كتب محمد خير الوادي :
يشهد العالم الان حربا ضروسا من نوع جديد هدفها الفوز في السباق المحموم لامتلاك الرقائق الالكترونية والذكاء الاصطناعي . وقد بات ثابتا ، ان من يملك ناصية انتاج الرقائق هو الذي يملك مستقبل العالم كله . واوار هذه الحرب يدور اليوم بشكل خاص بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة ،والصين من جهة ثانية .فقد ادركت امريكا انها بدأت تفقد الريادة في انتاج الرقائق ، ولذلك رصدت نحو ربع ترليون دولار لتنشيط صناعة الرقائق واعادة الشركات الامريكية المنتجة لهذه السلعة الى امريكا . ولم تنتظر الصين طويلا ، فقد رصدت نحو مائة مليار دولار لتطوير معامل الرقائق . كما اقر الاتحاد الاوربي خطة مماثلة وخصص نحو خمسين مليار للغرض نفسه . وفي الوقت نفسه ، فرضت الادارة الامريكية حظرا شاملا على تصدير الرقائق الى الصين ، وسارعت كل من اليابان والاتحاد الاوربي الى اتخاذ اجراءات مماثلة. واعتقد ، ان الرقائق باتت الآن ،تشكل جوهر المواجهة التي تدور اليوم بين امريكا والصين حول تايوان . فهذه الجزيرة تنتج ثمانين بالمائة من رقائق العالم ، والمختبرات التايوانية تنتنج نحو 99% من متطلبات الذكاء الاصناعي الذي يغزو اليوم الكرة الارضية .
وقد بات جليا ان من يسيطر على تايوان سيربح حرب الرقائق ، وبالتالي سيسود في العالم . ولذلك حشدت امريكا ثلثي قواتها في بحار جنوبي شرقي آسيا لمنع الصين من ضم تايوان ، وفي الوقت نفسه تعلن بكين ان تايوان جزء لا يتجزأ من الصين ، وانها ستسخدم كل الوسائل – بما فيها العسكرية – من اجل السيطرة على تلك الجزيرة .
وفي حقيقة الامر ، فان التنافس على ” الكنز التايواني ” يمثل اليوم جوهر الصراع بين امريكا والصين في جنوب شرقي آسيا .
وتدرك جميع الاطراف المنخرطة في حرب الرقائق ، ان من يفوز في هذه المواجهة سيكون قادرا على امتلاك اساس متين للقوة الاقتصادية والعسكرية المستقبلية .
لقد كانت الرقائق وغيرها من انجازات التطور العلمي والتقني مجالا للتعاون، وجسورا للتفاهم بين الدول كلها . واحتدام التنافس الجيو سياسي بين امريكا والصين ، يمكن ان يحول الرقائق والذكاء الاصطناعي من وسيلة تخدم التطور وتعزز التفاهم العالمي ، الى اسلحة خطرة تجلب مزيدا من الكوارث على الدول كلها . واعتقد ، ان البشرية التي عانت كثيرا من الحروب والكوارث ، بحاجة اليوم الى بناء مزيد من جسور التفاهم والعمل المشترك ، لا حفر خنادق للحروب الباردة والساخنة .
14/6/2023