https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كتب محمد خير الوادي :
انقضى شهر تقريبا على اندلاع حرب اوكرانيا الطاحنة ، التي تخوضها روسيا هناك تحت مسمى “العملية العسكرية الخاصة “، بهدف التخلص من تبعات الانهيار الكارثي للاتحاد السوفياتي ،والحصول على ما تعتقده موسكو”مكان لائق في عالم اليوم” .
والشيء الثابت حتى الآن ، ان عاصفة هذه الحرب قد ازالت الرماد عن حقائق وبؤر ملتهبة كثيرة ، ظن العالم انها خمدت ، خلال ربع القرن الأخير .
في مقدمة هذه االبؤر تقف مسائل الأمن في اوربا . لقد اعتقدت دول القارة العجوز ، ان الترتيبات الامنية التي حصلت هناك اثر الانهيار الكارثي للاتحاد السوفياتي ، باتت نهائية لا بل أبدية ، ولذلك انشغل الاوربيون في تعزيز مكاسبهم الاقتصادية والمعاشية ، واستسلموا لحياة الدعة والوفرة ،واهملوا بناءهم العسكري ، الذي سلموا امره لحلف الناتو بقيادة امريكية مع استهانة بالمطالب الروسية .
لقد اثبت انفجار الوضع في اوكرنيا ،هشاشة البناء الامني الذي اقيم في اوربا على انقاض الاتحاد السوفياتي ، فالشعور بالغبن والظلم ، هو الذي دفع موسكو الى الاقدام على هذه الخطوة المأساوية بهدف اعادة النظر في اسس هذا البناء ، ولكن عبر بالقوة . وبغض النظر عن نتائج المواجهة الحالية ، فانه مالم يتم اصلاح النظام الامني الاوربي بحيث يأخذ بعين الاعتبار بواعث القلق الروسي ، فان هذا النظام سيبقى عرضة لهزات جديدة قد تكون اعنف .
الحقيقة الاخرى التي كشفتها الحرب في اوكرانيا ،تتجلى في حرص واشنطن على استثمار الاوضاع هناك من أجل اعادة اوربا الى بيت الطاعة الامريكي ، و السعي الحثيث الى اغراق روسيا في مستنقع شبيه بذلك التي عانى منه الاتحاد السوفياتي قبل اكثر من اربعين عاما في افغانستان . والمراقب للسلوك الامريكي الحالي ، يخرج بنتيجة مفادها ، ان واشنطن تعمل على اطالة عمر الازمة الاوكرانية بهدف اضعاف روسيا عبر استنزافها عسكريا واقتصاديا من خلال العقوبات ،ولذلك تحشد واشنطن لتقديم الدعم للحكومة الاوكرانية والحيلولة دون انهيارها ، كما اتخذ الغرب مئات العقوبات بحق روسيا .وفي الوقت نفسه تسعى الادارة الامريكية لتأليب المحيط الجغرافي لروسيا .
فواشنطن تضغط على طوكيو لتحريك مسألة جزر الكوريل المتنازع عليها ، وتشحن أوساط امريكية رؤوسا حامية في جورجيا عبر الحديث عن ابخازيا واوسيتيا الجنوبية . كما يشجع الامريكيون المانيا وفنلندا ودول البلطيق على اعادة الحديث عن مناطق ضمتها روسيا عقب الحرب العالمية الثانية . ولم تسلم ارمينييا ومولادافيا ودول آسيا الوسطى من التحريض الامريكي ضد روسيا . وتدعم زاشنطن سياسة وارسو المتشددة ضد موسكو.
والحقيقة الثالثة التي كشفتها الحرب في اوكرانيا هي ، عمق التغلغل الغربي في الاقتصاد الروسي .وبهذا الخصوص ، هناك مسألة تستعصي على الفهم : منذ عدة سنوات ينتقد الرئيس بوتين الغرب بحدة ، ويحمله مسؤولية العثرات التي اصطدمت بها روسيا ، ويعلن بصراحة معارضته لنمط الحكم الغربي. ومع ذلك ، عمدت الاوساط الاقتصادية الروسية الى فتح الباب واسعا امام الاستثمارات والشركات الغربية ، كما تم ربط الجزء الاكبر من موارد الطاقة الخام الروسية بالسوق الغربية عامة والاوربية على وجه الخصوص .
وتكشف الهجرة الاقتصادية المعاكسة التي تنفذها الدول الغربية من روسيا الأن، الحجم الهائل للوجود الغربي في الاقتصاد الروسي وفي السوق الروسية . اضافة الى ذلك ، فان 250 مليار دولار من اموال المصرف المركزي الروسي كانت في لحظة دخول القوات الروسية الى اوكرانيا موجودة في البنوك الامريكية، وقد تم تجميد هذه المبالغ . وفي هذا الاطار من المفيد ايضا ذكر مشكلة الطائرات المدنية الغربية(عددها 800 ) والتي ابطلت الدول والشركات الغربية عقود تأجيرها لروسيا امتثالا للعقوبات الغربية .
بكلمات اخرى ، فان الاقتصاد الروسي يمثل اليوم مايشبه ” عقب آخيل ” في المواجهة المحتدمة بين موسكو والغرب ،وهو امر يضيف اعباء جديدة على الطرف الروسي .
الصراع في اوكرانيا لم ينته بعد ، وهناك كثير من الوقائع والمعادلات التي ستكشفها الحرب هناك ، والتي ستغير الوضع في اوربا – وربما في العالم كله .
24/3/2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × ثلاثة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube