تدعي إسرائيل أنها دولة ديمقراطية، ويزداد هذا الإدعاء تجلياً عندما تجزم ومن يناصرونها في الغرب أنها واحة الديمقراطية الغناء وسط الصحراء الجرداء من الدول العربية الديكتاتورية، ولا تخجل إسرائيل ومحبيها من ترديد هذا الشعار ليلاً نهاراً مع أن تصرفاتها تجاه العرب الإسرائيليين تخلو دوماً من أي ظلال للحقيقة في هذا الخصوص.
وإذا كان العالم مصدقاً لهذه الخديعة ومؤمناً بها فهذا شأنه، رغم أن الواقع والحقيقة يؤكدان غير ذلك، ولهم فيما تقوم به إسرائيل من انتهاكات لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة دليل صارخ على مدى انعدام الديمقراطية في واحة الديمقراطية.
وعلى أي حال، فإن حقيقة الواحة الوارفة للديمقراطية تتكشف بين وقت وآخر، وأستطيع أن أدلل على ذلك بواقعة واحدة فقط من ملايين الوقائع، فمن المعروف في الدول الديمقراطية أن جميع أعمال مؤسساتها تخضع للرقابة ولا يمكن أن يتم إجازتها إذا لم تكن متماشية مع قواعد الشفافية، ومن المحرمات في تلك الدول دفع العمولات والرشاوى لأن ذلك من الفساد الذي يعتبر من الكبائر، فإذا كانت إسرائيل قد أبرمت اتفاقاً مع إحدى الشركات لإمدادها بـ 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من مصر، فهل اطلعت الجهات الرسمية الديمقراطية في إسرائيل على هذا الاتفاق؟ وهل أبدت أي جهة من جهات الرقابة فيها ملاحظاتها على تدني السعر الذي استوردت به هذا الغاز بالمقارنة بالأسعار العالمية في حينه؟
إذا كانت الإجابة بنعم، فذلك يعني أن الجهات الرقابية الإسرائيلية ضالعة في الفساد لأنها مررت هذا الاتفاق رغم ما أثير حوله في مصر من زوابع وأزمات وصلت إلى المحاكم التي أصدرت حكمها القاطع بأن الاتفاقية فاسدة لإجحافها بمصر، فإن كانت تلك الجهات على بينة من فساد التعاقد وعلى الرغم من ذلك مررت الاتفاق المجحف والمشكوك في وسائل إبرامه، فهي بذلك تكون شريكاً في الفساد، وهذا يخالف أبسط قواعد الديمقراطية، ويؤكد على فساد الدولة.
أما إذا كانت الإجابة بلا، فمعنى ذلك أن الفساد في إسرائيل متمكن ومتحكم لوجود ثغرات تمرير بعض الأعمال التجارية وغيرها، أو أن مصلحة إسرائيل الاقتصادية تعلو وتسود قواعد الديمقراطية ومقتضيات الشفافية، وهذا يلقي ظلالاً من الشك على مصداقية جهات الرقابة الإسرائيلية، ويؤكد أن أكذوبة الديمقراطية ما هي إلا ترهات ترددها إسرائيل وأحبائها كحجة لتأييد أعمالها غير القانونية، مستغلين في ذلك الوضع السياسي المتردد في المنطقة العربية بين تطبيق الديمقراطية أو الاكتفاء بقشورها أو الجنوح عنها تماماً، وفي جميع الأحوال فإن تمرير اتفاقية الغاز المشبوهة لهو دليل قاطع على أن هناك الكثير من الأساطير الخيالية حول ديمقراطية إسرائيل.
وعموماً، إذا كانت إسرائيل لا زالت على رأيها في نظامها الديمقراطي، فمن باب أولى أن تسارع هي قبل أن تفضحها التحقيقات التي تجري مع صبيانها في مصر برد المبالغ المالية التي خسرتها الخزانة المصرية جراء تصدير الغاز الطبيعي لها بأقل من سعره وقت التعاقد، فوفقاً للقانون فإن العقود المجحفة بأحد أطرافها يمكن إبطالها والمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي نتجت عنها إذا ثبت أن هذا الإجحاف كان نتيجة تلاعب أو فساد أو تقديم عمولات أو رشاوى، وأظن أن الإجحاف بمصر والمصريين في اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل واضح ولا يحتاج لدليل، كما أن التلاعب المتعمد والفساد ستفضحهما التحقيقات التي تجريها النيابة العامة المصرية الآن.
ووفقاً لاحترام الدول لقواعد الديمقراطية، فإذا أرادت إسرائيل أن تستمر مصر في تزويدها بالغاز الطبيعي فعليها أن تقوم بإجراء تحقيق علني مع المسؤولين الذين كانوا وراء استيراد الغاز من مصر بأقل من سعر إنتاجه الفعلي لتقف على حقيقة إبرام عقود خارجية مشوبة بالفساد وتُقدم من قام بذلك إلى المحاكمة إن هي أرادت أن تحافظ على سمعتها في مجال الديمقراطية، وعليها والحال هكذا أن تسارع طوعاً برد المبالغ المالية المستحقة لشعب مصر والتي خسرها نتيجة قيام الحكومة الإسرائيلية بطُرق ووسائل ملتوية بإبرام الاتفاق والذي يُقدر مبدئياً بمبلغ 724 مليونا و980 ألفا و967 دولارا أميركيا و86 سنتا ويمثل قيمة الفرق بين السعر الذي تم به بيع الغاز الطبيعي المصري لدولة إسرائيل والأسعار العالمية السائدة حين إبرام الاتفاق المشبوه والباطل.
إن هي قامت بذلك طواعية فحسن تفعل كبادرة حُسن نية تجاه مصر وشعبها، وإن هي رفضت وتجاهلت الأمر، فيحق للحكومة المصرية أن تقوم بإلغاء الاتفاقية وإيقاف تصدير الغاز لإسرائيل لحين سداد ملايين الدولارات المنهوبة. وعندئذٍ سيكتشف الكافة أن واحة الديمقراطية الإسرائيلية ما هي إلا أسطورة كاذبة يحاول من أطلقها تصديقها.
يحق للحكومة المصرية ألا تكتفي بمراجعة أسعار الغاز دورياً وتعمل على تعديل الاتفاق، فالإجحاف في العقود الذي يترتب عنه خسائر لأحد المتعاقدين لا يقره القانون ويجيز إبطال العقد وتعويض الطرف الذي وقع عليه الضرر، وكما تم تطبيق هذا المبدأ على المستثمرين الأشقاء العرب والتزموا به تقديراً لمصر وشعبها، فمن باب أولى ألا نعفي إسرائيل، خصوصاً أنها كدولة تعتبر ضالعة في هذا العقد الفاسد المشبوه الذي أضر بمصر وأدى لسرقة ثرواتها.
ميدل ايست اون لاين