https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

تنطوي العلاقات الإيرانية-الروسية على الكثير من الخبايا التي تحمل بذورإحتمال عدم استمرارها بخلاف ما يروّج البعض حول متانتها، ذلك أنّ موقفهماهو رغبات أكثر منه وقائع وتضارب مصالح، وتحديداً في مسألتين إثنتين: «الصراع التاريخي على الدور الإقليمي أي على آسيا الوسطى والقوقاز أولاً،وثانياً الصراع على التجارة والثروات في بحر قزوين من الثروة النفطية الىالسمكية».التدخل الروسي في بلاد فارس قديم-جديد، ففي محطات تاريخية يظهرأنّ روسيا لم تأمن لايران في ظل حكم الشاه وبعد انتصار الثورة الخمينية. فالتدخل العسكري الروسي في زمن الحرب الأهلية بين المؤيدين لمحمد علي شاهوالمعارضين له أتى تحت شعار حماية المواطنين الروس والتجارة الروسية. فقد حصلت ثورة من أجل الإصلاح الدستوري بين 1905-1911، أجبرت الشاه مظفرالدين على إقرار دستور للبلاد وتشكيل برلمان. وفي1907 تم التوقيع علىالمعاهدة البريطانية الروسية لتقسيم إيران الى ثلاثة أقسام: شمال إيرانللروس، ايران الوسطى منطقة محايدة وقسم منها لألمانيا الحرة، أمّا جنوبإيران فوضع تحت النفوذ البريطاني. في العام نفسه تولى محمد علي شاه العرش واعداً بالمحافظة على الدستور،ليعود ويقوم في 24 حزيران 1908 بانقلاب، وفي تبريز بدأت انتفاضة شعبية ضدالشاه فاستولى الثوار على المدينة بمساعدة روسية. وبالتالي، كان أول تدخلعسكري روسي في إيران بعيد الانتفاضة الشعبية (1909-1911) تحت شعار الدفاععن المواطنين حاملي الجنسية الروسية. التدخل الثاني في 1941، كان نتاج عملية عسكرية بريطانية-روسية مشتركة،للإستيلاء على آبار النفط الإيرانية تحت شعار حمايتها من سيطرة ألمانيةمحتملة، وحماية الممر الجنوبي لتأمين الإمدادات العسكرية واللوجستية لروسيالمنع إيران من القتال الى جانب المانيا ضد الحلفاء. ذلك أنّ الشاه رضا بهلوي رفض إقامة قواعد عسكرية للإتحاد السوفياتيوبريطانيا، ما دفع الى تدخل عسكري للقوات السوفياتية على أساس بنود اتفاقيةالدفاع المشترك، التي كانت تجيز لأي طرف الدخول الى أراضي الطرف الاخر فيحال وجود تهديد خارجي. التاريخ المعاصرهذا في التاريخ المعاصر، أمّا في التاريخ القديم فحصلت حملات روسية عدة علىإيران وبلاد فارس: -الحملة العسكرية الأولى في أيار 1722 بهدف حماية التجار الروس من القرصنة،فيما كان الهدف المخفي الوصول الى شاطئ بحر قزوين ومنع تمدد تركيا نحوه. -الحملة العسكرية الثانية في عام 1796 ووجهت الى مقاطعة أذربيجان الفارسية،كردّ على التدخل الفارسي واحتلال جورجيا في عام 1795. وتم سحب هذه القواتبعد عقد صلح مع إيران على يد الأمبراطور باول الأول. -حرب 1804-1813 تم التدخل في بلاد فارس على أساس التهديد الدائم الممارسعلى جورجيا من قبل الحلف الإيراني-التركي، واستناداً الى المعاهدة الموقعةبين روسيا وجورجيا، والتي قضت بدفاع روسيا عن سيادة جورجيا في حال تعرضهالتهديد خارجي. وبأسلوب يحاكي تدخل روسيا في القرم، أتى تدخل روسيا بناء لرغبة ملك جورجياالذي طالب بالانضمام الى الامبراطورية الروسية، وبعد أن احتلت القواتالروسية بعض المواقع المتقدمة، أعلنت بلاد فارس الحرب على روسيا، التيانتهت بتوقيع اتفاقية سلام في جولاستان وقضت بضم عدد من المقاطعات الفارسيةالى روسيا، في ما يسمى اليوم أذربيجان، وضمن شروطها سيطرة الأسطول الروسيواستحداث قواعد بحرية له في بحر قزوين. 4-حرب 1826-1828، شنتها بلاد فارس على الامبرطورية الروسية لاستعادة مناطقفي شمال القوقاز، انتهت بتوقيع معاهدة صلح أدت الى الاعتراف الكامل بهيمنةالأسطول الروسي على بحر قزوين. غاية هذه اللمحة التاريخية لاثبات أنّ العلاقات الروسية – الفارسية وحديثاًالايرانية-الروسية ليست كما يُنظر اليها، بل قامت على خصومة تاريخيةوجيوسياسية ودوائر مصالح. فروسيا حرصت على إضعاف دور جارتها الجنوبية. من هنا يمكن الاستنتاج أنّ لا آفاق لمستقبل هذه العلاقات، بخلافالمتفائلين، وأنّ ما يجمع البلدين مصالح تقتضي في بعض الأحيان أعمال سياسةحسن الجوار وأحياناً فرض اعتراف إيران في حق الجار الأقوى بحصته في مياهوثروات بحر قزوين، والتي بدأت تظهرمنذ لحظة سيطرة القيصر ايفان الرهيب علىمقاطعة أستراخان -الحد الجغرافي الفاصل بين آسيا وأوروبا- منذ ذلك التاريخبدأت هذه العلاقات تشهد مساراً لولبياً وملتوياً. علاقات لم تشهد ربيعها الفعلي إلاّ في العقدين الأخيرين، أما مبعثها تطابقوجهات النظر بشأن المصالح المشتركة في مقاربة بعض الأزمات في الشرق الأوسطوالخليج العربي وصراعات القوقاز.أما ما يمكن استشفافه هو محاولة ايران قطفما يمكن مع تقديمها تنازلات سيادية أحياناً للحصول على امتيازات، تمكنها منأن تصبح لاعباً إقليمياً، كدور الخبراء الروس في بناء محطات نوويةوتحديداً في بوشهر وتنازلات في الاقتصاد والامتيازات التجارية. إنّ هذه العلاقات في اعتقاد الكثيرين معرضة للاهتزاز في حال لم توازن إيرانبين مصالحها وعلاقاتها أو تفاوضها مع الغرب ومراعاة المصالح الروسية، حيثأنّ سياسة اللعب على طرف الحبل قد تؤدي الى إنهيارات خطيرة، ستنعكس علىمستقبل العلاقة بين موسكو وطهران من جهة وبين إيران والغرب من جهة أخرى. وفي إنتظار ذلك، تتفاعل على حدود إيران قضايا لها انعكاساتها السلبية علىعلاقتها مع روسيا ومنها العلاقات الأذربيجانية-الايرانية التي تشهد توتراًغير مسبوق على خلفية اتهامات اذربيجانية لايران بالتدخل لتقويض منظومةالقيم الثقافية للمجتمع الآذري وتجنيد عملاء ايرانيين لمصلحة الجمهوريةالاسلامية، من دون إغفال أنّ الأذربيجانيين هم أيضاً من الشيعة، و20 فيالمئة من سكان إيران هم من الأثنية الأذربيجانية. رغم الحديث المتكرر في إعلام البلدين عن علاقات حسن الجوار، يثير الموقفالايراني الرسمي شكوكاً لدى باكو، لجهة دعم ايران لأرمينيا في صراعها معاذربيجان حول اقليم ناغورني كارباخ، وتوقيع طهران لأكثر من ثلاثين اتفاقيةمع يريفان، وتصدير إيران الغاز وثروات طبيعية مختلفة والنفط الى أرمينيا. في الوقت عينه، تتهم أذربيجان بعلاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدةوإسرائيل وتحولت بنظر ايران الى قاعدة للتدخل ضدها، ويراود ايران الشك بأنّالهام علييف جاهز لتقديم قواعده للاسرائيلين في أي ضربة محتملة ضد ايران،حتى أن هناك اتهامات بأن عمليات الاغتيال التي استهدفت علماء الذرةالايرانيين نفذها إسرائيليون قدموا إلى إيران عبر أذربيجان. في المقابل، يتهم الطرف الأذربيجاني جاره الجنوبي بمحاولة تصدير الثورةالإسلامية اليه.وتتناقل بعض الأوساط المتابعة أخباراًَ مفادها، أنه ومن بينأسباب التوتر هو وعي روسيا أنّ التخلي عن أذربيجان له نتائجه الكارثية علىمستقبل فضائها الآسيوي الذي يصل الى حدود كوريا والصين، وهو لن يكون علىحساب علاقاتها مع ايران التي تشوبها الكثير من السلبيات ولا تعود بالمنفعةالمرجوة، فحجم التبادل التجاري هو أرقام مضخمة، وهي اتفاقيات في الغالب لاتنفذ، كما أن روسيا تنظر بارتياب شديد للدفء المتوقع في العلاقات الغربيةالايرانية التي ستنعكس سلباً على الاقتصاد العالمي وأسعار النفط وعلى روسياتحديداً. إن أي اتفاق إذا حصل بين ايران والغرب سيفتح الباب واسعاً أمام ايرانللمشاركة في مشاريع مد وبناء خطوط الغاز العالمية، وهي ورقة رابحة في يدإيران وقد تفتح الباب امامها لضح الغاز الايراني مباشرة الى السوقالأوروبية، من دون مراعاة المصالح الروسية، هذا ما يتطلب من الروس الشروعببناء ما يسمى بالخط الجنوبي الثالث عبر القوقاز الذي يؤمن الغاز الىأوروبا بعيداً عن تركيا وايران. يعتقد مراقبون أنّ كل هذه الحسابات هي أساس دفع موسكو لعدم جعل طهران عضواًكامل العضوية في معاهدة شنغهاي، وكذلك في الضغط والمناورة الذي تمارسهموسكو بشأن بيع طهران الصواريخ من نوع أس 300 وتجميدها وتحريكها وفقالحاجة، اضافة الى التردد في ما يخص قيام الرئيس الروسي بزيارة رسمية الىطهران. على خط التوترات المحتملة، يستحضر باحثون إيرانيون اوجه الصراع بين موسكووطهران، ويجزم قسم كبير بأنّه لا آفاق لهذه العلاقة ويعود بالذاكرةالتاريخية الى الأحداث والاشكاليات الحدودية العلاقة والتدخل الروسي فيالشأن الداخلي الإيراني، واعتقاد هؤلاء بأن روسيا تستخدم إيران والملفالنووي لتحسين علاقاتها وشروطها التفاوضية مع أميركا والغرب. توازياً، هناك من يروّج في روسيا لاحتمالات أن لا تكون ايران شريكاً أميناًبدليل تصريحات رسمية صادرة بشأن الوضع في الشيشان وداغستان وضرورة حل هذهالقضايا سلمياً. هذا عدا أن أية محادثات حول تقسيم الثروات في حوض بحر قزوين ستوترالعلاقات، فلا مصلحة للطرفين بانجاز أي اتفاق، خصوصا وأنّ هناك طموحاتإيرانية بنقل الغاز والنفط من قزوين الى مقاطعاتها الشمالية، مما يجعلهاقوة اقليمية سيحسب لها حساب في اي معادلة، الأمر الذييقلق روسيا. أماتوقيع اي اتفاقية سيؤدي الى فقدان الطرفين نحو 200 ألف كيلو متراً مربعاًمن حوض بحر قزوين، ويعزز دور أذربيجان وكازاخستان الطامحتين لانجاز مشروعالوضعية القانونية لحوض قزوين، مما يفقد روسيا دوراً عملت له قروناً. قلق روسيلا شك أن الذي يقلق روسيا هو طموح ايران للعب دور محوري في جمهوريات آسياالوسطى، من خلال توقيع اتفاقات تعزز العلاقات الثقافية وتقدّم دور اللغةالفارسية على حساب الروسية في هذه الجمهوريات وتعزيز مكانة المذهب الشيعيفيها. وعلى رغم أنّ هناك توافقاً إيرانياً-روسياً بشأن تقييم مشترك لطبيعة الصراعالناشئ في القوقاز ودول آسيا الوسطى وأفغانستان وآخر حول حوض بحر قزوين،وهو توافق ظرفي، وسببه مد خط أنابيب باكو-جيهان عبر القوقاز وتحديداًأذربيجان وجورجيا وتركيا، وأيضاً خط الغاز الذي سيمرّ في عمق بحر قزوينوالذي سيؤمن مرور الغاز التركماني الى تركيا، هذان الخطان سيتجاوزان ايرانوروسيا ويمران عبر جمهوريات اخرى، مما يضرب مصالح البلدين ويعزز دور الدولالغربية وتركيا في حوض قزوين. من هنا، هناك مصلحة مشتركة تفرضها الوقائع وتقوم على تفاهمات بالتنسيق معأرمينيا، لكن هذا الحلف الثلاثي معرض للاهتزاز، إذ أنّ التدخل والتمددالعقائدي الايديولوجي الايراني يزعج ويخيف روسيا ومصالحها في آسيا الوسطىوالذي دفعت في سبيله الكثير من الدماء والضحايا، وبالتالي في اللحظة الذيتبدأ فيه ايران بنسج علاقات جديدة مع شركائها الجدد بعد فك عزلتها، فإنلذلك أثمانه الكبرى فهي ستتفرغ لاقتصادها وستفقد مواقع أعطتها بعضا منالنفوذ وحق التأثير والتقرير في سوريا والعراق وسيتراجع دور حلفائها فيلبنان واليمن. وسيبقى حوض قزوين موضع نزاع ومحط أنظار كل من روسيا، وايران،كازاخستان،أذربيجان وتركمنستان. ومن اللافت ختاماً أنّ البدء في التنقيب في قزوين عنالنفط والغاز أدى الى قيام البحرية الايرانية عام 2002 بمحطات الحفرالمخصصة للتنقيب والاستخراج العائدة لشركات بريطانية واذربيجانية مشتركة،ذلك انه حسب المزاعم الايرانية فان عمليات التنقيب كانت تتم في المياهالاقليمية الإيرانية، حينها أعلن الطرفان انهما سيدافعان عن مصالحهماومياههما الاقليمية بكل ما أوتيا من قوة. إنّ خطط فلاديمير بوتين لاعادة بناء روسيا باعتبارها القوة الاكثر نفوذا فيالعالم تعني استمالة الدول التي تملك احتياطات النفط والغاز الطبيعي،وهكذا ستقع اذربيجان بين خطر موسكو والتي ستتخلى عن قدرتها على المجاملة فيالعلاقات مع الجيران من اجل ممارسة السلطة في المنطقة والعالم، وخطر طهرانالتي تحاول جلب الاذريين تحت أجنحتها المتطرفة.

الجمهورية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

9 + 11 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube