كتب محمد خير الوادي :
فضٌلت اربعة من دول الخليج ،وهي السعودية والبحرين والكويت وسلطنة عمان، عدم اثارة زوبعة اعلامية حول الزيارة الجماعية التي قام بها وزراء خارجيتها الى الصين وانتهت للتو. وتقديري ، هناك سببان لهذا التعتيم الاعلامي ،اولهما : عدم اغضاب واشنطن التي تخوض معركة شرسة مع الصين ،لأن الزيارة ستفسر على انها تضامن مع بكين في وجه امريكا . وثانيهما:تريث الخليجيين في اضفاء اهمية على هذه الزيارة بانتظار ما ستسفر عنه المباحثات حول العلاقات القوية القائمة بين الصين وايران ، والتي توجت بمعاهدة للتعاون الاستراتيجي بين البلدين مدتها 25 عاما .
بطبيعة الحال ، لن تنظر امريكا بعين الرضا الى هذه الخطوة الدبلوماسية غير المسبوقة من جانب حلفائها الخليجيين . فواشنطن تاخذ على بعض دول الخليج تكثيف التعاون العسكري والامني مع الصين ( السعودية )، ومحاولة منح الصين قاعدة عسكرية ( الامارات )، والسماح باستخدام الجيل الخامس للاتصالات الصينية الذي حظرته واشنطن . يضاف الى ذلك ، التزام دول الخليج الصمت حيال الاجراءات التي اتخذتها الصين ضد الويغور المسلمين ، لا بل ان عددا من هذه الدول وقع على رسالة وجُهت للامم المتحدة تؤيد فيها موقف بكين حيال المسلمين الصينيين. حدث هذا ، في الوقت الذي اعلنت فيه واشنطن ودول غربية اخرى، مقاطعة اولمبياد بكين الشتوى دبلوماسيا بسبب الادعاءات حول قمع المسلمين في الصين ، وفرضت عقوبات كثيرة ضد مسؤولين صينيين بسبب ذلك .
فيما يتعلق بعلاقات الصين مع ايران ،اتذكر واقعة شاركتُ فيها عام 2004 باعتباري كنت رئيسا للوفد العربي المفاوض لاقامة منتدى التعاون العربي الصيني. فقد اصطدمت المفاوضات بين الجانبين العربي والصيني لاقامة المنتدى ،بموقف الصين الرافض لفقرة اقترحها الجانب العربي تقول: “ان الجزر التي احتلتها ايران بالقوة في الخليج هي جزر اماراتية ” . وارتفع منسوب التوتر بين الجانبين العربي والصيني حول هذه الفقرة .وفي ضوء ذلك ، قال لي جاي جيون،رئيس الوفد الصيني آنذاك : “اذا ما اصرٌت الدول العربية على اضافة فقرة في البيان السياسي للمنتدى حول اعتبار هذه الجزر اماراتية ، فان الصين ستنسحب من المفاوضات ، ولو ادى ذلك الى انهيار خطة المنتدى بكاملها”.وقد تراجعت ابو ظبي عن الفقرة المذكورة التي تفيد بملكيتها لتلك الجزر ، مما ازال آخر عقبة في انشاء المنتدى عام 2004.
اسوق هذه الحادثة لأشير، الى ان بكين ليست مستعدة للتضحية بعلاقاتها مع ايران تحت اي ظرف . ولذلك ، فان الرهان على ان زيارة وزراء الخارجية الخليجيين الجماعية ستغير موقف الصين ازاء ايران وستدفعها للانحياز الى الموقف الخليجي ،هو ضرب من الوهم ، على الرغم من التعاون الاقتصادي الكبير بين الجانبين والذي وصل حجمه عام 2021 الى 300 مليار دولا سنويا . وبالمناسبة فانني أوكد، أن بكين لم تعد – كما كانت في السابق – تعطي الاولوية في علاقاتها الخارجية لدول الخليج .
فقبل عقدين من الزمن ، كان السفير السعودي في بكين يلقى من السلطات الصينية معاملة تفضيلية خاصة ،يحسده عليها بقية السفراء . لكن الاوضاع اليوم انقلبت رأسا على عقب .فبروز روسيا وكازاخستان كموردين رئيسيين للنفط الى الصين ،اضافة الى سعي ايران لتخفيض سعر نفطها للصين بنسبة اكثر من 30% ، اضعف اعتماد الاقتصاد الصيني على نفط دول الخليج. اضافة الى ان السلطات الصينية قد جمٌدت الى الصفر تقريبا ، دور السعودية في الاتصالات مع المسلمين الصينيين . ولم تعد السفارة السعودية في بكين تعج بممثلي المنظمات الاسلامية الصينية الباحثين عن دعم مالي او فرصة للتجارة مع السعودية –كما كان الوضع سابقا .
ومع ذلك كله ، فقد اولت الصين هذه الزيارة الجماعية اهمية كبيرة ، وحددت لها عنوانين رئيسيين يخدمان المصالح الصينية اولهما، العمل على تسريع التوقيع على اقامة منطقة للتجارة الحرة بين الصين ودول الخليج الست. ومعروف ان الصين قد اقترحت هذه الاتفاقية منذ عشرين عاما ، لكن دول الخليج تلكأت في قبول الاقتراح الصيني بسبب المخاطر التي ستنجم عن هذه الاتفاقية ،لانها تتضمن بنودا تلزم الخليجيين بازالة العقبات امام دخول الشركات واليد العاملة الصينية للاسواق الخليجية ، وهو امر يعني تحويل اقتصادات تلك الدولة الى كيانات ملحقة بالاقتصاد الصيني .وحتى هذه الساعة لم تتسرب معلومات عن حول الموقف الذي اتخذه الوزراء الاربعة حيال اتفاقية المناطق الحرة ، و الامر سيتضح في الايام او الاسابيع القليلة القادمة .والعنوان الثاني الذي تريده بكين من هذه الزيارة ، وهو مزيد من انخراط دول الخليج في مبادرة الحزام والطريق ، وهو امر سيحدث بالتأكيد .
لقد كسبت الصين من هذه الزيارة الرباعية التي أضافت نقاطا في صراع بكين مع امريكا ، وعززت اقتراب دول الخليج من المواقف السياسية الصينية ، وستسفر نتائجها عن مزيد من التعاون الاقتصادي بين الجانبين . ولذلك استقبلت بكين ضيوفها الخليجيين بترحاب ، متجاوزة القرار الرسمي الذي يحظر عمليا دخول الاجانب الى الصين بسبب جائحة كورونا .
ولا ندري كيف ستتعامل واشنطن مع حلفائها الخليجيين الذين هرولوا الى بكين. ولكن من المؤكد ، ان تقارب الدول الخليجية مع الصين ، ستكون له تفاعلات سلبية في علاقة تلك الدول مع امريكا .
15/1/2022