الوفود العالمية التي حضرت ما يُسمّى بمنتدى دافوس الاقتصادي الصيفي الصيني استمعت لرسالة واضحة ومنسّقة من مضيفيهم مفادها أن: أبواب الصين مفتوحة للعمل. وتأتي مساعي بكين لزيادة الاستثمارات القادمة من الخارج بالتزامن مع البيانات التي تشير إلى تباطؤ النمو الاقتصادي والضغط المتزايد للوصول بالنمو إلى أهداف جديدة. لكن هذا المجهود يواجه تعقيدات بسبب التوتّرات السياسية المتعمّقة ويتأثر سلبًا بالمخاطر التي تواجه قطاعات الأعمال الأجنبية.
في هذا المنتدى الاقتصادي العالمي الذي استمر ثلاثة أيام واستضافته مدينة تيانجين المعروفة بمينائها، ألقى رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ خطابًا رئيسيًا ذكر فيه بوضوح أن الصين مصمّمة على جذب الشركات الأجنبية. وقال إن بلاده أبقت العالم واقفًا على قدميه أثناء الجائحة، وإنها ستظل “مصدرًا منتظمًا لحيوية الاقتصاد العالمي، يقود تعافيه ونموّه، في الوقت الذي توفّر للمستثمرين من جميع الدول فرص تعاون تحقق الفوز لجميع الأطراف”.
وقال لي مُحذّرًا إن مساعي الغرب للحدّ من علاقات العمل مع الصين ستعطي نتائج عكسية: “ينبغي أن نعارض تسييس المسائل الاقتصادية وأن نعمل معًا للحفاظ على استقرار وانسيابية السلاسل الصناعية وسلاسل التوريد العالمية، وأن نقوم بتسليم ثمار العولمة للدول والجماعات البشرية المختلفة بطريقة تَتَّسِم بقدر أكبر من المساواة”.
عوامل تؤدّي إلى تعقيدات
تأتي حملة بكين لجذب المستثمرين العالميين في وقت صعب.
فالولايات المتحدة، مدعومة بحلفائها، فرضت قيودًا واسعة النطاق على مبيعات أشباه الموصّلات وغيرها من مواد التقنية العالية إلى الصين.
كما أن ثقة قطاعات الأعمال بدأت تهتزّ بسبب قانون جديد لمكافحة التجسُّس سَنّته الصين في مطلع شهر يوليو/تموز. ويحظر هذا التعديل القانوني نقل أي معلومات، ومن ضمنها الوثائق والبيانات المتعلقة بأمن الصين ومصالحها القومية. ويقول منتقدوه إن المعايير غير الواضحة تجعل من الصعب على الشركات أن تعرف متى تكون ملتزمة بالقانون ومتى تكون قد انتهكته.
منذ إقرار النسخة السابقة من القانون عام 2014، احتجزت الصين 17 شخصًا يابانيًا بتُهَم التجسّس. ومن المحتمل أن يجعل التشريع الجديد الأكثر تشددًا الشركات الأجنبية أكثر تردّدًا بشأن إقامة أعمال في الصين.
توجّه للانفتاح
بعد ثلاثة أعوام خلف أبواب مغلقة وسياسة “صفر كوفيد” الصارمة والتي كبدّت الاقتصاد الصيني تكاليف باهظة، تقوم الصين الآن بفتح أبوابها على العالم بلهفة كبيرة. لكن التعافي اتَّسَم حتى الآن بالتأرجح.
فقد سجّل الاقتصاد في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار نموًّا بنسبة 4.5% عمّا كان عليه في الفترة ذاتها من العام الماضي. وفي حين كانت مساهمة الإنفاق الاستهلاكي واستثمارات البنية التحتية في هذا النمو كبيرة فإن النمو في الصادرات لم يتجاوز 0.5%. ومازال سوق العقارات متعثرًا، ويبلغ معدّل البطالة بين الشباب حوالي 20%.
الصين “يجب أن تنظر إلى الخارج”
يقول بعض الخبراء إنه ينبغي للصين أن تستخدِم الاستثمارات الأجنبية لدفع النمو إلى مستويات أعلى.
فقد قال سوزوكي تاكاموتو، وهو مدير الأبحاث الاقتصادية بالشركة التجارية اليابانية ماروبيني الصين، “توقّع الكثيرون أن يشهد الاستهلاك والاستثمار في الصين ارتفاعًا كبيرًا بعد الجائحة، وأن يزيد الطلب أيضًا مع تحسّن الحالة المزاجية للمستهلكين. لكن ذلك لم يحدث. هناك شعور بخيبة الأمل بين الناس، وهذا يعمل على تراجع الاقتصاد بالمجمل”.
كما تواصل الصين محاولات استمالة الشركات الأميركية العملاقة في المجالات التكنولوجية غير عابئة بالقيود التجارية الأميركية التي تُركّز على التكنولوجيا.
وقد استضاف المسؤولون مؤخّرًا زيارات لرئيسي شركتَي تسلا وأبل، وكلتاهما تفكّر في توسيع نطاق أعمالها في الصين. وفي شهر يونيو/حزيران، التقى مؤسّس شركة مايكروسوفت بيل غيتس مع الرئيس شي جينبينغ.
ولكن في ضوء التوتّر المستمر في العلاقات الجيوسياسية، والتشريع الصيني الجديد المبهم الذي يزيد المخاطر بالنسبة للمستثمرين الأجانب، ستجد الصين صعوبة شديدة في إقناع الشركات الأجنبية بالاستثمار فيها.