طالب عضوان في الكونغرس الأمريكي باستدعاء مترجمة الرئيس الأمريكي دونالدترامب للاستماع لشهادتها أمام المجلس حول ما دار في اللقاء الذي جمع الرئيسمع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الإثنين الماضي، في العاصمة الفنلنديةهلسنكي. أحد دوافع المطالبة كان التصريحات المذهلة التي ألقاها الرئيس الأمريكي فيمؤتمره الصحافي مع نظيره الروسي والتي نفى فيها التدخل الروسي فيالانتخابات الأمريكية عام 2016، وهاجم فيها المحقق الأمريكي في هذه القضيةروبرت مولر، وكذلك أجهزة الأمن والاستخبارات الأمريكية، رغم أن الروسأنفسهم قالوا إنهم مستعدون للسماح باستجواب ضباط الاستخبارات الروس الـ12المتهمين بالتدخل، وأن بوتين نفسه قال، فيما يشبه الاعتراف، بأنه كان راغبافي فوز ترامب بالرئاسة! ولكن حتى لو تمكن نواب الكونغرس، فرضاً، من الاستماع إلى المترجمةالأمريكية وقامت باستذكار ما حصل في ذلك اللقاء، فإنهم لن يستطيعوا أنيعرفوا ما دار لساعتين قبل ذلك في اللقاء الخاص الذي لم يحضره مترجمون،وتحدّث فيه ترامب وبوتين بلغة يعرفانها، الأول لأن لذلك علاقة بكونه حفيدجدّ مهاجر من ألمانيا إلى أمريكا، والثاني لأنه كان ضابط استخبارات «سوفييتيا» مزروعا في ألمانيا خلال ثمانينيات القرن الماضي. وعلى ثراء إمكانيات التحليل لجوانب شخصيتي بطلي اللقاء، فإن هذا الجانب «الألماني» يستحق بعض التفحّص، وقد عرضت برامج وثائقية ووسائل إعلام بعضجوانب علاقة الكره هذه بإرجاعها إلى الجدّ، فريدريش درامبف، الذي هرب منالخدمة العسكرية الألمانية بعمر 16 وهاجر إلى نيويورك، وجمع هناك ثروة منعالم الدعارة، وحين عاد ليتزوج في بلاده اعتقلته الحكومة الألمانية بتهمةالتهرب من الخدمة العسكرية والضرائب ثم طردته من البلاد ليعود مجددا إلىأمريكا. في المقابل فإن بوتين كان أحد الشهود التاريخيين على سقوط جدار برلين، وكانموجودا حين اقتحمت الجماهير الألمانية مبنى الاستخبارات «الشتازي»، وحسببوتين نفسه، فقد تصدّى لهم حين حاولوا اقتحام مبنى الاستخبارات السوفيتيةوأنه قام بمهمة المفاوضات مع الحشد الغاضب. تجميع هذه الخلفية، بالنسبة لترامب، قد يفسّر مثلاً، لماذا يرفض أسلافترامب في ألمانيا أي علاقة به، حسب القناة الألمانية «دويتشه فيله»، وهناك،في المقابل، سلسلة من التصريحات لترامب تكشف أن الكره متبادل، فحسب مجلة «دير شبيغل» فإن الرئيس الأمريكي قال إن «الألمان سيئون جدا»، وأكثرالتصريحات طزاجة بهذا الخصوص (وأكثرها غرابة نظرا للسياق الحالي) كاناعتبار ألمانيا عدوّة لأمريكا «لأنها تستورد الغاز من روسيا»، في الوقتالذي لا يرى في روسيا نفسها عدوّة وينظر، حسب قوله، إلى بوتين، «كمنافس لاكخصم»! تصريحات ترامب المتوالية كالمطارق ضد ألمانيا والألمانيين دفعت وزيرالخارجية الألماني السابق زيغمار غابرييل إلى تصريح خطير قال فيه إن ترامبيريد قلب نظام الحكم في ألمانيا. أما من جهة بوتين، فمعلوم لدارسي سيرته أن سنواته الألمانية تلك جعلته شديدالحذر من التحركات الجماهيرية، وعلى عداء مع الثورات، وأن خبرة الشباب تلكتفسّر الكثير من سلوكيات وسياسات بوتين اللاحقة في روسيا نفسها والعالم. تحذير وزير الخارجية الألماني الحالي هايكو ماس لترامب من مغبة عقد أيصفقات منفردة مع روسيا على حساب الحلفاء الغربيين للولايات المتحدة، ضمنهذا الإطار التاريخي، يعيد التذكير بمخاوف الجغرافيا السياسية لألمانيا منذتكوينها كدولة، وهذه المخاوف تتركز على غزو ممكن من روسيا، التي كانتتسيطر فعلياً على قرابة ثلث البلاد الألمانية تحت مسمى جمهورية ألمانياالديمقراطية، وعلى نصف عاصمتها برلين، التي كانت محاصرة من كل اتجاه، والتيولدت فيها، وبالتالي فإن هؤلاء الثلاثة يتشاركون إرثا ألمانيا معقدا تمتزجفيه الأحقاد بالمخاوفا.
لقدس العربي