انطلقت صباح يوم 9 من أغسطس التدريبات الصينية ـ الروسية رسميًا في منطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي في شمال غربي الصين، وسيستمر حتى نهاية يوم 13 من نفس الشهر.
وتسجل هذه التدريبات العسكرية عدة الأولى: هي أول تدريب مشترك بين الصين ودولة أجنبية يقام في الصين منذ انتشار كوفيد-19، كما أنها المرة أولى التي يدخل فيها الجيش الروسي إلى قاعدة التدريب التكتيكي للأسلحة المختلطة تابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني للمشاركة في التمرين.
ويعتقد المحللون أن هذا يشير إلى تعميق وترسيخ التعاون العسكري الصيني ـ الروسي. كما يمكن إعطاء هذه التدريبات العسكرية أهمية أكبر في سياق المنافسة بين الولايات المتحدة بين القوى الكبرى والانسحاب الوشيك للقوات الأمريكية من أفغانستان.
أشارت وزارة الدفاع الوطني الصينية في الإحاطة السابقة إلى أن التدريبات ستظهر بشكل أكبر تصميم الصين وروسيا وقدرتهما على محاربة القوات الإرهابية والحفاظ بشكل مشترك على السلام والأمن الإقليميين. وسيرسل الجانبان أنواعا متعددة من الطائرات والمدفعية والمعدات المدرعة، ويتدربان معًا على نفس المنصة.
وكشف المكتب الإعلامي للمنطقة العسكرية الشرقية في الجيش الروسي عن أن إجمالي القوة المشتركة للصين وروسيا المشاركين في التدريبات تصل الى حوالي13 ألفًا، وسيتم الكشف عما يقرب من 500 قطعة سلاح ومعدات. وتشمل المعدات الروسية: مقاتلات Su-30SM ووحدات جوية تكتيكية أخرى ووحدات آلية وقوات خاصة في منطقة الزبيكال.
قال لي شين، مدير المعهد الأوراسي بجامعة شنغهاي للعلوم السياسية والقانون، إن التدريب أظهر أولاً تطور شراكة التعاون الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا على مستوى عالٍ في العصر الجديد. وتعد مناورة مكافحة الارهاب مشروع تعاون صينى ـ روسى تقليديا، كما يظهر أن الثقة العسكرية المتبادلة والتعاون العملي بين الجانبين قد تعمقت بشكل أكبر.
وأشار المراقب العسكري وانغ تشيانغ إلى أن التدريبات العسكرية لها سمات مميزة والعديد من النقاط الجديرة بالاهتمام: ـ
أولاً، انطلاقًا من الاسم الرمزي، والمسمى التدريب “مشترك”، يمكن الحكم على أنه تدريب روتيني بين الدول ولا يستهدف طرف ثالث، مما يعكس المستوى العالي للعلاقات بين القوات المسلحة الصينية والروسية. وإن استئناف الصين وروسيا اختبار التكتيكات العسكرية بعد الصمت الناجم عن الوباء يرسل “إشارة قوية” للتعاون إلى العالم الخارجي.
ثانيًا، انطلاقًا من موقع التدريب، دخول الجيش الروسي لأول مرة إلى قاعدة التدريب التكتيكي للأسلحة المختلطة في نينغشيا للمشاركة في التمرين، التي تعتبر عمق المناطق النائية للصين، ما يظهر ارتفاع مستوى الثقة المتبادلة بين الصين وروسيا على مستوى التدريبات المشتركة.
ثالثًا، بعد هذه التدريبات بين الصين وروسيا، سيرسل جيش التحرير الشعبي الصيني فرقًا إلى روسيا ودول أخرى للمشاركة في “الألعاب العسكرية الدولية 2021″ في وقت لاحق من هذا الشهر. ” يعطي الناس الشعور بأن الجيشين يشبهان زيارة الأقارب والأصدقاء، وأن التبادلات قريبة للغاية. ويعكس المستوى العالي من الثقة الاستراتيجية المتبادلة.”
رابعًا، من منظور محتويات التدريبات، تم تضمين القدرات مثل الإنذار المبكر المشترك، وهجمات المعلومات الإلكترونية، والضربات والتطويق المشتركة، وإن الإعدادات معقولة. ويُظهر نشر طائرات الجيش والمروحيات أن النقل المسلح والضربات التكتيكية والتوجيه الناري سيكون متكاملاً، وهم ملتزمون بتحسين القدرات القتالية المشتركة في البيئات المعقدة.
خامساً، من وجهة نظر المعدات المشاركة في التدريب، فإن المقاتلة الروسية Su-30SM تُعرف باسم “شاحنة التفجير” هي مقاتلة متعددة الأغراض، والتي يمكنها تنفيذ ضربات موجهة دقيقة في الهواء، وقيادة طائرات أخرى لإجراء عمليات التفوق الجوي. وقد تستند مشاركة Su-30SM إلى النظر في كسب الأهداف الأرضية والاعتداءات العميقة. ويمكن لمقاتلات سلسلة “J” الصينية التعاون في تطهير القنوات الهجومية والاستيلاء على التفوق الجوي.
قال وانغ تشيانغ: “يمكن ملاحظة أن لدى الجانبين تقسيم العمل الخاص بهما في المجال الجوي القتالي. ولن يكون ذلك ممكناً إذا لم تكن هناك قيادة منسقة وتجارب متكررة، ما يثبت أن التعاون بين الجانبين ضمني للغاية.”
كما لاحظ وانغ تشيانغ أن الجانب الروسي تعلم استخدام الأسلحة والمعدات الصينية في هذه التدريبات العسكرية، والتي لها أيضًا أهمية كبيرة. من ناحية، هذا هو تأكيد روسيا على استقلالية وتحديث إنتاج الأسلحة والمعدات منذ ممارسة الصين لتعزيز جيشها. ومن ناحية أخرى، يعد هذا أيضًا جزءًا مهمًا من التبادلات المتبادلة والتعلم وتعميق التفاعل العسكري.
الحفاظ على الأمن الإقليمي
يعتقد لي شين أن التدريبات العسكرية الصينية ـ الروسية لها خلفيتان رئيسيتان، بالإضافة إلى حاجة الصين وروسيا إلى تعزيز العلاقات العسكرية ومكافحة الإرهاب.
أولاً، يشهد الوضع في أفغانستان تدهوراً مؤخراً مع سحب الولايات المتحدة جميع قواتها من أفغانستان في نهاية هذا الشهر، مما يشكل تحديًا للصين وروسيا في الحفاظ على الأمن الإقليمي. وتشعر الصين وروسيا بالقلق من الوضع المستقبلي، لكن من غير المرجح أن تشن أي عمليات عسكرية، فإن التدريبات المشتركة بين الصين وروسيا والمشاركة في الحفاظ على النظام الإقليمي هي اعتبارات واقعية للغاية.
ثانيًا، تعتبر الولايات المتحدة الصين وروسيا منافسين استراتيجيين، كما أن تعزيز الثقة العسكرية المتبادلة والتعاون بين الجانبين هو أيضًا إشارة إلى الولايات المتحدة. وتعتقد روسيا اليوم والآراء العامة الأخرى، أن الولايات المتحدة لطالما اتبعت “معايير مزدوجة”، حيث تجري تدريبات عسكرية في مياه حساسة بشكل متكرر، لكنها تعتبر التعاون العسكري الطبيعي للدول الأخرى بمثابة “استفزاز”. كما تحاول الولايات المتحدة زرع الفتنة في العلاقات الصينية ـ الروسية، لكن، الوقت قد حان للاعتراف بالواقع.
/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/