https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

تأليف: نواف يوسف التميمي يحاول هذا المجهود البحثي -غير المسبوق باللغة العربية- التعرض لمراحل مختلفة من “التغلغل” الصهيوني في الأوساط السياسية البريطانية، والتعرف على الإستراتيجيات، والتكتيكات التي وظفتها منظمات “اللوبي الصهيوني” في سبيل استمالة الرأي العام البريطاني. كما يرصد بالكثير من التفاصيل والمعلومات والأرقام عن التحولات التي طرأت على موقف الرأي العام البريطاني، لاسيما خلال العقد الأخير؛ إذ ظهرت مختلف الأوساط البريطانية أكثر تعاطفا وتفهما لـ”الرواية الفلسطينية”، بعد أن ظلت لعقود طويلة رهينة “الدعاية الصهيونية” سواء بالترغيب أو الترهيب. ويركز كتاب “اللوبي الصهيوني.. النفوذ والتأثير”، الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات في أكتوبر/تشرين الأول 2016، على مسألتين أفردت لهما الحركة الصهيونية، فكرا وممارسة، أفرادا ومنظمات، ومنذ وقت مبكر سبق بروز القضية الفلسطينية، أهمية خاصة، الأولى: “منظمات الضغط والدعاية السياسية” في التأثير على الرأي العام ومواقفه، والثانية: “محورية بريطانيا في المشروع الصهيوني”. ولاحظ الدكتور يوسف نواف التميمي بشأن مسألة منظمات الضغط والدعاية السياسية اهتمام منظري الفكر الصهيوني وقادة الحركة الصهيونية العالمية بالمنظمات الصهيونية، والتشكيلات الاجتماعية المؤيدة لإسرائيل، واعتبروا دورها مركزيا في عملية التأثير على مواقف الأفراد والجماعات والدول، لاسيما وهي تعمل وفق برامج ممنهجة ومنسقة من العلاقات العامة والدعاية السياسية التي تُعد “أداة تغيير تُقِيم دولا، وتحقق أحلامها، وتنهي دولا أخرى، رغم وجودها الجغرافي والسياسي”. ولطالما عبر تيودور هرتزل، الصحفي اليهودي نمساوي الأصل، ومُؤسس الصهيونية السياسية المعاصرة، وغيره من القيادات، عن مدى الاهتمام الصهيوني بدور “جماعات الضغط” وضرورة امتلاكها الإعلام والهيمنة على مؤسساته. ولا يُخفي هؤلاء الدور الذي لعبه الإعلام في تحقيق “الحُلم اليهودي” بإنشاء “وطن قومي”؛ إذ يقول ياهوشافيط هاركابي، مستشار الأمن القومي لرئيس وزراء إسرائيل في السبعينات من القرن الماضي: “لقد كان الرواد يُعطون أهمية مضافة للإعلام ووسائل الاتصال، باعتبارها المرتكزات والمداميك للمشروع الصهيوني؛ ولهذا ما زلنا نعمل بوسائل إعلامنا الكفؤة والمرتكزة على أيديولوجيتنا للتأثير في الرأي العام وعرض قضيتنا العادلة على العالم”. أما ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، فقد عبر بوضوح عن أهمية الدور الذي لعبه الإعلام في ترويج الفكر الصهيوني وتحقيق أهدافه، ويقول بهذا الصدد: “لقد أقام الإعلام دولتنا على الخارطة، واستطاع أن يتحرك للحصول على مشروعيتها الدولية، وتكريس جدارة وجودها، قبل أن تصبح حقيقة واقعة على الأرض”. أما محورية بريطانيا في المشروع الصهيوني، فقد تجلت قبل صدور “وعد بلفور” في عام 1917، واستمرت إلى الوقت الراهن. وقد كتب تيودور هرتزل في كتابه “الدولة اليهودية”: “منذ انضمامي إلى الحركة [الصهيونية] وجهتُ نظري نحو بريطانيا؛ لأنني أدركتُ أن بريطانيا مركز الثقل العالمي، وبريطانيا العظمى والحرة التي تحكم ما وراء البحار، سوف تتفهم أهدافنا، والانطلاق من هناك سيخلق للأفكار الصهيونية أجنحة تحلق بها عاليا وبعيدا”. وبالفعل، عملت المنظمات الصهيونية، منذ وقت مبكر، على التغلغل في الأوساط السياسية البريطانية لتشكيل جماعات ضغط، مهمتها الرئيسية الحفاظ على زخم الدعم البريطاني، الرسمي والشعبي والإعلامي، لإسرائيل وسياساتها في كل الأزمان، وفي مختلف الظروف. واعتمد المؤلف، في دراسته للقضايا التي يعالجها الكتاب، مرجعية منهجية تنطلق من “بحث بنية القوة ” (Power Structure Research)، وهو منهج يُركز على تحليل بُعدين أساسيين لأي قوة ضغط: تحليل الشبكة (Network Analysis)، وتحليل المحتوى (Content Analysis). ويقوم تحليل الشبكة، كما يقول البروفيسور الأميركي، وليام دومهوف، أحد الباحثين المُتخصصين في هذا المنهج، على “تحليل خرائط الأفراد والمنظمات التي تُشكل بنية القوة”، وصلات بعضهم البعض على مستوى الضغط على صناع القرار والتأثير في الرأي العام. أما تحليل المحتوى، فيتناول ما يدور في داخل الشبكات، ويصفه دومهوف بـ”تحليل الأفكار والسياسات أو الأيديولوجيا، المرجعية لمجموعة الأفراد والمنظمات”، ويتم ذلك من خلال دراسة الخطاب الصادر عن أولئك الأفراد وتلك المنظمات، ويشمل ذلك النصوص والخطب والبيانات السياسية والأدبيات التعبوية، والاقتراحات التشريعية، والوسائل والأدوات. ونظرا للدور المهم الذي باتت شبكة الإنترنت تلعبه في الحصول على المعلومات الخاصة في مثل هذه الدراسات، فقد اعتمد الكاتب على المواقع الإلكترونية الرسمية لمنظمات اللوبي المؤيد لإسرائيل للاطلاع على خطاب هذه المنظمات وسياساتها العامة، ومعرفة الأفراد القائمين عليها، وتحديد طبيعة الأنشطة والمهام التي تقوم بها دعما لإسرائيل. وتبعا للمنهجية التي اعتمدها الكاتب، يبدأ الفصل الأول بعرض موجز لمفهوم جماعات الضغط وتوظيف الدعاية السياسية في التأثير على الرأي العام وصُناع القرار؛ إذ تسعى مختلف التشكيلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والنقابية إلى التأثير في سياسات الدول العامة، عبر الضغط على صُناع القرار وقادة الرأي والرأي العام، لتحقيق مكاسب مادية أو معنوية لأعضائها، أو درء مخاطر مادية أو معنوية قد تضُر بمصالحهم. وإذا كانت جماعات الضغط تُوظف الكثير من الأدوات والأساليب، التي تجمع بين الدبلوماسية العامة والعلاقات العامة، فإنها أيضا لا تختلف عن الأحزاب السياسية والأجهزة الرسمية من حيث توظيفها الدعاية السياسية، لتمرير خطاباتها والتأثير في الجمهور المستهدف. ويتناول هذا الفصل الدعاية السياسية في العصر الحديث من النشاطات الاتصالية، التي غالبا ما تُوظفها جماعات الضغط (الرسمية والأهلية) للتأثير في مواقف الأفراد والمجتمعات. كما يعرض أبرز أساليب الدعاية ومناهجها ومدارسها وتباين تطورها من مجتمع الى آخر، أو من فترة زمنية إلى أخرى. ويتناول الفصل الثاني من الكتاب الركائز الأساسية في الدعاية الصهيونية، وبنية الخطاب في الدعاية الصهيونية التي أولتها الحركة الصهيونية اهتماما خاصا، وأفردت لها إمكانيات أدبية وبشرية ومالية هائلة؛ إذ برزت الدعاية الصهيونية أُنموذجا فريدا، من حيث بنية الخطاب الدعائي، الذي يتغير ويتطور تبعا للمتغيرات المحيطة به، وإن كان يحتفظ دائما بجذوره ومرجعيته المرتبطة بمنابع الفكر الصهيوني، وبما في هذا الفكر من مُسوغات تاريخية ودينية وسياسية وثقافية واقتصادية. ويركز الفصل الثاني على الدعاية الصهيونية والإسرائيلية الراهنة، المعروفة باسم “هاسبارا” (Hasbara)، والتي تنشط على واجهات عدة من الدبلوماسية العامة والعلاقات العامة، لتحسين صورة إسرائيل في العالم، ودحض “الأساطير” السلبية التي يُروجها “أعداء إسرائيل” عنها، وإعادة ترميم المواقف الدولية التي شهدت تآكلا خطيرا خلال العقد الماضي، من خلال خطاب دعائي قائم على حزمة تخلط بين المضامين القديمة والجديدة التي تسعى المنظمات الصهيونية إلى ترويجها وترسيخها في أذهان الرأي العام العالمي. وفي الفصل الثالث، يعرض الكتاب بشكل موجز لتاريخ اليهود في بريطانيا، كمدخل للتعرف على خلفيات تشكل النواة الأولى للوبي الصهيوني البريطاني. يستعرض الفصل أولا تاريخ اليهود في بريطانيا منذ عام 1066، عندما وصلت أولى الهجرات اليهودية إلى إنجلترا بعد فتوحات النورمانديين، وصولا إلى القرن العشرين؛ إذ شهدت بريطانيا موجات هجرة يهودية متتالية من اللاجئين اليهود الفارين من الاضطهاد في روسيا، وموجات اليهود الفارين من أوروبا النازية، قبل وفي أثناء الحرب العالمية الثانية. وقد اهتمت الجالية اليهودية عبر كل هذه الفترات التاريخية بإنشاء مؤسساتها ومنظماتها من معابد ومدارس، وجمعيات خيرية للأيتام، ومراكز لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنازل لرعاية كبار السن، وجمعيات لدعم الفقراء، وهي المؤسسات التي شكلت اللبنات الأولى لظهور المنظمات الصهيونية ذات النشاط السياسي. ثم يتناول الجزء الثاني من الفصل الثالث مراحل تطور نواة اللوبي الصهيوني في بريطانيا، والتي بدأت بالتشكل قبل صدور “وعد بلفور” في عام 1917، عندما أعلنت حكومة بريطانيا “حق اليهود في إقامة وطن قومي في فلسطين”، عندما راح زعماء الحركة الصهيونية يتحركون في الأوساط العامة والسياسية والأكاديمية والنقابية البريطانية لحشد التأييد لتنفيذ مضمون “وعد بلفور”، وصولا إلى فترة السبعينات التي شهدت البدايات الأولى لتشكل منظمات محلية للوبي الصهيوني في بريطانيا، عندما اتحدت “الفيدرالية الصهيونية” و”المجلس اليهودي البريطاني”، معا وأسستا أول منظمة علاقات عامة بريطانية داعمة لإسرائيل، عُرفت باسم “لجنة الشؤون العامة البريطانية الإسرائيلية”. ويُقدم الفصل الرابع قائمة واسعة لأبرز منظمات اللوبي الصهيوني الناشطة في بريطانيا راهنا. ورغم صعوبة حصر عدد المنظمات الصهيونية أو اليهودية أو البريطانية المؤيدة لإسرائيل في بريطانيا؛ لأن بعضها معروف وعلني، وبعضها سري أو يعمل تحت أسماء من قبيل “الجمعيات الخيرية” أو “المؤسسات الاجتماعية”، فقد استطاع الباحث حصر أهم تلك المنظمات العلنية أو شبه العلنية، التي تعمل لتحقيق أهداف تتلخص بالأساس في الدفاع عن إسرائيل، وتحسين صورتها، وكسب الرأي العام البريطاني بهدف تأييدها، وإقصاء الآراء المعارضة لإسرائيل وتهميشها. وقد استثنى الباحث من قائمة المنظمات تلك التشكيلات اليهودية التي تنشط في أوساط الجالية اليهودية لتقديم خدمات صحية أو اجتماعية أو خدماتية.. وأنشطة أخرى ذات طابع غير سياسي. ولا تقتصر قائمة المنظمات الواردة في الفصل الرابع على المنظمات اليهودية، بل تضم كذلك منظمات غير يهودية داعمة لإسرائيل، بما في ذلك مجموعات أصدقاء إسرائيل الحزبية في البرلمان البريطاني، إضافة إلى المؤسسات الإعلامية البريطانية المنحازة بشكل علني لإسرائيل. ويتناول الفصل الخامس أساليب عمل منظمات اللوبي الصهيوني في بريطانيا وتأثيراته على الحياة السياسية البريطانية؛ حيث يمتد نشاط المنظمات وجماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل أفقيا وعموديا في المجتمع البريطاني، ويُوظف أساليب وأدوات ضغط متنوعة، منها ما هو “ناعم” ومنها ما هو “خشن”، بما في ذلك الدعاية والدعاية المضادة، والإعلان المباشر والإعلان التحريري، والعلاقات العامة، والتمويل، وصولا إلى الضغط السياسي والمعنوي على المؤسسات والأفراد. ويستعرض الفصل السادس مختلف المراحل التي مر بها الموقفان: الرسمي والشعبي البريطانيان من القضية الفلسطينية منذ ما قبل إنشاء إسرائيل ووصولا للوقت الراهن، مرورا بعقد السبعينات وحكم مارغريت تاتشر، ثم عقد الثمانينات وبدايات التحول في مواقف الرأي العام بفعل الانتفاضات الفلسطينية وانطلاق عملية السلام مع مؤتمر مدريد. كما يتناول الفصل السادس أبرز مظاهر التحول في المواقف البريطانية من القضية الفلسطينية، والتي يُحددها في ثلاثة مستويات رئيسية: توجهات الرأي العام، وتوسع حركة مقاطعة إسرائيل، والاعتراف البرلماني غير الملزم بـ”دولة فلسطين”. أما الفصل السابع فيقدم شرحا لأبرز العوامل التي أثرت إيجابيا أو سلبيا في تحول مواقف الرأي العام البريطاني من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتزايد ميل شرائح مهمة من النخب السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية البريطانية نحو تأييد ودعم “الرواية الفلسطينية”، مبتعدة بشكل غير مسبوق عن “الرواية الإسرائيلية” وما حفلت به من مزاعم وادعاءات. وحاول الكاتب في هذا الفصل الوقوف على أبرز أسباب هذا التحول في مواقف الرأي العام البريطاني، دون ادعاء إمكانية حصرها، لاسيما أنها تتعدد بين عوامل سياسية، واجتماعية، وثقافية، وتقنية، تراكمت على امتداد سنوات الصراع الذي شارف على إكمال قرن من الزمن، حتى أدت في السنوات الأخيرة إلى تحول غير نهائي في مواقف الرأي العام البريطاني من القضية الفلسطينية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × ثلاثة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube