https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

إن الولايات المتحدة التي تبعد عشرات الآلاف من الأميال عن شمال شرق آسيا،هي “المبادر والمتحكم والرابح الأكبر” في مسألة نشر منظومة الدفاع الصاروخي “ثاد” على أراضي كوريا الجنوبية. وإذا نجحت في عملية النشر هذه، فستجلبكوارث عديدة لمنطقة شمال شرق آسيا عبر “الهيمنة المضادة للصواريخ” التيترنو إلى تحقيقها من خلال نشر منظومات مضادة للصواريخ. في الواقع، لم تتوان الولايات المتحدة عن اتخاذ خطوات باتجاه السعى إلى “الهيمنة المضادة للصواريخ” منذ أن أطلقت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبقرونالد ريغان “مبادرة الدفاع الإستراتيجية” عام 1983. وصار تطوير الأسلحةالمضادة للصواريخ والنشر العالمي للمنظومات المضادة للصواريخ يمثلان وسيلةهامة لضمان تفوقها العسكري المطلق وحماية هيمنتها العالمية. وقد كشفت الحقائق أن تصرفات الولايات المتحدة الأحادية الجانب والمتمثلة فينسج شبكة مضادة للصواريخ حول العالم، تعد من أساسها محاولة للتضحية بمصالحالدول الأخرى لتحقيق مصالح أمنها الذاتي تحت ذرائع الدفاع، وهو ما يهددويؤذى على نحو خطير التوازن الإستراتيجي والسلام والاستقرار في المنطقةوالعالم بأسره. فدفع الولايات المتحدة المتعمد لنشر ثاد على أراضي كوريا الجنوبية، لاينبثق عن رغبتها في مساعدة كوريا الجنوبية على التصدى للتهديدات النوويةوالصاروخية من كوريا الديمقراطية،وإنما عن أنانية ومصالح خاصة لم تتكشف بعدأمام شعوب العالم وتتمثل في دفع بناء نظام مضاد للصواريخ في منطقة آسياوالمحيط الهادئ، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في مارس 2012 أن بلادهاستنشئ نظاما مضادا للصواريخ في هذه المنطقة وتخطط لتحقيق ذلك عبر تحالفينثلاثيين ألا وهما: الولايات المتحدة واليابان وأستراليا، والولايات المتحدةواليابان وكوريا الجنوبية. ورأى وو رى تشيانغ الأستاذ المساعد بمعهد الدراسات الدولية في جامعة الشعبالصينية أن أحد أوجه نقص النظام الأمريكي المضاد للصواريخ في آسيا والمحيطالهادئ تتمثل الآن في ضعف قدرته على المعرفة والتمييز، ولهذا فإن تحالفواشنطن مع سول يهدف إلى نشر هذا الرادار المتطور في كوريا الجنوبية لمايحمله ذلك من معنى كبير بالنسبة لإنشاء الولايات المتحدة لنظامها المضادللصواريخ في المنطقة. وأشار الخبير إلى أن رادار ثاد، الذي سيتم نشره في كوريا الجنوبية وبمايمتلكه من مقومات، يمكن استخدامه لمراقبة تجارب الصين المتعلقة بإطلاقصواريخ إستراتيجية في وقت السلم، كما يمكن استخدامه في الاستكشاف والمراقبةالمسبقين للصواريخ الإستراتيجية التي قد تطلقها الصين باتجاه الولاياتالمتحدة في وقت الحرب. وكل ذلك يسهم في تعزيز قدرة النظام المضاد للصواريخعلى تمييز الأهداف ومعرفتها لإحتواء “التهديدات النووية الصينية” المزعومةعلى الولايات المتحدة. ولا بد هنا من ذكر أن نشر ثاد في كوريا الجنوبية ليس سوى خطوة مهمة تتخذهاالولايات المتحدة في مخططها الرامي إلى إقامة نظام مضاد للصواريخ في منطقةآسيا والمحيط الهادئ، وهو مخطط يمضى إلى ما لا نهاية. فمن غير المستبعد أنتنشر الولايات المتحدة فيما بعد منظومة ثاد وغيرها من الأسلحة المضادةللصواريخ في اليابان وبلدان أخرى، إذ كشفت وزارة الدفاع اليابانية مؤخرالوسائل الإعلام أنها تفكر في جلب منظومة ثاد وضمها إلى نظامها الحاليالمضاد للصواريخ الذي تم تحديثه مؤخرا لتشكل بذلك نظاما ثلاثي المستوياتمضاد للصواريخ ليتحدى التهديد المزعوم من كوريا الديمقراطية. فنشر ثاد في كوريا الجنوبية لا يتعلق فقط ببناء الولايات المتحدة لنظامهاالمضاد للصواريخ في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وإنما أيضا بدفعهالمنظوماتها المضادة للصواريخ حول العالم. فقبل شهرين، بدأ تشغيل القاعدةالأمريكية المضادة للصواريخ في جنوب رومانيا في الركن الآخر من البرالأورآسيوي، كما وضعت الولايات المتحدة في نفس الوقت تقريبا حجر الأساسلقاعدة أخرى في شمال بولندا. وفي هذا الصدد، قال وو تشن الباحث بمعهد المخابرات والمعلومات الفضائية فيبكين إنه بعد بضعة عشر عاما من التطوير، شكلت الولايات المتحدة منظومةعالمية مضادة للصواريخ تتخذ من نظامها المحلي مركزا ومن النظامين في أوروباوآسيا والمحيط الهادئ جناحين، وتمتلك قدرة نسبية على رصد الصواريخ القصيرةوالمتوسطة المدى. ولا تزال المنظومة تشهد مزيدا من التحسين والتطوير، ومنالمقرر أن تقوم بأول اختبار لرصد الصواريخ العابرة للقارات من إحدى القواعدالبرية في نهاية العام الجاري. وعند إجراء مقارنة بين بناء الولايات المتحدة لمنظومتيها المضادتينللصواريخ في ركني البر الأورآسيوي، نجد أن تصرفاتها وخطواتها تسير على نفسالمسار الذي يبدأ أولا بخلق الذرائع وترويج التهديدات، فالولايات المتحدةتسعى إلى إقامة نظام مضاد للصواريخ في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تحت ذريعةتهديدات تشكلها كوريا الديمقراطية، فيما سعت إلى ذلك في أوروبا في ضوءاتخاذها من إيران عدوا افتراضيا لها. وثانيا بالصيد في الماء العكر وإقامةتحالفات مع الدول الإقليمية، فعلى سبيل المثال، استغلت الولايات المتحدةمخاوف رومانيا وبولندا وغيرهما من دول شرق أوروبا من روسيا لنشر المنظومةوتوفير ما تزعم بأنه الأمن. وثالثا بإتباع أسلوب البدء من بعيد ثم الاقترابرويدا رويدا وبخطوات متتالية، فعادة ما تنشر الولايات المتحدة النظام فيالمحيط ثم دفعه ليتقدم بخطوات متتالية. ومن المعروف في مجال الأمن العالمي أن السلام ينبع من توازن القوى. وإذا ماانكسر التوازن القائم، ستقع الاضطرابات بل وستندلع الاحتكاكاتوالاشتباكات. ونسج الولايات المتحدة لشبكة المنظومة المضادة للصواريخ فيالعالم بشكل أحادي الجانب يزعزع التوازن الإستراتيجي في العالم ويلحقأضرارا بالغة بالمصالح الأمنية والإستراتيجية للصين وروسيا وغيرهما منالدول الرئيسية بالمنطقة ويقابل برفض شديد من قبل هذه الدول. وفي أوروبا، ظهرت النتائج السلبية للدفع بقوة من أجل نشر النظام المضادللصواريخ: وتمثلت في حدوث خلل في التوازن الإستراتيجي الأوروبي وإجبارروسيا على اتخاذ إجراءات مضادة. وتعد مشكلة المنظومة المضادة للصواريخ سببا مهما يقف وراء الخلافات الطويلةوانعدام الثقة المتبادلة بين روسيا والدول الغربية، ما يعزز من حدةالتوترات الجيوسياسية الأوروبية ويساعد في تصعيد مناخ “حرب باردة جديدة”. وفي إطار هذه العملية، أصبحت الولايات المتحدة الرابح الحقيقي، إذ تسيطرعلى أوروبا عبر المشكلة الأمنية من ناحية وتستغل بعض الدول الأوروبيةلمساعدتها في إحتواء روسيا من ناحية أخرى. وقد عكست الدروس الأوروبية السابقة النوايا الحقيقية للولايات المتحدة منوراء نشر منظومة ثاد على أراضي كوريا الجنوبية، وهي نوايا تكمن في عدمالسعى إلى حماية كوريا الجنوبية من التهديد الكوري الديمقراطي المزعوم، بلإلى ربط كوريا الجنوبية بعربتها الحربية بدافع مصالحها الخاصة وإنطلاقا منسعيها إلى تحقيق الهيمنة. ومن ثم، لابد لسول من التزام اليقظة، والعملبحكمة على تقدير التداعيات الخطيرة والنوايا الأمريكية الشريرة لنشر ثاد،وإدراك خطورة “الهيمنة المضادة للصواريخ”، وتجنب إدخال “الذئاب” لمنزلهاتجنبا تاما.

شينخهوا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × 3 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube