المؤلف :حكمات العبد الرحمن
يتألف الكتاب (328 صفحة، موثقًا ومفهرسًا) من سبعة فصول وخاتمة. يناقش حكمات العبد الرحمن في الفصل الأول، المعنون “دور الصين ومكانتها المستقبلية في النظام العالمي والعلاقات الدولية”، مكانة الصين ودورها في مستقبل نظام العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة والفرضيات المختلفة، وأهمها الفرضية التي تناولت صعود الصين ونموها وإمكان أن تصبح قوة عالمية مهيمنة، والفرضية التي تتعلق بدراسات حديثة تناولت بداية تراجع الصين والآثار التي يمكن أن تترتب على تراجع النمو الصيني على المستويين المحلي الصيني والدولي.
يقول المؤلف إن ثمة خلافًا بين النظريات السياسية وعلماء العلاقات الدولية حول هذا الدور. فدراسات كثيرة تشير إلى أن الصين مؤهلة وبقوة كي تكون اللاعب الدولي رقم واحد في العالم، “فمع انتقال ميزان القوى العالمية من أميركا إلى آسيا، وظهور الصين أكبر مركز صناعي في العالم، وثاني أكبر اقتصاد من حيث الإنتاج، بدأ التحول بقوة في جغرافية تموضع القوى العالمية، والتبشير بالعودة إلى فترة التعددية القطبية، لكن مع اختلاف الأقطاب، أو أحدها في الأقل. على الرغم من الإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها الصين، فإن هناك من يخالف النظرية السابقة ويقول عكسها”. فالصين بحسب البعض غير مؤهلة لأداء هذا الدور العالمي، فهي تعاني مشكلاتٍ داخليةً كالفساد وارتفاع معدلات البطالة والاختلاف الواضح في مستوى التطور الاقتصادي بين مناطق الداخل ومناطق الساحل الصيني، إلى جانب نزعات ودعوات انفصالية في كثير من المناطق الصينية.
بين الصين والشرق الأوسط
في الفصل الثاني، “العلاقات الصينية – الشرق الأوسطية”، يتناول المؤلف موضوع العلاقات العربية -الصينية منذ عام 1949، وهو العام الذي شهد إعلان سقوط النظام الجمهوري في الصين، والذي ساد منذ عام 1919 وقيام الصين الشعبية، حيث شهدت سياسة الصين ومواقفها محطات وتطورات كثيرة.
يحاول العبد الرحمن تقديم عرض مختصر ووافٍ لموضوع العلاقات العربية – الصينية بتقسيم تاريخ تلك العلاقات إلى مراحل عدّة: المرحلة الأولى هي مرحلة خمسينيات القرن العشرين وستينياته، تلت قيام الصين الشعبية مباشرة، وهي أيضًا المرحلة التي شهدت انتقال الصين من مرحلة الانفتاح إلى مرحلة العزلة الدبلوماسية. والمرحلة الثانية هي مرحلة عودة الصين التدرجية إلى منطقة الشرق الأوسط. أما المرحلة الثالثة خلال ثمانينيات القرن العشرين، فحرصت الصين فيها على إظهار رغبتها في تبني مواقف أكثر وضوحًا واستقلالية في ما يتعلق بقضايا منطقة الشرق الأوسط. وفي المرحلة الرابعة، عملت الصين على توطيد وجودها وتعزيز تأثيرها في المنطقة العربية من خلال كونها موردًا أساسيًّا للسلاح للدول التي تعاني حظرًا من الدول الغربية على السلاح، وإظهار صداقاتها لبعض الدول العربية. وفي المرحلة الخامسة والأخيرة من العلاقات العربية – الصينية في بداية القرن الحادي والعشرين، اعتمدت الصين في علاقاتها بالشرق الأوسط على الحضورَين السياسي والدبلوماسي، لكن من دون أن يكون لها دور الوسيط في حلّ المشكلات، مع عدم إغفال أهميتها بوصفها شريكًا مهمًا اقتصاديًا وسياسيًا لمنطقة الشرق الأوسط.
الدور العربي في استراتيجية الصين
يتناول المؤلف في الفصل الثالث، “دور المنطقة العربية في تحديد الاستراتيجية الصينية تجاه الشرق الأوسط”، الاستراتيجية التي تعتمدها الصين والأدوات التي تستخدمها دبلوماسيتها لتحقيق أهدافها في منطقة الشرق الأوسط. ويتساءل عن مدى وجود استراتيجية حقيقية وواضحة لبكين تجاه دول المنطقة. وبحسب المؤلف، “يمكن القول إن الصين لا تمتلك استراتيجية متكاملة، لكن لديها أولويات استراتيجية متعددة في الشرق الأوسط، تتناسب مع مصالحها وعلاقاتها بدوله والقوى الفاعلة فيه على حد سواء؛ كمواصلة التنمية الاقتصادية، ولا سيما ضمان استمرار الطاقة، في سعيها إلى الحفاظ على التوازن الاستراتيجي العالمي للطاقة وتحقيق أمنها الطاقوي، وتحديث جيشها، في الوقت الذي تركِّز على استثمار جوانب ضعف النفوذ الأميركي نتيجة الحرب في العراق وأفغانستان، والفشل في إيجاد تسوية للصراع العربي – الإسرائيلي، والموقف الشعبي المعادي للولايات المتحدة في أغلبية مناطق الوطن العربي، للحد من النفوذ الأميركي وتوسيع النفوذ الصيني فيه”.
حزام وطريق بين العرب والصين
في الفصل الرابع، “مبادرة الحزام والطريق وتأثيرها في العلاقات العربية – الصينية”، يتناول المؤلف مبادرة الحزام والطريق وتأثيرها في العلاقات العربية – الصينية، وأهميتها بالنسبة إلى جميع الدول عمومًا، والدول العربية خصوصًا. ويرى أن مبادرة الحزام والطريق شهدت تجاوبًا محدودًا من الدول العربية يمكن تفسيره بالنظر في أمرين: الأول هو ضبابية صورة المشروع وغموض أهدافه، والثاني الخوف من تأثيره في أهم الممرات العالمية التي تقع ضمن الدول العربية، ولا سيما قناة السويس، ما ينعكس بدوره سلبيًا على الاقتصاد المصري، “فالتأثيرات ستكون في البداية محدودة ولا تمثل خطرًا حقيقيًّا وواضحًا في الأمد القريب. إلا أن هذا التهديد سيكون أكبر وأكثر تأثيرًا في حال طُوِّرت البنى التحتية اللازمة للطريق، وحصل التغلب على المشكلات السياسية التي تعانيها المنطقة التي يمر بها طريق الحرير الجديد، حيث إن الطريق يوفر كثيرًا في الوقود والزمن. هذا التجاوب الحذر من الدول العربية سبّب خيبة أمل عند الصينيين الذين اعتبروا أن التجاوب العربي مع المبادرة جاء متواضعًا جدًّا ولم يرقَ إلى مستوى توقعاتهم”.
عوامل مؤثرة
يعالج العبد الرحمن في الفصل الخامس، “العوامل المؤثرة في موقف الصين من قضايا المنطقة العربية”، العوامل المؤثرة في مواقف الصين تجاه القضايا العربية: العامل الأول المؤثر في تلك المواقف يتمثل في عامل أمن الطاقة وارتباط هذا الأمن بالمنطقة؛ والعامل الثاني يتمثل في التجارة والاستثمار، حيث تطورت التجارة وتضاعفت مشروعات الاستثمار بشكل كبير يتناسب طردًا مع ازدياد الحاجة الصينية إلى المنطقة وحاجة المنطقة إلى الاستثمارات الصينية وتجارتها؛ والعامل الثالث هو دور العامل الأميركي في سياسة الصين الشرق الأوسطية وتأثيره الفعلي في المواقف الصينية من أهم القضايا التي شهدتها المنطقة العربية؛ والعامل الرابع هو تأثير العوامل الداخلية في الصين والمنطقة في تلك المواقف؛ والعامل الخامس هو هوس الصين وطموحها إلى تحقيق الهيمنة في المنطقة، انطلاقًا من إرث تاريخي يعود إلى العهد الإمبراطوري، وطموح حاضر في نموها الاقتصادي المذهل؛ والعامل السادس والأخير هو عامل العلاقات المتداخلة والمعقدة بين الصين والقوى الفاعلة الأساسية الثلاث في المنطقة؛ أي المملكة العربية السعودية وإيران وإسرائيل، ومدى تأثير هذه العلاقات في توجّهات الصين وسياستها تجاه المنطقة العربية وقضاياها المهمة.
موقف الصين من قضايا العرب
في الفصل السادس، “موقف الصين من قضايا المنطقة العربية”، يتناول المؤلف موقف الصين من أهم القضايا التي شهدتها المنطقة العربية: مسألة الصراع العربي – الإسرائيلي، وحربَا الخليج الثانية والثالثة، وقضية أمن الخليج العربي إضافة إلى عرض تاريخي للعلاقات الصينية – الأفريقية، ولا سيما مع السودان، إضافة إلى دراسة موقف الصين من أزمة دارفور وانفصال جنوب السودان، وتحليله.
يرى المؤلف أن تحركات الصين في الشرق الأوسط كانت في الأغلب تحت ضغط ظروفٍ إقليمية ودولية، فالتاريخ لم يذكر أن الصين بادرت إلى طرح مبادراتٍ محددة أو اتخاذ مواقفَ واضحة؛ “ذلك أنها تتصرّف في الأغلب وفق خطواتٍ حذرة وقلقة وغير واضحة، وغالبًا ما كانت تلجأ إلى اللاموقف من خلال اللجوء إلى دعوة الأطراف إلى الحوار والتفاوض لحلّ الأزمات من غير تقديم أي مبادرة أو حلّ”.
إن الرؤية الصينية هذه نابعةٌ، بحسب المؤلف، من الخصوصية التي تتميز بها منطقة الشرق الأوسط التي تعجُّ بالتناقضات الدينية والعرقية، وهي في الوقت عينه مركز يزدحم بالصراع والتنافس الدوليين، “فالخوض في تفاصيل حوادثه أو المشاركة في قضاياه ينطوي على الكثير من المخاطر والتحديات التي لا تريد الصين أن تخوض فيها؛ لأنّها تدرك أن قبول تحدي الولوج الفاعل والمؤثر في الشرق الأوسط يحتاج إلى سلةٍ متكاملة من الأدوات والوسائل السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والثقافية والإعلامية التي لم تمتلكها الصين جميعها بعد، وإن امتلكت بعضًا منها فهي غير كافية، وما زالت غير قادرة على استخدامها بمهارة كافية”.
مستقبل الصين في بلاد العرب
أما الفصل السابع والأخير، “مستقبل الدور الصيني في المنطقة العربية”، فيركّز فيه العبد الرحمن على معالجة القضايا والمصالح التي تأمل الدول العربية وتتوقع من الصين دعمها ومساندتها فيها، وعلى معرفة الحد الذي يمكن بكين أن تصل إليه في دعمها القضايا العربية في المحافل العالمية. ويتطرق أيضًا إلى أهم المصالح الصينية التي يمكن الجانب العربي أن يدعمها ويساهم في تحقيقها. ويسأل المؤلف: ماذا تريد الصين من الدول العربية؟ وماذا تريد الدول العربية منها؟ وما الموقف الذي تنتظره الدول العربية من الصين الشعبية؟ وإلى أي حد يمكن هذا الموقف أن يدعم القضايا العربية في المحافل الدولية؟ يرى الباحث أن أهمية التساؤل تأتي من طبيعة النظام العالمي بعد الحرب الباردة وتبدل الأولويات بالنسبة إلى الدول، ومن الأوضاع الداخلية لكل دولة؛ فالصين بدأت تبحث عن مصادر للطاقة وأسواق جديدة تُغنيها عن دول الطاقة التقليدية، حيث تظهر أفريقيا على قائمة أولويات الصين على مستوى المصالح ومصادر الطاقة وأسواق الاستهلاك. فمستقبل العلاقات بين الطرفين خرج من صندوق التاريخ وتبعاته، وأصبح رهن تلك الأولويات وأسيرًا للمصالح العليا للدول، “أما التساؤل الآخر وليس الأخير فهو عن حقيقة اتباع الصين في علاقاتها العربية سياسات استعمارية قديمة لكن بثوب جديد وأساليب حديثة؛ ثوب القوة الناعمة وأساليب الإغراءات الاقتصادية والاستثمارية