يصادف هذا العام ذكرى مرور 60 عاماً على إقامة العلاقات الرسمية بين الصينوالدول العربية، وقد قطع التعاون الصيني العربي أشواطاً طويلة في المجالاتكافة خلال العقود السنة الماضية. ويمثل التعاون الاقتصادي من أبرز العلاماتالمضيئة للعلاقات الصينية العربية، إذ أصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاريللعالم العربي وأكبر شريك لتسع دول عربية. وتمثل الدول العربية سابعالشركاء التجاريين للصين، وأكبر مورد للنفط، وسوقاً مهماً لمشاريعالمقاولات الإنشائية والبنية التحتية. وبعد استعراض الإنجازات العملاقة يتعين عليناً «صينيين وعرباً» الوقوف فيهذا المناسبة المباركة متأملين في هذه العلاقات التاريخية التي ترجع إلى ماقبل ألفي سنة، وصمدت أمام عواصف عاتية وامتحانات صعبة، متطلعين إلى آفاقمستقبل أرحب على ضوء مبادرة الحزام والطريق وفي إطار منتدى التعاون الصينيالعربي، إيماناً منا أن تنشيط التبادل التجاري وتوسيع التعاون الاقتصاديأهم السبل الكفيلة لترسيخ أسس العلاقات الصينية العربية، وتحقيق المنافعالحقيقية لأجل مزيد من الرخاء والرفاهية للأمتين والشعبين. ويتوقف تحقيقطموحات الشعبين لتوثيق العلاقات الاقتصادية والتجارية على تعاون الجانبينفي ثلاثة مجالات مهمة. البناء المشترك للحزام والطريقتعتبر مبادرة الحزام والطريق (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحريرالبحري للقرن الـ21)، التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بيغ عام 2013 خريطةالطريق لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والدول العربية، إذإن العالم العربي يقع في ملتقى الطريقين، لذا فالدول العربية شريك طبيعيللحزام والطريق، إذ بات إحياء مجد طريق الحرير القديم من مسؤولياتناالمشتركة، علماً بأن طريق الحرير القديم هي بالأساس طريق لتبادل السلع،شأنه شأن مبادرة الحزام والطريق التي تهدف أولاً وقبل كل شيء، إلى تسهيلالتبادل التجاري. وعلى هذا المنطلق، يجب على الجانبين اتخاذ مزيد من الإجراءات لتحريرالتجارة البينية على رغم أن حجم المبادلات التجارية بين الصين والدولالعربية بلغ أكثر من 200 بليون دولار أميركي، بما زاد 10 مرات خلال العقدالماضي. لم يكن هناك أي ترتيب تجاري ومؤسساتي لتيسير التجارة بين الجانبين، لذافيجب تسريع مفاوضات منطقة التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاونالخليجي وتوسيعها لتشمل جميع الدول العربية في المستقبل. وإضافة إلى ذلك،يجب تحويل العلاقة بين البائع والمشتري إلى كتلة اقتصادية موحدة لتفاديتذبذبات أسعار الطاقة والمعادن التي تؤثر سلباً على التجارة البينية، إذهناك مجالات تعاون جديدة وواعدة بين الجانبين، على سبيل المثال الاستثمارالمشترك في الصناعة البتروكيماوية، والطاقة الجديدة والمتجددة، والزراعة،والتكنولوجيا العالية، والاستخدام السلمي للطاقة النووية كما أشار إليهالرئيس الصيني شي جينغ بينغ في خطاب ألقاه في الاجتماع الوزاري السادسلمنتدى التعاون الصيني العربي عام 2014، وخطاب ألقاه في مقر جامعة الدولالعربية أثناء زيارته لمصر عام 2016. ولا بد من الإشارة إلى أن هناكإمكانات كبيرة في تعاون الجانبين في مشاريع البنية التحتية، إذ الدولالعربية بحاجة ماسة إلى تحسين البنية التحتية، والصين قادرة على تمويلوتنفيذ تلك المشاريع بتقنيات متقدمة وجودة ممتازة وكلفة معقولة. التعاون في الطاقة الإنتاجيةالطلب المتبادل أساس التعاون، فتكمن حتمية الشراكة الاقتصادية الصينيةالعربية في وجود مزايا تكاملية عدة بين الطرفين، إذ تتمثل هذه المزايا فيوجود إمكانات تعاون كبير في الصناعة والتصنيع، خصوصاً أن أمام الصين والدولالعربية مهمة مشتركة لتحويل نمط التنمية الاقتصادية، فلأسباب تاريخية لمتكلل عملية التصنيع في الدول العربية بنجاح، فيغلب على الاقتصاد العربيعموماً الطابع الريعي غير المنتج، مما جعله عرضة لتذبذبات السوق وأدى إلىعواقب اقتصادية واجتماعية وخيمة، بينما تملك الصين طاقة إنتاجية هائلة،ووفرة مالية كبيرة، يمكن أن تسهم الصين في عملية التصنيع وتنويع قاعدةالإنتاج في الدول العربية، إذ تتمتع عدد من الدول العربية بمقومات صناعيةكثيرة مثل وفرة العمالة والأراضي والسوق، فضلاً عن الموقع الجغرافي المميز. ومن خلال نقل المنشآت الصناعية من الصين إلى الدول العربية، يمكن أن تسهمالصيني في تسريع وتيرة التصنيع في الدول العربية، وخلق مناصب شغل للشباب،وتنمية القطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. والجدير بالذكر في هذاالصدد أن الصين لن تنقل مصانعها المتخلفة والملوثة إلى الدول العربية. التعاون المالي والاستثمارييتطلب البناء المشترك للحزام والطريق إلى استحداث آليات تمويل واستثمارجديدة بما يسد حاجات إنشاء المشاريع العملاقة والتنمية الصناعية في الدولالعربية. وفي السنوات الأخيرة، أنشأت الصين آليات تمويل تتفق ومقتضياتمبادرة الحزام والطريق. ويمكن أن يتم التعاون المالي من طرق ثلاثة رئيسة. أولاً: الاستفادة من آليات التمويل الجديدة على سبيل المثال، البنك الآسيويللاستثمار في البنية التحتية الذي تم تدشينه أخيراً، الذي يهدف إلى تمويلمشاريع البنية التحتية في البلدان النامية. وصندوق طريق الحرير، الذي يسعىإلى تمويل مشاريع الدول المطلة على الحزام والطريق، وبنك بريكس للتنميةالذي يوفر قروضاً تنموية لمشاريع في الدول النامية. وستوفر هذه المؤسساتالمالية الجديدة قدراً كبيراً من القروض للعالم النامي بما فيها الدولالعربية لتمكينها من تحسين البنى التحتية وخلق مناخ الاستثمار المواتي. ثانياً: آليات التمويل القائمة التي تسعى إلى تقديم المعونات والقروضالميسرة للمشاريع التنموية الرامية إلى تخفيف الفقر ورفع المستوى المعيشيللمواطن العربي. وثالثاً: الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يعتبر أكثر حيويةوديناميكية ويسهم في التنمية الاقتصادية بشكل مباشر. وتشجع الصين دائماًشركات القطاعين العام والخاص لإنشاء مشاريع صناعية في الدول العربية. مع أنحجم الاستثمار المتبادل بين الصين والدول العربية لا يزال ضئيلاً. هناك آفاق رحبة لتنامي الاستثمار المباشر على خلفية العولمة الاقتصاديةوإعادة توزيع عوامل إنتاج على مستوى العالم، إضافة إلى رغبة الشركاتالصينية والعربية في البحث عن كلفة إنتاج أقل ومنافذ سوق أكثر. تنوي الصين باعتبارها دولة تدعو دائماً إلى السلام والعدالة ولم تكن يوماًقوة غازية، تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول العربية على أسس متكافئة،لأنها تعتبر الدول العربية أخاً وصديقاً وشريكاً. ودل التاريخ أن الصينتختلف عن قوى الاستعمار والإمبريالية التي لا ترى العالم العربي إلا مكاناًلنهب الثروة وتحقيق المطامع. كما أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطابهالتاريخي في جامعة الدول العربية أن الصين لن تسعى إلى بسط النفوذ والبحثعن الوكلاء في الشرق الأوسط. وستسهم المبادرات الصينية التي تهدف إلى خيرشعوب المنطقة في تهدئة الوضع واستتباب الأمن والاستقرار من خلال التنميةالاقتصادية وتحسين معيشة الشعب بما يتماشى مع أجندة التنمية ما بعد 2015وتطلعات الشعب العربي إلى حياة أفضل، إذ دلت التجربة الصينية أن التنمية مندون غيرها مفتاح لانتشال جذور النزاعات بكل صورها وأشكالها.
الحياة