https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

الكاتب: حمدي عبد الرحمن

عبر سبعة فصول وخاتمة؛ يحلل المؤلف في هذا الكتاب أهداف ومحددات السياسة الإسرائيلية تجاه أفريقيا، كما يناقش بعض القضايا الإشكالية المتعلقة بالوجود الإسرائيلي في أفريقيا، ويثير كذلك مسألة الثابت والمتغير في العلاقات الأفريقية الإسرائيلية، وعلاقة ذلك كله بسؤال الأمن القومي العربي.

أهداف إسرائيل تجاه أفريقيا
انطلاقا من طبيعة نشأتها الاستعمارية في المنطقة ومحاولاتها لتقويض أسس ودعائم الأمن القومي العربي؛ يرى الباحث أن إسرائيل حاولت تحقيق جملة من الأهداف في بناء علاقاتها الأفريقية. وأن هذه الأهداف تتسم بقدر من الثبات والتغير، ومن ثم فإن ترتيبها في سلم أولويات صانع القرار الإسرائيلي قد يتغير من مرحلة إلى أخرى.

بيد أن الدولة العبرية لها طبيعتها وخصائصها باعتبارها كيانا يقوم على ركائز توراتية وتوسعية ترمي في نهاية المطاف إلى تأسيس إسرائيل الكبرى.

“يرى الباحث أن إسرائيل حاولت تحقيق جملة من الأهداف في بناء علاقاتها الأفريقية. وأن هذه الأهداف تتسم بقدر من الثبات والتغير، ومن ثم فإن ترتيبها في سلم أولويات صانع القرار الإسرائيلي قد يتغير من مرحلة إلى أخرى”

وإنها لمفارقة طريفة أن الدولة التي ادعت أنها قامت لحل المسألة اليهودية في العالم وتخليص اليهود من مخاطر الاضطهاد العنصري والإحساس بعدم الأمن، باتت هي نفسها تعاني من الإحساس المزمن بانعدام الأمن. لقد أضحت القضية المحورية التي تهيمن على الحياة السياسية في إسرائيل -سواء داخلياً أو في التعامل الخارجي- تتمثل في الحاجة إلى الأمن.

وباعتبار الحقائق الجيوسياسية والإستراتيجية والاقتصادية المميزة للقارة الأفريقية، فقد حدد المؤلف خمسة أهداف أساسية للوجود الإسرائيلي في أفريقيا:
1- كسر حدة العزلة الدولية التي فرضتها عليها الدول العربية ومن سار في فلكها.

2- كسب تأييد الدول الأفريقية لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي.

3- العمل على تحقيق أهداف أيديولوجية توراتية خاصة بتقديم إسرائيل على أنها دولة “نموذج” لشعب الله المختار. ويفسر ذلك أن إسرائيل اعتمدت دائما على تقديم المساعدات التقنية والتنموية للدول الأفريقية، حتى في حالة عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية معها.

4- السعي لتحقيق متطلبات الأمن الإسرائيلي من حيث تأمين كيان الدولة وضمان هجرة اليهود الأفارقة إليها وفقا لقانون العودة، ومنع أن يصبح البحر الأحمر بحرا عربيا.

5 – بناء قاعدة إستراتيجية لتحقيق الهيمنة الإقليمية (Hegemony) لإسرائيل، وذلك بما يمكن تسميته “مبدأ شد الأطراف”، حيث تعتمد إسرائيل على النيْل من أطراف نظام الأمن العربي باعتباره المستهدف في الإستراتيجية الإسرائيلية.

إن عملية التسوية السلمية في الشرق الأوسط التي بدأت مع مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 أدت إلى تأمين الكيان الصهيوني بالمعنى العضوي والسياسي، وذلك بعد دخول الأطراف الأساسية (مصر والأردن والسلطة الفلسطينية) في هذه العملية.

ومن ثم فإن الأهداف الإسرائيلية في أفريقيا لا بد من أن يصيبها التبدل والتغير، بحيث تعطي أولوية للاعتبارات الإستراتيجية الخاصة بالهيمنة وفتح أسواق جديدة للاستثمار.

العصر الذهبي للعلاقات الإسرائيلية الأفريقية
بعد إعلان قيام دولة الاحتلال عام 1948، أوْلى صُناع القرار فيها اهتماما كبيرا لتأسيس علاقات قوية وراسخة مع القوى الكبرى الأساسية في العالم (مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والاتحاد السوفياتي).

“في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن العشرين، أضحت أفريقيا أولوية قصوى في أجندة السياسة الخارجية الإسرائيلية، وقد اتضح ذلك من كون عدد السفارات الإسرائيلية التي احتضنتها أفريقيا آنذاك قد مثل نحو نصف إجمالي السفارات الإسرائيلية حول العالم”

إلا أن هذه الجهود لم تكسر حاجز العزلة الذي فرضته عليها الدول العربية حينها، فسعت دولة الاحتلال إلى البحث عن صك الشرعية الدولية من خلال الحصول على الدعم السياسي من الدول الأفريقية في المحافل الدولية، ولا سيما فيما يتعلق بمشكلة الشرق الأوسط.

ففي أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن العشرين أضحت أفريقيا أولوية قصوى في أجندة السياسة الخارجية الإسرائيلية، وقد اتضح ذلك من قيام إسرائيل بتأسيس علاقات دبلوماسية مع نحو (33) دولة أفريقية خلال عقد الستينيات. ويلاحظ أن عدد السفارات الإسرائيلية التي احتضنتها أفريقيا آنذاك قد مثل نحو نصف إجمالي السفارات الإسرائيلية حول العالم.

لم يقتصر النشاط الإسرائيلي في أفريقيا على المجال السياسي والدبلوماسي وإنما امتد ليشمل التعاون الفني والتقني، ولا سيما في مجالات التدريب والري والزراعة وتنمية المناطق القاحلة وخدمة المجتمع وحركات الشبيبة.

وقد استطاعت غولدا مائير في عام 1958 إقناع بن غوريون بنقل الإشراف على هذه الأنشطة من رئاسة الوزراء إلى وزارة الخارجية. وبالفعل تم إنشاء وحدة خاصة باسم مركز التعاون الدولي (أو مَشاف MASHAV ) للإشراف على هذه الأنشطة والتنسيق مع المنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة والدول المانحة.

التدهور والقطيعة
يرى المؤلف أن السنوات الواقعة بين عاميْ 1967-1973 اتسمت بتدهور تدريجي في العلاقات الإسرائيلية الأفريقية، ويعزى ذلك إلى تغير مدركات الأفارقة تجاه أزمة الشرق الأوسط؛ إذ نجحت الجهود العربية -من خلال منظمة الوحدة الأفريقية والأمم المتحدة- في استصدار قرارات بإدانة إسرائيل وسياساتها التوسعية.

وعلى أية حال؛ فإن قطع علاقات دول منظمة الوحدة الأفريقية الدبلوماسية بإسرائيل لا يعني قطع العلاقات الاقتصادية المتبادلة بين إسرائيل وأفريقيا. فقد قامت إسرائيل بتسليم دول أخرى مهام الإشراف على مصالحها الأفريقية.

وقد عمدت إسرائيل -من خلال ما يسمى سياسة “المساعدات” والقروض المقدمة للدول الأفريقية- إلى اشتراط قيام الدول الأفريقية بتخصيص مشاريع تنموية تكون إسرائيل مسيطرة عليها، أو تقوم هذه المشاريع بشراء المعدات والمنتوجات الإسرائيلية.

ولم تدم هذه الحالة طويلا، ففي نهاية عقد الثمانينيات كانت العلاقات الإسرائيلية مع أفريقيا قد عادت إلى سابق عهدها، حيث قررت إسرائيل في عام 1986 الانضمام إلى الحملة الدولية لمقاطعة جنوب أفريقيا.

كما أن الروابط التجارية والثقافية والعسكرية مع أفريقيا ازدادت بشكل ملحوظ، وأصبحت العلاقة أكثر عقلانية ورشاداً وتعتمد على معيار المصلحة المتبادلة، وعلى المعيار الثنائي عوضاً عن المنظور الجماعي الذي ميز الحركة الأفريقية تجاه إسرائيل في أعقاب حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973.

التطبيع وإعادة التأسيس
مع نهاية عام 1993، كانت سبع دول أفريقية قد أعادت علاقاتها الدبلوماسية مع “إسرائيل”، وفي العام التالي تبعتها عشر دول أفريقية أخرى، وبنهاية عقد التسعينيات وصل عدد الدول الأفريقية التي أعادت علاقاتها أو أسست علاقات جديدة مع إسرائيل أربعين دولة، وهو ما يتجاوز العدد الذي تحقق في الستينيات.

“أضحت حركة إسرائيل في أفريقيا محكومة بالاعتبارات والأولويات الإستراتيجية والاقتصادية، ولذلك تستخدم إسرائيل برنامج التعاون الدولي لتحقيق أهداف سياستها الخارجية تجاه أفريقيا. ويعني ذلك أن سياسة المساعدات التنموية التي تقدمها “إسرائيل” للدول الأفريقية تمثل تطبيقاً عملياً لمفهوم القوة الناعمة”

واللافت هنا أن دولاً أفريقية جديدة لم تكن لها علاقات من قبل بالكيان الإسرائيلي قد أضيفت إلى القائمة، ومن ذلك المستعمرات البرتغالية السابقة (أنغولا وموزمبيق، وغينيا بيساو، وساوتومي وبرنسيب)، بالإضافة إلى زيمبابوي ونامبيا وإريتريا وموريتانيا.

ومن المثير للدهشة أن رد الفعل الإسرائيلي على هذه العودة الإسرائيلية المتسارعة اتسم بالفتور الشديد وعدم الحماسة. فقد ارتبطت تلك المرحلة بإقامة علاقات إسرائيلية مع كل من الهند والصين في آسيا، وبحركة تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع العالم العربي.

وعليه فقد أضحت حركة إسرائيل في أفريقيا محكومة بالاعتبارات والأولويات الإستراتيجية والاقتصادية. وبصفة عامة، قامت إسرائيل بافتتاح سفارات لها في إحدى عشرة دولة أفريقية، هي: إثيوبيا وإرتيريا وكينيا، وجنوب أفريقيا وأنغولا والكاميرون ونيجيريا، وساحل العاج والسنغال، ومصر وموريتانيا.

كما يبحث الكتاب في وسائل الاختراق الإسرائيلي، فيرى أن دولة الاحتلال تستخدم برنامج التعاون الدولي لتحقيق أهداف سياستها الخارجية تجاه أفريقيا. ويعني ذلك أن سياسة المساعدات التنموية التي تقدمها “إسرائيل” للدول الأفريقية تمثل تطبيقاً عملياً لمفهوم القوة الناعمة.

ومما يزيد فاعلية هذه السياسة أن إسرائيل تضفي عليها بُعداً ثقافياً وأخلاقياً من خلال:

التأكيد على أن إسرائيل -وهي دولة محدودة الموارد- ترسل ما لديها من خبراء وفنيين بدلاً من الأموال التي تفتقر إليها، من أجل مساعدة الدول الأفريقية في مجالات تنموية متعددة، مثل الري والزراعة والصحة العامة وتنمية المجتمعات المحلية وما إلى ذلك.
طرح المفهوم الرسالي للشعب اليهودي وفكرة الخلاص، وهو ما يتضح في كتابات الجيل المؤسس للدولة العبرية.
تقديم المساعدات التنموية باعتبارها تمثل منظومة “قيم الشعب اليهودي” في مختلف أنحاء العالم.

وقد احتلت الزراعة الأهمية القصوى في مجالات المساعدات الإسرائيلية لأفريقيا، حيث دأب الخبراء الإسرائيليون على:

إنشاء مشروعات زراعية متخصصة تقوم على التكنولوجيا الملائمة وتبني محاصيل جديدة.
إنشاء مزارع ومراكز تدريبية.
تنظيم المؤسسات الريفية.
تخطيط مشروعات التنمية الريفية الشاملة.

على أن إسرائيل قدمت الدعم الفني في مجالات أخرى، مثل الصحة العامة والتعليم والإعمار والعمل الاجتماعي وتطوير المجتمع المحلي.
يختتم الباحث كتابه بعدد من المفاهيم والمضامين التي تصلح لإقامة حوار إستراتيجي جديد يتجاوز إشكاليات الهيمنة الأميركية والإسرائيلية على دول الأركان للعالمين العربي والإسلامي في القارة الأفريقية.
ويردف بقوله: إن التحديات المطروحة في ظل النظام الإمبريالي العالمي الجديد هي جد خطيرة، كما أن الهجمة الإسرائيلية الراهنة على جوارنا الأفريقي تعد أشد خطرا، ومن ثم فإن الاستجابة لها لا بد أن تكون على المستوى نفسه من الجدية. وعليه فإن الخطر الذي يتهدد الفضاءين العربي والأفريقي يتطلب حتمية التعاون والحوار الإستراتيجي بينهما

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × ثلاثة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube