ما الذي حدث في الهند؟ وكيف دخلت البلاد في موجة ثانية من فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)؟ وكيف باتت الهند التي تعرف بـ”صيدلية العالم” تواجه نقصا في اللقاحات والأدوية؟.
الاحتفال المبكر بالانتصار
رغم تصريح وزير الصحة الهندي عن “نهاية لعبة جائحة فيروس كورونا”، كانت هناك تحذيرات تعارض هذا التفاؤل؛ ففي 27 فبراير/شباط الماضي نقلت بي بي سي (BBC) عن خبراء إنهم يخشون “تسونامي كوفيد-19” وشيكا.
وفي أوائل مارس/آذار، قامت مجموعة من الخبراء والعلماء شكلتها الحكومة بتحذير المسؤولين من نوعٍ أكثر عدوى من فيروس كورونا، الذي ينتشر في البلاد، وذلك وفقا لبي بي سي.
وجاء إعلان وزير الصحة الهندي عن “نهاية لعبة كورونا” بعد انخفاض العدد الوطني للحالات اليومية في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط إلى أقل من 20 ألفا من الذروة التي بلغت حوالي 90 ألفا في سبتمبر/أيلول من العام الماضي.
وفتحت جميع أماكن التجمعات العامة، وسرعان ما لم يلتزم الناس بإجراءات الوقاية من كورونا. وبينما طلب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من الناس ارتداء الأقنعة واتباع التباعد الاجتماعي في رسائله العامة، فقد خاطب حشودا كبيرة لا ترتدي الأقنعة خلال حملته الانتخابية في 5 ولايات، كما شوهد عدد من وزرائه يخاطبون التجمعات العامة الكبيرة من دون ارتداء أقنعة، أيضا سُمح لمهرجان كومبه ميلا -وهو مهرجان هندوسي يجتذب الملايين- بالمضي قدما.
وقال الخبير في السياسة العامة والأنظمة الصحية الدكتور شاندراكانت لاهاريا “كان هناك انفصال تام بين ما مارسوه وما بشروا به”. في حين يقول عالم الفيروسات الدكتور شهيد جميل “لم تتوقع الحكومة وصول الموجة الثانية وبدأت الاحتفال مبكرا جدا”.
سلالة جديدة
من الأسباب المحتملة للارتفاع الحالي في عدد الإصابات في الهند سلالة متحورة يطلق عليها “بي.1.617” (B.617.1) تم رصدها أول مرة في البلاد، ولكن الأمر ليس واضحا ولا توجد معطيات كافية للحكم.
ولم تعلن منظمة الصحة العالمية أن السلالة الهندية “مثيرة للقلق” كما فعلت إزاء سلالات متحورة أخرى تم رصدها أول مرة في بريطانيا والبرازيل وجنوب أفريقيا، لكن المنظمة قالت في 27 أبريل/نيسان الماضي إن تتبع تسلسل جينوم سلالة “بي.1.617” يشير إلى معدل نمو أعلى من السلالات الأخرى في الهند.
وفي 29 من الشهر نفسه، حذر معهد روبرت كوخ الألماني من التسرع في إصدار استنتاجات تتعلق بمدى انتشار سلالة كورونا المتحورة “بي.1.617” في الهند.
وقال رئيس المعهد لوتار فيلر، وهو عالم أحياء دقيقة، بالعاصمة برلين “لا يمكننا في الوقت الحالي أن نثبت بشكل نهائي إذا كان الفيروس ينتشر بشكل أسرع أم لا”، لافتا إلى أن سلالات كورونا الأخرى لها تأثير في الهند أيضا، ولكن هناك بيانات محدودة فحسب.
وأوضح أن هناك فحوصا معملية أولية بشأن عن هذه السلالة، “ولكنها ليست الفحوص التي تقلقنا بشكل كبير”، وقال إنه بشكل إجمالي ليس من السهل إدراك ما يحدث في الهند، وأشار أيضا إلى أنه تم تخفيف إجراءات الوقاية هناك.
ضعف النظام الصحي
كشف الوباء عن نقص التمويل ومشاكل في نظام الرعاية الصحية العامة في الهند. وبلغ الإنفاق على الرعاية الصحية في الهند -بما في ذلك القطاعان العام والخاص- حوالي 3.6% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات الست الماضية، وهي أقل نسبة في دول بريكس الخمس. أنفقت البرازيل أكثر من 9.2%، تليها جنوب أفريقيا بنسبة 8.1%، وروسيا بـ5.3%، والصين بـ5% في 2018.
وتنفق الدول المتقدمة نسبة أعلى بكثير من ناتجها المحلي الإجمالي على الصحة. ففي عام 2018 -على سبيل المثال- بلغ الإنفاق في الولايات المتحدة 16.9%، وألمانيا 11.2%. حتى الدول الأصغر -مثل سريلانكا تنفق 3.76%، وتايلند 3.79%- تنفق أكثر من الهند، التي بها أقل من 10 أطباء لكل 10 آلاف شخص، وفي بعض الولايات يكون الرقم أقل من 5.
تأخر التطعيم
أرادت الهند في البداية تلقيح 300 مليون شخص بحلول يوليو/تموز القادم، “لكن يبدو أن الحكومة لم تقم بما يكفي من التخطيط لتأمين إمدادات اللقاح لتشغيل البرنامج”، كما يقول الدكتور لاهاريا.
حتى الآن، تم تطعيم حوالي 26 مليون شخص فقط بشكل كامل من أصل 1.4 مليار نسمة، وتلقى حوالي 124 مليونا جرعة واحدة. الهند لديها ملايين الجرعات الإضافية تحت الطلب، لكنها لا تزال أقل بكثير مما تحتاجه بالفعل.
من المفارقات أن الهند تعرف باسم “صيدلية العالم” وتواجه الآن نقصا في اللقاحات والأدوية، وألغت الحكومة الصادرات، متراجعة عن الالتزامات الدولية، وجندت شركات لإنتاج اللقاحات، كما قدمت دعما ائتمانيا قدره 609 ملايين دولار لمعهد سيروم في الهند (Serum Institute of India)، الذي ينتج لقاح أسترازينيكا-أكسفورد (Oxford-AstraZeneca)، الذي يتم تصنيعه في الهند باسم كوفيشيلد (Covishield) لزيادة الإنتاج، لكن هذا التمويل كان يجب أن يأتي في وقت أبكر -كما يقول الدكتور لاهاريا- لإنقاذ الأرواح.
ويضيف “سيستغرق الأمر شهورا قبل أن يكون لدينا ما يكفي من اللقاحات لتسريع البرنامج. في غضون ذلك، سيظل الملايين معرضين لخطر الإصابة بكوفيد-19”.
الأخبار المضللة
شهدت الهند انتشار كم كبير من الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة ونظريات المؤامرة في منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما يثير شكوكا وقلقا ويعرقل مكافحة الجائحة. ويقول مراقبون ونشطاء إن السلطات لم تقدم على اتخاذ الخطوات الكافية لوقف هذا السيل من المعلومات المضللة. وما يزيد الأمر تعقيدا أن هناك شخصيات عامة ومسؤولين كبارا أيضا يتحملون مسؤولية انتشار مثل هذه المعلومات، وذلك وفقا لتقرير في دويتشه فيله.
ففي منتصف أبريل/نيسان الماضي، حين بدأت حالات كورونا الارتفاع بشكل كبير، نصح في. كي. بول (وهو مسؤول بارز في الفريق الحكومي المعني بالاستجابة لجائحة كورونا) المواطنين باستشارة من يمارسون الطب البديل في حالة إذا كانوا يعانون من أعراض خفيفة أو عدم وجود أعراض ظاهرة للمرض.
كذلك أوصى المواطنين بتناول مكمل غذائي يطلق عليه “تشايوان براش” (Chyawanprash)، وشراب من أعشاب وتوابل يطلق عليه “كادها” (Kadha) من أجل تقوية الجهاز المناعي.
وأثارت تصريحات في. كي. بول انتقادات من الأطباء، الذين قالوا إن مثل هذه النصائح قد تشجع المواطنين على تجربة علاجات لم يتم اختبارها بعد، مما يؤخر سعيهم إلى طلب مساعدة طبية حقيقية.
وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال المدير الوطني السابق للجمعية الطبية الهندية راجان شارما إن “هذا الأمر يثير الدهشة ويعد مضللا بشكل كبير؛ إذ إنه سيشجع الناس على البقاء في منازلهم وتناول بعض المركبات، وعندما يصلون إلى المستشفى بعد تفاقم حالتهم، سيكون قد فات الأوان لإنقاذهم”.
ويشاركه في هذا الرأي المدير التنفيذي لمؤسسة حرية الإنترنت أبار جوبتا، ويقول في -مقابلة مع دويتشه فيله- “عندما تؤيد السلطات العامة مثل هذه الدعوات، فإنه من الواضح أن هناك حالة من عدم احترام للعلم”. ويتساءل: “كيف سيكون تأثير هذا الأمر على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي؟”
علاوة على ذلك، انتشرت إشاعات تقول إن استنشاق البخار أو تناول الثوم والقرفة وجذور عرق السوس قد يكون إجراء وقائيا ضد فيروس كورونا أو للشفاء منه، وانتشرت فكرة أخرى شديدة الخطورة على مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بأن الهنود يتمتعون بمناعة أعلى ضد فيروس كورونا. وتستند هذه الفكرة إلى تفسير سطحي وخاطئ لدراسة وحيدة بشأن جينات وراثية قد أجريت على مجموعات عرقية مختلفة.
وانتشر هذا الادعاء بلغات محلية بأشكال عدة كمنشورات وصور ومقاطع مصورة، كما يقول براتيك واجر، محلل الأبحاث في مؤسسة تاكشيلا. وأضاف في مقابلة مع دويتشه فيله أن “الكثير من هذه المقاطع المصورة والمنشورات تمت إعادة تدويرها لأنها تختفي بسهولة من الفضاء الإلكتروني. وحتى بعد دحض هذا السيل الكبير من المعلومات المضللة فلا يزال هناك أشخاص ليسوا متأكدين مما يجب الوثوق فيه (من معلومات)”.