبعدها يتلاشى تماما عند مواجهته بالحقائق… إلا أن هذا المناخ قد أصبح حقيقة فيما بعد”.   بالنسبة لمؤتمرات الحزب تباعدت دوريتها ومرت خمس سنوات بين السابع عشر (في 1934) والثامن عشر (في 1939)، أما المؤتمر التاسع عشر فلم ينعقد إلا بعد 13 عاما!!   ويواصل المؤلف شرح كيف جرت بقرطة حزب البلاشفة تماما وكيف صار حزب نظام، مندمجا بدولة البيروقراطية، التي كف الحديث عن زوالها وحل محله مقولة أن “تدعيم دولة السوفييتات، هو شرط الاشتراكية!”.   وهنا يمكن أن يلاحظ القارئ في الحال أن ديكتاتورية ستالين لا تتمتع بأي أصول لينينية، ولكن ماذا عن الإرهاب الأحمر إبان الحرب الأهلية وشيوعية الحرب؟ ويرد الكتاب:   أولا، لا يمكن مقارنة الإرهاب الأحمر بالإرهاب الستاليني الشامل، لا كميا ولا كيفيا.             ثانيا، أنه كان مفروضا على البلاشفة وكان لينين حريصا على تقليصه إلى أقل درجة ممكنة، وهو ما تجسد في سياسة النيب…ويتساءل كليف ما الذي منع لينين من التجميع الستاليني، سوى الحرص على ذلك التقليص، سوى رؤيته الاشتراكية الرافضة مبدئيا لإخضاع استهلاك العمال والفلاحين للتراكم. وتروتسكي عندما تحدث عن تصنيع أسرع أواسط العشرينات، كان يطرح ذلك منسوبا لمعدلات النيب على حساب الكولاك ورجال النيب ورجال الحزب ولصالح العمال والفلاحين الفقراء، ويختلف ذلك بالطبع عن التصنيع القسري والتجميع المغامر على حساب العمال والفلاحين الفقراء.   ويوضح المؤلف كيف أن من أصبحوا معادين للعمال لن يترددوا في استخدام سيطرتهم الشاملة وتفوقهم الاجتماعي في عملية الإنتاج لكسب الامتيازات لأنفسهم في علاقات التوزيع. وكيف حول التصنيع والثورة التقنية في الزراعة في بلد متخلف، وفي ظل ظروف حصار دولي وعلى الطريقة الستالينية، حولا البيروقراطية من شريحة تخضع للضغط والسيطرة المباشرين وغير المباشرين لطبقة العمال إلى طبقة حاكمة “إلى مدير للشئون العامة للمجتمع: إدارة العمل وشئون الدولة والعلم والفنون…وما إلى ذلك”   ما قام به توني كليف في الفصول الأربعة التالية من الكتاب، هو التأكيد على الطبيعة الطبقية للنظام كرأسمالية دولة بيروقراطية، وعلى قوته المحركة التي جسدها التراكم من أجل التراكم النابع من التنافس العسكري والاقتصادي بين هذه البيروقراطية والرأسماليات الغربية، مشيرا بالطبع إلى أن نمو رأسمالية الدولة تحت هذا الضغط صار هو نفسه عنصرا نشطا يضغط على الرأسماليات الأخرى بدورها لإتباع طريق التراكم التنافسي.   ويقدم المؤلف معالجة لأبرز قضايا ومفاهيم المنهج الماركسي التي قد تتعلق بظاهرة ستالين وتطور البيروقراطية في محاولة جبارة لاستعادة التحليل إلى قواعده المادية، وعلى سبيل المثال وليس الحصر الذي لا تستطيع إيفاءه حقه سوى القراءة المتعمقة للكتاب: ·       حكم الطبقة العاملة عندما لا تتوافر شروط إلغاء علاقات الإنتاج الرأسمالية. ·    أوجه الشبه والاختلاف بين رأسمالية الدولة والدولة العمالية، وكيف أن الأولى إذا كانت تتضمن نفيا جزئيا للرأسمالية على أساس رأسمالي سمته إضفاء الطابع الشمولي على الدولة وعملية الإنتاج، فإن الدولة العمالية تأتي بأعلى درجة من الديمقراطية عرفها المجتمع من قبل، تتيح قمع الرأسماليين (الأقلية) بواسطة طبقة عاملة تسيطر على وسائل الإنتاج. ·       علاقات الإنتاج والقانون، شكل الملكية ومضمونها…الخ.   ويظل الفصل السابع من الكتاب أحد مآثر توني كليف مهما تكن الحاجة إلى تطويره، حيث يعالج المؤلف مدى انطباق قانون القيمة باعتباره القانون الرئيسي المنظم لحياة المجتمع الرأسمالي، على الاتحاد السوفييتي، ويصل إلى استنتاج مفاده إن قانون القيمة لا ينطبق على الاتحاد السوفييتي إذا تم تناوله في عزلة عن بقية العالم، وهي المسألة التي لعبت دورا معطلا لتطوير تحليل تروتسكي، وهي المسألة التي كانت محور البيروقراطية الجماعية لشاختمان، ولكن توني كليف يكتشف عبر البرهنة الواضحة أن التنافس مع الرأسمالية العالمية والسوق العالمي الفوضوي يفرض نفسه في التحليل الأخير كمنظم ومتحكم في الهيكل الاقتصادي الروسي ومجمل العلاقات الاجتماعية في الاتحاد السوفييتي، والذي لم يكن ينمو في الفراغ بل من خلال التنافس في إطار وضع تاريخي قائم.   ثم ينتقل إلى مناقشة ما كان أمرا مثارا بشدة لدى الماركسيين آنئذ، وهو مدى انطباق نظرية الأزمة الرأسمالية لماركس على الاقتصاد السوفييتي، حيث يعوق ميل معدل الربح للانخفاض من جهة، أو الإنتاج الزائد من جهة أخرى الميل الرأسمالي المتمايز عن جميع أشكال المجتمعات ما قبل الرأسمالية للتراكم من أجل التراكم، ففي حين يعوق تقييد استهلاك الجماهير نمو الاستهلاك يدفع التراكم إلى تراكم وسائل الإنتاج، ولأن الأخيرة هي في التحليل الأخير وسائل استهلاك، فإن الزيادة فيها بالمقارنة بالجزء الموجه للاستهلاك لابد أن تؤدي إلى الإنتاج الزائد أو فيض الإنتاج، ونظرا لأن هذه الزيادة في التركيب العضوي لرأس المال أي إحلال العمل الميت (المتجسد في الآلات) محل العمل الحي، لا يصحبها زيادة في فائض القيمة الذي لا ينتجه إلا الأخير، فإن هذا الوضع يساوي ميلا ثابتا لانخفاض معدل الربح…الذي يشعل المنافسة بين الرأسماليين، لإعادة هيكلة عملية الإنتاج وبالتالي زيادة أكبر دائما في التركيب العضوي ولا يوجد مهرب من هذه الحلقة.   ناقش ماركس بالطبع آثار معدل الفائدة والائتمان والوسطاء على الأزمة في ظل الرأسمالية التقليدية، أشار كليف إلى أن العوامل الأخيرة في ظل رأسمالية الدولة لا آثار لها. فلا وسطاء، والمدفوعات نقدية فلا ائتمان…الخ. بشرط أن تنتج رأسمالية الدولة لنفسها، أما في حالة الإنتاج من أجل السوق العالمي والحصول على ائتمانات آخرين فإن هذه العوامل سيكون لها تأثير معين.   تناول كليف مدى قدرة رأسمالية الدولة على الاستمرار من خلال الزيادة الكبيرة في إنتاج وسائل الإنتاج، وهو استمرار مؤقت عن الرأسمالية التقليدية، لأنه سرعان ما يدفع بمعدل الربح نحو الانخفاض كما سبقت الإشارة، لن نستطيع متابعة المسألة في عرض مختصر كالذي نحن بصدده، ولكن الكتاب يقدم شيئا جديدا في ذلك، على كل المناقشة التي دارت منذ ثورة أكتوبر وحتى الآن، شيئا لم ينجح فيه المؤلف فقط في البرهنة على أن معدلات الإنتاج السوفيتية العالية ومعدلات التراكم لا صلة لها بالاشتراكية من أي نوع، ولكنها تفاعلات نظام رأسمالية الدولة مع الأزمة العامة للرأسمالية التقليدية وفقا لكارل ماركس، ولكنه نجح كذلك في شئ آخر وهو طرح الأساس العلمي الذي يمكن من متابعة التطورات الاقتصادية في اقتصاد رأسمالية الدولة الروسية، خطوط سيره واتجاهاته العامة، بل في اقتصاد أي رأسمالية دولة من أي نوع.   قدم المؤلف في هذا الصدد نموذجين لمواجهة الأزمة العامة بآليات رأسمالية الدولة، حل بوخارين، وحل توجان بارانوفسكي (اقتصادي روسي غير ماركسي)، وأشار إلى أن حل بوخارين هو حل أزمة فائض الإنتاج، وحل توجان هو حل معالجة ميل معدل الربح نحو الانخفاض. وكيف أن رأسمالية الدولة الروسية كانت تسير وفقا لحل توجان عندما كان الاقتصاد موجها لإنتاج وسائل الإنتاج، من أجل إنتاج وسائل الإنتاج. وهكذا باعتباره حل الاقتصادات المتخلفة…وهو الحل الذي يفسر معدلات التراكم السوفيتية العالية والبعيدة عن الاشتراكية من أي نوع.   إن رأسمالية الدولة الروسية وفقا لكليف، لم تضطر بعد لحل بوخارين حيث تلعب الاستعدادات الحربية وإنتاج وسائل الدمار شكلا معوقا لأزمة فائض الإنتاج، (كان بورديجا الإيطالي يقول برأسمالية الدولة ولكنه تنبأ بأزمة فائض إنتاج روسية على منتصف العقد السابع)، ويتسم بأنه وسيلة للحصول على رأس مال جديد وبالتالي إمكانيات جديدة للتراكم.   إن حل بوخارين لا ينطبق إلا على رأسمالية دولة وصلت إلى نقطة التشبع في وسائل الإنتاج، باعتباره حل إدارة “الأزمة الدائمة” عند رأسمالية الدولة رغم ما يبدو من خلو اقتصادها من الأزمات، حل الركود وإبطاء التراكم إلى سرعة الاستهلاك.   في الفصل الثامن يؤكد المؤلف على إمبريالية رأسمالية الدولة الروسية، فإذا كانت الإمبريالية التقليدية قد استغلت مستعمراتها بطرق ثلاثة، بشراء منتجات مستعمراتها بأسعار منخفضة، وبيع منتجات البلد الأم بأسعار مرتفعة، وبإقامة مشروعات مملوكة لرأسمالية البلد الأم يعمل بها أبناء المستعمرة، فإن رأسمالية الدولة الروسية استخدمت الطرق الثلاث في علاقاتها مع بلدان الكتلة أو مع البلدان النامية…قدم كليف زادا إحصائيا معقولا للبرهنة على ذلك حيث جرى نهب الفحم البولندي وسرقة أحذية باتا التشيكية وشعر الخنزير والزيت الصيني والسكرين التشيكي، وجرى توسيع الإمبراطورية. والجدير بالاهتمام هنا هو ملاحظة المؤلف الثاقبة حول النشاط الإمبريالي لرأسمالية الدولة الروسية “من المؤكد أن الصراع من أجل الاستقلال الوطني ضد الإمبريالية الروسية، سيستمر طالما استمرت وهو أحد العوامل الأشد أهمية والتي قد تحسم مصير النظام الستاليني”. تشير تلك الملاحظة التي برهن التاريخ اللاحق على مدى صحتها ودقتها ونبؤيتها إلى الطريقة التي كان ينظر بها كليف إلى مستقبل رأسمالية الدولة الروسية، وهي الطريقة المتخلصة تماما من أي “عجز عقائدي” من أي نوع، ولكن البعيدة تماما عن الابتعاد بالتنبؤ الماركسي العلمي المشروع عن أسسه العلمية الراسخة، وهو ما اصطدم به تروتسكي الذي توقع الانهيار مع الحرب الثانية، واصطدم به بورديجا الإيطالي مع توقعه لأزمة فيض إنتاج موسعة مع سبعينات القرن.   لقد نجح المؤلف في تطوير معالجة ماركسية متقدمة معتمدة على تطوير مفاهيم الماركسية المتعلقة بظاهرة جديدة على أي حال، بطريقة تجعل الخروج عنها الآن خروجا محفوفا بالمخاطر والانحرافات بصورة غير مسبوقة.   يتضح ذلك في الفصل التاسع حيث يتناول الصراع الطبقي في روسيا ومستقبله مؤكدا على إنجاز البيروقراطية العتيد، وهو أيضا إنجاز الرأسمالية العتيد عموما، منتجها الأشد خصوصية، الطبقة العاملة، ويقول “على الرغم من أن البيروقراطية قد ولدت بكل سمات الطبقة المنحطة، فإنه سيكون من التبسيط الشديد أن نقول أن كل تقدم للقوى الإنتاجية كل إضافة للطبقة العاملة ستقوض مباشرة وفورا وضع البيروقراطية، لا فالواقع أكثر تعقيدا من ذلك بكثير” ويتعرض للإضعاف الخصوصي للطبقة العاملة على يد النمو البيروقراطي، بإضافة عناصر خام إليها من الفلاحين، وخروج العناصر الصلبة المقاتلة إلى صفوف البيروقراطية المتوسعة، باعتبارهما عقبة خطيرة أمام بروز حركة عمالية روسية مستقلة في القريب. وتقارن بأوضاع أمريكا المشابهة قبل عدة عقود من الأربعينات.   ويتوقع المؤلف أن إنجاز “التراكم البدائي” وتوسع البيروقراطية سيلعبان دورا حاسما في نهاية المطاف في تبلور البروليتاريا حيث يتوقع نضوب العناصر الخام ونضوب العناصر الخبيرة الخارجة منها وبالتالي تناقص كفاءة الدعاية الستالينية!! إلا أن صعود النضال لن يأخذ شكله التقليدي لدى الرأسمالية حيث لن تشتعل الجماهير بالتمرد إلا عندما يتراكم الغضب والسخط الكاملين في قلوبهم حتى يصبح جاهزا للانفجار…إن الصراع الطبقي في روسيا الستالينية ينبغي أن يعبر عن نفسه في انفجارات تلقائية هائلة للملايين، وحتى ذلك الوقت سيبدو أن البركان خامد، فالثورة التلقائية بتحطيمها القدم الحديدية للبيروقراطية الستالينية ستفتح الباب أمام النشاط الحر لجميع الأحزاب والجماعات داخل الطبقة العاملة. إنها ستكون الفصل الأول في الثورة البروليتارية ، والفصل الأخير لا يمكن أن يكتبه غير الجماهير المعبأة ذاتيا، الواعية بالأهداف الاشتراكية ووسائل تحقيقها”.   إن كليف الأربعينات يكتب وكأن بلجراد وصوفيا وتيرانا المشتعلة أمام عينيه، بالضبط كما أن إشارته عن الصراع القومي ودوره في مستقبل النظام الستاليني وكأنها كانت معايشة للصراع ضد جورباتشوف ويلتسين في أرمينيا والشيشان أمام عينيه. روسيا واليقظة العربية في كتاب جديد للباحثين الروس في لقاء ضم عددا كبيرا من الشخصيات السياسية والدبلوماسيين الروس والعرب ، بينهم وزير الخارجية الاسبق ايغور ايفانوف وميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي وفيتالي ناؤومكين مدير معهد الاستشراق، جرى يوم 12 مارس/آذار حفل تقديم كتابين يتعلقان ببلدان العالم العربي . والكتاب الاول بعنوان” الشرق الاوسط واليقظة العربية وروسيا : ماذا بعد ؟” والثاني بعنوان ” الطائفة المارونية – (التقاليد والتأريخ والسياسة)”.وركز الخطباء وبينهم سفراء سابقون لروسيا في الاقطار العربية على ان ظاهرة “الربيع العربي” هي جزء من عملية تأريخية ذات أبعاد داخلية وخارجية للتحولات في المجتمع العربي، وللأسف فإن تداعياتها مؤلمة بالنسبة الى الشعوب العربية. وأعرب احد الخطباء عن قناعته بأن شعوب المنطقة قد تشهد ” فتنة كبرى” أخرى تذكر بالفترات المظلمة من تأريخ شعوب المنطقة. وأكد ايغور ايفانوف على ان روسيا واجهت دوما عراقيل ودسائس تستهدف ابعاد روسيا عن المنطقة. لكن السياسة الخارجية الروسية تتوجه دوما نحو التقارب مع بلدان العالم العربي.ويعتبر كتاب ” الشرق الاوسط واليقظة العربية وروسيا : ماذا بعد ؟” الذي شارك في اعداده فريق كبير من الباحثين والمستعربين المعروفين من أهم الكتب الصادرة بالروسية في الفترة الاخيرة والتي تتناول موضوع روسيا والعالم العربي. فكتب د. فيتالي ناؤمكين في مقدمة الكتاب وعنوانها ” بدلا من المقدمة – دوامة اليقظة العربية ” يقول ان هدف الكتاب هو استكناه مغزى الاحداث التي بدأت بصورة مفاجأة وتتواصل حتى الآن والمعروفة بتسمية ” الربيع العربي”. علما ان الباحثين يطرحون وجهات نظر متباينة بصدد الاحداث الثورية في بلدان العالم العربي وعلاقاتها مع روسيا . فبعد ان اجتازت الشعوب العربية فترة حركات التحرر الوطني ونالت استقلالها ، واجهت في الفترات اللاحقة حركات ثورية هدفها تعزيز العامل القومي في الستينات والسبعينيات بينما شهدت اعوام الثمانينات وبعدها انتفاضات الجياع للمطالبة بتحسين الاحوال المعيشية كما جرى في الاردن ومصر والجزائر وتونس. واليوم بدأت حركات ثورية تستخدم فيها وسائل جديدة مثل مواقع التواصل الاجتماعي والمساجد للمطالبة بتغيير الانظمة الشمولية وتكريس الديمقراطية. وظهر بشكل بارز “دور الشارع ” في تغيير الانظمة ، علما ان حركات الاحتجاج هذه موجهة الآن بصورة رئيسية ليس ضد الامبريالية واسرائيل بل ضد الحكام المستبدين.ويقول السياسي المخضرم الاكاديمي يفغيني بريماكوف رئيس الوزراء الروسي الاسبق في مقالة بعنوان ” نهج روسيا في الشرق الاوسط : المراحل التأريخية” ان الشرق الاوسط كان وسيبقى تأريخيا ضمن مجال مصالح روسيا الخاصة . وكانت هذه المنطقة تأريخيا بمثابة “خاصرة” روسيا ولهذا لا معنى لأستغراب بعض السياسيين الامريكيين وكذلك الروس من موقف روسيا النشيط من الاحداث الجارية في منطقة الشرق الاوسط. ويمكن القول ان اهتمام روسيا بهذه المنطقة يشبه مثلا اهتمام الولايات المتحدة بالاوضاع في امريكا اللاتاينية. طبعا ان دوافع سياسة روسيا في الشرق الاوسط تتغير مع التغيرات الجارية في المنطقة والتحولات الداخلية في روسيا نفسها . ويستعرض المؤلف مراحل تطور العلاقات الروسية – العربية خلال العهود الماضية منذ انهيار الامبراطورية العثمانية ونشوء الدول العربية المستقلة ومقاومتها للاستعمار ثم قيام دولة اسرائيل والحروب العربية – الاسرائيلية وتقديم الاتحاد السوفيتي الدعم الى دول المواجهة العربية. ويشير المؤلف الى ان موسكو دعمت حركات التحرر الوطني دائما لكنها لم تستغل الاسلاميين – كما فعلت الولايات المتحدة من أجل تحقيق اهدافها السياسية. علما ان الامريكيين دفعوا لاحقا ثمن سياستهم هذه في دعم التنظيمات الاسلامية المتطرفة مثل ” القاعدة” التي انقلبت عليهم واصبحت اليوم تشكل خطرا على المصالح الامريكية في كل مكان. وتحدث بريماكوف ايضا عن الغزو الامريكي للعراق وتدخل الناتو في ليبيا وتداعيات الاحداث في سورية التي تركت وتترك آثارا سلبية على الاوضاع المعيشية للسكان واقتصاد هذه البلدان والبنية التحتية فيها. كما أكد على ان عملية تحول المجتمعات العربية الى المسار الديمقراطي لن تكون سهلة .ولا ريب في ان “الربيع العربي” سيغير العالم العربي.وسيكون من الصعب بالنسبة الى الحكام الجدد وكذلك القدامى عدم التجاوب مع مطالب الناس الحيوية في التحرر السياسي وتحسين الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية. والوضع العام في الشرق الاوسط يتطلب اكثر من أي وقت مضى توحيد جهود كافة البلدان المعنية في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. ولا بد ان يكون ذلك عاملا هاما يحدد سياسة روسيا الشرقأوسطية في المرحلة الراهنة.ويتضمن الكتاب مقالات عدد من الباحثين المختصين بدراسة البلدان العربية المختلفة منها مقالة الكسندر فيلونيك ” حول الربيع العربي: العمليات الاقتصادية والاجتماعية ” ومقالة أ. باكلانوف ” منظومة الامن في الشرق الاوسط- الفرص الضائعة” ومقالة إ.ميرسكي ” “الربيع العربي بين امريكا والقاعدة ” ومقالة و. بافلوف ” اسباب التحالف بين الغرب والاسلام المتشدد”. ويتضمن الكتاب عدة مقالات عن الاوضاع في تونس والجزائر وليبيا واليمن وسورية والاردن والعراق ولبنان والمملكة العربية السعودية والمغرب في العامين 2011 – 2012. ويشار ايضا الى موقف روسيا من احداث اليقظة العربية في عدة مقالات بقلم أ. زفياغيلسكايا حول ” تعامل روسيا معه الاحداث في العالم العربي(من مثال الوضع في سورية )” وي. زينين “الربيع العربي في اجندة الاوساط العلمية الروسية ” وف. بوبوف ” الحوار بين الحضارات في الشرق الاوسط”وف. شوفايف ” التقييم الروسي للوضع في العراق” وف. تشاموف ” المأساة الليبية: رؤية دبلوماسي روسي”.علما ان الكتاب صدر عن معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية بمعونة صندوق دعم العلوم والثقافة والتربية الاسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × واحد =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube