كتب محمد خير الوادي :
احدث اعلان نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الامريكي عزمها زيارة تايوان ، هزة عنيفة وغير مسبوقة في العلاقات بين امريكا والصين ، التي شهدت خلال الاربعين عاما الماضية استقرارا ثابتا ، استند الى اتفاقات شنغهاي الثلاث الموقعة بين البلدين حول تايوان في سبعينات القرن المنصرم .
وللتذكير فقط ، كانت ردود فعل بكين سابقا تقتصر على الاحتجاج على زيارات مشابهة كثيرة قام بها مسؤولون امريكيون لتايوان، -بمن فيهم رئيس مجلس النواب الامريكي الاسبق – ، ولكن لم تصل الامور الى ما وصلت اليه هذه المرة ، حيث هددت بكين- وعلى لسان جيشها – برد عسكري شامل ، وباشعال فتيل الحرب في تلك المنطقة بسبب تلك الزيارات . وهنا ينهض السؤال المُحق التالي :
لماذا كل هذه الحدة في رد الفعل الصيني ،وهذا الغموض الذي يكتنف الموقف الامريكي تجاه زيارة بيلوسي لتايوان ؟
اعتقد ، ان الامر مرتبط بالظروف الحساسة التي تتم فيها هذه الزيارة صينيا وامريكيا. فالصين مقبلة على استحقاق حزبي مهم في خريف العام الحالي ،هوانعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني . ويريد الحزب- لتقوية نفوذه – حشد المشاعر الوطنية حول تايوان . ولذلك ستكون مسألة اعادة التوحيد واستعادة تايوان ، على رأ س اهتمامات المؤتمر الحزبي المقبل كقضية وطنية اولى،وسيعمل على حشد كل الطاقات لتحقيق هذا الهدف .
ثم ان الرئيس الصيني الذي يواجه صعوبات اقتصادية كبيرة بسبب كوفيد وافلاس الجزء الاكبر من قطاع العقارات ،وتنهض امامه تحديات غير مسبوقة داخل الحزب متعلقة بتجديد ولايته لفترة ثالثة ، بحاجة ماسة الى اظهار مزيد من القوة والحسم فيما يتعلق بالقضية التايوانية ، من اجل اقناع الرأي العام الصيني بانه الزعيم الوطني الوحيد القادر على اعادة الجزيرة المتمردة الى البر الصيني ، وان تأييد ولايته الثالثة ستتيح له انجاز ذلك ، وانه سيسلك طريقا اكثر تشددا مع الولايات المتحدة . ولذلك ، وكانموذج لهذا الطريق ، نشرت وكالة شينخهوا كلمات التحذير الى قالها الرئيس شي لبايدن خلال محادثتهما الاخيرة : ” من يلعب بالنار في تايوان سيحترق بها”.
والهدف الثاني للتشدد الصيني ، هو الضغط على الدول التي ستزورها بيلوسي ، وهي سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان ، لاقناع رئيسة مجلس النواب الامريكي بعدم زيارة تايوان ، بحجة عدم تأجيج مزيد من التوتر في منطقة جنوب شرقي آسيا .
والهدف الثالث للتصعيد الصيني ، هو اظهار ان بلاد التنين صارت ندا لامريكا ، وانها لا تعترف بالخطط الامريكية الرامية الى ابقاء الوضع في تايوان كما كان في السابق .
ولاكتمال الصورة ، لا بد من الاشارة الى التعقيدات التي تكتنف الزيارة في الجانب الامريكي. فالبيت الابيض لم يرحب بهذه الزيارة ، والجيش الامريكي اتخذ موقفا علنيا في عدم تأييد الزيارة . اضافة الى ذلك ، فقد اخبر الرئيس بايدن نظيره الصيني خلال المحادثة الاخيرة بينهما ، ان الزيارة وان تمت ـ فانها لن تغيرموقف واشنطن والتزامها باتفاقات شنغهاي التي تقول بسياسة الصين الواحدة ، وبان امريكا تعتبر تايوان جزءا من الصين .
لكن في الوقت نفسه ، فان الرئيس بايدن لم يبادر الى الضغط الكافي لالغاء الزيارة . وسبب ذلك انه يمر ايضا في ظروف انتخابية حساسة تجعله يتخذ موقفا مترددا ازاء الزيارة. فقد اخبر بايدن الرئيس شي جينغ بين ، بانه لا يستطيع منع بيلوسي من زيارة تايوان ، لانه ببساطة لا يملك صلاحية ذلك .وعبٌر بايدن عن أمله ـ في الا تتخذ الصين اجراءات من شانها الحاق الضرر بالعلاقات القائمة بين البلدين .
وهكذا ، فان هذه الزيارة تتم في وقت يستعد فيه البلدان لانتخابات مصيرية . وقد تحدثت عن هذا الامر فيما يتعلق بالصين ، وفيما يخص امريكا ، فقد ارادت بيلوسي من زيارتها هذه ، اظهار قوة الحزب الديمقراطي في التصدي للصين عبر تضامنه مع تايوان ، لا سيما ان هذا الحزب يواجه ايضا انتخابات نصفية حاسمة نهاية هذه العام ، وهو بحاجة الى كسب مزيد من اصوات الناخبين عبر اظهار التشدد ازاء الصين .
هذه العوامل تفسر عدم رغبة الرئيس الامريكي في الضغط من اجل الغاء تلك الزيارة ،لأن مثل هذه الاجراء سيؤثر سلبا على مواقف الناخب الامريكي تجاه الحزب الديمقراطي المهدد بفقدان الاغلبية البرلمانية ، وسيُتهم البيت الابيض بالضعف والتراجع امام الصين .
وهناك جانب آخر حساس في الموقف الامريكي الغامض من هذه الزيارة ، وهو ان الادارة الامريكية بحاجة ماسة الى اثبات مصداقيتها وقوتها امام حلفائها في جنوب شرق آسيا ، واي تراجع امام الصين ، سيؤدي الى تصدع هذه المصداقية . ولذلك اعلن البيت الابيض ، ان بيلوسي تملك الحق في زيارة تايوان .
هذه الامور كلها تشير ، الى ان زيارة بيلوسي الى تايوان باتت وجها لصراع الارادات والهيبة بين كل من امريكا والصين .وهنا مكمن الخطر ، فتمسك كل طرف بموقفه ، وعدم التراجع ، يمكن ان يكون سببا في اشعال بؤرة جديدة من الحرب والتوتر .واعتقد ، ان العالم ليس بحاجة الى حروب جديدة ، خاصة وانه لا يزال يكتوي باللهب المستعر في اوكرانيا .
واخيرا اقول ، آمل ان تنتصر الحكمة ،وان تنتهي مسألة زيارة بيلوسي هذه بنوع من التفاهم ، عبر ايجاد صيغة مبتكرة تحفظ ماء الوجه للجانبين ، ، وتجنب البلدين والعالم مزيدا من التصعيد والاخطار .
2/8/2022