https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

تقوم نهضة المجتمع على نظام سياسي متماسك وضمان حرية التعبير والرأيوحقوق المرأة، بجوار تسوية عادلة لحقوق الأقليات. ولا تقل أهمية استقلالالقضاء عن ذلك، باعتباره الضمان لرقي المجتمع وترسيخ الديموقراطية. غير أنالوضع في تركيا يبدو مختلفاً بعض الشيء، فثمة قلق بين القضاء والسلطةالتنفيذية، كشفته مؤشرات عدة منها إقرار نواب حزب «العدالة والتنمية» فيالبرلمان التركي مطلع تموز (يوليو) الجاري قانوناً يسمح بتعديل تركيبةعضوية بعض المؤسسات القضائية، في مقدمها محاكم الاستئناف الإداريةوالجزائية والمالية، ويعطي رئيس الدولة وحكومته والهيئة العليا للقضاة التيتضم غالبية موالية للرئيس، حق عزل مئات من قضاتها وتعيين قضاة جدد، بعداختصار مدة خدمة القاضي في المحاكم العليا إلى 12 سنة فقط. المؤشر الثاني الذي قد يؤجج التوتر السياسي والمجتمعي، برز في حزيران (يونيو) الماضي مع إعلان وزير العدل بكير بوزداغ إرسال ملفات 117 قضية إلىالادعاء العام، تطاول عدداً معتبراً من نواب المعارضة، بخاصة النوابالأكراد، بعد المصادقة على قانون يرفع الحصانة عن نواب مُتهمين بدعمالإرهاب وإهانة الرئيس. وبرز التدخل الرئاسي في الأحكام القضائية في رفضأردوغان الإفراج عن رئيس تحرير صحيفة «جمهورييت» المعارضة جان دوندار نهايةشباط (فبراير) الماضي بعدما نفت المحكمة عنه تهمة التجسس. غير أن الصدام وصل إلى الذروة مع وقوع الانقلاب الفاشل، فقد اعتقلت السلطاتالتركية 10 قضاة في المحكمة الإدارية العليا، فيما أعفي نحو 2745 قاضياًمن مناصبهم بينهم خمسة قضاة من المحكمة العليا، وهم من أعضاء حركة «خدمة» التي يتزعمها فتح الله غولن. والأرجح أن سلوك السلطة التنفيذية تجاه القضاءبعد الانقلاب فتح الباب واسعاً حول استهداف الرئيس للقضاة، خصوصاً أن عزلهذا العدد الكبير من القضاة دفعة واحدة وفي توقيت واضح يكشف استهدافاًمسبقاً، وأن قوائم تيار الممانعة في القضاء كانت معدة سلفاً. وأثار سلوك أردوغان تجاه المؤسسة القضائية التي تضم نحو 15 ألف قاضٍ غضبنقابة القضاة في تركيا، وانتقد رئيسها مصطفى كارداغ مسلك الرئيس، وقال أن «السلطات لم تلق القبض على المتعاونين مع الانقلاب وحدهم، بل أيضاً على منلا علاقة لهم بالانقلاب». والواقع أن حكومة «العدالة والتنمية» تسعى منذ وقت طويل إلى هيكلة المؤسسةالقضائية، ورغم أن قانون تعديل المحاكم الأخير يحمل شبهة عدم الدستورية،فإن الحكومة تحايلت من خلاله لتربح تغييراً سريعاً في صفوف القضاةالمعارضين للنزعة السلطوية لأردوغان، وذلك قبل إصدار المحكمة حكمها الذي لايطبَّق بأثر رجعي. وبضغط حكومي، فرض القضاء التركي وصايته على شبكة «آسيابنك» القريبة من فتح الله غولن المتهم بتشكيل «دولة موازية»، وتمَّ تأميمشركة «كوزا- إيبك» التي تملك صحيفتين وشبكة تلفزيون. وكانت معاقبة القضاء قد تفاقمت مطلع العام 2015 عند اعتقال قاضيين (متينأوزشيليك ومصطفى يشار) بتهمة الانتماء إلى «تنظيم إرهابي»، بعدما حكمابتبرئة 74 متهماً على ذمة قضية «تشكيل إرهابي» يتزعمه غولن المقيم فيالولايات المتحدة الأميركية. وعقب ذلك، نشر قضاة عبر موقع «adalet.org» رسائل عبّروا فيها عن غضبهم من الانتهاك الصارخ للقانون. وفي 14 كانون الثاني (يناير) 2015 أصدر المجلس الأعلى للقضاة والمدعينالعامين، قراراً بفصل 5 مدعين من وظائفهم، على خلفية إصدارهم أوامر للشرطةبإيقاف شاحنات تحمل أسلحة، تابعة للاستخبارات التركية، كانت في طريقها إلىسورية. العنوان الأبرز للمشهدالريبة بين القضاء والسلطة التنفيذية، العنوان الأبرز للمشهد التركي،خصوصاً بعد تصعيد الثانية نبرتها. ودخل الصدام بين السلطة القضائية والرئيسمناخ الشحن بعد يوم واحد من الانقلاب، عندما اعتقلت الشرطة ألب أرسلانألطان عضو المحكمة الدستورية، أعلى محكمة في البلاد، وهو كثيراً ما تسبَّببإحراج أردوغان بتوجيهه انتقادات لاذعة إلى السياسات الرئاسية في شأنالعلاقة مع القضاء. وكان أرسلان قد حذَّر من «خطورة التحكم في القضاء وجعلهأداة لتحقيق أهداف سياسية»، وانتقد بشدة تصريحات أردوغان بحق المحكمةالدستورية عشية إخلاء سبيل رئيس تحرير صحيفة «جمهورييت» في آذار (مارس)الماضي، معتبراً أن «القرارات التي تتخذها المحكمة الدستورية ملزمةللجميع»، وأن «الدولة الديموقراطية هي تلك التي تُفرض فيها قرارات القضاءعلى القادة والمواطنين». والأرجح أن رئيس المحكمة الدستورية الحالي لم يكن وحده الذي دخل في صدام معأردوغان، فقد سبقه سلفه هاشم كيليش قبل استقالته في آذار2014، إذ وجّهانتقادات شديدة إلى أردوغان وحكومة «العدالة والتنمية»، وحذَّر من خطورة أنيتحول القضاء إلى «أداة انتقام» بأيدي نخب الحكم. وكان قد اتهم أردوغانعشية الذكرى الـ52 لإنشاء المحكمة الدستورية، بممارسة سياسة إلقاء الرعب فيقلوب موظفي القضاء بخصوص مصيرهم ومستقبلهم، ورأى في ذلك «فساداًأخلاقياً». والأرجح أن سلوك المحكمة الدستورية طوال السنوات التي خلت، نحو تعزيز حكمالقانون وكبح جماح السلطة التنفيذية، عرّضها لحملات تشويه ممنهجة، خصوصاًمن وسائل الإعلام الموالية لـ «العدالة والتنمية»، وآخرها اتهام عضوالمحكمة أرسلان قبل اعتقاله بالانتماء إلى جماعة غولن المصنفة إرهابية، وهوما دفعه إلى الرد على ذلك قائلاً أنها «اتهامات خيالية وملفَّقة ليوللمحكمة الدستورية». وأضاف: «أدين الأنباء والتعليقات التي تحاول أن تظهرالمحكمة الدستورية وكأنها تتخذ قراراتها بتعليمات الآخرين وأرفضها». خلاصة القول أن عزل الآلاف من القضاة على أثر الانقلاب ولو في شكل موقتيؤشر في جوهره إلى تصاعد المعركة مع الرئيس وحكومته، خصوصاً أن أردوغان يصرعلى ترويض المؤسسة القضائية، خصوصاً المحكمة الدستورية التي تمكنت قبل نحوشهرين من توجيه ضربة قوية إليه، عندما ألغت جملة من القوانين التي أقرتهاالحكومة ووافق عليها البرلمان، بما فيها توسيع صلاحيات وزارة العدل، وإخضاعالمجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين لرقابته. ولا شك في أن فشلالانقلاب وخروج أردوغان منه أكثر قوة سيؤديان إلى تصاعد التوتر مع القضاء،وهو ما سينعكس سلباً على الحياة الديموقراطية في تركيا.

الحياة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 − 12 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube