https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

بيّن قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي أن الشعوبية لم تعد مجردموجة تجتاح العالم، بل غدت واقعا يجب التعامل معه، ومنذ ذلك الوقت وحتى هذهاللحظة، تولت حكومات شعوبية زمام دول كثيرة مثل الولايات المتحدة وإيطالياوبولندا وغيرها. وكان حتما لسياسات هذه الدول أن تتغير مع استبدالقياداتها، فاندلعت حرب اقتصادية بين الولايات المتحدة والصين تنطلق من دافعحماية الحقوق الأميركية الاقتصادية وتتّبع سياسة حماية اقتصادية بحتة،تماما كما كان دافع بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي. هذا الخروج الذيدفع بباقي الدول الأوروبية لإعادة النظر في مصالحها بعيدا عن مصالح الاتحادالأوروبي، بما في ذلك من إعادة تقييم للعلاقات التي بنيت على أساس مصلحةالاتحاد. ولعل اللقاء الإيطالي الصيني خلال الأيام الماضية خير دليل على أنعلاقات الدول الأوروبية مع غيرها أصبحت محكومة بمصالح الدول نفسها لابمصالح الاتحاد. الاتحاد الأوروبي لا ينظر للصين من منظور واحد فقط، فهو يرى الصين على أنهامنافس يهدف إلى اكتساح الأسواق العالمية بمصانع وشركات مدعومة من الحكومةالصينية مخالفة لقوانين التجارة العالمية، بما في ذلك من تهديد للمصانعالأوروبية وما يرتبط بها من معدلات بطالة وغيرها. كما أنه على درايةبالسرقات الصينية لحقوق الملكية الفكرية الأوروبية، وانغلاق أسواقها أمامالشركات الأوروبية. ولكنه أيضاً يرى في الصين شريكا اقتصاديا لا يمكنإنكاره، فما يقارب 10 في المائة من الصادرات الأوروبية تذهب إلى الصين، و20في المائة من الواردات لأوروبا تأتي من الصين، وعليه فالاتحاد الأوروبي هوأكبر شريك تجاري للصين، والصين هي ثاني أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبيبعد الولايات المتحدة. ولكن الاتحاد الأوروبي رغم علاقته التناقضية معالصين، إلا أنه لا يستطيع مجابهة الصين كما فعلت الولايات المتحدة، وهو – كما صرحت قياداته مؤخرا – لا يريد أن يكون طرفا في الحرب الاقتصادية بينالدولتين لأسباب كثيرة، منها أن الاتحاد الأوروبي نفسه ضحية رسوم «ترمب» تماما كما هي الصين، كما أن أوروبا ليست منعزلة جغرافيا عن الصين كما هوالحال مع الولايات المتحدة، فترتيبات هذه الحرب قد لا تتشابه بين أوروباوأميركا. هذا السبب تحديدا هو ما دعا إيطاليا إلى أن توقع مذكرة تفاهم مع الصين علىدخول إيطاليا طرفا مشاركا في طريق الحرير الجديد والذي يربط الصين بأوروباكلها، لتصبح بذلك أول دولة تقدم على هذه الخطوة من مجموعة السبع دول. ولهذهالاتفاقية ما يبررها، فالصين أكبر شريك آسيوي لإيطاليا وثالث أكبر مصدرللاستيراد، وإيطاليا من أهم مصادر الاستثمارات الأجنبية للصين وخامس أكبرشريك تجاري لها، وبلغ حجم التبادلات التجارية بين البلدين مليار دولار فيالعام ، أكثر بتسعة في المائة من العام . كما أن إيطاليا في موقف لا تحسدعليه من الناحية الاقتصادية، فهي ثاني دولة في الاتحاد الأوروبي من ناحيةحجم الدين العام، بعد اليونان مباشرة! وهي لذلك تبحث عن تقوية شراكاتهاالاقتصادية، لا سيما مع الصين أقوى اقتصاد نامٍ في العالم. ولم يكن دخول إيطاليا في هذه الاتفاقية محببا لكثير من الدول، وتحديداالولايات المتحدة، حيث صرح مسؤول إيطالي أن إدارة «ترمب» حاولت كثيرا ثنيالحكومة الإيطالية عن توقيع هذه المذكرة. ولكن يبدو أن إيطاليا ضاقت ذرعابشركائها من الغرب، وكأنها تصرح بأن هذه الشراكة لم تجلب لاقتصادها سوىالويلات، وأن الوقت حان للالتفات للشرق. ولا يستبعد أن تلحق فرنسابإيطاليا، فهي واجهة أخرى للشراكة بين الصين وأوروبا كما سبق وأن صرحالرئيس الصيني، فحجم التبادلات بين البلدين أكثر من مليار دولار العام ،بنسبة زيادة بلغت في المائة عن العام . وهذا يعني أن فرنسا تشترك معإيطاليا في زيادة شراكتها الاقتصادية مع الصين، كما أنها شريك حتمي للصينفي حال أرادت الصين الوصول بطريق الحرير إلى بريطانيا. شراكة الصين لأوروبا لم تعد عن طريق الاتحاد الأوروبي نفسه، بل هي شراكة معدول تبحث عن مصالحها بعيدا عن الاتحاد، وإيطاليا ليست أول دولة أوروبيةتوقع مع الصين بخصوص طريق الحرير الجديد، ولكنها بلا شك أكبر دولة أوروبيةفعلت ذلك. والمخاوف الأوروبية تنبع من إمكانية سيطرة الصين على موانئأوروبية كما كان الحال مع اليونان من قبل، وحتى مع إصرار الصين على أننفوذها في هذه الموانئ لا يتعدى كونه اقتصاديا – وهو ما صرحت به إيطاليا معتوقيع الاتفاقية – إلا أن الدول الغربية لا تفتأ بالتشكيك بالنواياالصينية، معتقدة أن الصين تفرض نفوذها السياسي من خلال اقتصادها القوي. وفيحين يتهمها الأوروبيون بأنها تتخذ أسلوب «فرّق تسُد» لفرض نفوذها علىأوروبا، إلا أن الواقع أن الدول الأوروبية نفسها تفرقت دون أن يكون للصينيد في ذلك، حتى مع استغلالها لهذه الفُرقة لصالحها.

الحياة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة + عشرة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube