فجر التاسع من نيسان(أبريل)، داهمت فرق مكتب التحقيقات الفيديرالي (إف. بي. آي) في عملية ثلاثية مكتب المحامي الشخصي واليد اليمنى للرئيس الأميركيدونالد ترامب، مايكل كوهين، في مركز روكفلر في نيويورك وشقته السكنية قيدالترميم، والجناح الذي يشغله في فندق بارك آفنيو في مدينة نيويورك، وصادرتمنها في توقيت واحد، ملفات تحتوي معلومات عن الصفقات والأعمال التي يقومبها، بالإضافة إلى أجهزة الكومبيوتر المحمولة والثابتة وكل ما وقع يدهاعليه من وثائق ورسائل بريدية او إلكترونية وتسجيلات الصوتية على هواتفه،بموجب مذكرة صادرة عن مكتب الادعاء العام في المحكمة الفيديرالية لجنوبنيويورك بناء على اشارة من المحقق الخاص في الملف الروسي روبرت موللر. لم تمثل المداهمة خروجاً عن المألوف في تحقيقات موللر ولجان الكونغرس التيكانت تكتفي باستدعاء المعنيين والمشبوهين وتصدر استنابات رسمية تطلب فيهاإيداعها الوثائق ذات العلاقة وحسب، وإنما دوى صداها كالصاعقة في واشنطنالعاصمة حيث أعتبرها ترامب «عملية سطو ووضعية مشينة وهجومًا على الأمةبالمعنى الحقيقي للكلمة». ولم يكن رد الفعل الغاضب لترامب المؤشر الوحيدإلى الأهمية القصوى لهذه الخطوة، فأمر المداهمة لم يصدر عن موللر، وإنما عنالمدعي العام لمحكمة جنوب نيريورك الفيديرالية والذي عينته إدارة ترامبجيفري بيرمان، ما يعني أن كوهين موضع تحقيق جنائي منفصل عن التحقيق فيالملف الروسي وستأخذ قضيته الوثيقة الصلة بسلوك ترامب مسارًا منفصلًا لايقتصر على النظر في شبهة التواطؤ بين الحملة الانتخابية لترامب وبينالحكومة الروسية للتأثير في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بل قد يؤدي الىكشف معطيات جنائية تطاول الرئيس ترامب قبل وأثناء حملته الانتخابية. السبب هو تاريخ كوهين وموقعه في مؤسسة ترامب منذ العام 2006، فقد ظهر اسمهفي التحقيقات في الانتخابات للمرة الأولى في الملف الشهير «الدوسييه» الذيأعده الجاسوس البريطاني السابق كريستوفر ستيل وضمنه الكثير من المعلوماتالتي تظهر العلاقات المشبوهة بين ترامب وأركان حملته الانتخابية وبينالحكومة الروسية وممثليها في أوروبا، حيث ذكر الملف أن كوهين التقى مندوبينروساً في العاصمة الهنغارية ، وهو ما نفاه في حينه. الا ان الواقعة التيوضعته في عين العاصفة هي اعترافه بأنه دفع مبلغ 130 الف دولار للممثلةالإباحية ستورمي دانييلز عام 2016 مقابل تعهدها عدم الحديث عن علاقة جنسيةربطتها بترامب عام 2006، بعدما وضعت زوجته الثالثة الحالية ميلانيا مولودهابارون، وهو ما فتح باباً جديداً من الفضائح على ترامب، حين تم الكشف عن أنكبرى الصحف الصفراء في أميركا «ناشونال انكوايرر» دفعت مبلغ 150 الف دولارلنجمة مجلة «بلاي بوي» كارين ماكدوغيل مقابل الحق الحصري لنشر قصة علاقتهابترامب في المرحلة نفسها، إلا أنها لم تنشرها، كما دفعت مبلغ 30 ألف دولارللبواب السابق في برج ترامب في نيويورك دينو ساجودين مقابل الحق الحصريبنشر ما سمعه اثناء عمله من ان لترامب ولدًا غير شرعي من إحدى موظفاته،كذلك دون نشره، في خطوة كان الواضح منها إسكاتهم قانونيًا لحماية حملةترامب من المساءلة الأخلاقية. جاءت المداهمة لتفتح بابًا جديدًا تجنب الإعلام التطرق إليه؛ علاقة ترامببالمافيا والجريمة المنظمة، وهو الباب الذي قد تقود اليه التحقيقاتالجنائية، في ضوء تاريخ كل من الرجلين. ترامب رجل الأعمال والاستثماراتالعقارية وصاحب كازينوات القمار في إتلانتك سيتي في ولاية نيوجرسي وفي لاسفيغاس في نيفادا لسنوات طويلة وهما مجالان حيويان لعمل المافيا، وكوهين ابنالعائلة الأوكرانية اليهودية المهاجرة المولود في لونغ ايلاند في نيويوركعام 1966، والذي بدأ مسيرته المهنية في أوساط مشبوهة ووثيقة الصلة بعصاباتالجريمة المنظمة في بروكلين. بدأ كوهين مسيرته كمحام لضحايا حوادث السير وحوادث العمل، وهو مجال يكتنفهالاحتيال على شركات التأمين. كان خاله مورتن ليفين يدير حانة في بروكلينتعتبر مكانًا للقاء بين رؤوس المافيات الروسية والإيطالية في التسعيناتوالمقر الرئيس لأكبر مافيا روسية بوريس نايفيلد. كما ان كوهين صديق شخصيلشريك ترامب فيليكس سايتر اليد اليمنى لكبير زعماء المافيا الروس سيميونموغيلافيتش والذي اعترف في تسوية قضائية بضلوعه في تبييض الأموال قبل انيشترك مع ترامب في بناء برج ترامب في «سوهو» في نيويورك. صحيح أن صلة المافيا لم تظهر على الشاشة بعد، الاّ أنه كانت هناك إشاراتملفتة مؤخرًا توحي بأن المحققين غير غافلين عن المسألة. فقد كان ملفتًاتشبيه مدير الـ «إف. بي. آي» السابق جايمس كومي لترامب بزعيم مافيا فيسلوكه. كما لفت أحد المحامين السابقين لترامب جاي غولدبرغ في معرض تعليقهعلى مداهمة كوهين إلى أن المافيا انهارت بسبب اعترافات أحد رموزها ساميغرافانو الملقب بالثور والذي أدى تعاونه مع المحققين إلى سجن رؤوس المافيافي نيويورك، محذرًا من أن كوهين في موقف مشابه.
الحياة