المؤلفة : هدى الخطيب شلق
ما زال موضوع مشاركة المرأة في صنع القرار موضوعا جدليا يستحوذ اهتمام الناشطين في مجال الديموقراطية وحقوق الانسان والمواطنة. ذلك خاصة في المنطقة العربية التي تشهد حراكا سياسيا لا بل دمويا حادا، مما يستوجب استنفار كل الطاقات البشرية لإرساء الاستقرار فيها، بما في ذلك الحاجة لدور المرأة التي شاركت في بعض التحركات الشعبية في الدول العربية. تلك الدول التي ما زالت تبحث في صراع عنيف عن إمكانية إحلال السلام والتي يجب أن تعد المرأة بطبيعتها داعية أساسية للأمن والامان فيها. علما بأن تلك المرأة نفسها هي التي دفعت غاليا ثمن الصراعات السياسية على حساب كرامتها وتفتت عائلتها وفقدانها للإمكانية التأثير الفاعل في مجريات الاحداث التي تساهم في تهميشها، لا بل بتراجع كبير لدورها في ظل التطرف والتحجر الفكري.
قبل تلك التغيرات في المنطقة العربية وفي خلالها ما زال التساؤل الذي يلح علينا دائماً هو أنه على الرغم من كافة الدراسات التي أجريت بشأن المشاركة السياسية للمرأة، والندوات والمؤتمرات التي عقدت لتداول هذه القضية، فما تم إحرازه على أرض الواقع من تقدم يعد محدوداً للغاية.
رغم كل ذلك ثمة تطورات قد حدثت في بعض الدول العربية لا يمكن إغفالها. بعض المجتمعات التي لم تكن تعترف بأي دور سياسي للمرأة بدأت تعين النساء في بعض المجالس والهيئات كذلك البرلمانات بدأت تفسح المجال للمرأة ولو بصورة رمزية ونخبوية. ويمكن القول بصورة عامة أن بعض الحواجز التي كانت قائمة منذ ما يقرب من عقدين قد شهدت تحسنا نسبيا.
لكن ما سبق لا يعني أن الوضع الحالي يدعو للاسترخاء، بل على العكس فإن الوضع الحالي يطرح تساؤلات من نوع جديد بشأن نسبة مشاركة المرأة ومستوى ادائها وكيفيته، ومدى قدرتها على التأثير في الحياة السياسية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني. ومدى صلتها بالنضال القائم من أجل الحريات العامة وحقوق الإنسان في المجتمعات العربية. وهل يمكن تأطير عمل النساء كي يمثلن نصف الهيئة الناخبة. هل المجتمع المدني لديه القدرة على تعبئة النساء والرجال المؤيدين لحقوق النساء لإحداث تغيير في النظرة لأهمية الاستفادة ممن يشكل نصف المجتمع؟
أقر المؤتمر العالمي الرابع للمرأة منذ 14سنة (بجين1995) بضرورة مشاركة المرأة في عملية صنع القرار وتولي المناصب السياسية. والتزمت بذلك العديد من الدول. لكن ما زال وضع المرأة في المنطقة العربية مقارنة بباقي دول العالم أقل بكثير من إمكانية الوصول إلى المناصب القيادية السياسية والمشاركة في عملية صنع القرار، سواء من زاوية تمثيل المرأة في السلطات الرئيسية الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وإذا أخذنا تمثيل المرأة في المجالس النيابية نجد أن نسبة تمثيلها في الدول العربية تعد من أدنى النسب على مستوى العالم، مع الأخذ في الاعتبار التفاوت فيما بين الدول العربية في هذا الصدد. بعض الدول لا تسمح بتولي النساء فيها مناصب قضائية، ودول أخرى لم تصل المرأة إلى منصب القضاء فيها إلا منذ فترة قريبة. كذلك أن عدد النساء اللواتي يشغلن مناصب وزارية محدود للغاية، وتترك بعض الوزارات تحديدا لكي تشغلها النساء. ناهيك عن شبه انعدام وجودها في مناصب المحافظين وفي المناصب العسكرية والأمنية. لا أشك أن هناك جهود عديدة بعد مؤتمر بجين لمشاركة المرأة في صنع القرار، ولكنها ليست بالقدر المطلوب
هناك صعوبات وعقبات على المرأة تخطيها إذا ما ارادت خوض غمار العمل العام. نذكر من هذه العقبات عوامل متصلة بالمرأة نفسها وبوضعها الاقتصادي، وعوامل متصلة بالمؤسسة السياسية، وعوامل متصلة بالمجتمع والثقافة السائدة فيه. وفي سياق العقبات لا بد من التوقف عند بعض النقاط الأساسية:
يستوجب التنويه الى الفرق ما بين مشاركة المرأة في العملية الانتخابية التشريعية أو المحلية، وبين المناصب التنفيذية أو القضائية أو غيرها التي تتم بالتعيين.
ان العملية الانتخابية – والمرأة لم تشارك في وضع قواعدها أساسا- تبنى على أساس المنافسة بكافة أشكالها ما بين الرغبة في خدمة الصالح العام وبين العمل على خدمة المصالح الشخصية في الكثير من الأحيان. وفي حين تتطلب هذه المنافسة مراس طويل نجد أن المرأة حديثة العهد بالتعامل مع الاليات الانتخابية. فمثلا اذا ما أخذنا بعين الاعتبار التلاعب بسقف الانفاق المالي للحملات الانتخابية الذي يحصل في كثير من الأحيان نجد أن المرأة غالبا لا تملك بسهولة حتى المال المشروع للحملة الانتخابية. أضف الى ذلك استعمال النفوذ وتبادل المصالح المادية والسياسية التي تضطر المرأة للتصدي لها ضمن أنظمة غير ديموقراطية. حتى المجتمع نفسه بحاجة الى تثقيف وتوعية ديموقراطية تبدأ منذ التنشئة الأولى بهدف تغيير النظرة النمطية لدور وقدرات المرأة في صنع القرار. هذا بالإضافة الى بعض أنواع الخطاب الديني المتطرف الذي يؤثر سلبا على تقبل المرأة في الحقل العام.
هناك ظاهرة ملفتة لا بد من التنويه عنها وهي اقدام نسبة من النساء الناخبات على عدم مساندة النساء المرشحات للانتخابات. ان هذا الواقع مرده عدم ثقة الناخبة بالمرأة نفسها وانسياقها وراء رغبة الرجل من حولها. كما يؤثر الخطاب الديني المتطرف على توجهاتها. كذلك نرى في بعض الأحيان نوع من المنافسة السلبية لدى بعض النساء وللأسف ممن يدعين مناصرة المرأة.
بناء عليه نحن بحاجة ملحة للتغيير في العديد من المفاهيم للمساهمة في مشاركة المرأة في صنع القرار. ان هذا التغيير مرتبط ارتباط وثيق بعملية التحول الديموقراطي واحترام حقوق الانسان والمفهوم الصحيح للمواطنة.
لتغيير الوضع الحالي نحن بحاجة الى قوانين انتخابية أكثر عدلاً وأقل تحيزاً، وإحدى الوسائل الأساسية لتحقيق هذه الغاية هي الكوتا، فتطبيق الكوتا يعد أحد آليات تغيير قواعد اللعبة السياسية.
بعض الدول العربية يطبق نظام الكوتا الذي رفع معدل مشاركة المرأة في المؤسسة التشريعية.
ولا شك أن الكوتا على مستوى الأحزاب ترفع من مشاركة المرأة في البلديات وفي البرلمان. وعليه، يجب أن تسعى النساء من أجل فرض كوتا نسائية داخل الأحزاب، تماماً كما حدث في ألمانيا وبعض الدول الاسكندنافية. الكوتا كما يعرف الجميع مرحلية ومؤقتة لتعويض المجتمع لا لتعويض عدم قدرة المرأة على الوصول إلى المجالس النيابية. نظام الكوتا اشارت اليه اتفاقية “السيداو” باعتباره نوعاً من التمييز الإيجابي. ولكن هل قامت الدول العربية بما يتعين عليها القيام به قبل تبني نظام الكوتا؟ فقد أشارت اتفاقية” السيداو” إلى أنه يجب على الدول التي ستطبق نظام الكوتا القيام بمجموعة من الإجراءات من بينها العمل على تغيير التنشئة الاجتماعية. فنظام الكوتا بطبيعته مؤقت وخطوة على طريق تحقيق المساواة. ونتساءل هل النساء اللاتي وصلن إلى مراكز القرار في ظل نظام الكوتا أحدثن تغييراً ما، أم قمن فقط مثل الرجال بتنفيذ سياسة السلطة القائمة؟ هل غيرن شيئاً في نظرة الرجل إلى المرأة حتى إذا ما ألغي نظام الكوتا يمكن للناخبين من الرجال أن يصوتوا لصالح مرشحات من النساء؟ ما مدى ارتباط الأداء السياسي للمرأة بالقضايا النسائية؟ ما هو نموذج المرأة التي وصلت عن طريق نظام الكوتا إلى المجالس النيابية؟ نتيجة لأن ذلك تم دون تهيئة بيئة حاضنة لفكرة المشاركة السياسية للمرأة تبقى قضية الكوتا قضية خلاف ونزاع داخل أوساط مختلفة من المثقفين والناشطين السياسيين بين معارض ومساند، وكل له خلفيته في ذلك.
جانب آخر لتعزيز مساهمة النساء في الحياة السياسية يرتبط بتعزيز دورها على مستوى الأسرة، وأغلب قوانين الأحوال الشخصية في البلدان العربية لا تعزز من وضعية المرأة أو تجعل لها دوراً في صنع القرار داخل الأسرة. ومن ثم، ينسحب الأمر على مساهمتها في الحياة العامة، حيث يكون حضورهاً أقل وتابعاً للرجل؛ فثمة علاقة ارتباط قائمة بين قوانين الأحوال الشخصية ومشاركة المرأة السياسية،
هذه القوانين “الطائفية” “المذهبية” “الأكثرية” إذا جاز التعبير تقف حجر عثرة دون تعزيز مساهمة المرأة في الحياة السياسية.
ويجب أن تبدأ التهيئة لقيادة واعدة وصحيحة للمرأة بالتنشئة السياسية داخل الأسرة وفي مؤسسات التنشئة السياسية. مطلوب تعديل التشريعات العربية بإسقاط جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والعمل على إدماج الاتفاقيات الدولية التي تزيل كافة أشكال التمييز ضد المرأة ضمن التشريعات الوطنية. وعلى الرغم من توقيع كافة الدول العربية على أغلب الاتفاقيات الدولية الخاصة بإزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة إلا أنها لم تدمجها حتى الآن ضمن تشريعاتها الوطنية. وما زالت مؤسسات المجتمع المدني الموجهة نحو المرأة في حاجة إلى مزيد من التنظيم حتى تؤدي إلى تراكم نوعي. فثمة حاجة إلى وضع الآليات التي تمكن المرأة من ممارسة الدور المنوط بها، وكذلك تفعيل هذا الدور. اذن لكي تنجح النساء في الوصول إلى المشاركة في السلطة والبناء الديمقراطي، تحتاج إلى إصلاحات واسعة كلية وليست جزئية. فالواقع في الدول العربية هو واقع أنظمة سياسية أكثر منه واقع مشاركة امرأة أم لا، والأنظمة السياسية اللاديموقراطية لن تسمح غالبا إلا بمشاركة النساء اللواتي تحظين برضا هذا الأنظمة. نحن بحاجة الى المؤسسات الحامية للديمقراطية وللمجتمع المدني والحريات والحقوق، فنشاط المجتمع المدني هو أيضاً أحد آليات التدريب السياسي للمرأة.
ان العملية الانتخابية بما تتضمنه من فعاليات وممارسات وأنشطة وحشد ومشاركة من قبل مؤسسات المجتمع المدني تعد أفضل مدرسة للتدريب السياسي على الممارسة الديمقراطية وبخاصة بالنسبة للشباب، حتى وإن شابها بعض الممارسات السلبية، وحتى وإن انتهت بفشل المرشحات من النساء لأسباب خارجة عن إرادتهن.
أن الانتخابات لا تشكل وحدها الديمقراطية، ولكن الذي نفتقر إليه هو ثقافة الديمقراطية، وهي الثقافة التي يجب أن نسعى من أجل ترسيخها في المجتمع عن طريق مؤسسات التنشئة الاجتماعية والسياسية، وكذلك عن طريق مؤسسات المجتمع المدني.
يضمن النظام الديمقراطي حصول المرأة على حقوقها، بما يمثله في الدستور والقانون والتعليم والنظام الانتخابي وقانون الأحزاب وكيفية التعامل مع الإعلام الذي يجب أن يكون مستقلاً عن الدولة. كذلك تعزيز الثقافة الديمقراطية وتغيير المناهج، بالإضافة إلى ضرورة وجود الآليات الرقابية، والسعي نحو مفاهيم الحكم الصالح والمساواة وتكافؤ الفرص والمواطنة وإعطاء الشباب دور رئيسي والاهتمام بالفئات المهمشة.
اما في لبنان فيطرح سؤالاً مهماً للغاية: لماذا لبنان من أقل الدول تمثيلاً للمرأة في البرلمان تحديدا على الرغم من أنه أكثر الدول العربية ديمقراطية؟ فلبنان من بين الدول العربية القليلة التي لديها تداول للسلطة على صعيد رئاسة الجمهورية ، وفي لبنان هامش واسع من حرية الرأي والتعبير، حرية صحافة وإعلام، المرأة تتمتع بحرية اجتماعية واسعة، توجد لديها تجربة تعددية حزبية حيث لم يعرف لبنان تجربة الأحادية الحزبية. كيف نوفق إذن بين هذا الانفتاح السياسي الملموس، والذي نعتبره شرطاً لتوسيع مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وبين محدودية مشاركة المرأة في الحياة السياسية؟ هل السبب في ذلك أن اللبنانيون أوجدوا لأنفسهم نوع من الديمقراطية التوافقية، وهذا الطابع التوافقي لا يساعد على بروز دور المرأة؟ أم لأنها ديمقراطية طائفية في المقام الأول إذا جاز الوصف؟
وهنا لا بد من التساؤل عن طبيعة الدور الذي يقوم به المجتمع المدني في لبنان على وجه العموم، والمنظمات النسوية منه على وجه الخصوص، فيما يتصل بحمل عبء قضية المرأة والدفاع عن حقوقها والسعي من أجل تعزيز مشاركتها في الحياة السياسية. فهل هناك عمل كافٍ من منظمات المجتمع المدني في لبنان التي تعمل على مسألة الحقوق وتسعى من أجل التمكين؟
وقد ذكر ما يلي في مقتطفات من جريدة المدن الالكترونية المستقلة في مقال بقلم الصحفية يارا نحلة، بتاريخ 2\6\ 2016
“رصدت “الهيئة الوطنية” تقدّماً في نسب ترشّح المرأة وفوزها في محافظتي الجنوب وجبل لبنان، وتراجعاً في محافظتي عكار ولبنان الشمالي. ففي الجنوب ارتفع عدد المرشحات من 101 إلى 185، والفائزات من 59 إلى 80 بين 2010 و2016. كذلك ارتفع عدد المرشحات في جبل لبنان من 367 إلى 164، والفائزات من 164 إلى 227. في حين شهدت مشاركة النساء في عكار ولبنان الشمالي انخفاضاً حاداً، على صعيد الترشح من 449 إلى 279، وعلى صعيد الفوز من 229 إلى 138.
وسجّلت بيروت، بين المحافظات، النسبة الأعلى لجهة ترشح النساء (19.3% من إجمالي المرشحين)، وفوزهن (12.5% من إجمالي المقاعد). عليه، تفوز العاصمة، بشكلٍ غير مفاجئ، بالنسبة الأعلى لتمثيل المرأة في المجلس البلدي، تليها، من حيث نسب الفوز، محافظة الشمال (7.7%)، ثمّ جبل لبنان (6.4%)، والجنوب (4.8%)، والبقاع (2.5%)، لتسجّل محافظة النبطية النسبة الأدنى من الفائزات في الانتخابات البلدية والبالغة 1.87%.
يمكن، في ضوء هذه النتائج والنسب المتفاوتة، دراسة واقع المرأة في لبنان عموماً بين الأمس واليوم. ويمكن أيضاً مقارنة وضع النساء ونشاطهن وفعاليتهن وفق المناطق، وربما الطوائف. ونظراً إلى تعطل الانتخابات النيابية، تبقى الانتخابات البلدية إحدى أهم المؤشرات على مشاركة المرأة في المجال العام، ومواقع إتخاذ القرار”.
ان قراءة هذه الأرقام تشير الى ضعف نسبة التقدم في مشاركة المرأة في صنع القرار حتى على المستوى المحلي. فهل لمفهوم المواطنية أن تعزز من حضور المرأة في الحياة السياسية وتحدث اختراقاً يتجاوز كافة الأعراف والتقاليد والاعتبارات المذهبية والطائفية التي تحول دون تحقيق هذه الغاية؟
من الضروري ان نشئ أجيالاً جديدة من المواطنين تقدر مبدأ عدم التمييز الكفاءة والمساواة وتعرف مفهوم فصل السلطات، ومن هنا يختفي التصويت للمرشح باعتباره وسيطاً بين الناخبين والمؤسسات التنفيذية يقوم بحل مشاكلهم لديها وتسهيل حصولهم على خدمات ومرافق ووظائف من الجهات الحكومية. بحيث تكون هناك آليات قانونية يحصل من خلالها المواطن على حقوقه لدى الجهات الحكومية.
فحين نتحدث عن السياسة يبدو الأمر كما لو كنا نتحدث عن مواقع صنع القرار في السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية. انما السياسة ابتداءً هي المواطنة وتعبيراتها المختلفة سواءً الانخراط في المجتمع المدني أو ممارسة السلطة، وبخاصة السلطة التشريعية التي يفترض أن تحكم باقي السلطات الدستورية من خلال عملية الانتخاب. بمعنى أن الناخب المواطن هو أساس العملية السياسية، وهذا يعني أن كل امرأة مواطنة لها حق الاقتراع المستقل والترشح. المواطنة تبدأ من ممارسة حق الانتخاب، وليس بالضرورة ممارسة هذا الحق بالنسبة للمجلس التشريعي فقط، بل ممارسته بالنسبة لكل مستويات الإدارة العامة أو الشأن العام، سواءً على مستوى النقابات أو مؤسسات المجتمع المدني أو المحليات أو المجلس النيابي، أي تولي مسؤولية تمكين أوسع مجموعة من الناس. في هذا الإطار، القيادة تعني أن يمارس الانسان مواطنيته، وأن يكون كائناً سياسياً، وأن يتولى مسؤولية ثقة الناس ومناصرتهم في الأسس التي تؤمن لهم العيش الكريم.
على المرأة إدراك هويتها النسوية والمواطنية السياسية في الوقت ذاته، وهو الأمر الذي يعني أن تنخرط في عمل مدني أو اجتماعي وفي عمل سياسي عام، وهذا يعني أن توجد التنظيمات والمؤسسات والكيانات التي تصبح بمثابة قنوات لمشاركة النساء في الحياة العامة، وأن تنظم النساء في هذا الإطار إلى جانب الرجال من أجل تغيير رؤية الرجل. ان تكاتف النساء بأعداد كبيرة -حتى النساء المغتربات- يعني التحول إلى قاعدة انتخابية عريضة ومؤثرة، وهو الأمر الذي يمكن من التغيير على مستوى التفكير وعلى مستوى الأداء في القاعدة، وعلى مستوى الأداء العام.
بالإضافة الى أهمية الجمع بين نشاط المرأة على مستوى المجتمع المدني والنشاط السياسي سواء بالمشاركة في الأحزاب أو الاتحادات الطلابية أو النقابات أو الانتخابات تصويتاً وترشحاً, فانه من الضروري اهتمام المرأة بالشأن العام بالقدر نفسه الذي تعنى فيه بقضايا المرأة، فلا تحصر المرأة نفسها في الاهتمام بقضاياها، وفي الوقت نفسه لا تتنكر لهذه القضايا فهي في نهاية المطاف جزء من المجتمع و عليها أن تحدث تراكما نوعيا في أدائها المتنوع و المتعدد, بما في ذلك ضرورة دعمها في إنجاح حياتها الاسرية مما يدفعها للاستقرار و الابداع. إن استقلال المرأة في كافة أنواع العمل الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي كلها أعمال مهمة جداً ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعمل السياسي وبالسلطة السياسية وبالقائمين على هذه السلطة، كل ذلك في ظل قضاء عادلا يحمي جميع الحقوق دون تمييز.
إن تفعيل المشاركة السياسية للمرأة تلزمه مشاركة مجتمعية شاملة لا جزئية، وتلك هي نقطة البداية في المقاربة لهذا الموضوع. ولكي نفهم على نحو جيد مفهوم المشاركة السياسية لابد أيضاً أن نشير، كما تشير عدة دراسات ومرجعيات تحليلية مختلفة، حيث يتطرق الحديث عن المشاركة السياسية للمرأة من خلال ثلاث مقاربات. مقاربة النوع الاجتماعي وإشكاليته الأساسية هي أن النساء هن الضحية الأولى للفقر والبطالة والأمية وضعف المشاركة السياسية على وجه العموم، وبالتالي لابد من تجاوز وتقليل الفجوة النوعية بين الرجل والمرأة.
وهناك مقاربة التنمية التي تركز على ضرورة تشبيك المرأة مع الرجل في المنظومة التنموية. هذه المقاربة ترى أن الهدف الأساسي للتنمية هو الاقتصاد، ومن ثم فإنها تنظر إلى المشاركة السياسية للمرأة والرجل على حد سواء من هذه الزاوية. ولكن في حدود مطلع التسعينات من القرن العشرين برز مفهوم التمثيل السياسي للمرأة، ثم في مطلع الألفية الثالثة برز مفهوم أنسنه التنمية، وهنا يتم التشديد على أن إنسانية الفرد توجب له المساواة بغض النظر عن النوع. أما مقاربة حقوق الإنسان فهي قائمة على إنسانية الفرد وحقه في التمتع بكافة الضمانات المنصوص عليها في الشرعة الدولية لحقوق الانسان.
لتعزيز الدور القيادي للمرأة لا بد من الاهتمام بعدة نقاط منها:
دعم عملية التحول الديموقراطي ومفاهيم حقوق الانسان والمواطنة.
الاهتمام بنشر ثقافة الديموقراطية وعدم التمييز والحق في الاختلاف والتعددية وقبول الاخر ومفاهيم النوع الاجتماعي.
التعريف بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة.
الانتخابات النزيهة التي تضمن التداول السلمي للسلطة الذي يمثل رافعة أساسية من روافع الديمقراطية.
تغيير الإطار القانوني الذي يحكم المشاركة السياسية على وجه العموم ومشاركة المرأة على وجه الخصوص.
مسألة الكوتا لكونها إجراء مؤقت إلى حين يعتاد المواطنون على رؤية المرأة في مواقع السلطة، سواء كانت الكوتا على مستوى الأحزاب أو نص عليها القانون.
إنشاء صندوق لتمويل الحملات الانتخابية وتمويل المرشحات، سواء جاء هذا التمويل من قبل نخب نسائية وسيدات ثريات، أو أن يكون تمويل الحملات الانتخابية لغير المقتدرين وللنساء على وجه الخصوص من المال العام.
أهمية تدريب النساء حتى لا تصل النساء غير مؤهلات إلى المناصب القيادية.
أهمية الجمع بين النشاط على مستوى المجتمع المدني والنشاط السياسي سواء بالمشاركة في الأحزاب أو الانتخابات تصويتاً وترشحاً.
ضرورة اهتمام المرأة بالشأن العام بالقدر نفسه الذي تعنى فيه بقضايا المرأة، فلا تحصر المرأة نفسها في الاهتمام بقضاياها، وفي الوقت نفسه لا تتنكر لهذه القضايا فهي في نهاية المطاف جزء من المجتمع.
مسألة التراكم في العمل السياسي والعمل العام بحيث يتم التدريب على العمل السياسي منذ مراحل مبكرة.
مساندة المرأة للمرأة في الانتخابات.
تقديم المساندة للسيدات اللاتي تشغلن مواقع قيادية أو مؤهلات لشغل هذه المواقع، سواء كانت المساعدة تقنية أو إعلامية.
تعزيز مستوى مؤسسات المجتمع المدني بحيث تكون منظمات المجتمع المدني التي تدافع عن حقوق المرأة تراعي هذه المسألة في تكوينها وطريقة عملها.
تحضير جيل من النساء القادرات على الحضور والتأثير بحيث تستطعن تحقيق إنجازات.
التواصل مع خبرات محلية وخارجية
التأكيد على أهمية دور المرأة في عملية صنع السلام وعمليات المصالحة وحل النزاعات
قياس تقدم المرأة من عام لآخر على مستوى الحياة العامة
وختاماً، لا يمكن للمجتمع أن يحقق التنمية الشاملة وبناء مجتمع جديد إذا لم يكن للمرأة دور في صياغة القرارات المتعلقة بحياتها الخاصة والعامة، وإذا لم تأخذ حصتها من الأعمال المهنية والإدارية والاقتصادية، وإذا لم تشارك في مؤسسات السلطة في مختلف المستويات وفي مؤسسات صنع القرار، فتمكين المرأة بات يشكل التحدي الأهم لتحقيق التنمية على أساس المشاركة والفرص المتساوية