https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

تعد القمة الروسية الافريقية التي عقدت في اكتوبر 2019 ، اول حدث على هذا المستوى في تاريخ العلاقات الروسية الأفريقية، في توقيت يشهد تحولات عالمية ودولية كبرى، وتشكل نقطة تحول في مسار التعاون بين دول القارة الأفريقية وموسكو حيث تؤسس تلك القمة والمنتدى لمرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين ترتكز على المصالح المتبادلة واحترام السيادة الوطنية والتعزيز النوعي للعلاقات الاقتصادية والتجارية ورسم أطر جديدة للتعاون البناء في كافة المجالات، ويشارك فيها قادة ورؤساء 54 دولة أفريقية، فضلاً عن ممثلي الأعمال من الجانبين، والمؤسسات التكاملية النشطة في القارة الأفريقية.

يعد المنتدى الاقتصادي الأفريقي خطوة استراتيجية مهمة نحو توفير ظروف ملائمة لتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين موسكو ودول القارة، خاصة أنه يشمل معرضا للمشاركين، يشمل الإنجازات والقدرات الاقتصادية والعلمية والثقافية والبينية، ويستعرض عدداً من المشروعات والتقنيات المتقدمة في مختلف القطاعات، ومن أبرزها التعدين والكيمياء والطاقة والزراعة والنقل والصحة العامة، وبعض القطاعات التي يمكن أن تساعد في تنمية القطاع الاستثماري.

بحثت القمة آفاق العلاقات بين روسيا ودول القارة، وسبل تعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، كما يتبادل الزعماء الأفارقة والرئيس الروسي الآراء حول تحديد إجراءات لمواجهة الإرهاب والتحديات التي تهدد الأمن الإقليمي والعالمي، كما تبحث القمة آفاق التعاون في المجال الاقتصادي، حيث يناقش المشاركون في المنتدى طيفاً واسعاً من القضايا الاقتصادية والفرص التجارية في البلدان الأفريقية خلال جلسات يتحدث فيها رؤساء شركات رائدة وخبراء ووزراء.

وقد عقدت  القمة الروسية الأفريقية في ظل متغيرات إقليمية ودولية متلاحقة حيث تزايد الاهتمام من جانب الدول الكبرى ومن بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين واليابان والهند بتعزيز الشراكة الاقتصادية والتجارية مع القارة الأفريقية خاصة عقب إطلاق منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية رسميا خلال القمة الأفريقية الاستثنائية بنيامي عاصمة النيجر في يوليو 2019، والتي تعتبر الأكبر على المستوى العالمي منذ تأسيس منظمة التجارة العالمية عام 1995 حيث يبلغ عدد مستهلكيها 2.1 مليار شخص، وناتجها المحلى الإجمالي حوالي 4.3 تريليون دولار، أي 3% من الناتج الإجمالي العالمي.

وتسهم منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية في زيادة حجم التجارة البينية الأفريقية من 17% إلى 60 % بحلول عام 2022، اضافة الى تقليص السلع المستوردة بشكل رئيسي، وبناء القدرات التصنيعية والإنتاجية وتعزيز مشروعات البنية التحتية بالقارة الأفريقية وخلق سوق قاري موحد للسلع والخدمات وتسهيل حركة المستثمرين ورجال الاعمال بما يمهد الطريق لإنشاء اتحاد جمركي موحد بالقارة السمراء.

وتعبيراً عن تقديره لأهمية انعقاد المنتدى الاقتصادي «روسيا – أفريقيا»، أعلن البنك المركزي الروسي عن سكّ «قطعة عملة نقدية» تذكارية، وتم نقش شعار روسيا الاتحادية على جانب منها، وعلى الجانب الآخر شعار القمة، وفي الجزء العلوي صورة ملونة لروسيا الاتحادية، وفي الجزء السفلي القارة الأفريقية، وعلى اليسار نُقش اسم مدينة «سوتشي» التي تستضيف القمة، وعلى اليمين «2019» العام الذي تنعقد فيه القمة والمنتدى.

أطر جديدة للشراكة الأفريقية الروسية

وفر  انعقاد القمة والمنتدى الروسي الأفريقي بسوتشى في ظل رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي زخما إيجابيا لتدعيم التعاون الثلاثي بين مصر وروسيا وأفريقيا من أجل تعزيز التنمية المستدامة والاستقرار بالقارة السمراء.

وتدشن القمة مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات الروسية الأفريقية، حيث تؤشر على عودة الاهتمام الروسي بالقارة الافريقية من المنظور الاقتصادي، وتسهم رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي وقيادة الرئيس السيسي للقارة الافريقية في ٢٠١٩، ودور مصر القيادي في القارة وعلاقتها بروسيا بدور رئيسي في إنجاح كافة التحضيرات للقمة التي تعقد برئاسة مشتركة في كافة فاعلياتها وجلساتها، وبحضور ضخم وكبير من الدول الافريقية وممثلي الشركات بالجانبين.

تعد مصر هي الشريك الأول لروسيا في القارة الافريقية، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين القاهرة وموسكو ٤٠٪ من حجم التبادل التجاري بين روسيا ودول القارة الافريقية، كما أن مصر هي نقطة الانطلاق الأولى والطبيعية للتعاون المصري الروسي مع دول القارة في ظل العديد من المشروعات التي يتم تنفيذها في مصر وعلى رأسها المنطقة الصناعية الروسية في المنطقة الاقتصادية بقناة السويس التي تعد مشروعاً ضخماً تبلغ استثماراته حوالى ٧ مليارات دولار ويوفر ٣٥ الف فرصة عمل، وكذلك ستمهد الطريق للبدء في مشروعات للتصنيع المشترك وتوطين الصناعة والتصدير إلى أسواق العديد من الدول في مناطق جغرافية مختلفة.

وتمثل مصر نقطة انطلاق روسيا لأفريقيا وعدد من التجمعات الاخرى في العالم في ظل اتفاقيات التعاون التي وقعتها مصر مع عدد كبير من التجمعات العربية والافريقية والدولية والتي يبلغ عدد سكانها مليار ونصف نسمة، وفى السياق ذاته، بدا حرص الجانب الروسي على تعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية في كافة المجالات جليا في تأكيد وزارة الخارجية الروسية مؤخرا على أن أفريقيا شريك مهم بالنسبة لروسيا، وأن العلاقات مع دول القارة الأفريقية تحمل طابعا مستقلا ولا تتأثر بالتقلبات في المجتمع الدولي، ويرى الجانب الروسي أن المشروعات الزراعية والتقنية المتقدمة، الطب، التكنولوجيات الموفرة للطاقة، اللوجستيات، ومشاريع البنية التحتية تفتح آفاقا واسعة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين موسكو وأفريقيا ، في المقابل، تتطلع العديد من الدول الأفريقية إلى تنويع شراكاتها مع الجانب الروسي على أساس المصالح المتبادلة والاحترام الكامل للسيادة الوطنية.

وأشار تقرير أعدته وزارة التنمية الاقتصادية الروسية الى نمو حجم التبادل التجاري بين روسيا ودول أفريقيا منذ عام 2016، حيث نما التبادل التجاري عام 2018 بنسبة 1.7 %، وبلغت قيمته 20.4 مليار دولار. ونمت الصادرات الروسية بنسبة 18.2 %، حتى 17.5 مليار دولار، بينما نمت الواردات بنسبة 11.5 %، حتى 2.9 مليار دولار. وبلغ الفائض التجاري لروسيا 14.6 مليار دولار.

ويعود نمو التبادل التجاري عام 2018 مقارنة بالعام السابق بالدرجة الأولى إلى نمو صادرات المنتجات الغذائية الروسية والمنتجات الأولية للإنتاج الزراعي بنسبة 27.8 %، بنحو 4.6 مليار دولار، والمنتجات المعدنية والخامات بنسبة 63.2 % بنحو 3.1 مليار دولار. وعلى الجانب الآخر نمو واردات المنتجات المعدنية الأفريقية بنسبة 78.1 %، بنحو  367.7 مليون دولار، ومنتجات الصناعات الكيميائية بمرتين ونصف، نحو 254.2 مليون دولار.

شهدت الأعوام الخمسة الماضية نموا ملحوظا في أنشطة الشركات الروسية بعدد من الدول الأفريقية ومن بينها زيمبابوي وأنجولا والجابون وزامبيا وموزمبيق وجنوب أفريقيا في العديد من المجالات من بينها التعدين والطاقة والنفط، ومن أبرز الشركات الروسية العاملة في أفريقيا، “ألروسا” لإنتاج الألماس، وشركات كبرى تعمل في مجال الطاقة مثل “روس نفط” و”لوك أويل” و”غازبروم”، ومؤسسة “روس آتوم” وغيرها.

وتنظر الدول الكبرى ومن بينها روسيا إلى القارة الأفريقية على أنها لاعب هام على الساحة الاقتصادية والعلاقات الدولية بفضل مواردها الطبيعية والبشرية وإمكانياتها الاقتصادية الضخمة، حيث شهدت بيئة الأعمال تحسنا ملحوظا في عدد من الدول الأفريقية وهو ما ساهم في زيادة معدلات الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالقارة، علاوة على النمو السريع لعدد من القطاعات الاقتصادية بأفريقيا كالتجارة والطاقة.

تسعى روسيا إلى الاستفادة من الفرص الاقتصادية والتجارية والاستثمارية المتاحة بالقارة الأفريقية لتعزيز نموها الاقتصادي مع إطلاق منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية وتزايد اهتمام القوى الاقتصادية الكبرى بتلك القارة وعلى رأسها الصين التي تسعى بشكل مستمر إلى تعزيز تواجدها التجاري والاستثماري بتلك القارة من خلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي “فوكاك”، ومبادرة الحزام والطريق، واليابان التي عززت شراكتها مع الدول الأفريقية من خلال مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية “التيكاد”.

وتشمل مجالات التعاون المواتية بين روسيا وأفريقيا الزراعة والطاقة ونقل التكنولوجيا والعلوم والتعليم والابتكارات والبنية التحتية والتعدين، والتكنولوجيا النووية والنقل.

ورغم الأزمات المتلاحقة التي عصفت بالاقتصاد العالمي خلال السنوات الماضية تضمنت قائمة الدول ذات الاقتصاديات الأسرع نموا في الفترة الأخيرة 10 دول أفريقية على الأقل، كما ارتفع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول الأفريقية بأكثر من 5 أضعاف خلال الأعوام العشرة الأخيرة وهي كلها مؤشرات تؤكد غنى أفريقيا بالموارد البشرية والطبيعية اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة، وتمهد الطريق لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين روسيا وأفريقيا.

برنامج الأعمال

بحثت القمة آفاق العلاقات بين روسيا وبلدان القارة الافريقية وتطوير الصلات بينها في المجالات السياسية والاقتصادية والانسانية والثقافية وغيرها بالتركيز على البحث عن طرق كفيلة بالتنمية المتسارعة والنظامية لشتى انواع التعاون الروسي الافريقي.

كما جرى تبادل للآراء بشأن وضع اجراءات متفق عليها في مجال مواجهة الارهاب والجريمة العابرة للقارات والتحديات والمخاطر الأخرى التي تهدد الامن الاقليمي والعالمي.

وفي إطار المنتدى يقام معرض للشركاء ومعروضاتهم، وهو ساحة رئيسية لعرض ما حققته البلدان المشاركة من الانجازات وعرض لقدراتها الاقتصادية والعلمية والبيئية والثقافية، حيث يعرض المشاركون في المعرض عددا من المشاريع، والتقنيات المتقدمة في عدد من القطاعات، منها التعدين، والكيمياء، وبناء الماكينات، والطاقة، والزراعة، والنقل، والصحة العامة، والمجمع الصناعي الحربي، وكذلك في قطاعات واعدة اخرى كفيلة بتنمية القطاع الاستثماري والصادرات في العلاقات بين روسيا وبلدان القارة الافريقية.

ويركز برنامج الأعمال على مجالات التعاون الرئيسية، خاصة محاور «إقامة علاقات اقتصادية» و«إنشاء مشروعات مشتركة» و«التعاون في القطاع الإنساني والاجتماعي، ويتضمن محور «إقامة العلاقات الاقتصادية» جلسات ومناقشات حول سبل تعزيز التفاعل الاقتصادي، ويناقش المشاركون قضايا مثل زيادة التمويل للمعاملات الروسية الأفريقية المشتركة، وآفاق تطوير عمليات التكامل والتعاون بين الجماعة الاقتصادية الأوروبية الآسيوية وأفريقيا، والتحول الرقمي والأمن السيبرانى، والسيادة الاقتصادية للبلدان الأفريقية، وستقوم الشركات والحكومات باستخدام النتائج التي تم التوصل إليها خلال مناقشات المنتدى لاتخاذ القرارات اللازمة التي تهدف إلى تحفيز التعاون الاقتصادي.

ويركز محور «إنشاء مشاريع مشتركة» على المشروعات المشتركة الحالية والمحتملة، في قطاعات النفط والغاز والبنية التحتية الصناعية والنقل والبناء والطاقة النووية.

ومن بين الموضوعات الرئيسية للمنتدى المنطقة الصناعية الروسية، التي تبدأ عملها في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، باستعراض النجاحات الأولية والنتائج التي تترتب على تنفيذ المشروع، مع تخصيص جلسة لبحث إمكانية توسيع نطاقه. وفيما يخص محور «التعاون في القطاع الإنساني والاجتماعي» فيهتم بسبل تحسين نوعية الحياة في القارة السمراء، وتوفير الأمن والمستوى المطلوب من التعليم والرعاية الصحية لشعوبها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

8 + 4 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube