https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

بعد القراءِة المُتعمِّقة للمُقابلة التي أجرتها مَجلَّة “أتلانتك” الأمريكيّة الشَّهيرة مع الأمير محمد بن سلمان، وليّ العَهد السعوديّ،والنَّص الكامِل باللُّغةِ الإنكليزيّة على وَجه الخُصوص، يَخرُج المَرءبانطِباعٍ راسِخ مَفادُه أنّها المُقابَلة الأهم والأخطر، ليس لما وَرَدفيها من مَواقِف، ومعلومات جديدة، وإنّما أيضًا لِما يُمكِن أن يترتّبعليها من خَطواتٍ لاحِقة يُمكِن أن يُقدِم عليها الأمير الشاب بعد عَودَتِهمن جَولتِه الحاليّة لأمريكا التي تَستغرِق ثلاثة أسابيع. الأمير بن سلمان لم يَكُن يُخاطِب الشعب السعودي في هذهِ المُقابَلة،وإنّما صانِع القَرار، والمُشرِّعين، والدَّولة الأمريكيّة العَميقة،ويُقدِّم لهم نفسه ونَظرَته وسِياساته المُستقبليّة كحَليفٍ استراتيجيٍّيُمكِن الوُثوق بِه، والاعتماد عَليه، وُصولاً إلى “الضُّوء الأخضر” الذييتطلّع إليه لتَأييد خَطوتِه الوَشيكة وهي تولِّي كُرسي العَرش في المملكةالعربيّة السعوديّة، وهِي خُطوة ربّما يُقدِم عليها بعد أيّامٍ أو أسابيعبعد عَودَتِه من هذهِ الجَولة. من الواضِح أنّ الأمير بن سلمان اختار كَلماتِه بِعِنايةٍ فائِقة، وكانيَعرِف ما يُريد قَوله، وما يُريد تَجنُّبُه، والجِهة أو الجِهاتالمُستَهدَفة، وكان يُقدِّم أوراق اعتماده للحَليف الأكبر، ويَشرَح برامِجهالسياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، ونعتقد أنّه حقّق نجاحًا مَلموسًافي هذا الصَّدد، خاصَّةً في البيت الأبيض، و”حُكومة الحَرب” التي يتزعّمهاالرئيس ترامب حاليًّا. *** هُناك عِدّة أُمور يُمكِن استنتاجها، سواء من الأسئلة والأجوِبة وما بَينسُطورِها، أو مِن خِلال المُقَدِّمة الطَّويلة والمُهِمَّة للصَّحافي جيفريغولد بيرغ الذي أجرى المُقابلة، نُلخِّصها في النُّقاط التَّالِية: ـ أوّلاً: اعترف الأمير بن سلمان، ولأوّل مَرّة مُنذ بِدء الصِّراع العَربيالإسرائيلي، بإيمانه بحَق اليَهود بإقامة دَولتِهم على “جُزء من أرضأجدادهم”، ووصف دينيس روس حامِل مَلف الصِّراع في عِدّة إدارات أمريكيّةوالمُفاوضات التي جَرت بين العَرب والإسرائيليين أنّها المَرّة الأولى التييَصدُر فيها مِثل هذا الاعتراف بالحُقوق التاريخيّة لليهود، فقد تَحدّثقادة عَرب مُعتَدلون في السَّابِق عن وجود إسرائيل كأمْر واقِع، ولكن لميَحدُث مُطلقًا أن اخترق أي مِنهم هذا “الخَط الأحمر”. ـ ثانيًا: لم يُوجِّه الأمير بن سلمان، وطِوال المُقابِلة، أو على هامِشها،باعتراف غولدبيرغ نفسه، أي كلمة سيّئة واحِدة لإسرائيل، بل أشاد بِهاوتَجرِبَتها بطريق غير مُباشرة، عندما قال أنّ لديها اقتصادا أكبر منحَجْمِها. ـ ثالثًا: لم يَتلفّظ الأمير، وطِوال المُقابلة المُطوّلة (20 صفحة طِباعة)بِكَلمة “الدَّولة الفِلسطينيّة، ولم يُشِر إلى القُدس المُحتلّة كعاصِمةٍلها، واكتفى بالحَديث عن إيمانِه “بحَق الفِلسطينيين والإسرائيليين بأنتَكون لهم أرضهم”. ـ رابِعًا: أعرب الأمير عن “قَلقِه الدِّيني” فقط، على مُستقبل المَسجدالأقصى في القُدس، وحَق الشَّعب الفِلسطيني، دون تحديد هذا الحَق، وتركالأمر عائِمًا، وأكّد أنّه ليس لديه أي اعتراض ديني على أيِّ دينٍ آخر،وتحديدًا اليهوديّة والمَسيحيّة. ـ خامِسًا: قَسّم مِنطقة الشَّرق الأوسط إلى معسكرين (تمامًا مِثل تقسيمالشيخ أسامة بن لادن زعيم “القاعدة” مَعكوسًا، ولكن دون استخدام تعبيرالفسطاطين)، مُعسكَر الشَّر الذي يَضُم إيران و”حزب الله” وحركة الأخوانالمسلمين، ومُعسكَر الاعتدال الذي يَضُم الأردن ومِصر والإمارات والبحرينوسَلطنة عمان والكُويت واليمن إلى جانب المملكة، وكان لافِتًا أنّه استثنىالمغرب ودُول أُخرى في شمال أفريقيا. ـ سادِسًا: أكّد وليّ العَهد السعوديّ أنّ بِلاده استخدمت حركة الأخوانالمسلمين كورقة لمُحاربة الشيوعيّة التي كانت تُهدِّد أوروبا وأمريكاوالسعوديّة نفسها أثناء الحرب البارِدة، ووَصف نِظام الرئيس جمال عبدالناصر بأنّه كان “شُيوعَيًّا”. ـ سابِعًا: نَفى نَفيًا قاطِعًا وجود “الوهابيّة” في المملكة، وأكّد أنّهُناك أربعة مذاهِب سُنيّة فقط، وشَدَّد على عدم وجود أي فوارِق بينالسُّنّة والشِّيعة في المملكة. ثامِنًا: أنكَرَ أيَّ دَعمٍ ماليّ سُعوديّ للإرهابيين ومُنظّماتِهمالمُتطرِّفة، ولكنّه اعترف أن بعض الشخصيّات السعوديّة في المملكة مَوّلَتبعض هذهِ الجَماعات، دون أن يُحدِّدها. ـ تاسِعًا: رفض رَفضًا مُطلقًا الإجابة على أسئلة تتناول حَمله الفسادتَفصيليًّا، أو الحَديث عن ثَروتِه وشِرائِه يَختًا بقيمة نِصف مِلياردولار، وقال للصحافيّة نورا أو دونيل عندما سألته عن هذا اليَخت “بعَصبيّة” لافِتة أنّه يُريد الاحتفاظ بالأُمور التي تتعلّق بِحياتِه الشخصيّةلنَفسِه، وأكّد أنّه رَجلٌ ثَريٌّ، وأنّه ليس مانديلا أو غاندي. ـ عاشِرًا: خَصَّ الإمام علي خامنئي بالهُجوم الأكثر شَراسَة، بل ربّماالوحيد في هذهِ المُقابَلة، عندما قال أنّه أخطر من هتلر، فهتلر حاوَل غَزوأوروبا واحتلالها، وخامنئي يُريد غَزو العالم كُلّه، ويجب وقفه، وعدمتِكرار خَطأ تَجاهُل طُموحات هتلر الذي ارتكبه الأوروبيّون. *** ما يُمكِن استخلاصه من هذهِ النُّقاط العَشر وغيرِها من إجابات لوليّالعَهد السعوديّ في هذهِ المُقابَلة، أنّه يُخطِّط لتَحالُفٍ مُستقبليّ معإسرائيل في إطار “مِحور اعتدال” عربيّ يَتصدّى لإيران وبِدَعمّ من الولاياتالمتحدة الأمريكيّة، والاعتماد عليها كشَريكٍ اقتصاديٍّ مُستقبليّ،وتَعزيز المَصالِح المُشترَكِة معها، ولكن في إطار سلام عادِل، ودون أنيَتطرّق مُطلَقًا إلى مُبادَرة السَّلام العَربيّة التي هِي في الأساسطَبعة سُعوديّة، وشُروطِها. الاعتراف بالإرث التَّاريخي لليَهود وحَقّهم في إقامة دولتهم على جُزء منهذا الإرث، أي على أرض فِلسطين، تَطوُّر خَطير جِدًّا، لأنّه يعني أيضًاالاعتراف بحُقوق هؤلاء في أراضٍ عربيّةٍ أُخرى في خيبر واليمن ومِصروالمغرب والجزيرة العربيّة، وقد يَدفَع بتبرير ليس بالعَودة واستعادة هذهِالأراضي وإنّما مَطالِبهم بالتَّعويض عن ألف وخمسمائة عام مُنذ طَردِهم منالجزيرة العربيّة، وحَقِّهم في ثرواتِها النفطيّة وغير النفطيّة بالتَّالي،فهؤلاء مِثلما ثَبُت بالتَّجربة التفاوضيّة مَعهم، لا يتنازلون عن أيِّأرضٍ احتلّوها ويُطالِبون بالمَزيد دائِمًا، ويتبعون سِياسة المَراحِل. صحيح أن العاهِل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز سارعَ بالتَّأكيد علىمَوقِف المملكة المُؤيِّد لقِيام دولة فِلسطينيّة مُستقلّة عاصِمتها القُدسالمُحتلّة، في “تصحيح” لما وَرد على لِسان وَليّ عَهدِه من تَصريحاتٍ حول “حَق” الإسرائيليين في أن تكون لهم أرضهم، وذلك في اتّصالٍ هاتفيّ جَرىاليَوْمْ مع الرئيس دونالد ترامب، ولكن الضَّرر قد وَقَع، والأمير بن سلمانهو الحاكِم الفِعلي في الرِّياض. الأمير بن سلمان يسير في حَقل ألغام، وربّما يُفيد التَّأكيد بأنّه لميُراهِن أي زَعيم عربي على الإسرائيليين، ويُقدِّم التَّنازلات لَهُم، إلاوَدَفع ثَمنًا غالِيًا، وما زال هُناك مُتَّسَعٌ من الوَقت للتأمُّلوالمُراجَعة.. ونَكتفي بهذا القَدر.

رأي اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

17 + ستة عشر =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube